يرى بعض الخبراء ان الوضع السياسي في لبنان كان ولا يزال يخضع للتقلبات والصراعات السياسية في المنطقة وخصوصا الصراع السعودي الايراني، الذي يؤثر بشكل كبير على سير الأمور في بيروت، ولعل استقالة الحريري وما تبعها من تطورات مهمة خير دليل على ذلك، فكلما زادت حدة التوتر بين السعودية وإيران ازدادت الازمات والمشكلات في هذا البلد، الامر الذي دفع بعض القادة الى اعتماد خطط واجراءات جديدة في سبيل تخفيف تلك الازمات والمشكلات التي قد تحول البلد الى ساحة حرب بالوكالة. وهو ما استبعده البعض الاخر الذي اكد ان المصالح الخاصة لبعض القوى والاطراف ستكون هي الأساس والمحرك لذا فمن المستحيل الوصول الى حلول ايجابية ترضي الجميع.
وفي هذا الشأن قرر لبنان إجراء أول انتخابات تشريعية منذ نحو عشرة أعوام يوم السادس من مايو أيار المقبل في تحول سياسي بهذا البلد الذي يمثل جبهة للصراع السياسي بين السعودية وإيران. ووقع وزير الداخلية اللبناني نهاد المشنوق على مشروع مرسوم لإجراء الانتخابات. ومدد البرلمان تفويضه ثلاث مرات منذ انتخاب نوابه الحاليين في 2009 فيما كان من المفترض أن تكون فترة ولاية من أربعة أعوام.
وتعددت أسباب تأجيل الانتخابات ومن بينها المخاوف الأمنية والأزمات السياسية والخلافات بشأن قانون الانتخابات. ووافقت الحكومة الائتلافية بزعامة رئيس الوزراء سعد الحريري على قانون الانتخابات الجديد في يونيو حزيران لكن تحديد الموعد تأجل لانشغال النواب في تفاصيل فنية وتسجيل اللبنانيين في الخارج. وبموجب قانون جديد تم استحداث نظام للتمثيل للنسبي في البرلمان مع تغيير عدد الدوائر الانتخابية.
وستكون الانتخابات أول تصويت يشارك فيه العدد الكبير من اللبنانيين المقيمين في الخارج. كان وزير الخارجية اللبناني قال في أواخر نوفمبر تشرين الثاني بعد إغلاق التسجيل إن أكثر من 92 ألف لبناني سجلوا أسماءهم للمشاركة في التصويت. وقال البيان أنه سيكون بوسع اللبنانيين في الخارج الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات يومي 22 و28 أبريل نيسان.
لبنان ودول الخليج
على صعيد متصل قال رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري إن دول الخليج العربية لا تعتزم اتخاذ أي إجراءات ضد لبنان بعد أزمة سياسية دفعت البلاد إلى صدارة المواجهة بين السعودية وإيران. والحريري حليف سياسي للمملكة العربية السعودية لكن حكومته الائتلافية تضم جماعة حزب الله الشيعية المتحالفة مع إيران. وأثارت الأزمة السياسية التي تفجرت عندما أعلن الحريري استقالته من السعودية، مخاوف من أن تتخذ الرياض وحلفاؤها في الخليج إجراءات اقتصادية ضد لبنان.
وقال الحريري في مقابلة بثت من الرياض قبل أن يعود للبنان ويتراجع عن استقالته، إن بلاده معرضة لعقوبات اقتصادية من دول الخليج. وقال الحريري في تصريحات له إن لدى بلاده علاقات جيدة مع المملكة العربية السعودية ومع دولة الإمارات العربية المتحدة ومعظم دول الخليج. وأضاف الحريري في إشارة لحزب الله أن الخليج يواجه مشكلة مع حزب سياسي واحد في لبنان وليس لديه مشكلة مع كل لبنان.
السعودية وسلاح حزب الله
من جانب اخر قال وزير الخارجية السعودي عادل الجبير إن جماعة حزب الله ”خطفت“ لبنان وإن هذا البلد لن يزدهر إلا بنزع سلاح الجماعة المدعومة من إيران. وتأسس الحزب في الثمانينيات وزادت نفوذها باطراد حيث تشارك في الحكومة اللبنانية وتقدم دعما مهما للرئيس السوري بشار الأسد. وأزعج تنامي قوته السعودية التي تتنافس مع إيران على النفوذ بالمنطقة. وقال الجبير ”لن يكون لبنان قادرا على البقاء أو الازدهار إلا إذا نزعتم سلاح حزب الله“.
وأضاف ”لن يكون هناك سلام في لبنان ما دامت هناك ميليشيا مسلحة“. وقال الوزير السعودي إن الوضع في لبنان ”مأساوي“ واتهم إيران بإثارة الاضطرابات في أرجاء الشرق الأوسط. وقال ”منذ العام 1979، يفعل الإيرانيون ما يحلو لهم في منطقتنا دون عقاب، ويجب أن يتوقف هذا“. وفي أماكن أخرى بالمنطقة غير لبنان، تخشى السعودية محاولة جماعة حزب الله وإيران السيطرة على جارها اليمن من خلال دعمهما لقوات الحوثي ضد التحالف العسكري الذي تقوده الرياض.
وينفي حزب الله القتال في اليمن أو إرسال أسلحة للحوثيين أو إطلاق صواريخ على السعودية من اليمن. ورفض الجبير ذلك وقال إن بلاده لن تتراجع في الصراع. وقال ”لا يمكن السماح للحوثيين بالاستيلاء على بلد“. وذكر الجبير أن السعودية على علاقة سيئة ببلدين اثنين فقط، هما إيران وكوريا الشمالية. وأضاف أن المملكة لا تقيم علاقات مع إسرائيل، التي تشارك السعودية مخاوفها بخصوص إيران، لأنها تنتظر اتفاق سلام مع الفلسطينيين. بحسب رويترز.
وقال إن الجميع يعلمون كيف يبدو الحل بالنسبة للصراع المستمر منذ عقود مضيفا أنه يترقب أن تطرح الولايات المتحدة مقترحا جديدا. وذكر الجبير أنه يتوقع أن يحدد الاتفاق النهائي حدود دولة فلسطينية على خطوط عام 1967 . غير أنه قال إن من الممكن القيام بتعديلات فيما يتعلق بالمستوطنين. وقال ”70 بالمئة من المستوطنين داخل الخط الأخضر (حدود 1967) يبقون في إسرائيل، أما بالنسبة للثلاثين بالمئة الباقين.. تعرضون عليهم تعويضات وتوفرون لهم سكنا ثم يكون بإمكانهم الانتقال إلى إسرائيل“.
ضغوط دولية
على صعيد متصل سعت قوى عالمية إلى تعزيز الاستقرار في لبنان من خلال الضغط على السعودية وإيران للكف عن التدخل في سياساته ومطالبة جماعة حزب الله كبح أنشطتها في المنطقة. وانزلق لبنان إلى أزمة في الرابع من نوفمبر تشرين الثاني عندما استقال رئيس الوزراء سعد الحريري من منصبه خلال وجوده في السعودية قائلا إنه يخشى الاغتيال وانتقد إيران وحليفها اللبناني حزب الله. وبعد ضغوط دولية ومفاوضات بين الفصائل السياسية اللبنانية عدل عن استقالته وأعادت حكومته الائتلافية، التي تضم حزب الله، التأكيد على سياسة الدولة المتمثلة في النأي بالنفس عن الصراعات في الدول العربية.
واجتمعت المجموعة الدولية لدعم لبنان، التي تشمل الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن وهي الولايات المتحدة وفرنسا وروسيا وبريطانيا والصين، في باريس في محاولة لدعم الحريري بغية منع حدوث تصعيد جديد. وقال وزير خارجية فرنسا جان إيف لو دريان في مؤتمر صحفي مع الحريري بعد الاجتماع ”النأي بالنفس ينطبق على الجميع.. في الداخل والخارج“. وأضاف ”شددنا على هذه المبادئ“. وأشار في وقت لاحق إلى إيران والسعودية على وجه التحديد.
ومن دون أن يذكر حزب الله دعا لو دريان كل الأطراف إلى عدم ”استيراد التوترات الإقليمية“ إلى لبنان. من جانبه حذر الحريري من أن أي انتهاك لسياسة النأي بالنفس سيجر لبنان مجددا إلى ”منطقة الخطر“. وأضاف أن سياسة النأي بالنفس تصب في المصلحة الشاملة للبنان. وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد افتتح الاجتماع في وقت سابق. ومارس ماكرون نفوذا سياسيا في الأزمة واستغل علاقات فرنسا الوثيقة مع لبنان والسعودية لتأمين اتفاق شهد سفر الحريري إلى باريس وفتح المجال لحل الأزمة.
وجاء في البيان الختامي للاجتماع ”تدعو (المجموعة) كل الأطراف اللبنانية للالتزام بسياسة النأي بالنفس وعدم التدخل في الصراعات الخارجية كأولوية قصوى“. ويُنظر على نطاق واسع إلى قلق السعوديين من النفوذ الذي تمارسه إيران وحزب الله في الدول العربية الأخرى على أنه السبب الرئيسي للأزمة التي أثارت مخاوف بشأن استقرار لبنان الاقتصادي والسياسي. وأعلن لبنان عام 2012 سياسة ”النأي بالنفس“ بغية البقاء بعيدا عن الصراعات الإقليمية مثل الحرب الأهلية في سوريا. وعلى الرغم من هذه السياسة يشارك حزب الله بقوة في هذه الحرب حيث أرسل آلاف المقاتلين لدعم الرئيس السوري بشار الأسد.
وقال دبلوماسي فرنسي كبير قبل الاجتماع ”اجتماع الجمعة ليس ضد السعودية أو إيران وإنما لدعم لبنان“. وفي خطوة تبرز الصعوبات التي تواجه التمسك بهذه السياسة ساند حزب الله دعوات لانتفاضة فلسطينية جديدة ردا على اعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل. بحسب رويترز.
وقال الحريري وهو يقف إلى جانب ماكرون في وقت سابق”استقرار لبنان ربما بدا كمعجزة صغيرة في ظل الصراعات العديدة التي تزعزع استقرار المنطقة، لكن أمكن الحفاظ عليه بفضل التضحية والحوار والحلول الوسط“. وأكد المشاركون في اجتماع التزامهم بتعزيز الجيش اللبناني من خلال مؤتمر ينعقد في روما وكذلك بدعم اجتماع تستضيفه بروكسل عام 2018 لبحث مساعدة لبنان في استضافة 1.4 مليون لاجئ. ومن المقرر أن يقام مؤتمر منفصل للمانحين في مارس آذار في باريس لتعزيز اقتصاد البلاد بهدف تحفيز الاستثمارات بمجرد إجراء الانتخابات التشريعية المتوقعة في مايو أيار.
اضف تعليق