محادثات جنيف الجارية حالياً بين الحكومة السورية والمعارضة، من اجل الوصول الى اتفاق سلام جديد ونهائي، وعلى الرغم من الآمال المعقودة عليها ربما ستكون بحسب بعض المراقبين محادثات غير ناجحة بسبب اختلاف وجهات النظر بين الخصوم، يضاف الى ذلك انها تجري في ظل تجاذبات إقليمية ودولية كبيرة سيكون لها اثر كبير على هذه المحادثات، خصوصا وان بعض الإطراف الإقليمية الداعمة للمعارضة (المنقسمة) تسعى الى عرقلة اي اتفاق جديد لحسم الأمر في سورية، من خلال فرض شروط ومقترحات مسبقة ترفضها الحكومة السورية وحلفائها.
وطبيعة هذه المفاوضات في شكلها الحالي كما يرى بعض الخبراء، لا توحي أنها تسير بشكل إيجابي وتخدم إمكانية التوصل إلى توافق، كما ويبدو أن الدول الراعية لعملية التفاوض الجارية ماتزال مختلفة فيما بينها سياسياً، وكذلك الدول الإقليمية غير متوافقة سياسياً، وهذا الأمر واضح وظاهر، ويمكننا ببساطة أن نلمس هذه التباينات الكبيرة بين الأطراف الراعية لهذه المفاوضات.
وفي هذا الشأن قال مبعوث الأمم المتحدة الخاص لسوريا ستافان دي ميستورا إنه لا يتوقع انفراجة فورية في محادثات السلام السورية لكنه يتوقع محادثات مثمرة تفضي لاستئناف المفاوضات بهدف التوصل إلى حل سياسي ينهي الصراع المستمر منذ ست سنوات. وستكون المحادثات أول مفاوضات سورية تجري بوساطة الأمم المتحدة منذ نحو عام تغير خلاله الوضع العسكري والجيوسياسي بشكل تام. ومع ذلك من المرجح أن تطفو على السطح بعض الخلافات.
وقال دي ميستورا إن روسيا التي دعمت المكاسب العسكرية للرئيس بشار الأسد طلبت من الحكومة السورية "وقف القصف الجوي في المناطق التي ينطبق عليها وقف إطلاق النار" أثناء المفاوضات. وأضاف أن الدول القريبة من المعارضة دُعيت أيضا إلى حثها على الحد من الاستفزازات. وتساءل دي ميستورا في مؤتمر صحفي "هل أتوقع انفراجة؟ لا.. لا أتوقع انفراجة... لكني أتوقع وأصر على الحفاظ على قوة دفع نشطة للغاية."
وقال إنه يأمل ألا يحاول أي طرف عرقلة المحادثات من خلال استفزاز الآخر مشيرا إلى أن قوة الدفع نحو حل سياسي أمر ضروري لإحباط أولئك الذين يسعون لتخريب جهود السلام. ومضى يقول "هناك سباق بيننا وبين المخربين. علينا أن نسبق أولئك المخربين وهم قلة وإن كانوا واضحين من خلال إعطاء دفعة للمسار السياسي وأعتقد أنه يمكننا أن نسعى لذلك." وفي حين ستركز محادثات جنيف على الوضع السياسي قال دي ميستورا إنه يتوقع جولات محادثات أخرى في آستانة عاصمة قازاخستان التي دعت إليها روسيا وتركيا وإيران للتعامل مع وقف إطلاق النار والقضايا الإنسانية بما في ذلك قضية السجناء.
وأحجم دي ميستورا عن مناقشة صيغة محادثات جنيف لكنه أوضح أن المفاوضات ترتكز على قرار مجلس الأمن الدولي 2254 الذي يشير إلى إقامة نظام حكم لا يقصي أحدا وصياغة دستور جديد وإجراء انتخابات حرة ونزيهة. وعبر دي ميستورا عن رفضه لأي شروط مسبقة. وقال "سنرفض بشدة الدخول في شروط مسبقة وفي الحقيقة سوف أرفض هذا الأمر."
ورقة عمل
على صعيد متصل سلم مبعوث الأمم المتحدة ستافان دي ميستورا ورقة عمل إلى وفدي الحكومة السورية والمعارضة تركز على القضايا الإجرائية والعملية السياسية لكن من غير المرجح فيما يبدو أن يعقد الجانبان مفاوضات مباشرة قريبا. وجلس طرفا الحرب وجها لوجه في قاعة بالمقر الأوروبي للأمم المتحدة في جنيف للمرة الأولى في ثلاث سنوات للاستماع إلى وسيط الأمم المتحدة ستافان دي ميستورا الذي حثهم على التعاون لإنهاء الصراع المستمر منذ ست سنوات. لكن التوترات كانت واضحة بين المشاركين في المراسم الافتتاحية.
وفي بيان مقتضب بعد مناقشات استغرقت نحو ساعتين قال كبير مفاوضي الحكومة السورية بشار الجعفري للصحفيين "تطرقنا خلال هذه المحادثات إلى شكل الاجتماعات المقبلة وأعني بذلك تطرقنا إلى مسائل تتعلق بشكل الجلسة فقط." وأضاف قائلا "في نهاية الاجتماع تسلمنا ورقة من السيد دي ميستورا واتفقنا أن ندرس هذه الورقة على أن نعود عليه في الجلسة القادمة بموقفنا من محتويات هذه الورقة."
وعمد الجعفري إلى تصحيح كلمة "وثيقة" التي استخدمها المترجم قائلا إنه تسلم "ورقة" وليس "وثيقة". ولم يذكر أي تفاصيل ولم يرد على أسئلة. وعقد دي ميستورا لقاءات ثنائية مع الوفدين لوضع خطة عمل للجولة الحالية من المفاوضات التي قد تمتد إلى أوائل مارس آذار. وقال وفد المعارضة -الذي لا ينضوي بشكل كامل تحت مظلة واحدة- إنه تلقى "ورقة" أيضا. وكرر رئيس وفد المعارضة نصر الحريري في مؤتمر صحفي القول بأن الأولوية لدى المعارضة هي البدء في المفاوضات على "انتقال سياسي" يجري خلاله تشكيل هيئة حكم انتقالية مشيرا إلى أن المعارضة لن تتراجع عن مطالبها بتنحي الرئيس السوري بشار الأسد.
وقال "سمعنا منه (دي ميستورا) كلاما إيجابيا ورأينا اقتراحات وأفكارا متحمسة أكثر من السابق باتجاه الخوض بجدية في عملية الانتقال السياسي." وأضاف الحريري قائلا "الانتقال السياسي من وجهة نظرنا هو هيئة الحكم الانتقالية." وقال مايكل كونتيت مدير مكتب دي ميستورا إن المحادثات ستركز على قرار مجلس الأمن الدولي 2254 الذي يدعو إلى دستور جديد لسوريا وانتخابات تحت إشراف الأمم المتحدة وحكم يتسم بالشفافية ويخضع للمحاسبة. وأضاف قائلا للصحفيين "ستكون عملية طويلة وصعبة ويجب عدم توقع أي انفراجة علنية مبكرة." وقال إنه يبدو صعبا في الوقت الحالي جمع الطرفين في لقاء وجها لوجه. بحسب رويترز.
وفي محادثات جنيف السابقة قبل حوالي عشرة شهور اضطر دي ميستورا للتنقل بين الوفود التي لم تجتمع قط في قاعة واحدة. وحققت المفاوضات تقدما بطيئا لكن جرى تعليقها مع تصاعد الحرب. وقال دبلوماسي غربي بارز إنه لا يتوقع تقدما كبيرا. وأضاف قائلا "ستافان قال مؤخرا إن طموحه كان إجراء محادثات مباشرة لكنني لا يمكنني التكهن بِأن يحدث ذلك. تخميني هو أنها ستكون مثل العام الماضي.. محادثات غير مباشرة."
روسيا وحرب الكواليس
في السياق ذاته تواجه أول محادثات للسلام في سوريا برعاية الأمم المتحدة منذ نحو عام خطر الغرق في بحر التفاصيل مع انشغال المسؤولين بمن سيقابل من .. لكن خلف الكواليس يقول دبلوماسيون إن معظم الخيوط تتجمع في يد روسيا. وكانت روسيا والولايات المتحدة المحركتان الرئيسيتان وراء محادثات السلام السابقة التي توقفت مع احتدام الحرب. والآن وقد اختارت الولايات المتحدة أن يكون موقفها الدبلوماسي هو الجلوس في مقاعد المتفرجين فإن روسيا التي حول تدخلها العسكري دفة الحرب في سوريا وساعدت الرئيس بشار الأسد في استعادة حلب هي التي ستكون لها الكلمة الأولى على الأرجح.
لكن ما تريد تحقيقه في نهاية المطاف لم يتضح بعد ليصبح السؤال الصعب هو: ماذا تريد روسيا؟ قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مراسم عسكرية بينما بدأت محادثات جنيف "مهمتنا هي تحقيق استقرار السلطات الشرعية وتوجيه ضربة قاضية للإرهاب الدولي وحسب." وسعت موسكو إلى إحياء المساعي الدبلوماسية منذ ساعدت قواتها الجوية الجيش السوري والفصائل المسلحة المتحالفة معه في هزيمة مقاتلي المعارضة في حلب في ديسمبر كانون الأول الماضي وهو أكبر انتصار يحققه الأسد في الحرب المستمرة منذ ستة أعوام.
وانضمت روسيا إلى تركيا وإيران لرعاية مفاوضات بين الأطراف السورية في آستانة عاصمة قازاخستان لإعادة تطبيق وقف هش لإطلاق النار وحاولت أن توسع نطاقها لتشمل جوانب سياسية حتى أنها كشفت عن مسودة دستور مقترحة وضعتها موسكو. ومع اضطلاع محادثات آستانة بمسألة وقف إطلاق النار تجد محادثات جنيف نفسها أمام ملف الأزمة السياسية وتفويض الأمم المتحدة لمناقشة دستور جديد وإجراء انتخابات تحت إشراف المنظمة الدولية بغية إقامة حكم يتسم بالشفافية ويخضع للمحاسبة. وهناك مجال لتفسيرات مختلفة وليس واضحا مدى استعداد روسيا لممارسة ضغط على الحكومة السورية للوصول إلى اتفاق سياسي مع المعارضة.
وتؤيد روسيا تشكيل حكومة وحدة وطنية وقال دبلوماسي أوروبي كبير ساخرا إن هذا يعني الاستعانة ببضعة معارضين لإدارة وزارة الرياضة مع ترك سلطات الأسد دون أن تمس. وأضاف "لو كانوا يريدون تحريك الأمور بوسعهم أن يعطوا الأسد بطاقة الصعود إلى الطائرة وأن يرسلوه إلى كراكاس."
وتريد المعارضة أن يتخلى الأسد الذي يحكم سوريا منذ 17 عاما عن السلطة. ووصف سفير روسيا في جنيف أليكسي بورودافكين هذا المطلب بأنه سخيف. وتأمل القوى الأوروبية التي تدعم مقاتلي المعارضة أن يؤثر على روسيا احتمال أن يسهم الاتحاد الأوروبي في فاتورة إعادة إعمار سوريا التي ستكون بعشرات المليارات من الدولارات إذا تمكنت جميع الأطراف من التوصل لاتفاق سياسي لإنهاء الصراع. لكن بورودافكين رفض ذلك قائلا إن روسيا قدمت مساعدات ضخمة لسوريا وإنها أنقذت أوروبا من تدفق سبعة ملايين سوري عليها عبر دعمها للنجاحات العسكرية للأسد.
ربما يعطي الدعم العسكري الروسي لموسكو نفوذا على الأسد لكن ليس واضحا ما إذا كانت ستحاول وقف حملاته العسكرية أم ستدعمه حتى النهاية. ومازال وقف لإطلاق النار صامدا ولو من الناحية الشكلية في معظم أنحاء سوريا لكنه لا يشمل الجماعات التي تصنفها الأمم المتحدة إرهابية أو تلك التي تقول روسيا إنها مرتبطة بها. ويعتبر كثيرون أن هذا بمثابة إتاحة فرصة للأسد لاستهداف معارضيه بلا قيود. وعلى الرغم من دعوة روسيا للحكومة لوقف الضربات الجوية قبل المحادثات فإن القتال استمر وتقصف الطائرات السورية مناطق خاضعة لسيطرة المعارضة في محافظات حلب ودرعا وحماة فيما يطلق مقاتلو المعارضة الصواريخ على أهداف حكومية.
وقال دبلوماسي غربي كبير "ليس أمامنا خيار سوى أن نلعب بطريقة روسيا ونحاول التصدي لمحاولات تحقيق أقصى انتصار عسكري والسعي لإعادتهم إلى جنيف ونأمل التمكن من تحقيق شيء هنا." وأضاف "يظل الموضوع غير المحسوم... هل سيكون هناك اتفاق وكيف سيبدو هذا الاتفاق الذي يمكن أن تقبل به روسيا." ولا تزال هناك تساؤلات حول ما إذا كان لروسيا أي تأثير على إيران حليفة الأسد الأخرى والفصائل التي تدعمها أو ما إذا كانت تغض الطرف عنها بينما تتطلع لتعزيز المكاسب الميدانية التي حققتها مؤخرا. بحسب رويترز.
وقال الدبلوماسي نفسه "النظام (السوري) وحزب الله يريدان تطهير المناطق المحيطة بدمشق التي ما زالت تمثل تهديدا للعاصمة." وأضاف "سيتوجهان بعد ذلك صوب إدلب أو درعا في الجنوب." وحتى الآن لا توجد أدلة تذكر على ممارسة موسكو ضغطا على وفد الحكومة. وتشير مسودة الدستور المقترحة التي وضعتها روسيا إلى استمرار الأسد لعدة ولايات رئاسية مدة كل منها سبع سنوات. وقال فاسيلي كوزنتسوف الخبير بالمجلس الروسي للشؤون الدولية "ليس لدى الروس أي موقف فيما يتعلق بالأسد نفسه." وأضاف أن مصير سوريا يقرره السوريون وأن الحكومة الروسية مستعدة للتعايش مع نتيجة انتخابات تشرف عليها الأمم المتحدة.
أمريكا ومحادثات جنيف
الى جانب ذلك حاول وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون طمأنة الحلفاء بأن واشنطن لا تميل إلى جانب موسكو بشأن الصراع السوري وأبلغهم بأن الولايات المتحدة تؤيد جهود الأمم المتحدة للتوسط في حل سياسي للحرب. وقال تيلرسون إن العلاقات العسكرية مع روسيا تعتمد على موقفها من المعارضة المسلحة التي تقاتل حكومة الرئيس بشار الأسد الذي تدعمه موسكو. والتقت دول معارضة للأسد للمرة الأولى منذ تنصيب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في محاولة لإيجاد أرضية مشتركة قبل مفاوضات السلام التي تدعمها الأمم المتحدة في جنيف.
وكانت كل الأنظار متجهة إلى واشنطن ونهجها بشأن إنهاء الحرب في سوريا في ضوء وعود ترامب بتعزيز العلاقات مع روسيا لا سيما في الحرب على تنظيم داعش. وسياسة الرئيس الأمريكي بشأن سوريا غير واضحة. وقال دبلوماسيون غربيون إن تيلرسون أكد في محادثات على هامش اجتماع لوزراء خارجية مجموعة العشرين على أهمية التمسك بجهود الأمم المتحدة للتوصل إلى حل سياسي يقوم على قرار مجلس الأمن 2254 وبرعاية المبعوث الخاص إلى سوريا ستافان دي ميستورا. وتدعم الولايات المتحدة ودول خليجية عربية وتركيا قوات من المعارضة المسلحة لكن الوضع معقد بسبب دور الفصائل الإسلامية المتشددة -بما فيها تنظيم داعش- في الحركة المناهضة للأسد. وتعارض واشنطن وموسكو تلك الفصائل المتشددة.
من جانب اخر قال مصدر دبلوماسي أميركي أن المبعوث الأمريكي إلى سوريا، مايكل راتني، سيمثل إدارة الرئيس دونالد ترامب في محادثات جنيف بشأن سوريا. وأشار المصدر إلى أن راتني سيبقى على اتصال وثيق مع الأمم المتحدة، ومع وفد المعارضة السورية في المحادثات التي ستقودها الأمم المتحدة.
اضف تعليق