قضية توتر العلاقات بين مصر والسعودية، التي تفاقمت بشكل كبير في الشهور الأخيرة، خاصة بعد أن قامت مصر بالتصويت لجانب روسيا، فيما يتعلق بالأمر الخاص بأزمة سوريا، وقرار المحكمة الإدارية المصرية ببطلان الإتفاقية الخاصة بجزيرتي تيران وصنافير، حيث كانت تنص على انتقال التبعية للجزيرتين، إلى المملكة العربية السعودية، يضاف الى ذلك قيام شركة أرامكوا السعودية، بمنع الصادرات من منتجات البترول لمصر، وغيرها من لامور الاخرى ماتزال محط اهتمام واسع، حيث أكدت بعض المصادر وجود تطورات ومساعي جديد لإعادة العلاقة بين البلدين، فرغم صدور حكم قضائي جديد في مصر ببطلان توقيع الحكومة على اتفاقية تمنح بموجبها مصر السعودية السيادة على جزيرتين في البحر الأحمر، تحاول القاهرة الحفاظ على علاقتها مع الرياض، إنما تسعى في الوقت نفسه إلى لحصول على داعمين جديد، بحسب خبراء.
وكانت القاهرة والرياض وقعتا هذه الاتفاقية المثيرة للجدل اثناء زيارة مطولة للملك السعودي سلمان بن عبد العزيز إلى القاهرة في نيسان/إبريل الماضي شهدت أيضا توقيعا على حزمة من اتفاقيات الاستثمار تجاوزت 16 مليار دولار. وحصلت مصر منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي الحكم على مليارات الدولارات من المساعدات من السعودية، لكن العلاقات بين البلدين فترت خلال الاشهر الاخيرة، بسبب خلافات في بعض الملفات الاقليمية، لا سيما منهما السوري واليمني.
ويرى يعض الخبراء ان السعودية وعلى الرغم من انزعاجها الشديد من التحركات المصرية الاخيرة، ستعمد الى تقديم بعض التنازلات في سبيل الحفاظ على مكاسبها داخل هذا البلد العربي المهم الذي قد يسعى الى بناء تحالفات جديدة يمكن ان تضر بمصالح المملكة . حيث دفع الوضع الحالي المتأزم والمعقد بين البلدين خصوصا في مجال النفط، القاهرة للبحث عن بديل. ويقول الباحث الاقتصادي إبراهيم الغيطاني إن "الوضع تعقد أكثر. التعويل على السعودية كشريك اقتصادي لمصر بدأ يتلاشى". ويضيف "الحكومة بدأت بالفعل تبحث عن بديل في مجال النفط. هناك اتفاقية لتوريد مشتقات بترولية شهرية مع الكويت، وهناك مفاوضات في مرحلة متقدمة مع العراق".
وأبدت مسؤولة حكومية بارزة قلقها من أن تدهور العلاقات مع السعودية قد يضع القاهرة في "تحد اقتصادي صعب". وأضافت المسؤولة التي فضلت عدم ذكر اسمها، إن "السعودية ومصر وقعتا 20 اتفاقية استثمارية في نيسان/إبريل الماضي. إذا تصاعد التوتر، هل هناك بديل؟".
من جانب اخر عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية السفير السابق محمد أنيس سالم فان "علاقة مصر مع السعودية لا يمكن استبدالها بسهولة". وتابع "العلاقة ليست فقط مساعدات. قلب العلاقة أن البلدين يلعبان دورا كبيرا ومهما في أمن الشرق الأوسط". وشدد السيسي في حوار مع صحف محلية أجري الأحد قبل قرار المحكمة، على "حرص مصر" على العلاقات مع السعودية.
وقال ردا على سؤال بخصوص الأجواء غير المؤاتية بين البلدين "نحن حريصون على العلاقات مع أشقائنا ونقول إن أمننا مرتبط بتماسكنا وبوحدتنا ومرتبط بتفاهمنا مع بعضنا البعض.. وأقول هذا وقت التماسك". وقال مؤسس مركز الشرق الاوسط للدراسات اللواء السعودي المتقاعد أنور عشقي "لا توجد مشكلة بين السعودية ومصر" بخصوص قرار المحكمة الذي وصفه بأنه "أمر داخلي". وأضاف أنه رغم أن البلدين لديهما "وجهات نظر مختلفة حول سوريا واليمن"، فإن ذلك يمكن حله بالمباحثات بينهما.
مشاورات سياسية
وفي هذا الشأن اعلنت مصر انها اتفقت مع السعودية على عقد "مشاورات سياسية" بين البلدين في القاهرة قريبا تتناول "العلاقات الثنائية وكافة القضايا الإقليمية"، ذلك بعد أشهر عدة من التوتر في العلاقة بين البلدين. وقالت وزارة الخارجية المصرية في بيان أن وزيري خارجية البلدين المصري سامح شكري والسعودي عادل الجبير اتفقا في مكالمة هاتفية على "عقد جولة مشاورات سياسية بين البلدين في القاهرة قريباً لتناول مسار العلاقات الثنائية وكافة القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك".
ولم يشر البيان إلى موعد محدد للمشاورات. ويأتي الإعلان عن هذه المشاورات بعد لقاء بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والعاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز اللذين تبادلا الدعوة لزيارة البلدين. والتقى السيسي والملك سلمان على هامش القمة العربية التي انعقدت في الأردن الأسبوع الفائت. وقالت الخارجية المصرية ان وزيري الخارجية بحثا في الاتصال الهاتفي "الاعداد للزيارتين القادمتين" للرئيس السيسي إلى السعودية والملك سلمان الى مصر.
ولم يحدد موعد بعد لهذه الزيارات. وتوترت العلاقات بين الحليفين العربيين بشدة أخيرا. ففي تشرين الاول/اكتوبر، توقفت شركة ارامكو عن توريد 700 الف طن شهريا من المشتقات النفطية الى مصر في خضم توتر سياسي بين البلدين في عدد من الملفات الإقليمية، لا سيما منهما السوري واليمني. وكانت مصر صوتت قبل ذلك على قرار اقترحته روسيا، حليفة النظام السوري، في الامم المتحدة حول سوريا، وعارضته السعودية بقوة. بحسب فرانس برس.
وفي نيسان/أبريل 2016، قام الملك سلمان بزيارة إلى مصر شهدت التوقيع على اتفاقية تمنح بموجبها مصر السعودية السيادة على جزيرتي تيران وصنافير في البحر الأحمر، وعلى حزمة من اتفاقات الاستثمار تجاوزت قيمتها 16 مليار دولار. لكن في 16 كانون الثاني/يناير الفائت، ثبتت المحكمة الإدارية العليا في مصر قرارا قضائيا ببطلان توقيع الحكومة على الاتفاقية التي تمنح السعودية السيادة على الجزيرتين.
تبعية الجزيرتين
على صعيد متصل قال المحامي المصري البارز خالد علي إنه قدم طعنا أمام محكمة القضاء الإداري لإصدار حكم بعدم الاعتداد بالأحكام الصادرة من محكمة الأمور المستعجلة بصحة اتفاقية تتضمن نقل تبعية جزيرتي تيران وصنافير بالبحر الأحمر إلى السعودية. جاء ذلك بعد يوم من حكم أصدرته محكمة الأمور المستعجلة ببطلان حكم نهائي أصدرته المحكمة الإدارية العليا ويقضي بعدم صحة توقيع ممثل الحكومة المصرية على الاتفاقية واستمرار السيادة المصرية على الجزيرتين الواقعتين بمدخل خليج العقبة.
وأثارت اتفاقية تعيين الحدود البحرية التي وقعتها مصر والسعودية في أبريل نيسان العام الماضي غضبا شعبيا في مصر وأحيلت إلى المحاكم وهو ما تسبب في غضب السعودية وأصاب علاقة البلدين بالفتور لشهور. وكانت محكمة القضاء الإداري أصدرت حكما في يونيو حزيران ببطلان توقيع ممثل الحكومة المصرية على الاتفاقية وطعنت الحكومة على الحكم. لكن المحكمة الإدارية العليا رفضت في يناير كانون الثاني طعن الحكومة وأصدرت حكما نهائيا أيدت فيه الحكم السابق وقالت فيه "إن سيادة مصر على جزيرتي تيران وصنافير مقطوع بها".
وأصدرت محكمة الأمور المستعجلة حكما ببطلان حكم الإدارية العليا ووصفت الحكم بأنه "منعدم". وكانت المحكمة أصدرت حكمين في السابق بصحة الاتفاقية. وجاء الحكم بعد أيام من لقاء جمع العاهل السعودي الملك عبد الله والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على هامش القمة العربية التي استضافها الأردن. وقال خالد علي على حسابه على فيسبوك إنه أقام طعنا أمام القضاء الإداري للحكم بعدم الاعتداد بكافة أحكام محكمة القاهرة للأمور المستعجلة الصادرة في شأن جزيرتي تيران وصنافير وباستمرار تنفيذ حكم الإدارية العليا. بحسب رويترز.
ويرى علي أن محكمة الأمور المستعجلة غير مختصة بنظر القضية ووصف أحكامها بأنها "دون سند دستوري". وأضاف أن هذه الأحكام "تعكس استمرار محاولات النظام للالتفاف حول حكم الإدارية العليا النهائي والبات الذي أكد مصرية الجزيرتين." وتقول الحكومتان السعودية والمصرية إن الجزيرتين كانتا تخضعان فقط للحماية المصرية منذ عام 1950 بناء على طلب من الملك عبد العزيز آل سعود مؤسس السعودية. لكن محامين معارضين للاتفاقية يقولون إن سيادة مصر على الجزيرتين تعود إلى اتفاقية ترسيم حدود موقعة عام 1906 قبل تأسيس المملكة.
اتفاقيات إسكان
من جانب اخر قال مسؤولون تنفيذيون في شركات عقارية مصرية إن شركاتهم علقت العمل باتفاقيات في مجال الإسكان مع الحكومة السعودية وسط توتر في العلاقات بين البلدين. لكن مسؤولا سعوديا نفى تعليق أي مشروعات. وكانت أربع شركات عقارية مصرية وقعت مذكرات تفاهم في مجال الإسكان مع وزارة الإسكان السعودية خلال زيارة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز إلى القاهرة في أبريل نيسان الماضي.
وكان من المقرر أن تعمل شركات الأهلي للتنمية العقارية وطلعت مصطفى القابضة ومصر إيطاليا وأوربت جروب في مشروعات إنشاء وحدات سكنية في السعودية. وقال حسين صبور رئيس شركة الأهلي للتنمية العقارية إن شركته "علقت اتفاقية الشراكة مع وزارة الإسكان السعودية رغم الانتهاء من الدراسات الخاصة بالمشروع. السبب هو تخوفنا من توتر العلاقات بين مصر والسعودية."
وكشف محمد العسال نائب رئيس شركة مصر إيطاليا عن توقف الاتصال مع الجانب السعودي بخصوص الاتفاقية. وقال "تم التراجع عن الاتفاقية لعدم تجاوب الجانب السعودي وتوقف الاتصال بين الجانبين منذ يونيو الماضي." وأكدت شركة أوربت جروب تعليق مذكرة تفاهم مع الجانب السعودي، إلا إنها امتنعت عن الخوض في أي تفاصيل حول أسباب التعليق. وقال نايف عبد المحسن الرشيد مستشار الوزير والمشرف العام على الاستثمار والتطوير العقاري بوزارة الإسكان السعودية في بيان مكتوب "ليس هناك أي تعليق لأي اتفاق بين شركات تطوير عقاري مصرية وزبائنها في السعودية."
وأضاف "فكرة أن أي توتر مزعوم بين المملكة العربية السعودية ومصر يضغط على الشراكة الاقتصادية الثنائية خاطئة بشكل قاطع. في الحقيقة هناك معاملات بدأت من قبل وما زالت تجري وتتعلق بمشروعات محددة. بالإضافة إلى ذلك ترحب وزارة الإسكان بأي اهتمام من جانب المطورين المحليين والدوليين بما في ذلك شركاؤنا المصريون محل التقدير." وكانت بوادر خلافات في الرؤى السياسية بين البلدين ظهرت بعد أشهر قليلة على توقيع مصر والسعودية اتفاقيات ومذكرات تفاهم بأكثر من 22.65 مليار دولار في ابريل نيسان الماضي. بحسب رويترز.
وأوقفت المملكة الدعم النفطي الذي تقدمه لمصر منذ أكتوبر تشرين الأول دون إبداء أي أسباب رغم وجود اتفاقيات تجارية بينهما وفقا لمسؤولين في وزارة البترول المصرية. وجاء ذلك بعد تصويت مصر لصالح مشروع قرار تدعمه روسيا في مجلس الأمن الدولي بشأن سوريا في أكتوبر تشرين الأول استثنى دعوات تطالب بوقف قصف حلب وهو ما عارضته السعودية بشدة. وفي يناير كانون الثاني أصدرت المحكمة الإدارية العليا في مصر حكما نهائيا ببطلان توقيع اتفاقية لترسيم الحدود البحرية مع السعودية تضمنت نقل تبعية جزيرتي تيران وصنافير بالبحر الأحمر للمملكة وهو حكم قد يزيد من التوتر القائم بين البلدين. لكن المسؤولين في البلدين يشددون على عدم وجود توتر أو خلاف في العلاقات بينهما.
اضف تعليق