تصاعد التوتر بين تركيا وألمانيا العضوين بحلف شمال الأطلسي بعد الاستفتاء الشعبي في تركيا
بشأن توسيع صلاحيات الرئيس طيب إردوغان. الذي يواجه انتقادات كبيرة بسبب بعض القوانين و السياسات المتشددة، التي انتهجتها تركيا بعد الانقلاب العسكري الفاشل يضاف الى ذلك الحرب الإعلامية التي شنها الرئيس التركي ضد العديد من الدول الأوروبية ومنها ألمانيا، بعد إلغاء عدة تجمعات انتخابية لوزراء أتراك مما جعل تركيا تتهم ألمانيا بأنها تتبع أساليب "نازية". وما تبعها من تطورات اخرى كانت سببا في زيادة حده التوترات بين الجانبين.
وقد اعرب وزير المالية الألماني وولفغانغ شويبله عن مخاوفه ازاء قيام ديكتاتورية في تركيا بعد الاستفتاء على توسيع صلاحيات الرئيس. وقال في وقت سابق "يمكننا قراءة مسودة الدستور بهذا الشكل (...) انها مؤشرات مقلقة"، ردا على سؤال خلال نقاش نظمته مجلة "در شبيغل" عما إذا كان الرئيس التركي رجب طيب إردوغان يحاول إقامة "حكم فردي أو دكتاتورية". وأضاف "إذا تتبعنا التطورات في السنوات الأخيرة، بامكان المرء أن يجد عدة أسباب وتحليلات (حول ذلك) ولكن نعم، انها مؤشرات مقلقة بكل بساطة".
وقال شويبله، من الحزب المحافظ بزعامة المستشارة الالمانية انغيلا ميركل، انه تحدث الى العديد من الاتراك الذين يخشون الانتقام إذا اعربوا علنا عن انتقاد النظام في أنقرة. واضاف "لكن كما قال لي أحدهم، في النهاية، فان تركيا ستبقى على قيد الحياة بعد أردوغان، ما يعطي بعض الأمل". الى ذلك، اكد الوزير ان الاحتجاز المستمر في تركيا للصحافي الألماني التركي دنيز يوجل، مراسل صحيفة دي فيلت الألمانية، سيجعل المساعدات الاقتصادية من برلين إلى أنقرة في غاية الصعوبة.
واوضح في هذا السياق "كنا على الطريق الصحيح" لتقديم مساعدات اقتصادية "ولكن بعدها حدثت عملية الاعتقال". واكد انه أبلغ مؤخرا نظيره التركي محمد شيمشك ان اعتقال الصحافي "جعل الأمور صعبة للغاية اعتبارا من الان". اعتقل الصحافي الألماني التركي قيد الاعتقال في 27 شباط/فبراير بتهم الدعاية "إلارهابية" والتحريض على الكراهية قبل ان يصفه الرئيس التركي بانه انفصالي كردي و"عميل الماني".
التصويت والاندماج
وفي هذا الشأن دعا عدة نواب ألمان كبار إلى تشديد القوانين الخاصة بازدواج الجنسية وذلك بعد شعورهم بصدمة من حجم التأييد بين الأتراك الذين يعيشون في ألمانيا لمنح الرئيس رجب طيب إردوغان سلطات جديدة في الاستفتاء الذي جرى. وتظهر أحدث نتائج غير رسمية أن 51.4 في المئة من الناخبين في تركيا أيدوا خططا لتعديل النظام السياسي تمنح إردوغان سلطات واسعة جديدة في الوقت الذي كانت فيه نسبة التأييد بين من يحق لهم التصويت في ألمانيا والبالغ عددهم 1.4 مليون ناخب أعلى بكثير حيث سجلت 63 في المئة.
وفي مدينة إسن بغرب ألمانيا أيد نحو 75.9 في المئة التعديلات على الرغم من أن بعض المعلقين نبهوا إلى أن نسبة المشاركة في ألمانيا كانت 44 في المئة فقط. ويعيش في ألمانيا نحو ثلاثة ملايين شخص من أصول تركية وقال بعض الساسة إن الولاء الذي أظهره كثيرون لإردوغان، الذي يعتبره كثيرون في الاتحاد الأوروبي زعيما مستبدا على نحو متزايد، يشير إلى رفض للقيم الديمقراطية.
وقال كريستيان ليندنر زعيم الحزب الديمقراطي الحر إن"الذين صوتوا في بلد حر مثل ألمانيا لإلغاء الديمقراطية في تركيا أو للحد منها لا يقبلون بوضوح قيمنا." ودعا ساسة كبار في تكتل المحافظين بزعامة المستشارة أنجيلا ميركل إلى القيام بعمل. وقال السياسي البافاري المحافظ ستيفان ماير "من المهم أن نلغي التعديلات التي يسرت الحصول على جنسية مزدوجة." وجرى تيسير القواعد في العامين 2000 و2014.
وقبل نحو خمسة أشهر من الانتخابات الاتحادية طالب حزب البديل من أجل ألمانيا وهو حزب من أقصى اليمين بإلغاء كامل للجنسية المزدوجة للأتراك. وقال جوكاي سوفو أوغلو زعيم الجاليات التركية في ألمانيا إن من أيدوا إردوغان كانوا يحتجون على وضعهم في ألمانيا. وأردف قائلا "كانوا يريدون الاحتجاج على ما يشعرون به منذ عقود. "إنهم يشعرون بتمييز في المعاملة ضدهم ويشعرون باستبعادهم." بحسب رويترز.
ويشير مراقبون أيضا إلى أن أتراكا كثيرين في ألمانيا جاءوا من مناطق ريفية محافظة في تركيا مثل الأناضول كما أن الاتحاد الإسلامي التركي للشؤون الدينية المعروف باسم (دتيب) وهو أكبر رابطة للمساجد في ألمانيا يجلب وعاظا من تركيا. وقالت عالمة الاجتماع نيكلا كيليك لصحيفة بيلد اليومية "المساجد المحلية مراكز اقتراع لحزب العدالة والتنمية (الحزب الحاكم في تركيا)."
تركيا والاتحاد الأوروبي
الى جانب ذلك دعا اثنان من كبار الساسة المحافظين الألمان الاتحاد الأوروبي إلى إنهاء المحادثات مع تركيا بشأن عضويتها في التكتل بعد أن منح استفتاء سلطات جديدة للرئيس التركي رجب طيب إردوغان. وقال نوربرت روتجين، عضو حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الذي تتزعمه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان، إن التقاعس عن اتخاذ إجراءات بعد الاستفتاء سيضر بأوروبا.
وقال روتجين في مقابلة يبثها راديو ألمانيا "سنضر بمصداقية أوروبا إذا تقاعسنا عن الرد على قرار تركيا ضد الديمقراطية وضد حكم القانون... إذا واصلنا التمسك بخيال انضمام دولة بمثل هذه الحكومة ومثل هذا الدستور." وأضاف أن التظاهر بأن تركيا قد تنضم للاتحاد الأوروبي سيمنع أوروبا أيضا من إقامة علاقة جديدة وأكثر واقعية مع تركيا. وصوت الأتراك بالموافقة بفارق ضئيل على إلغاء منصب رئيس الوزراء وتركيز السلطات في أيدي الرئيس في أكبر تغيير في النظام السياسي التركي منذ إقامة الدولة الحديثة قبل نحو 100 عام.
وطعن حزب المعارضة الرئيسي على نتائج الاستفتاء أمام القضاء. وأثار مراقبون مستقلون من مجلس أوروبا ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا تساؤلات بشأن التصويت. وقال يواخيم هيرمان وزير داخلية ولاية بافاريا وعضو الحزب البافاري شقيق حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي إن محادثات انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي يجب أن تنتهي لا أن تعلق. وقال لصحيفة بيلد أم زونتاج الألمانية "حان وقت انتهاء مفاوضات العضوية في الاتحاد الأوروبي... علينا أن نتوقف عن خداع أنفسنا. لا توجد آفاق مشتركة مع تركيا إردوغان."
وقال وزير الاقتصاد التركي نهاد زيبكجي إن تركيا لا تزال ملتزمة بهدف الانضمام للاتحاد الأوروبي. وتوترت العلاقات مع بروكسل في الأشهر الأخيرة أثناء الإعداد لاستفتاء 16 أبريل نيسان. ودعا أيضا روتجين وهيرمان ومشرعون كبار آخرون، بعد أن صدمتهم قوة دعم الأتراك في ألمانيا للاستفتاء، إلى تشديد قواعد الجنسية المزدوجة. بحسب رويترز.
ويعيش في ألمانيا نحو ثلاثة ملايين شخص من أصل تركي ويقول بعض الساسة إن الولاء الذي أبداه كثيرون لإردوغان، الذي ينظر إليه كثيرون في الاتحاد الأوروبي على أنه يميل للاستبداد على نحو متزايد، يعكس رفض القيم الديمقراطية. وقال روتجين إن نتيجة الاستفتاء بين الأتراك في ألمانيا أكدت على عدم الاندماج الكامل لكثيرين من الجيل الثاني والثالث من الأتراك في المجتمع الألماني.
أنشطة تجسس
الى جانب ذلك فتحت ألمانيا تحقيقا ثانيا بشأن ما يشتبه أنها أنشطة تجسس تركية وهي أحد أسباب الخلاف المتزايد بين البلدين العضوين في حلف شمال الأطلسي. وقال متحدث باسم مكتب الإدعاء الاتحادي "لقد بدأنا تحقيقا ضد كيان غير مسمى للاشتباه في (أنشطة) تجسس." ورفض المتحدث التعليق على تقارير إعلامية ألمانية ذكرت أن الكيان هو وكالة المخابرات التركية وأن السلطات تشتبه في تجسسها على أنصار رجل الدين التركي المقيم في الولايات المتحدة فتح الله كولن الذي تتهمه أنقرة بتنظيم محاولة الانقلاب الفاشلة في يوليو تموز الماضي. بحسب رويترز.
وقالت متحدثة باسم مكتب الإدعاء الاتحادي إن التحقيق منفصل عن تحقيق آخر بدأ في مطلع العام في احتمال قيام رجال دين أرسلتهم الحكومة التركية إلى ألمانيا بأنشطة تجسس. وقالت "هذا تحقيق جديد بدأ. وتشمل الحالتان ما يشتبه أنها أنشطة تجسس تخص تركيا لكن حتى هذه اللحظة لا توجد مادة مشتركة بين التحقيقين."ولم يصدر رد فوري من المسؤولين الأتراك. وكانت الشرطة الألمانية داهمت في الشهر الماضي شققا لأربعة أئمة للاشتباه في قيامهم بالتجسس على أنصار كولن لصالح الحكومة التركية.
من جهة اخرى قال وزير الداخلية الألماني توماس دي مايتسيره إن ألمانيا لن تتهاون مع التجسس الخارجي على أراضيها. وعمقت التقارير الإعلامية بشأن التجسس التركي في ألمانيا خلافا بين البلدين العضوين في حلف شمال الأطلسي. وذكرت صحيفة زود دويتشه تسايتونج ومحطتان للبث الإذاعي والتلفزيوني أن وكالة المخابرات الوطنية التركية أعطت جهاز المخابرات الخارجية الألماني قائمة بأسماء المئات ممن يشتبه بأنهم أنصار كولن ممن يقيمون في ألمانيا.
وقال دي مايتسيره الذي كان يتحدث في باساو في جنوب ألمانيا إن التقرير لم يفاجئه مضيفا أن القوائم ستُفحص بصورة فردية. وقال "أخبرنا تركيا عدة مرات أن مثل هذا (النشاط) غير مقبول. بغض النظر عن رأيكم في حركة كولن فالقانون الألماني يطبق هنا والمواطنون المقيمون هنا لن يكونوا عرضة لتجسس دول أجنبية." بحسب رويترز.
وقالت التقارير إن القائمة تشمل أسماء أكثر من 300 شخص وما يربو على 200 جمعية ومدرسة وغيرها من المؤسسات. وأكد تحقيق ألماني أن بعض الصور قد تكون التقطت سرا. ولا تقتصر المخاوف المتعلقة بالتجسس التركي على ألمانيا فقط. فقد قالت هيئة الإذاعة السويدية العامة إن حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا يمارس ضغوطا من خلال اتحاد الديمقراطيين الأتراك الأوروبيين على أنصار كولن السويديين للإدلاء بمعلومات عن أقرانهم من مؤيدي كولن في البلاد. وعبر ساسة ألمان من بينهم المستشارة أنجيلا ميركل عن غضبهم من تشبيه إردوغان مرارا بلادهم بألمانيا النازية في رد على إلغاء سلسلة حملات دعائية مقررة تستهدف الأتراك المقيمين في ألمانيا. وقالت ألمانيا إن الإلغاء كان لدواع أمنية.
ألمانيا والانقلاب
على صعيد متصل اتهمت تركيا ألمانيا بدعم شبكة تابعة لداعية تركي مقيم في الولايات المتحدة تعتبره أنقرة مدبر محاولة الانقلاب التي جرت في البلاد في العام الماضي في تصريحات يرجح أن تفاقم خلافا دبلوماسيا بين البلدين. ونشرت مجلة دير شبيجل مقابلة مع برونو كال رئيس جهاز المخابرات الخارجية الألماني قال فيها إن الحكومة التركية لم تستطع إقناع جهازه بأن فتح الله كولن رجل الدين التركي المقيم في الولايات المتحدة كان وراء محاولة الانقلاب. ونقلت المجلة عن كال قوله "حاولت تركيا إقناعنا بذلك على كل المستويات لكنها لم تنجح بعد."
وقال إبراهيم كالين المتحدث باسم الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إن تصريحات كال تثبت أن ألمانيا تدعم شبكة كولن التي تشير إليها أنقرة باسم "منظمة كولن الإرهابية". وأضاف في مقابلة بثتها على الهواء قناة (سي.إن.إن ترك) "أنها جهود لإبطال صحة جميع المعلومات التي أعطيناها لهم عن منظمة كولن الإرهابية. أنها علامة على دعمهم لهذه المنظمة." وقال "لماذا يحمونهم؟ لأنهم أدوات جيدة لألمانيا لتستخدمها ضد تركيا." بحسب رويترز.
وتفاقم الخلاف الدبلوماسي بين ألمانيا وتركيا بعد أن منعت السلطات بعض الوزراء الأتراك من الحديث في تجمعات للأتراك المغتربين قبيل الاستفتاء بسبب مخاوف أمنية. وقال كالين إن هناك إمكانية أن يخطط إردوغان لتجمع لمخاطبة الأتراك في ألمانيا قبل استفتاء 16 أبريل نيسان بشأن تعديل الدستور في خطوة قد تزيد من تفاقم التوترات مع برلين.
من جهة اخرى عنونت صحيفة "غونيش" اليومية "هتلر على شكل امرأة"، مع صليب معقوف، ووسم "السيدة هتلر" (#فراوهتلر)، مع عبارة "العمة القبيحة" فوق صورة انغيلا ميركل التي غطت ثلاثة ارباع الصفحة الاولى للصحيفة. ومضت "غونيش" في اتهام المانيا بانها "عندما فتحت ذراعيها للمنظمات الارهابية فإنها تسعى لتأليب أوروبا بكاملها ضد تركيا". ورددت الصحيفة ايضا صدى اتهامات السلطات التركية التي تأخذ على برلين ايواء انفصاليين اكرادا وانقلابيين مفترضين متورطين في الانقلاب الفاشل في 15 تموز/يوليو.
وردا على سؤال عن هذه الصورة، اكتفى مساعد المتحدث باسم الحكومة الالمانية يورغ شترايتر باعادة تأكيد موقف المانيا من الاتهامات بالنازية. وقال "اننا لا نشارك في لعبة الاستفزاز هذه". وعلى موقعها الإلكتروني نشرت "غونيش" صورة اخرى مركبة للمستشارة مع شاربين قصيرين وهي تؤدي التحية النازية، مع عنوان فرعي "لا فرق مع هتلر".
وكانت تركيا انتقدت صحيفة "بيلد" الالمانية التي كتبت على صفحتها الاولى "بيلد تقول الحقيقة في وجه اردوغان - لست ديموقراطيا! إنك تسيء لبلادك"، واعلنته شخصا غير مرغوب فيه في المانيا، وانتقدت "جنون السلطة" لديه. واكدت وزارة الخارجية التركية ان هذه المقالة هي "نتاج عقلية تغذيها العنصرية وكراهية الاجانب".
اضف تعليق