يبدو أن الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب الذي تنقصه الخبرة السياسية، يواجه اليوم ثورة داخلية متزايدة بسبب بعض القرارات والقوانين التي اثارت الكثير من ردود الأفعال الغاضبة داخل وخارج الولايات المتحدة، فمنذ وصول ترامب إلى البيت الأبيض وكما يرى بعض الخبراء لم تهدأ حده المظاهرات والاحتجاجات ضد هذا الرئيس الذي يحمل خطط و قناعات تهدف الى إحداث تغير شامل لبعض القوانين والانظمة الامريكية وهو ما قد يثر سلباً على بعض طبقات المجتمع الأمريكي.
ففي الفترة الاخيرة شهدت امريكا وكما نقلت بعض المصادر مظاهرات واحتجاجات شعبية واسعة، معارضة للرئيس الأميركي ترامب الذي تراجعت نسب التأييد له الى مستويات متدنية حسب بعض الاستطلاعات، وتهدف التظاهرات الى إظهار ان المعارضة الشعبية للرئيس الجمهوري ما زالت على زخمها بعد مرور اكثر من شهر على تنصيب ترامب في 20 كانون الثاني/يناير الماضي.
ومنذ بداية حملته الانتخابية عُرف عن ترامب انتقاده المستمر للعديد من الجهات والمؤسسات الإعلامية والقضائية وهو ما ادخله في حرب مفتوحة مع هذه الجهات أثارت ردود فعل غاضبة حتى بين صفوف الحزب الجمهوري الذي تأثر هو ايضا بمواقف وتصريحات الرئيس، حيث عبّر السيناتور الأمريكي جون ماكين رئيس لجنة الشؤون العسكرية في الكونجرس في وقت سابق عن رفضه تصريحات ترامب، معتبرًا أن ما يقوم به ترامب تمثل بداية الديكتاتورية.
وواجه المشرعون الجمهوريون بعد عودتهم إلى ديارهم بعد أول عطلة للكونجرس منذ تولي دونالد ترامب الرئاسة. موجة غضب بسبب عدد من القضايا منها الهجرة والرعاية الصحية وصلات ترامب المحتملة بروسيا. هذه الاجتماعات الصاخبة هي الأحدث ضمن سلسلة من التجمعات الحاشدة والمسيرات والاحتجاجات. وأثارت الأصوات المناهضة لترامب أحاديث عن حركة ليبرالية على غرار حركة حفل الشاي في إشارة إلى الاحتجاجات التي وقعت عام 2009 وساعدت في إعادة تشكيل الحزب الجمهوري ويقال إنها مهدت الطريق لفوز ترامب المفاجئ بانتخابات الرئاسة العام الماضي.
لست رئيسي
وفي هذا الشأن تجددت الاحتجاجات المناهضة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب في عطلة (يوم الرؤساء) في مظاهرات أطلق عليها النشطاء اسم احتجاجات "يوم لست رئيسي". وفي نيويورك تجمع مئات المحتجين قرب فندق ترامب إنترناشونال وأخذوا يهتفون "يغش.. يكذب.. افتحوا أعينكم". وقال إديث كريسمر وهو مخطط عمراني عمره 78 عاما "أرى أنه شخصية وضيعة... لكن أسوأ ما فيه إثارته فزع الناس وانقسامهم على بعضهم البعض."
أما لويس لوبيرا (38 عاما) فقد استقل مع زوجته وطفله الرضيع قطارا من وستشيستر الواقعة إلى الشمال من المدينة للمشاركة في الاحتجاج المناهض لترامب. وقال "لسنا مواطنين أمريكيين لكن ابننا مواطن أمريكي" بينما كانت زوجته تحمل ابنهما أتلاس البالغ من العمر سبعة أشهر. وأضاف "نريد أن نضمن لابننا حكومة صائبة وصالحة." وقال منظمو احتجاج نيويورك إنهم يعارضون برنامج ترامب بما في ذلك تخفيضاته المقترحة في الإنفاق الاتحادي وبناء سور على الحدود مع المكسيك.
وكتب المنظمون على فيسبوك "دونالد ترامب رئيسنا حرفيا.. لكنه مجازيا يهاجم كل قيمة يجسدها أبناء نيويورك ولا يمثل مصالحنا." ونبعت فكرة الاحتجاجات في (يوم الرؤساء) في لوس انجليس حيث قال حوالي 4300 شخص على فيسبوك إنهم سيشاركون في احتجاج عند مجلس المدينة وفقا لما ذكره المنظمون ثم انتشرت الفكرة لمواقع أخرى عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وفي وسط شيكاجو تجمع نحو 1200 شخص عبر نهر شيكاجو الذي يطل عليه فندق وبرج ترامب إنترناشونال. ورفع الحشد لافتات كتب على بعضها "جسدي اختياري" في إشارة إلى موقف ترامب المعارض للإجهاض و"يسوع كان لاجئا" في إشارة لجهوده لمنع دخول اللاجئين. بحسب رويترز.
وخلال التجمع عزفت مجموعة من 25 موسيقيا أغاني لإلهاب حماسة المشاركين. وقالت إيلين مولوني وهي مصورة من أوك بارك أحضرت معها ابنها البالغ من العمر 12 عاما وابنتها ذات التسعة أعوام "نحن كأسرة مهاجرة نعارض الحظر بقوة... نشعر أن أمريكا تعني الاحتواء لكن كل ما أبداه ترامب كان يعني الانقسام." ولم تعلن شرطة شيكاجو إلقاء القبض على أحد خلال الاحتجاج وهو الأحدث منذ تنصيب ترامب في 20 يناير كانون الثاني. و(يوم الرؤساء) اسم غير رسمي ليوم عطلة بمناسبة مولد جورج واشنطن أول رؤساء الولايات المتحدة وأبراهام لينكولن رئيسها السادس عشر.
مقاومة أمريكية
في السياق ذاته شهد موقع "تويتر" للتواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت، الذي يعد أحد وسائل الدعاية المفضلة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ولادة صفحات بأسماء "بديلة" لأشخاص زعموا أنهم موظفون في هيئات حكومية فدرالية أمريكية ردا على حذف تغريدات من الصفحات الرسمية لهذه الهيئات بسبب موقف الرئيس الجديد من مضمونها، في ظاهرة وصفت بحركة "مقاومة" ضد إدارة ترامب.
وخرج البعض على تويتر بأسماء "بديلة" حيث زعموا أنهم موظفون في الحكومة الفدرالية يمارسون حقهم في حرية التعبير، وتصاعدت هذه المقاومة لتتحول إلى حركة. ونثرت أولى بذور التمرد "وكالة المتنزهات القومية" التي تعرضت لهجوم من الإدارة الجديدة بسبب الصور التي نشرتها على موقعها وتظهر حجم الحشد الذي حضر لمشاهدة تنصيب ترامب مقارنة مع الحشد الذي شاهد تنصيب الرئيس السابق باراك أوباما قبل ثماني سنوات. وبعد شطب هذه التغريدات، صدرت تغريدات من حساب باسم وكالة المتنزهات القومي—الذي ذكرت بعض التقارير أن صاحبه موظف سابق في الوكالة - يوفر روابط لدراسات حول التغير المناخي، وعندما تمت إزالة هذه الروابط، ظهر حساب جديد لوكالة المتنزهات على تويتر وحصل على 1,2 مليون متابع خلال أيام قليلة.
ووصف الحساب بانه "فريق #المقاومة غير الرسمي لجهاز المتنزهات". وقالت هذه المجموعة في واحدة من أولى تغريداتها "لا نريد أية مشاكل. كل ما نريده هو استمرار تدفق علوم المناخ التي تشتمل على حقائق دقيقة، إلى المؤسسات الأمريكية". وخلال الأيام القليلة التي تلت ظهرت عشرات حسابات تويتر "المتمردة" أو "البديلة" ومن بينها حساب يتعلق بالإدارة القومية للمحيطات والغلاف الجوي (لوكالة الفضاء)، وحساب بديل لإدارة الأغذية والأدوية. وظهر حساب آخر باسم "حقائق بديلة" على تويتر أصبح له أكثر من 150 ألف متابع، ويهدف إلى توفير البيانات التي قد تخفيها وكالة حماية البيئة.
وجاء على هذا الحساب "قد يستطيع أن يأخذ حسابنا الرسمي على تويتر، ولكنه لن يستطيع أبدا أن يأخذ حريتنا" مضيفا "نقاوم بشكل غير رسمي". وبدأت هذه الرسائل في جذب الانتباه مع هاشتاغات من بينها "قاوموا ترامب" و"حقائق عن المناخ"، رغم أنه لم يتضح ما إذا كانت هذه الرسائل مصدرها الموظفون الفدراليون أنفسهم. وطبقا لعدد من التغريدات فإن عددا من حسابات تويتر نقلت إلى أشخاص خارج الحكومة لتجنب أية إجراءات عقابية. ونفى المتحدث باسم البيت الأبيض شون سبايسر أن تكون الإدارة تحاول قمع حرية التعبير بين موظفي الإدارة الفدرالية.
وقال ردا على سؤال حول ما إذا كان البيت الأبيض قد أمر بحملة قمع "لم يصدر أي شيء بهذا الشأن من البيت الأبيض". ولكن وبحسب صحيفة "واشنطن بوست" فقد أعرب ترامب شخصيا عن غضبه لرئيس وكالة المتنزهات القومية بسبب صور التنصيب، وأمره بأن ينشر صورا تظهر أعدادا أكبر من الحشود في حفل تنصيبه. وقال فيليب هاورد الأستاذ في معهد "أوكسفورد إنترنت" الذي درس دور مواقع التواصل الاجتماعي في الربيع العربي، إنه يرى بعض التشابه بين هذه الأحداث.
وقال هاورد "عندما تحاول الحكومات إغلاق موارد المعلومات، يبدأ الناس في البحث عن سبل جديدة للتعبير عن أنفسهم وتبادل المعلومات". وأضاف "كانت المقاومة عبر مواقع التواصل الاجتماعي جزءا مهما من الربيع العربي، حيث استخدم المحتجون مواقع التواصل الاجتماعي بنجاح لتحويل حركة الاستياء إلى احتجاجات واسعة في الشوارع. ومن الصعب الآن معرفة ما إذا كانت وسائل التواصل الاجتماعي سيكون لها نفس الدور في الولايات المتحدة، لأن ترامب وفريقه للاتصالات السياسية ناشط بالفعل على تويتر وفيسبوك".بحسب فرانس برس.
ووصف جون وندرليتش المدير التنفيذي لمؤسسة "صانلايت" التي تدعو إلى الشفافية في الحكومة، هذه التحركات بأنها غير مسبوقة. وأوضح "هذا نوع جديد من المقاومة الجماعية يقوم به موظفون يشعرون أنهم لا يستطيعون التحدث إلى الناس، ويجدون قنوات بديلة". وقال "المذهل هو استجابة عامة الناس التي تنشر هذه الأصوات". إلا أن وندرليتش قال إن مساعي إدارة ترامب لمنع انتشار البيانات أثارت مخاوف حول قيمة المعلومات الصادرة من الحكومة. وأضاف "ما نراه من البيت الأبيض هو توجه مناهض للعلوم وللحكومة وللخدمة المدنية، وتسييس واسع للعاملين في الحكومة الفدرالية". وأشار إلى أن "جميع المعلومات الصادرة من الحكومة تحت إدارة ترامب ستكون محل شك". ولكن لأن أي شخص بإمكانه فتح حساب على تويتر والزعم بأنه يمثل مقاطعة ما، فإنه سيصبح من الصعب التفريق بين الحقيقة والتضليل، بحسب وندرليتش. وقال إن "ذلك يعني أن هناك حاجة إلى نموذج جديد من التحقق، إلا أن أحدا لم يتوصل إلى مثل هذا النموذج".
ترامب يهدد
الى جانب ذلك هدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بقطع التمويل عن جامعة كاليفورنيا في بيركلي بعدما حطم محتجون نوافذ وأشعلوا حرائق داخل الجامعة ذات التوجهات الليبرالية مما تسبب في إلغاء لقاء مع صحفي من أقصى اليمين يعمل بشبكة بريتبارت نيوز. وكتب ترامب على تويتر قائلا "إذا كانت جامعة كاليفورنيا في بيركلي لا تسمح بحرية التعبير وتمارس العنف ضد أناس أبرياء لهم آراء مختلفة- فلن تحصل على أموال اتحادية."
ويدرس 38 ألف طالب في الجامعة التي لها تاريخ طويل في النشاط السياسي. ولم يتسن على الفور الاتصال بممثلين للجامعة للحصول على تعقيب. وشأنها شأن جامعات أمريكية رئيسية أخرى تعتمد بيركلي على أموال الوكالات الاتحادية في المنح التعليمية وغيرها من أشكال الدعم. وقبل ساعات من كلمة كان ميلو يانوبولوس الصحفي البارز بالشبكة الاخبارية أمام اتحاد الطلاب بالجامعة اشتبك المئات من المحتجين مع الشرطة داخل الحرم الجامعي. بحسب رويترز.
وقال أحد المحتجين لمحطة تلفزيون (سي.إن.إن) الاخبارية الأمريكية "لقد أوقفنا الحدث. هذا رائع. أنجزنا المهمة." وأبلغ يانوبولوس -الذي جرى تعليق حسابه على تويتر العام الماضي بعد اتهامه بالمشاركة في تحرش عبر الانترنت بممثل أسود- محطة تلفزيون فوكس نيوز أن حراسه والشرطة سارعوا إلى إبعاده إلى مكان آمن بعدما بدأ المحتجون إلقاء الحجارة. وهتف مئات المتظاهرين، بينهم الكثير من الطلاب، "اوقفوه" وحطموا نوافذ في حرم الجامعة واضرموا النيران في الواح خشبية واطلقوا مفرقعات وحجارة على شرطة مكافحة الشغب التي ردت باطلاق الغاز المسيل للدموع.
ودفعت اعمال العنف السلطات الى اغلاق ابواب الجامعة كما تم الغاء زيارة ميلو يانوبولوس المقررة رغم نفاذ البطاقات بالكامل للاستماع الى الصحافي البريطاني المؤيد لترامب ويعتبر من وجوه "اليمين البديل" المتطرفة في الولايات المتحدة. وتمول الحكومة الفدرالية نحو نصف الابحاث التي تجريها الجامعة، بحسب موقعها الالكتروني. الا ان بيركلي تعاني منذ سنوات من تقلص ميزانيتها وعجز في الانفاق.
ويعرف عن يانوبولوس، محرر قسم التكنولوجيا في موقع برايتبارت، تعليقاته الاستفزازية على مواقع التواصل الاجتماعي حتى انه منع من استخدام تويتر في تموز/يوليو لاتهامه بالتحريض على الهجوم الذي تعرضت له الممثلة السمراء ليسلي جونز بطلة فيلم "غوست باسترز". وادت تظاهرات مشابهة في جامعة كاليفورنيا في دايفس الى الغاء كلمة ليانوبولوس وللمسؤول السابق في قطاع صناعة الادوية مارتن شكريلي الذي قام برفع سعر احد ادوية السرطان بشكل قياسي. وكانت مجموعات طلابية من التيار المحافظ نظمت كلمتي يانوبولوس في دايفس وبيركلي.
كما الغيت دعوة مماثلة لالقاء كلمة في فرع الجامعة في لوس انجليس. ونفى مسؤولون في فروع الجامعة الثلاثة ان يكونوا وجهوا دعوات الى يانوبولوس او يؤيدون افكاره الا انهم أكدوا التزامهم بمبدأ حرية التعبير. ووقع اكثر من مئة مدرس في كلية بيركلي رسالتين وجهتا الى عميدها تحضه على الغاء اللقاء. ونصت احدى الرسالتين "مع اننا نحتج بشدة على آراء يانوبولوس المؤيدة لتفوق البيض والمعادية للمتحولين جنسيا والنساء، الا اننا نريد لفت النظر الى ان سلوكه المؤذي هو السبب في طلبنا الغاء الحدث". واشاروا الى ما حصل في جامعة ميلووكي في كانون الاول/ديسمبر عندما قام يانوبولوس الذي يشن حملة شرسة ضد المثليين بالتهكم علنا على طالبة متحولة جنسيا وعرض صورتها واسمها على الشاشة.
اضف تعليق