الحديث عن تغيير النظام أسهل من تنفيذه. فهو يحدث عادة عندما تكون المعارضة الداخلية قوية ومنظمة، أو يكون النظام متهاو، أو تكون قوة خارجية راغبة في ــ وقادرة على ــ الإطاحة بالقيادة، واحتلال البلاد، وتنصيب خليفة. ولا يتوفر أي من هذه الشروط في إيران. كل هذا يعني أنه...
بقلم: ريتشارد هاس

نيويورك ــ نحن الآن نَـمُـر بالمرحلة الثالثة من الأزمة الحالية في الشرق الأوسط. في المرحلتين السابقتين، كانت المبادرة بيد إسرائيل ثم الولايات المتحدة. والآن انتقلت إلى إيران.

باختصار: في المرحلة الأولى، هاجمت إسرائيل، التي ساورها القلق إزاء اقتراب إيران كثيرا من إنتاج أسلحة نووية، مواقع عسكرية ومنشآت نووية وشخصيات قيادية إيرانية. لم تعد حكومة إسرائيل، التي كانت أكثر عزوفا عن المجازفة في أعقاب هجوم حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، مقيدة بالخوف من انتقام وكلاء إيران الذين نجحت في إضعاف قوتهم أو قدرة إيران على الدفاع عن نفسها، والتي أضعفتها إسرائيل أيضا.

بدأت المرحلة الثانية من الحرب من جانب الولايات المتحدة التي استهدفت ثلاث منشآت مركزية في البرنامج النووي الإيراني. فأسقطت قاذفات الشبح من طراز B-2 عددا من القنابل الضخمة "الخارقة للتحصينات" فوق مجمعات تخصيب اليورانيوم في فوردو ونطنز، بينما أطلقت الغواصات الأميركية صواريخ توماهوك كروز على المنشأة النووية في أصفهان.

من جانب كل من إسرائيل والولايات المتحدة، كانت هذه حربا اختيارية: إذ كانت خيارات أخرى متاحة أمامهما. علاوة على ذلك، كانت الهجمات وقائية وليست استباقية، بمعنى أن الاختراق النووي الإيراني كان تهديدا متناميا وليس وشيكا. والأقل وضوحا كانت الأسباب التي دفعت الولايات المتحدة إلى التحرك في ذلك التوقيت على وجه التحديد، ربما بخلاف أن الدبلوماسية بدت غير واعدة وكانت الفرصة سانحة لتنفيذ المهمة بأقل قدر من المخاطر التي قد تهدد القوات الأميركية. ولكن مع ذلك، كان صبر إسرائيل والولايات المتحدة نفد مع إيران التي كانت تخصب اليورانيوم إلى مستويات لا معنى لها إلا إذا كان هدفها تطوير أسلحة نووية وليس توليد الكهرباء.

ادّعى الرئيس الأميركي دونالد ترمب أن الهجمات التي أمر بها كانت نجاحا عسكريا مذهلا وأن المنشآت الإيرانية الثلاث "دُمرت بالكامل". لم يَـثـبُـت ذلك بعد. فعادة يستغرق تقييم الأضرار الناجمة عن القنابل في مثل هذه الظروف بعض الوقت، وهو فن بقدر ما هو علم.

الأمر الأكثر أهمية هو أن الهجوم ربما نجح في تدمير المنشآت الثلاث المختارة لكنه فشل في القضاء على جهود إيران لتطوير أسلحة نووية في عموم الأمر. الواقع أن هذه الحال تكاد تكون مؤكدة، خاصة وأن إيران حظيت بفرصة كبيرة لنقل اليورانيوم المخصب وأجهزة الطرد المركزي المتقدمة وغيرها من التكنولوجيا المرتبطة بالقنبلة إلى مواقع متعددة غير معروفة حتى الآن.

ما الذي يجب أن نتوقعه من إيران إذن؟ يكتب كثيرون عن خيارات إيران الانتقامية. فقد تشن إيران حربا سيبرانية (إلكترونية) ضد أهداف في الولايات المتحدة أو حول العالم. وربما تنفذ أعمالا إرهابية متنوعة ضد مدنيين أميركيين وشركات وسفارات أميركية. وقد تهاجم القوات الأميركية في الشرق الأوسط التي يقدر عددها بنحو أربعين ألف جندي أميركي، وكذا بنية الطاقة الأساسية في الدول العربية المجاورة. وبوسعها أن تتدخل بدرجة أكبر في عمليات الشحن في الممرات المائية المحلية، إما بشكل مباشر أو من خلال وكيل مثل الحوثيين في اليمن.

ولكن من غير الواضح ما إذا كانت إيران لـتُـقـدِم على أي من هذا الآن. أشار "هجوم" إيران الدرامي على القاعدة الأميركية في قطر إلى أنها تريد تجنب التصعيد وتعريض نفسها لمزيد من الهجمات التي تستهدف اقتصادها وقادتها العسكريين والسياسيين. ونتيجة لهذا، من المرجح أن تركز إيران على تدعيم النظام في الداخل، لضمان بقائه.

بمرور الوقت، من المتوقع أيضا أن تحاول إيران إعادة بناء برنامجها للأسلحة النووية، حيث سيفترض كثيرون هناك أن الهجمات الإسرائيلية والأميركية ما كانت لتحدث لو كانت إيران تمتلك رادعا نوويا. والدبلوماسية من غير المرجح أن تمنع إيران من النجاح في ذلك، وهذا يعني أن الهجمات الإسرائيلية أو الأميركية، مع أو بدون وقف إطلاق النار، قد تكون مطلوبة كلما وحيثما اكتُـشِف أن إيران تنفذ أعمالا مرتبطة بالأسلحة النووية.

سوف يقود هذا الواقع كثيرين إلى الزعم بأن لا شيء أقل من تغيير النظام قد يمنع ظهور إيران مسلحة نوويا في نهاية المطاف، وهو تطور من شأنه أن يشكل تهديدا لوجود إسرائيل ويدفع مزيدا من دول المنطقة إلى السعي إلى امتلاك أسلحة نووية. وليس من المستغرب أن نسمع بالفعل من جانب بعض المراقبين في إسرائيل والولايات المتحدة دعوات تطالب بتغيير النظام.

لكن الحديث عن تغيير النظام أسهل من تنفيذه. فهو يحدث عادة عندما تكون المعارضة الداخلية قوية ومنظمة، أو يكون النظام متهاو، أو تكون قوة خارجية راغبة في ــ وقادرة على ــ الإطاحة بالقيادة، واحتلال البلاد، وتنصيب خليفة. ولا يتوفر أي من هذه الشروط في إيران. كل هذا يعني أنه من الحكمة أن يبني الغرباء سياستهم تجاه إيران على افتراض أن الحكومة الحالية أو ما يشبهها إلى حد كبير ستظل في الحكم في المستقبل المنظور.

من البديهيات أن بدء حرب يتطلب التحرك من جانب طرف واحد فقط، لكن إنهاء الحرب يستلزم مشاركة جميع الأطراف. والمبادرة الآن، في أزمة الشرق الأوسط هذه، بيد إيران. فحكامها وحدهم بوسعهم أن يقرروا ما إذا كان الهجوم الأميركي هو بداية النهاية أو نهاية البداية. ليس من السهل أن نبالغ، مهما قلنا، في تقدير كم من الأمر يعتمد على إجابتهم.

* ريتشارد هاس، رئيس مجلس العلاقات الخارجية، مؤلف كتاب عالم في الفوضى: السياسة الخارجية الأمريكية وأزمة النظام القديم، وكتاب العالم: مقدمة موجزة، وكتاب "وثيقة الالتزامات: العادات العشر للمواطنين الصالحين

https://www.project-syndicate.org

اضف تعليق