تراجع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن وعد انتخابي اخر كان قد أطلقه خلال حملته الانتخابية، بخصوص انسحاب قوات الولايات المتحدة من أفغانستان، حيث فتح ترامب وكما نقلت بعض المصادر، الباب أمام زيادة عدد القوات الأمريكية بأفغانستان في إطار استراتيجية جديدة للمنطقة، مبديا اعتراضه على أي انسحاب سريع من أطول صدام عسكري عرفته واشنطن. وإستراتيجية الرئيس الجديدة في أفغانستان تقضي بإرسال مزيد من الجنود وممارسة ضغط متزايد على بعض الدول ومنها باكستان التي دعاها إلى الكف عن إيواء "إرهابيين"، وصرح ترامب خلال هذا الخطاب "حدسي كان الانسحاب، وفي العادة أنا أتبع حدسي".
لكن بعد درس للوضع الأفغاني من "الزوايا كافة"، أوضح الرئيس الأمريكي أنه توصل إلى خلاصة مفادها أن الانسحاب سيؤدي إلى "فراغ" يستفيد منه "الإرهابيون". وبالتالي ستواصل الولايات المتحدة مضاعفة جهودها، غير أن ترامب رفض كشف نواياه العسكرية. وقال "لن نتحدث عن عديد الجنود" لأن "أعداء أمريكا يجب ألا يعرفوا مشاريعنا أبدا".
هذه التصريحات الجديدة اثارت ايضا غضب حركة طالبان التي توعدت بأن تصبح أفغانستان "مقبرة" لجنود الولايات المتحدة، وقال المتحدث باسم طالبان ذبيح الله مجاهد في بيان "إذا لم تسحب الولايات المتحدة جنودها من أفغانستان، فإن أفغانستان ستصبح قريبا مقبرة أخرى لهذه القوة العظمى في القرن الواحد والعشرين".
كما حذر ترامب في خطابه الحكومة الأفغانية من أن الدعم الأمريكي الذي سيتواصل في مواجهة عناصر حركة طالبان على الأرض لن يكون "شيكا على بياض"، موضحا أن "أمريكا ستواصل العمل مع الحكومة الأفغانية طالما أننا نرى عزما وتقدما. لكن التزامنا ليس بلا حدود. الأمريكيون يريدون رؤية إصلاحات حقيقية ونتائج حقيقية".
ومارس ترامب في خطابه ضغطا على باكستان، معتبرا أنها "غالبا ما تشكل ملجأ لعناصر الفوضى والعنف والترهيب". وأكد أن باكستان "ستخسر كثيرا إذا واصلت إيواء مجرمين وإرهابيين" يزعزعون أمن أفغانستان المجاورة، مشددا على أن هذا الوضع يجب أن يتغير "فورا". وطلب ترامب من الهند أيضا زيادة جهودها لحل هذا النزاع، وكانت العمليات الأمريكية العسكرية ضد طالبان قد انتهت رسميا في 2014، ولكن لا يزال يوجد أكثر من 8000 جندي من القوات الأمريكية الخاصة في أفغانستان يواصلون مد القوات الأفغانية بالمساعدة. وكان ترامب قد أيد في السابق سحب القوات من الصراع، الذي بدأ في عهد الرئيس جورج بوش الابن في 2001 عقب هجمات 11 سبتمبر/أيلول. ويذكر أنه قتل زهاء 2400 جندي أمريكي في أفغانستان منذ العام 2001، فيما أصيب أكثر من عشرين ألفا آخرين بجروح.
صراع مفتوح
وفي هذا الشأن ألزم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الولايات المتحدة بصراع مفتوح في أفغانستان متراجعا عن تعهداته الانتخابية ومشيرا إلى أنه سيرسل قوات إلى أطول حرب تخوضها الولايات المتحدة وإلى أن قواته "ستقاتل لتنتصر". ولم يقدم ترامب تفاصيل تذكر في كلمة لكنه وعد بتصعيد الحملة العسكرية على مقاتلي حركة طالبان الذين حققوا مكاسب على حساب قوات الحكومة الأفغانية المدعومة من الولايات المتحدة. وخص باكستان بالذكر واتهمها بإيواء متشددين في ملاذات آمنة على أراضيها.
وقال في خطاب تلفزيوني أذيع وقت ذروة المشاهدة وألقاه في قاعدة عسكرية خارج واشنطن "لن نعمل مرة أخرى على بناء دولة. نحن نقتل الإرهابيين". وسارعت طالبان بإدانة قرار ترامب الإبقاء على قوات أمريكية في أفغانستان دون وضع جدول زمني لسحبها وتوعدت بمواصلة "الجهاد" حتى يذهب آخر جندي أمريكي.
وقال ذبيح الله مجاهد المتحدث باسم طالبان في بيان "إذا لم تسحب الولايات المتحدة كل قواتها من أفغانستان فسنجعل من هذا البلد مقبرة القرن الحادي والعشرين للإمبراطورية الأمريكية". وخاض ترامب انتخابات الرئاسة داعيا إلى انسحاب سريع للقوات الأمريكية من أفغانستان وأقر أنه يتصرف على عكس حدسه الأساسي بالموافقة على خطة الحملة الجديدة التي طلبها مستشاروه العسكريون.
وقال "عواقب الخروج السريع متوقعة وغير مقبولة... التسرع في الانسحاب سيخلق فراغا سيملئه على الفور إرهابيون منهم تنظيم داعش وتنظيم القاعدة". ولم يحدد ترامب جدولا زمنيا للعمليات العسكرية الأمريكية الموسعة في أفغانستان وكان الرئيس الجمهوري انتقد سابقيه لتحديدهم مواعيد نهائية للانسحاب من العراق وأفغانستان. وورث ترامب الآن التحديات نفسها التي واجهت جورج بوش الابن وباراك أوباما، بما في ذلك تمرد طالبان وحكومة كابول الضعيفة المنقسمة. وهو يضع حجر الأساس لتدخل أمريكي أكبر دون نهاية واضحة منظورة ودون أن يوضح معايير محددة للنجاح.
وقال مسؤولون أمريكيون إنه وقع على خطة وزير الدفاع جيمس ماتيس لإرسال نحو أربعة آلاف جندي يضافون إلى نحو 8400 جندي بالفعل في أفغانستان. وقال ماتيس إنه وجه قائد الأركان المشتركة إلى تنفيذ الاستراتيجية وقال إنه سيتشاور مع حلف شمال الأطلسي وحلفاء آخرين للولايات المتحدة تعهد كثيرون منهم بزيادة عدد قواتهم. وحذر ترامب من أن الدعم الأمريكي "ليس شيكا على بياض" وأكد أنه لن يشارك في "بناء دولة" وهو ما انتقد سابقيه على القيام به بتكلفة باهظة.
وأكد ترامب خلال كلمته كذلك على ضرورة أن تعمل أفغانستان وباكستان والهند وحلف شمال الأطلسي على زيادة الالتزام بإنهاء الصراع المستمر منذ 16 عاما. وقال "لا يمكن أن نسكت بعد الآن على ملاذات باكستان الآمنة. "باكستان لديها الكثير لتكسبه من الشراكة مع جهودنا في أفغانستان. ولديها الكثير لتخسره بمواصلتها إيواء الإرهابيين". وحذر كبار المسؤولين الأمريكيين من أنه قد يخفض المساعدات الأمنية لباكستان إذا لم تتعاون بشكل أكبر.
وقال متحدث عسكري باكستاني إن باكستان اتخذت إجراءات ضد جميع المتشددين الإسلاميين. وأضاف المتحدث الميجر جنرال آصف غفور "لا توجد ملاذات للإرهابيين في باكستان". وتنظر باكستان لأفغانستان باعتبارها تمثل أهمية استراتيجية حيوية. وأرسل أوباما قوات بحرية وجوية وبرية إلى باكستان لتقتل أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة ومدبر هجمات 11 سبتمبر أيلول 2001 التي أطلقت الحرب في أفغانستان.
ووسع ترامب سلطات الجيش الأمريكي لتتمكن القوات المسلحة الأمريكية من استهداف شبكات المتشددين والشبكات الإجرامية محذرا من أنه "لا يوجد مكان لا تصله الأيادي الأمريكية". وقال "قواتنا ستقاتل لتنتصر". وجاءت كلمة ترامب بعد مراجعة استمرت شهورا للسياسة الأمريكية اختلف خلالها ترامب مرارا مع كبار مستشاريه. ويخشى كبار المسؤولين العسكريين ومسؤولي المخابرات الأمريكيين من أن يمكن نصر طالبان تنظيم القاعدة والجماعات المحلية التابعة لتنظيم داعش من إقامة قواعد في أفغانستان يمكنهم منها تدبير هجمات على الولايات المتحدة وحلفائها كما فعل بن لادن من قبل.
وقال جون مكين عضو مجلس الشيوخ الديمقراطي ورئيس لجنة الخدمات العسكرية بالمجلس "الحقيقة المؤسفة هي أن هذه الاستراتيجية تأخرت كثيرا وفي هذه الأثناء تمكنت طالبان من تحقيق نجاحات كبيرة". وانتقد جاك ريد عضو مجلس الشيوخ الديمقراطي البارز بلجنة الخدمات العسكرية كلمة ترامب التي قال إنها ينقصها الكثير من التفاصيل.
وأشار ترامب إلى أنه يأمل في نهاية المطاف في إجراء محادثات سلام وقال إنه قد يكون من الممكن التوصل إلى تسوية سياسية مع عناصر من طالبان. وتابع أن مستشاريه للأمن القومي أقنعوه بتعزيز قدرة الولايات المتحدة على منع طالبان من الإطاحة بحكومة الرئيس أشرف عبد الغني. وقال ترامب "حدسي الأساسي يدفعني للانسحاب". بحسب رويترز.
وقال مسؤولان شاركا في المناقشات الخاصة بأفغانستان إن تأخر إعلان سياسة ترامب تجاه أفغانستان يرجع إلى صعوبة إقناعه بقبول الحاجة لاستراتيجية إقليمية أوسع نطاقا تشمل باكستان. وأيد مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض إتش.آر مكماستر طلب إرسال أربعة آلاف جندي إضافيين رغم أن ستيف بانون مستشار البيت الأبيض المقال حديثا كان يطالب بانسحاب كامل. وقال موقع برايتبارت نيوز الإخباري الذي يمثل اليمين المتطرف والذي عاد إليه بانون كرئيس تنفيذي على صفحته الرئيسية إن ترامب "غير مساره" و"دافع عن التخبط في حديث كئيب".
تفاؤل أفغاني
الى جانب ذلك اعرب عدد من الافغان وكما نقلت بعض المصادر عن ارتياحهم وتفاؤلهم، بعد اعلان ابقاء القوات الأميركية في بلادهم، مرحبين بالانتقادات القاسية التي وجهها ترامب الى باكستان. وقال عبد الحميد، احد سكان مدينة مزار شريف شمال افغانستان: "يحدوني امل كبير في ان تغيّر هذه الاستراتيجية الوضع في افغانستان". واضاف: "الالتزام بالبقاء في افغانستان يعطي الافغان على الاقل التأكيد أنهم لن يقعوا من جديد في ايدي المجموعات الارهابية". كذلك، عبّر محمد حسين رحيمي، الطالب في غزنة شرق البلاد عن "تفاؤله"، معتبرا ان "خطاب ترامب قوي جدا".
وفي خطاب طال انتظاره، استبعد ترامب اي "انسحاب سريع" من افغانستان، حيث تخوض الولايات المتحدة اطول حرب في تاريخها، منذ العام 2001. لكنه لم يقدم تفاصيل تتعلق بالاجراءات الجديدة للالتزام الاميركي. وابدى افغان ارتياحهم الى الانتقادات التي وجهها الى باكستان المتهمة بايواء متسببين "بالفوضى". ويبدي كثيرون، منذ فترة طويلة، اقتناعهم بأن باكستان تأوي مجموعات متمردة مسؤولة عن عمليات زعزعة الاستقرار على الجانب الآخر للحدود وتمولها وتدربها. لكن اسلام اباد تنفي ذلك.
وقال الصحافي تواب محمد في كابول: "الضغوط على باكستان... مسألة اساسية". واضاف: "اذا توقفت عمليات اللجوء الارهابية الى باكستان، فسينجم عنها تأثير كبير على نشاط الارهابيين في افغانستان". لكن بعض الافغان ابدى مزيدا من الحذر. واعتبر مستخدم انترنت على "تويتر" ان "استراتيجية ترامب تؤكد ان الحرب في افغانستان يمكن ان تستمر الى ما لا نهاية". ويحذر اختصاصيون من ان الخسائر المدنية التي بلغت حتى اليوم مستويات قياسية، يمكن ان تسجل مزيدا من الارقام من جراء الاستراتيجية التي عرضها ترامب. وشدد الرئيس الاميركي في خطابه على ان الولايات المتحدة موجودة في افغانستان "لقتل الارهابيين"، وليس "لبناء بلد.
اضف تعليق