عاد التوتر مجددا إلى مدينة الحسيمة مركز حركة الاحتجاجات في منطقة الريف شمال المغرب، إثر دعوة إلى الحراك الشعبي بعد وفاة أحد المتظاهرين متأثرا بجروح أصيب بها في وقت سابق، وتفجّر حراك الريف في أكتوبر/تشرين الأول الماضي في الحسيمة وبلدة امزورين، إثر سحق بائع السمك محسن فكري حتى الموت في شاحنة لضغط النفايات بالحسيمة، عندما حاول استعادة كمية من السمك صادرتها الشرطة المحلية منه. وفي نهاية يوليو/تموز الماضي، عفا الملك محمد السادس عن أكثر من ألف معتقل بينهم أربعون شخصا شاركوا في احتجاجات الريف، بينما لا يزال هناك نحو 150 من ناشطي الريف قيد التوقيف أبرزهم ناصر الزفزافي الذي أصبح قائدا لحركة الاحتجاج.
وأعلنت النيابة العامة بالمغرب، وفاة عماد العتابي، الذي يعتبر أول حالة وفاة منذ انطلاق حراك الريف في أكتوبر 2016. متأثراً بجروح أصيب بها في مسيرة احتجاجية، يوم 20 يوليو المنصرم، بمدينة الحسيمة. وأصيب العتابي على مستوى الرأس، إثر تدخّل قوات الأمن لفضّ مسيرة احتجاجية محظورة، في يوليو الماضي. وتم نقل العتابي إلى المستشفى المحلي في الحسيمة، قبل أن تعلن النيابة العامة عن نقله إلى المستشفى العسكري بالرباط، الذي رقد فيه بحالة غيبوبة حتى وفاته.
وفي هذا الشأن كتبت صحيفة أخبار اليوم المغربية أن "أزمة الريف تعود إلى نقطة الصفر"، وتحدثت عن مواجهات جديدة بين المتظاهرين وقوات الأمن بعد هدوء نسبي في الأسابيع الأخيرة. وقالت الصحيفة "لقد صار لهذا الحراك شهيد وقائد ورموز ومطالب، وأهم من هذا هناك إحساس في الريف بالظلم في منطقة حساسة ثقافيا وعرقيا وسياسيا".
وأعلنت النيابة العامة أن التحقيقات لا تزال متواصلة لتحديد ملابسات وفاة العتابي وأسبابها، تمهيدا لإعلان النتيجة للرأي العام، بينما يقول نشطاء إنه أصيب بقنبلة غاز في رأسه. وشُيّع جثمان العتابي بالحسيمة وسط "أجواء متوترة أدت إلى اعتصام ومواجهات بين الشرطة والمحتجين"، بحسب الموقع الإلكتروني لمجلة "تيل كيل" المغربية. ويبدو ان العرش الملكي وكما ذكرت بعض المصادر، في مأزق كبير حيث لا يجد مخرجا من حالة الاحتقان و التصعيد التي تضعه اليوم في وضع لا يحسد عليه خاصة مع استمرار الاحتجاجات و توسعها و تمدد مطالب الشارع، من مطالب اجتماعية مرتبطة بحق المنطقة المشروع في التنمية و محاربة الفساد ، الى مطلب الافراج عن معتقلي الحراك الذين يتعرضون الى أبشع أنواع الانتهاكات بشهادات المنظمات الدولية على غرار منظمة العفو الدولية، التي اوردت في وقت سابق بأن 66 من النشطاء الموقوفين أفادوا بتعرضهم للتعذيب والتجريد من الملابس والتهديد بالاغتصاب من قبل عناصر الشرطة.
وقالت منظمة العفو، في بيان، إن ما لا يقل عن 66 محتجزا بسبب الاحتجاجات الجماعية في منطقة الريف، أبلغوا عن تعرضهم للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة في الحجز. ومن بين أشكال هذه المعاملة تعرضهم للضرب والخنق والتجريد من الملابس والتهديد بالاغتصاب وتوجيه الشتائم والإهانات لهم من طرف الشرطة، لإجبارهم على الاعتراف في بعض الأحيان، وفق البيان.
وتابعت المنظمة الدولية أن الشرطة المغربية، ومنذ ماي الماضي، اعتقلت أكثر من 270 شخصا، على خلفية احتجاجات منطقة الريف، وقد أُلقي القبض على الكثير من هؤلاء بشكل تعسفي، وبينهم نشطاء سلميون وصحفيون. وأضافت أنه لا تزال الغالبية العظمى منهم قيد الاحتجاز، وصدرت بحق الكثير منهم أحكاما بالسجن على خلفية تهم تتعلق بالاحتجاج، ويخضع ما لايقل عن 50 موقوفا للتحقيق في تهم تتعلق بأمن الدولة، بينما يخضع شخص للتحقيق في تهم تتعلق بالإرهاب. وقد يُحكم على بعضهم بالسجن المؤبد.
اول قتيل
تظاهر عشرات النشطاء المغاربة أمام مبنى البرلمان في العاصمة الرباط احتجاجا على وفاة عماد العتابي متأثرا بإصابته في احتجاجات يوم 20 يوليو تموز الماضي. والعتابي (22 عاما) الذي ينتمي لمدينة الحسيمة بشمال المغرب هو أول محتج يلقى حتفه منذ خروج الناس للشوارع في منطقة الريف في أكتوبر تشرين الأول احتجاجا على الفساد وانعدام العدالة والافتقار للتنمية.
وردد المتظاهرون شعارات مثل "هي كلمة واحدة. هاذ الدولة فاسدة" و"عماد مات مقتول والمخزن (السلطة) هو المسؤول". كما رفعوا شعارات تنادي بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية وعدم الإفلات من العقاب. وأصيب العتابي بجروح بالغة في الرأس خلال احتجاجات يوم 20 يوليو تموز عندما أطلقت الشرطة قنابل غاز لتفريق المحتشدين. وتتضارب الروايات بشأن ملابسات إصابته. وقالت السلطات إن العتابي أصيب بالحجارة في رأسه لكنها عادت وقالت في وقت لاحق إنها ستحقق في الحادث. ويقول نشطاء إنه أصيب بقنبلة غاز في رأسه.
وقالت خديجة الرياضي الناشطة الحقوقية والرئيسة السابقة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان المستقلة إن الإعلان رسميا عن خبر مقتل عماد "يعتبر تصعيدا ومن شأنه أن يؤجج الحراك أكثر". وتفجرت حركة الاحتجاجات التي أطلق عليها اسم حراك الريف بعد سحق بائع السمك محسن فكري حتى الموت في شاحنة لضغط النفايات بالحسيمة عندما حاول استعادة كمية من السمك صادرتها الشرطة المحلية منه. بحسب رويترز.
وقالت خديجة الرياضي "إننا حذرنا من هذا الخيار البوليسي. يجب استعمال العنف لما تدعي الضرورة إلى ذلك لحماية حقوق أخرى وليس لحماية الدولة". وأضافت "كما يجب أن يكون عنفا نسبيا وليس مؤديا إلى القتل". وقالت أيضا الناشطة الحقوقية جميلة العزوزي "هذه الوقفة أقل ما يجب في حق الشهيد عماد الذي خرج ليطالب بمطالب عادلة مشروعة". وأضافت "نطالب بالحقيقة كاملة ونشر نتائج التشريح ورفع القمع والحصار عن أهل الريف وتحقيق العدالة الاجتماعية والكرامة للشعب المغربي كافة".
عفو ملكي
في السياق ذاته أعلنت وزارة العدل المغربية أن العاهل المغربي الملك محمد السادس أصدر عفوا شمل عددًا من معتقلي "الحراك" في منطقة الريف. وقبيل إلقائه خطابا متلفزا بمناسبة الذكرى الثامنة عشرة لتوليه العرش، تضمن بيان لوزارة العدل أن الملك أصدر عفوا عن 1178 شخصا بينهم عدد من معتقلي "الحراك" الذي قام على خلفية مطالب تنموية تندّد بـ"تهميش" الحسيمة في منطقة الريف، فيما لم تُحدد وزارة العدل عدد معتقلي "الحراك" الذين شملهم العفو، غير أنها أشارت إلى أنهم "لم يرتكبوا جرائم أو أفعال جسيمة في الأحداث التي عرفتها منطقة الحسيمة (...)".
وأوضح مصدر حكومي أن عدد معتقلي "الحراك" الذين شملهم العفو بلغ 40 شخصا ورأى في ذلك "خطوة مهمة وإيجابية جدا". غير أنّ المصدر نفسه أوضح أنّ زعيم "الحراك" ناصر الزفزافي غير مشمول بالعفو. في المقابل، قال المحامي عبد الصادق البوشتوي عضو هيئة الدفاع عن معتقلي "الحراك"، إنّ العفو "خطوة إيجابية، لكنه غير كاف لأننا نطالب بالإفراج عن جميع الذين اعتُقلوا خلال أحداث الحسيمة".
ووفقًا لوزارة العدل، فقد شمل العفو الملكي أيضا عددا من المنتمين إلى حزب العدالة والتنمية والمعتقلين بتهمة "الإشادة بالإرهاب". وباتت مدينة الحسيمة منذ أشهر، معقلاً لحركة الاحتجاج التي تطالب بإنماء منطقة الريف في شمال المغرب والمعروفة تاريخيًا بأنها متمرّدة. وبُعيد إعلان وزارة العدل عن العفو الملكي، وجّه الملك محمد السادس في خطاب ألقاه لمناسبة ذكرى توليه العرش انتقادا شديدا للأحزاب السياسية والإدارة العمومية، وقال "إن من بين المشاكل التي تعيق تقدم المغرب، هو ضعف الإدارة العمومية، سواء من حيث الحكامة، أو مستوى النجاعة أو جودة الخدمات، التي تقدمها للمواطنين". بحسب فرانس برس.
وتطرّق العاهل المغربي إلى أحداث الحسيمة التي "أبانت (...) مع الأسف، عن انعدام غير مسبوق لروح المسؤولية" على حدّ تعبيره. وأوضح أنه "عوض أن يقوم كل طرف بواجبه الوطني والمهني، ويسود التعاون وتضافر الجهود، لحل مشاكل الساكنة، انزلق الوضع بين مختلف الفاعلين إلى تقاذف المسؤولية، وحضرت الحسابات السياسية الضيقة، وغاب الوطن، وضاعت مصالح المواطنين". وتابع الملك "إن بعض الأحزاب تعتقد أن عملها يقتصر فقط على عقد مؤتمراتها (...) أما عندما يتعلق الأمر بالتواصل مع المواطنين، وحل مشاكلهم، فلا دور ولا وجود لها. وهذا شيئ غير مقبول من هيئات مهمتها تمثيل وتأطير المواطنين، وخدمة مصالحهم".
سجن صحفي
على صعيد متصل أصدرت محكمة مغربية حكما بسجن صحفي معروف بمواقفه المساندة لحراك الريف ثلاثة أشهر نافذة وغرامة مالية متهمة إياه "بالتحريض" على التظاهر. وأصدرت المحكمة الابتدائية بالحسيمة في شمال المغرب التي تشهد حراكا اجتماعيا منذ عدة شهور حكما بالسجن ثلاثة أشهر نافذة على الصحفي حميد المهداوي مدير موقع "بديل انفو" بعد 15 ساعة من المحاكمة بعدما أدانته بتهمة "تحريض أشخاص على ارتكاب جنح بواسطة الخطب والصياح في مكان عمومي" كما أمرت بتغريمه مبلغ 20 ألف درهم (حوالي 2000 دولار).
واعتقل المهداوي أثناء تغطيته مظاهرة في 20 يوليو تموز في الحسيمة في إطار الحراك المشتعل بالمدينة والريف في شمال المغرب منذ أكثر من ثمانية أشهر بعد مقتل بائع السمك محسن فكري دهسا في شاحنة للقمامة مع أسماكه التي صادرتها السلطات بحجة عدم قانونيتها. وتحولت الاحتجاجات على مقتل فكري إلى مطالب اجتماعية واقتصادية وتحولت المطالب إلى إطلاق سراح معتقلين سياسيين بعد اعتقال عشرات المحتجين والنشطاء.
ونفى المهداوي الاتهامات وقال إنه كان في المظاهرة، التي منعتها السلطات وفرقت المتظاهرين فيها بالغازات المسيلة للدموع، من أجل التغطية الصحفية لصالح موقعه. وقال بيان لوكيل الملك (النيابة العامة) في وقت سابق بعد اعتقاله إن النيابة العامة "أشعرت اليوم من طرف مصالح الشرطة القضائية بواقعة قيام المسمى حميد المهداوي بإلقاء كلمة بساحة محمد السادس وسط مجموعة من الناس يحرضهم من خلالها على الخروج للتظاهر رغم قرار المنع الصادر عن السلطات المختصة". بحسب رويترز.
وذكرت النقابة الوطنية للصحافة المغربية في بيان أن المهداوي "اعتقل من داخل سيارته وليس داخل ساحة الاحتجاج". وقالت جمعية "الحرية الآن" المستقلة إن "السبب الحقيقي وراء اعتقال هذا الصحفي هو رغبة السلطات في الانتقام منه بسبب نشاطه وتغطيته المستمرة لحركة الاحتجاج في الريف". وقال المحامي محمد زيان "ليس المهداوي من حرض الناس على الخروج الى التظاهر يوم 20 يوليو هذه مظاهرة كانت مبرمجة من قبل". وأضاف "الحكم ليس في محله ولو افترضنا أنه قد شارك في مظاهرة سلمية فهذا من حقه. لن نتراجع عن حقنا في التظاهر السلمي".
من جانب اخر رفضت السلطات المغربية اتهامات منظمة "مراسلون بلا حدود" بأنها عرقلت لأشهر تغطية الاحتجاجات والاضطرابات التي اندلعت في منطقة الريف في شمال البلاد. وأفاد بيان وزارة الثقافة والاتصال أن "مزاعم" المنظمة المعنية بحقوق الصحافة والصحفيين "عارية عن الصحة وتفتقد إلى المصداقية وتعوزها الأدلة". وأكدت أن 89 مراسلا معتمدا يعملون لصالح وسائل إعلام أجنبية في المغرب يملكون "كل التراخيص" اللازمة لاتمام عملهم الاعتيادي "بكل حرية وفي ظروف طبيعية" في أنحاء البلاد.
وأضافت أن المغرب سمح للصحفيين القيام بعملهم "دون أدنى تدخل للسلطات العمومية" ودون "أي تأثير ومن أي نوع كان، على مضمون التغطيات التي ينجزها الصحافيون المغاربة والأجانب على مدار الساعة، حول الوضع في مدينة الحسيمة". إلا أن الوزارة أقرت بأن السلطات اتخذت إجراءات قانونية ضد صحفي واحد اتهم بـ"تحريض أشخاص على ارتكاب جنح والدعوة إلى المشاركة في مظاهرة بعد منعها".
وفي تموز/يوليو، أصدرت مراسلون بلا حدود بيانا اتهمت فيه السلطات المغربية بمنع الصحفيين من تغطية الأحداث في الريف، وتحديدا في مدينة الحسيمة. وقالت مسؤولة مكتب شمال أفريقيا للمنظمة ياسمين كاشا حينها إنه "من خلال رغبتها في منع التغطية الإعلامية لثورة الريف، جعلت السلطات المغربية من هذه المنطقة شيئا فشيئا منطقة لا حق لها في الإعلام المستقل".
اضف تعليق