نعني بالتناغم هو الانسجام وعدم التنافر بين قطبين أو طرفين، عاطفة المرأة رمزها وعقل الرجل علامته الفارقة، بتوافق العاطفة والعقل يتم وضع الأسس الأولية لصنع أسرة متميزة، من الجميل أن يشعر الإنسان بالاهتمام والحب، فالكائن البشري بطبيعته يبحث عن الاهتمام وينجذب نحو من يعطيه الرعاية، ولعل أفضل طريقة لإظهار الاهتمام هي الهدية.

تتعدد أنواع الهدايا، فربما تكون الهدية رمزية أو ثمينة أو حتى معنوية، وتختلف طبيعة الهدايا حسب العلاقة بين الشخص المُهدي والشخص الذي تُهدى له، ويرجع الاختيار الى ذوق من يقدم الهدية للآخر، وحسب إمكانياته.

من أهم عناصر الأسرة الأطفال، الزوج والزوجة يبحثان دائما عن أفضل السبل والهدايا لإسعادهم، ولكن هناك أشياء فوق الأموال والماديات لا تقدر بثمن !يجب أن يعرف الأبوان بأن أكبر هدية يمكن تقديمها لأطفالهما، هي أن تمنحهم جانبا من اهتمامك، وهذا الأمر لن تكون قادرا عليه إذا لم يكن هناك تناغما وتعالقا بين العاطفة والعقل، وتقاربا وتناغما بين الزوجة والزوج.

السعادة كما هو متَّفق حلم الجميع، بينما يسعى البعض للعثور عليها وليس صنعها، هناك أزواج أذكياء يتنعمون بها، حيث يكمن الفرق في رؤية الناس الى الأمور، بعضهم يلهث وراء اكتناز الأموال، وآخرون يركضون وراء سراب الآمال الضائعة، ومنهم من يظن أن السعادة تتحقق بالحصول على بعض الأشياء كالبيت والسيارة ورصيد في احد البنوك، لكن هؤلاء لا يحصلون على السعادة أبدا لأنهم عقدوا أحلامهم وسعادتهم بأشياء زائلة وهمية مادية لا يمكنها إسعاد الروح ولا يمكنها صنع التناغم العاطفي بين الزوجين، بل على العكس ربما تكون عامل تهشيم للأسرة وتعقيد الأطفال بعد أن تثور المشاكل المادية بين الأب والأم.

هناك نوع آخر من الأشخاص نقصد بهم البسطاء من الذين يفرحون بوردة، ويقدرون اللحظات الجميلة ومع كل لحظة هادئة للأسرة يشكرون خالقهم على كل الأشياء البسيطة التي تزرع الإيمان في حياتهم .قلوبهم الشفافة هي الشيء الوحيد الذي يمتلكونه في هذا العالم، ولكن هذا القلب رغم صغر حجمه يمكنه أن يسع الكون كله، ويغنيهم عن ألف بيت وسيارة ورصيد وما شابه.

تقول إحدى الزوجات.. منذ الصغر لم أكن احلم بشيء سوى السعادة، لا تهمني مظاهر البذخ، بل يكفيني أن أكون في كوخ صغير أعيش فيه مرتاحة مع أهلي، كنت أظن أنني في منتهى القناعة عندما لم اطلب شيئا سوى السعادة بين أهلي، ولكن بعد ذلك أدركت أن ما أريده ربما هو حلم الجميع، خصوصا بعد أن تعرفت على تلك الطالبة التي انضمت إلينا في المدرسة، كانت تمتلك كل شيء، فهي تكتب بأفضل الأقلام، وتمتلك أجمل حقيبة مدرسية، وحذاؤها الرياضي كان حلم كثير من البنات ولكن هي لم تكن سعيدة قط.

كانت تنتبذ أحد أركان الساحة المدرسة وتجلس وحيدة، تأتي معها بأشهى المأكولات، ولكن مع كل قضمة تجرع كأس الألم، وبعد أن استطعت كسر الحاجز الفاصل بينها وبيننا، عرفت بأنها تمتلك كل شيء وتفقد كل شيء في آن واحد!.

إنها طفلة المدرسة المدللة التي لم أرها سعيدة ولو للحظة واحدة رغم مظاهر الغنى التي كانت تبدو عليها، لقد كانت تمتلك كل شيء ولكنها كانت تفتقد شيئا أساسيا في الحياة، إنها تخلو من الاستقرار النفسي فالقلق كان يحيط بها من كل صوب، وكانت السعادة حلم بعيد المنال بالنسبة لها.

لقد كانت تملك جميع مستلزمات الحياة، لكنها تفتقد طعم الحياة.. حتى تبدو كأنها جسد بلا روح، لأنها لم تعرف معنى الحب !وقد تبين لي فيما بعد أن والديها كانا في شجار مستمر، فانعكس هذا الصراع والشجار القاسي وغياب التناغم العاطفي على حياتها بشكل كبير.

تلك الطفلة لا زالت صورتها شاخصة حتى هذه اللحظة في ذاكرتي، إذاً ما فائدة الثراء والغنى والبذخ والمال والسيارة والقصور إذا لم تكن السعادة الأسرية ترفرف فوق رؤوس الأطفال والكبار معاً من خلال العيش تحت ظلال التناغم العاطفي بين الزوج والزوجة؟.

بلا شك أن حلم جميع الآباء والأمهات هو أن يهدوا لأطفالهم أفضل الهدايا وأفضل حياة مستقرة وناجحة، فمن أجل تحقيق هذا الهدف يتحمّل الأب جميع المصاعب لإيجاد لقمة العيش المناسبة، حتى يهيئ لأطفاله بيتا مريحا ومستلزمات حياة مرفّهة تنعم بالسكينة والهدوء، وربما يقضي الأب ساعات كثيرة وطويلة في عمل شاق، فقط كي يحصل على أجور أفضل حتى يمكنها أن تسد احتياجات الأطفال وجميع أفراد العائلة، وعندما يدخل الأب الى البيت ويرى أطفاله سعداء وزوجته هانئة يذوب الشقاء والتعب كله في أجواء السعادة والاستقرار والهناء.

بعض الآباء ربما يهمل نفسه وصحته من أجل أطفاله، وقد لا يتردد من الكدّ والعمل في أقسى وأشقّ المهن ليكسب أكثر من أجل أطفاله وأسرته، لكنه ينسى احتياجهم الأهم ونقصد به الحب، فما فائدة أن تأتي لهم بمليارات الدنانير وهم يفتدون لحبك وحنانك، وما فائدة أسرة تخلو من تناغم العاطفة والعقل بين الزوجة والزوج، فهذا التناغم العاطفي هو الذي يصنع الأسرة المستقرة المتميزة الناجحة.

الأم تتعب أيضا من أجل صغارها وتحرم نفسها من ملذات كثيرة، كي تقدم لأطفالها ما يتمنون ولكن تنسى احتياجهم الأهم ألا وهو الحب الذي يصنعه الانسجام والتناغم العاطفي العقلي بينها وبينها زوجها، وفي بعض الأحيان ينسى كلا الوالدين بأن الطفل لا يحتاج الى أموال وألعاب وملابس فقط، بل هو يحتاج الى الحياة المكللة بالمشاعر والعاطفة المتوقدة والاهتمام الذي لا يمكن أن يحصل عليه إلا عندما يحصل الانسجام والتناغم والتوافق النفسي العاطفي بين الأبوين.

نعم يفرح الطفل ببعض الهدايا المادية كالدمى وما شابه، ولكن يبقى الجانب الروحي لديه في عطش دائم لا يرويه إلا الحب والسعادة التي يصنعها الأبوان، لذلك فإن أفضل هدية باستطاعتك أن تقدمها لأطفالك هي أن تكون سعيدا في زواجك، كي يدرك الأطفال معنى الراحة والطمأنينة لأنهم عندما يكون الأب سعيدا في زواجه والأم كذلك، فلا يوجد هناك أي أثر للمجادلات والكلمات السلبية فيما بينهم، وهذا يتم عندما ينسجم الزوجان عاطفيا.

إذا حاول أن تمنح لأطفالك أفضل هديه في الحياة، ألا وهي.. أن تكون سعيدا في حياتك الزوجية!.

اضف تعليق


التعليقات

محمد رجب
مصر
الهدايا شئ رائع وكما في الحديث الشريف "تهادوا تحابوا" ومن الرائع ان يكون هناك توازن في الهدايا بين الهدايا المادية والهدايا المعنوية، فلا هذه تغني عن تلك أو العكس2020-01-18