شهدت العلاقات بين وتركيا والولايات المتحدة توترا ملحوظا في السنوات الأخيرة، بسبب اختلاف وجهات الظر بخصوص بعض القضايا والملفات المهمة، حيث تحاول كل منهما استخدام أوراق الضغط التي تمتلكهما للتأثير على قرارات الآخر. وانتهجت تركيا في عدة مواقف مؤخرا بحسب بعض المصادر، مبدأ المعاملة بالمثل ردا على قرارات أمريكية اعتبرتها أنقرة انتهاكا لسيادتها، وتوترت العلاقات بين البلدين الشريكين في حلف شمال الأطلسي خلال العام الأخير فيما ثار غضب تركيا مما ترى أنه امتناع أمريكي عن تسليم رجل الدين فتح الله كولن الذي تتهمه أنقرة بتدبير محاولة الانقلاب في يوليو تموز 2016. وزاد استياء تركيا بسبب الدعم العسكري الأمريكي لمقاتلي وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا والتي تعتبرها أنقرة امتدادا لحزب العمال الكردستاني الذين يشن تمردا في جنوب شرق تركيا منذ ثلاثة عقود. وفي الآونة الأخيرة لعبت تركيا دورا رئيسيا في المصادقة على قرار بالأمم المتحدة يندد بقرار الولايات المتحدة الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.
ولم تقم الولايات المتحدة بالتجاوب مع طلب تركيا بتسليم فتح الله غولن المتهم بتدبير محاولة الانقلاب الأخيرة في تركيا وكان هناك بطء كبير في التعامل مع هذا الملف من قبل وزارتي الخارجية والعدل الأميركيتين، وقد أرسلت تركيا إلى الولايات المتحدة مذكرات تطالب بتسليم فتح الله غولن فضلًا عن طلب اعتقال مؤقت وذلك عدا المعلومات التي قدمتها الخارجية التركية والتي تثبت تورط غولن في الانقلاب. وبالإضافة لهذا، يعتقد الأتراك أن أجهزة الاستخبارات الأميركية لا تزال تتعامل مع أعضاء جماعة غولن وتستخدمهم في دول أخرى كما يتم استخدام المعلومات والوثائق التي يقدمها أعضاء هذه الجماعة في القضاء الأميركي من أجل الضغط على تركيا.
ولم تتوقف الأمور عند استمرار الخلافات التي كانت موجودة في عهد أوباما مثل الخلاف حول تسليح القوى الكردية في سوريا وحول تنظيم غولن بل توسعت هذه الخلافات وظهرت لها إفرازات وتفرعات مثل الأزمة التي تلت توجيه المحكمة الأميركية تهمًا بحق 15 حارسًا من حراس أردوغان بالاعتداء على المشاركين في تظاهرة الاحتجاج أمام السفارة التركية في أغسطس/آب 2017، وأزمة التأشيرات، وأزمة رضا صراف بالإضافة إلى الاختلاف حول مشاكل جديدة أنتجتها إدارة ترامب أو كان لها دور فيها مثل أزمة نقل السفارة الأميركية إلى القدس وأزمة قطر وأزمة استفتاء إقليم شمال العراق.
ويرى الباحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية علي باكير، أن "الخلافات بين تركيا وأمريكا متراكمة منذ بضع سنوات وليست وليدة هذه المرحلة"، مؤكدا أن القناعة التركية في المرحلة الحالية أن الولايات المتحدة لا تعمل معها كحليف، وهو ما أضر بمصالحها وخاصة في بعض ملفات المنطقة. وأشار باكير أن التخلي الأمريكي عن تركيا دفعها لتحسين العلاقة مع روسيا وإيران للحفاظ على مصالحها الاستراتيجية وعدم المساس بأمنها القومي، مشددا على أن "أمريكا تحاول اللعب بجميع الأوراق التي تمتلكها في إطار سياستها للضغط على تركيا". وذكر أنه "لا يوجد توجه أمريكي جديد لضرب العلاقات مع تركيا وقطعها بشكل نهائي"، مستبعدا في الوقت ذاته تحسن العلاقات بين البلدين في الفترة القريبة.
اول محادثات
وفي هذا الشأن قال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إن محادثاته مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كانت أول مرة منذ فترة طويلة يكون فيها البلدان على ”نفس الموجة“ وإنهما سيتحدثان ثانية. وقال أردوغان في كلمة لنواب حزب العدالة والتنمية الحاكم في البرلمان ”المكالمة الهاتفية ألتي أجريناها مع ترامب كانت الأولى منذ فترة طويلة التي يكون فيها البلدان على نفس الموجة“.
وأضاف أن المناقشات ستستمر بشأن وحدات الشعب الكردية السورية والتعاون في مجال الصناعات الدفاعية والخلاف بشأن شبكة رجل الدين فتح الله كولن المقيم بالولايات المتحدة والذي تتهمه تركيا بتدبير محاولة انقلاب العام الماضي. ووفقا لوزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو أبلغ ترامب إردوغان إنه أصدر تعليمات بعدم تزويد وحدات حماية الشعب بالأسلحة.
لكن وزارة الدفاع (البنتاجون) قالت إنها بصدد مراجعة ”تعديلات“ تتعلق بالأسلحة للقوات الكردية السورية ولكن لم تذهب لحد التصريح بوقف نقل الأسلحة مشيرة إلى أن مثل هذه القرارات ستستند إلى متطلبات ساحة القتال. وقال إردوغان للصحفيين في البرلمان بعد إلقاء كلمته إنه سيجري بحث بيان البنتاجون أثناء اجتماع لمجلس الأمن القومي التركي في وقت لاحق. وقال أيضا إن ترامب أشار إلى أن مكالمة هاتفية ثانية ستجري. بحسب رويترز.
وتقود وحدات حماية الشعب قوات سوريا الديمقراطية وهي تحالف يضم مقاتلين أكرادا وعربا يقاتلون تنظيم الدولة الإسلامية بمساعدة تحالف تقوده الولايات المتحدة. وتعتبر تركيا وحدات حماية الشعب امتدادا لحزب العمال الكردستاني المحظور الذي يقاتل منذ عقود في تركيا وتصنفه أنقرة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تنظيما إرهابيا.
ازمة التأشيرات
الى جانب ذلك طوت الولايات المتحدة وتركيا صفحة ازمة التأشيرات التي اندلعت قبل ثلاثة اشهر اثر اعتقال احد موظفي البعثة الاميركية في انقرة، غير ان العلاقات بين الدولتين الحليفتين لا تزال متوترة. واعلنت وزارة الخارجية الاميركية والسفارة الاميركية في انقرة الاستئناف الكامل لمنح التأشيرات في تركيا. وفي اعقاب ذلك، اعلنت السلطات التركية اتخاذها خطوة مماثلة في ما يتعلق بالتأشيرات الممنوحة للاميركيين وذلك "وفقا لمبدأ المعاملة بالمثل".
وقال مسؤول في الخارجية الاميركية ان رفع القيود التي تم فرضها في الثامن من تشرين الاول/اكتوبر وتم تخفيفها جزئيا في تشرين الثاني/نوفمبر، سيدخل حيز التنفيذ "فورا". وبدأت ازمة التأشيرات بعد توجيه اتهام بـ"التجسس" مطلع تشرين الاول/اكتوبر لموظف تركي يعمل في القنصلية الاميركية في اسطنبول. ويشتبه القضاء التركي في ان الموظف ميتين توبوز على ارتباط بالداعية فتح الله غولن الموجود في الولايات المتحدة والذي تحمله السلطات التركية مسؤولية الانقلاب الفاشل في 15 تموز/يوليو 2016.
كما نددت واشنطن وقتذاك باعتقال موظف تركي ثان يعمل في بعثاتها الدبلوماسية وباستدعاء القضاء التركي لموظف ثالث. واوضحت وزارة الخارجية الاميركية انذاك ان اصدار التأشيرات لن يُستأنف بالكامل الا بعد ان تفرج تركيا عن هؤلاء الثلاثة او تقدم "ادلة" تدعم اتهاماتها لهم. وقد اقرت واشنطن بانه لم تتم تسوية اوضاع الموظفين الثلاثة. وقالت الخارجية الاميركية في بيان "ما زلنا نشعر بقلق بالغ ازاء الاتهامات الموجهة ضد الموظفين المحليين في بعثاتنا في تركيا الذين تم اعتقالهم" ونواصل "البحث عن حل مُرض" لاوضاعهم، متحدثة ايضا عن اوضاع المواطنين الاميركيين الذين تم القبض عليهم عند فرض حال الطوارئ في تركيا بعد محاولة الانقلاب.
وقالت السفارة الاميركية في تركيا ان السلطات التركية ستُبلغ الولايات المتحدة "بشكل مسبق" ما اذا كانت تنوي في المستقبل توقيف موظفين قنصليين محليين. لكن في مؤشر الى عدم وجود تناغم بين الدولتين، ردت السفارة التركية على ذلك بالقول ان "تركيا دولة قانون" و"لم يتم تقديم مثل هذه الضمانات في ما يتعلق بقضايا لا يزال على المحاكم البت بها". واضافت "لا نجد ان من الصواب تضليل الاتراك والاميركيين من خلال القول انه تم تقديم ضمانات كهذه".
ولتبرير التحوّل في موقف الولايات المتحدة على الرغم من ان قضية الموظفين المعتقلين في تركيا لم يتم حلها حتى الان، اكد مسؤول في وزارة الخارجية الاميركية ان "تركيا حليف منذ وقت طويل في حلف شمال الاطلسي وشريك حاسم في مجال الدفاع ". واضاف "نحن نعمل معا بشكل وثيق لمواجهة التحديات المهمة والمشتركة". والعلاقات بين أنقرة وواشنطن متوترة بسبب مواضيع خلافية عدة منذ محاولة الانقلاب، من بينها عدم استجابة واشنطن لطلب الرئيس التركي رجب طيب اردوغان تسليم الداعية فتح الله غولن.
وقد اثار توقيف رجل الاعمال التركي الايراني رضا ضراب والاداري في مصرف "هالكبنك" (بنك الشعب) محمد هاكان اتيلا في الولايات المتحدة للاشتباه في انتهاكهما العقوبات المفروضة على ايران، ايضا غضب اردوغان في الاونة الاخيرة. كما ندد اردوغان بشدة باعتراف نظيره الاميركي دونالد ترامب بالقدس عاصمة لاسرائيل. وعلى الرغم من أن البلدين شريكان في الحرب ضد جهاديي تنظيم الدولة الإسلامية، فإن تركيا تتهم الولايات المتحدة بدعم المقاتلين الأكراد السوريين في "وحدات حماية الشعب" والذين تعتبرهم انقرة "ارهابيين". بحسب فرانس برس.
وترعى تركيا مع روسيا وايران محادثات لحل النزاع السوري وهو ما اثار استياء واشنطن. وفي خطاب القاه نهاية تشرين الثاني/نوفمبر دعا وزير الخارجية الاميركي ريكس تيلرسون تركيا الى "اعطاء الاولوية لحلفائها في حلف شمال الاطلسي". وقال تيلرسون ان "ايران وروسيا لا يمكنهما ان تُقدّما لتركيا المنافع الاقتصادية والسياسية بالطريقة التي تتيحها لها عضويتها في دول المجتمع الغربي".
في السياق ذاته قالت صحيفة وول ستريت جورنال إن محكمة تركية أصدرت حكما على إحدى صحفياتها بالسجن عامين وشهرا غيابيا بتهم نشر دعاية لصالح مسلحين أكراد. وحكم على أيلا البيرق، وهي مراسلة للصحيفة تحمل الجنسيتين التركية والفنلندية، بالسجن بسبب قصة نشرت عام 2015 عن الاشتباكات المستمرة بين قوات الأمن التركية ومسلحين من حزب العمال الكردستاني المحظور في جنوب شرق تركيا.
ونسبت الصحيفة إلى رئيس التحرير جيرارد بيكر قوله ”هذا اتهام جنائي لا أساس له وإدانة غير متناسبة استهدفت بشكل خاطئ تقريرا متزنا من وول ستريت جورنال“. وذكرت الصحيفة أن البيرق التي تعمل حاليا في الولايات المتحدة ستطعن على حكم الإدانة. ويتزامن قرار المحكمة مع خلاف متصاعد بين تركيا والولايات المتحدة.
احتجاز كولن
على صعيد متصل نفت تركيا ما وصفته بالتقارير ”الهزلية“ عن مناقشة مسؤولين أتراك لخطة لاحتجاز رجل دين تركي مقيم في الولايات المتحدة ومطلوب لديهم وتسليمه لأنقرة مقابل دفع ملايين الدولارات. وكررت السفارة التركية في واشنطن في بيان طلب أنقرة تسليم فتح الله كولن الذي تقول إنه دبر محاولة انقلاب عسكري العام الماضي لكنها قالت إن تركيا لن تعمل خارج إطار القانون لتحقيق هذا الهدف.
وجاء البيان في أعقاب تقرير نشرته صحيفة وول ستريت جورنال عن أن المحقق الخاص روبرت مولر ينظر في ادعاء عن اقتراح يتلقى بموجبه مستشار الأمن القومي الأمريكي مايكل فلين ونجله ما يصل إلى 15 مليون دولار مقابل اعتقال كولن وتسليمه للحكومة التركية. كما أوردت محطة (إن.بي.سي) خبرا عن اجتماع يزعم عقده في ديسمبر كانون الأول 2016 وقالت إن فريق مولر يحقق فيما إذا كان فلين قد التقى مسؤولين أتراك كبار قبل تولي الرئيس دونالد ترامب منصبه وناقش معهم تبادل خدمات يتلقى فيها مبالغ مالية مقابل تنفيذ أوامر الحكومة التركية وهو في منصب.
وقالت السفارة التركية في بيان في أول تعليق رسمي على التقارير ”تتوقع تركيا والشعب التركي التسليم الفوري لفتح الله كولن من الولايات المتحدة إلى تركيا ليمثل أمام المحكمة“. وأضاف البيان ”وكما قلنا من قبل... كل المزاعم التي تقول إن تركيا قد تلجأ لوسائل خارج حكم القانون لتسلمه خاطئة تماما وهزلية ولا أساس لها“. وقال محامي فلين إن المزاعم بحق موكله ”التي تتراوح بين الخطف والرشوة“ صادمة وكاذبة.
وقتل نحو 250 شخصا في محاولة الانقلاب العسكري ضد الرئيس رجب طيب إردوغان في يوليو تموز من العام الماضي. وتقول تركيا إن كولن دبر الانقلاب الفاشل من الولايات المتحدة التي يعيش فيها مند نحو عقدين. وقال رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم إنه أثار قضية كولن مع نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس خلال محادثات في واشنطن لكنه قال إن طلب التسليم من شأن وزارتي العدل في البلدين. وقال يلدريم خلال مقابلة مع محطة (سي.إن.إن) ”لا نتعامل مع مايكل فلين... نتعامل مع حكومة الولايات المتحدة“.
ويشكل مصير كولن أحد نقاط الخلاف العديدة بين تركيا والولايات المتحدة. وأغضب الدعم الأمريكي لمقاتلين أكراد في سوريا تركيا وكذلك توجيه اتهامات لوزير اقتصاد تركي سابق بشأن ما قيل إنه انتهاكات للعقوبات الأمريكية على إيران. كما اعترضت واشنطن على اعتقال اثنين من موظفيها المحليين في قنصليتها في تركيا وعلقت قبل شهر إصدار التأشيرات هناك لكنها استأنفتها الأسبوع الماضي بشكل جزئي مما دفع أنقرة لحذو حذوها. بحسب رويترز.
واعتقلت السلطات التركية أكثر من 50 ألف شخص من بينهم جنود ومدرسون وصحفيون في انتظار محاكمتهم في إطار حملة أمنية واسعة شنتها بعد محاولة انقلاب العام الماضي. ويخشى حلفاء أوروبيون من أن إردوغان يستغل التحقيقات في الانقلاب لقمع المعارضة وتقويض النظام القضائي. ورد الرئيس التركي بالقول إن حملة التطهير ضرورية للحفاظ على الاستقرار في بلاده العضو في حلف شمال الأطلسي والتي تجاور إيران والعراق وسوريا.
اضف تعليق