q

لا يمكن لمن يطلع على تاريخ آل سعود أن يجعلهم في مصاف الأقوام البشرية فضلا عن انتمائهم إلى الإسلام، بهذه الحصيلة سيخرج كل من يقرأ التاريخ الدموي والوحشي البشع لتلك الأسرة والذي فاق في همجيته وفظاعته تاريخ أكثر الأقوام سادية عبر التاريخ البشري بل تخطى تاريخهم الأسود في بشاعته وظلاميته وإجرامه بحق الأبرياء حتى العصور المظلمة التي سادت فيها التصفيات العرقية والجنسية والدينية.

إن النزعة الوحشية التي جبلت عليها هذه الأسرة الدموية كانت وراء ارتكابها أفظع الجرائم ليس بحق المسلمين وحدهم فقط بل بحق الإنسانية جمعاء فلم يكن شيء أحب إلى نفوسهم المريضة من التلذذ بالدماء وقطع الرؤوس وقتل الأطفال وسبي النساء والسلب والنهب والحرق والتخريب والفساد في الأرض حتى امتلأ تاريخهم بهذه الأعمال الإجرامية وأصبحوا وصمة عار بين تواريخ الأمم.

ومن أراد أن ينظر إلى بعض تلك الجرائم في الماضي بعين الحاضر فلينظر إلى جرائم (داعش) الإبنة الشرعية للفرقة الوهابية والتي تبنتها أمريكا وغذتها فتاوى وعاظ آل سعود المنحرفة وعقائدهم الفاسدة والتي شوهت التاريخ الإسلامي وخالفوا وكفروا بها جميع المذاهب الإسلامية واتخذوا من عجلهم (ابن تيمية) وسامريهم (محمد عبد الوهاب) أربابا من دون الله.

إن الآراء الفاسدة والعقائد المنحرفة التي تبناها آل سعود وكفروا فيها باقي المسلمين حاولوا تطبيقها بالسلاح والبطش والدماء وارتكبوا من أجل تحقيقها المجازر التي يندى لها تاريخ البشرية ولم يرضخوا لأي منطق للحوار حولها ورفضوا أي دعوة للنقاش بل كفروا واستباحوا دماء كل من خالفها من المسلمين وقد استوفى تفنيد تلك العقائد وإثبات بطلانها وإظهار فسادها وانحرافها بالبراهين الشرعية من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة والأدلة العقلية والقطعية السيد محسن الأمين العاملي في كتابه (كشف الإرتياب في أتباع محمد عبد الوهاب) حيث لم يدع هذا الكتاب مجالا لأدنى شك للقارئ بأن هذه الفرقة الضالة المضلة هي ليست خارجة عن الإسلام فقط بل عن جميع القيم والمبادئ السماوية السامية وخارجة أيضا عن جميع القوانين والأعراف الإنسانية.

أما جرائمهم بحق المسلمين فهي كثيرة تنوعت بين غاراتهم على المدن والقرى الآمنة وقتل أهلها وبين التعرض لقوافل الحجاج وقتل أفرادها وسلبهم أموالهم وأمتعتهم ومن أبشع جرائمهم بحق الإسلام والمسلمين والإنسانية جمعاء، جريمتهم في إبادة مدينة آمنة مطمئنة مؤمنة بالله وبرسوله يقيم أهلها الصلاة ويؤتون الزكاة، ألا وهي جريمة غارتهم على مدينة كربلاء المقدسة عام (1216هـ/1802م) تلك الجريمة التي تقشعر لها الأبدان وتشمئز منها النفوس والتي بلغت من البشاعة والقسوة والفظاعة أن أثارت مشاعر السخط والغضب حتى لدى غير المسلمين فوصفتها المصادر الغربية بـ (الغارة الوحشية) المقززة للنفوس والمستفزة لأعمق مشاعر السخط والغضب.

لقد كانت هذه الغارة مدروسة مسبقا وأختير لها وقتا مناسبا وهو يوم (18 من ذي الحجة) وهو يوم الغدير حيث يخرج معظم أهالي كربلاء والمدن العراقية الأخرى إلى النجف الأشرف لزيارة قبر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع) فكان اختيار هذا اليوم للهجوم على المدينة من الأساليب الدنيئة والجبانة التي عادة ما يستخدمها الوهابيون في غزواتهم وقد أجمعت المصادر على هول تلك الفاجعة حتى سميت بحادثة الطف الثانية.

وسنستعرض أولا أقوال بعض المؤرخين والمستشرقين في وصف هذه الحادثة الأليمة محاولين قدر الإمكان الإلمام بأدق تفاصيلها ثم نتحدث عن الخسائر في الأرواح وأسماء العلماء الشيعة الذين استشهدوا في هذه الغارة وحجم وتعداد النفائس التي سرقها الوهابيون من حرم الإمام الحسين(ع) عدا ما سرقوه من البيوت والأسواق وأخيرا أصداء هذه الحادثة في العالم الإسلامي ونبدأ هذه الأقوال بوصف الكاتب البريطاني (ستيفن هسلي لونكريك) عن هذه الحادثة في كتابه (أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث) حيث يقول ما نصه:

(حالما انتشر خبر اقتراب الوهابيين من كربلاء في عشية اليوم الثاني من شهر نيسان ـ إبريل حتى سارع من بقي في المدينة لإغلاق الأبواب إذ أن معظم أهالي المدينة كانوا في النجف يقومون بالزيارة غير أن الوهابيين ويقدر عددهم بستمائة هجان واربعمائة فارس نزلوا فنصبوا خيامهم وقسموا قوتهم إلى ثلاثة فرق ومن وراء أحد الخانات قاموا بالهجوم على أقرب باب من أبواب المدينة وتمكنوا من فتحه عنوة ثم تسللوا إلى داخلها فاندهش السكان وأخذتهم حالة من الذعر وأصبحوا يفرون على غير هدى، أما الوهابيون القساة فقد واصلوا طريقهم إلى الأضرحة المقدسة وشرعوا في تخريبها فاقتلعوا القضبان المعدنية والسياج من أماكنها ونهبوا المرايا الكبيرة والنفائس والحاجات الثمينة بينها هدايا الباشوات وأمراء وملوك الفرس وسلبوا أيضا زخارف الجدران وقلعوا الذهب من السقوف وأخذوا الشمعدانات والسجاجيد الفاخرة والمعلقات القيمة والأبواب المزخرفة والمرصعة ولم يكتفوا بهذه الأعمال بل قتلوا قرابة خمسين شخصا بالقرب من الضريح وخمسمائة شخص آخر خارج الضريح، أما المدينة نفسها فقد عاث فيها الغزاة المتوحشون فسادا وتخريبا وقتلوا من دون رحمة كل من صادفوه كما سرقوا كل دار ولم يرحموا الشيخ ولا الطفل ولم يحترموا النساء ولا الرجال فلم يسلم الجميع من وحشيتهم ولا من أسرهم ولقد قدر بعضهم عدد القتلى بألف نسمة فيما قدر الآخرون عددهم بخمسة أضعاف ذلك).

أي دين هذا الذي يدين به هؤلاء الوحوش؟ وأية عقيدة فاسدة ينتمون إليها؟ بل أي منطق يبيح قتل الأطفال وقد ولدوا على الفطرة؟ ثم أي شريعة تبيح سفك الدماء وانتهاك الأعراض والسلب والنهب والاعتداء على المقدسات؟ ونترك الحديث عن وصف تلك الحادثة للسيد محسن الأمين حيث يصف في كتابه (أعيان الشيعة) تهديم القبر الشريف على يد الوهابيين وانتهاك حرمته فيقول ما نصه:

(في سنة (1216هـ) جهز سعود بن عبد العزيز بن محمد بن سعود الوهابي النجدي جيشا من أعراب نجد وغزا به العراق وحاصر مدينة كربلاء مغتنما فرصة غياب جل الأهلين في النجف لزيارة الغدير ثم دخلها يوم 18 ذي الحجة عنوة وأعمل في أهلها السيف فقتل منهم ما بين أربعة آلاف إلى خمسة آلاف وقتل الشيوخ والأطفال والنساء ولم ينج منهم إلا من تمكن من الهرب أو اختبأ في مخبأ ونهب البلد ونهب الحضرة الشريفة وأخذ جميع ما فيها من فرش وقناديل وغيرها وهدم القبر الشريف واقتلع الشباك الذي عليه وربط خيله في الصحن المطهر ودق القهوة وعملها في الحضرة الشريفة ونهب من ذخائر المشهد الحسيني الشيء الكثير ثم كر راجعا إلى بلاده).

وتتضح فصول أخرى وتفاصيل أدق عن حجم الفظائع التي ارتكبها آل سعود والأشياء الثمينة والنفائس النادرة التي سرقوها في وصف السيد عبد الحسين الكليدار في كتابه (تاريخ كربلاء المعلى) حيث يقول بعد أن يصف دخول الوهابيين إلى كربلاء وقتل أهلها:

(وبعد أن أتم سعود مهمته الحربية التفت نحو خزائن القبر وكانت مشحونة بالأموال الوفيرة وكل شيء نفيس فأخذ كل ما وجد فيها وقيل أنه فتح كنزا كان فيه جمة جمعت من الزوار وكان من جملة ما أخذه لؤلؤة كبيرة وعشرون سيفا محلاة جميعها بالذهب مرصعة بالأحجار الكريمة وأوان ذهبية وفضية وفيروز وألماس وغيرها من الذخائر النفيسة الجليلة القدر وقيل: إن من جملة ما نهبه سعود أثاثات الروضة وفرشها منها أربعة آلاف شال كشميري وألفا سيف من الفضة).

كما سعى سعود إلى تصفية علماء الشيعة في كربلاء فكان من بين العلماء المستشهدين في ذلك اليوم العالم الجليل السيد عبد الصمد الحسيني الهمداني الحائري وقد ذكره العلامة الأميني (صاحب الغدير) في كتابه (شهداء درب الفضيلة) بقوله: (كان من حملة راية العلم فقيها محققا ومحدثا حكيما محيطا باللغة العربية وملما بفروع العلم سليم النفس حسن السلوك زاهدا ورعا قتل ظلما في كربلاء على أثر هجمة الوهابيين) كما ذكره السيد محسن الأمين في كتابه (أعيان الشيعة) بقوله: (السيد عبد الصمد الحسيني الهمداني الحائري من أحفاد المير السيد علي دفين همدان استشهد على يد الوهابيين يوم (18 ذي الحجة سنة 1216هـ) كان تلميذ البهبهاني (العلامة محمد باقر الوحيد البهبهاني) له مؤلفات في الفقه الاستدلالي مبسوط مع مستطردات ومستطرقات وله كتاب بحر المعارف في العرفان والتصوف ـ فارسي عربي ـ طبع في بمباي وتبريز قتله الوهابيون عند أخذهم كربلاء سنة (1216) فيمن قتلوا وهو أحد العلماء العرفاء المشاهير أخذ في كربلاء عن صاحب الرياض واتصل بعد إقامته في العراق أربعين سنة بنور علي شاه العارف الأصفهاني وأخذ الطريقة عنه وأصبح من جملة مريديه فانصرف إلى رياضة النفس ومجاهدتها وأذن له بلقاء الحاج محمد حسين الأصفهاني ثم عاد إلى كربلاء مؤثرا المجاورة فيها فقتله الوهابيون)

وذكر العلامة الشيخ محمد طاهر السماوي في أرجوزته (مجالي اللطف بأرض الطف ص556) إن من أعيان كربلاء الذين استشهدوا على يد الوهابيين السيد محمد موسى (سادن الروضة الحسينية) وأخوه السيد حسن وفي هذه الأرجوزة يذكر السماوي في (ص109ـ110) هذه الحادثة بقوله:

ولم يزلْ كلُ موالٍ يعمرُ *** فيه إلى أن جاء جافٍ أحقرُ

فشدّ لا يثني هواه الثاني *** ومزّقَ الكتابَ والمثاني

وهدّمَ الشباكَ والرواقا *** واستلب الحليَ والأعلاقا

وقتلَ النساءَ والأطفالا *** إذ لم يجد في كربلا رجالا

لأنهم زاروا الغدير قصدا *** فأرخوه (بغدير) عدّا

وهناك حادثة في ذلك اليوم جرت للسيد علي الطباطبائي صاحب كتاب (الرياض) والذي كانت له رئاسة الحوزة العلمية في ذلك الوقت في كربلاء نقلها العالم الجليل المولى علي التبريزي في كتابه (بهجة الآمال في شرح زبدة المقال) دلت على أن الوهابيين كانوا يستهدفون بشكل خاص علماء الشيعة وتصفيتهم ومجمل الحادثة أنهم قصدوا داره لقتله ولم يكن في البيت سواه وطفل رضيع فلما أحس بهم حمل الطفل على صدره واختبأ في أحد زوايا البيت ففتشوا كل البيت إلا تلك الزاوية حيث أعمى الله أبصارهم ونجى السيد علي باعجوبة.

أما بالنسبة للأشياء الثمينة التي سرقت من داخل الضريح المقدس فقد دلت جميع المصادر التي ذكرت الحادثة بأنها من النفائس التي لا تقدر بثمن فقد جاء دائرة المعارف الإسلامية ما نصه: (ونهبوا البيوت والأسواق ونفائس الضريح المقدس وقد أخذوا على الأخص صفائح الذهب بعد أن اقتلعوها من مكانها ثم هدموا الضريح المطهر) ويصف لونكريك ما نهبه سعود وأتباعه من هذه النفائس بقوله: (رجع وحوش نجد الكواسر إلى موطنهم ثقالا على إبلهم التي حملت بنفائس لا تثمن) كما جاء في وصف ابن بشر الحنبلي في كتابه (المجد في أحوال نجد) بعد وصف المجزرة التي قام بها الوهابيون قوله: (وأخذوا ما في القبة وما حولها وأخذوا النصيبة التي وضعوها على القبر وكانت مرصوفة بالزمرد والياقوت وأخذوا جميع ما وجدوا في البلد من أنواع الأموال والسلاح واللباس والفرش والذهب والفضة والمصاحف الثمينة وغير ذلك مما يعجز عنه الحصر).

كما قيض لنا أن نطالع مصدراً مهما يعطي صورة أدق وأوضح عن حجم النفائس وتعدادها التي سرقها الوهابيون من المرقد المطهر للإمام الحسين(ع) وهم يتظاهرون اليوم بتطبيق الشريعة بقطع يد السارق وكان الأولى أن تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف كما في قوله تعالى (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) فأي حرب على الله ورسوله أشد من قتل ذرية الرسول والناس الأبرياء المؤمنين وسلبهم ونهبهم؟ وأي فساد أعظم عند الله من هدم بيوته التي أذن أن ترفع ويذكر فيها اسمه ونهبها وانتهاك حرمتها؟

ولنعد إلى مصدرنا الذي يعد وثيقة مهمة تدين أولئك الزمرة الفاسدة السارقة وهذا المصدر هو كتاب (كربلاء في الإرشيف العثماني دراسة وثائقية 1840ـ1876) تأليف الكاتبة التركية (ديلك قايا) ترجمة (حازم سعيد منتصر ومصطفى زهران) إشراف وتقديم (زكريا قورشون) حيث تستعرض قايا في (ص115) من الكتاب تحت عنوان (الهدايا الثمينة الموجودة في الأضرحة) الهدايا الواردة للعتبات المقدسة فتقول: (إن الهدايا الواردة للعتبات العالية بسبب حب واحترام الشيعة لها قد جعل الأضرحة كالخزائن المليئة وكان حفظ تلك الهدايا أمرا صعبا لارتفاع قيمتها) ويتضح من قولها كثرة تلك الهدايا ونفاستها ثم تصف أنواع تلك الهدايا فتقول: (وها هي الهدايا التي أرسلت إلى أضرحة الإمام علي والإمام الحسين والإمام العباس: القرآن الكريم والماس والياقوت والزمرد والفيروز والذهب والفضة واللؤلؤ والأحجار الكريمة إلى آخره والنحاس والسجاد والستائر والمفروشات والكليم والحديد والأسلحة والشمعدانات المزينة وشال وخيام ورايات وأعلام إلى آخره) ثم تشرح بعدها القواعد التي انتهجت لحفظ تلك الهدايا القيمة وإحصائها وتسجيلها في دفاتر وتذكر إن أول إحصاء وفحص كان عام (1850) أما أكبر إحصاء فقد جرى عام (1858) وفيه تم إحصاء جميع ما في ضريحي الإمام الحسين والإمام علي(ع) ثم تذكر إن هناك إحصاء آخر جرى عام (1864) وفيه تم وضع نظام جيد لعملية الإحصاء كما تقول الكاتبة ثم تفصل الكاتبة عملية الإحصاء والشهود ونسخ صورة الإحصاء والتصديق عليها من قبل مجلس ولاية بغداد وحضور قائمقام كربلاء وكاتب المال وحاملي مفتاح الضريحين وغيرها من الأمور، ومن الواضح إن تلك الإحصائيات الثلاث قد جرت كلها بعد غزو الوهابيين كربلاء عام (1802) وهذا يعني إن الهدايا والنفائس التي سرقها الوهابيون لم تكن مسجلة ولم تخضع لعملية الإحصاء وتشير الكاتبة إلى عمليات السرقة التي وقعت في ضريحي الإمام الحسين والعباس فتقول: (وقد أوضحنا من قبل أن خزائن تلك الأضرحة كانت قد تعرضت للسرقة أكثر من مرة وكان النصيب الأكبر من تلك السرقات لضريحي الإمامين الحسين والعباس) وعندما تتطرق إلى ضريح الإمام علي(ع) تقول: (أما ضريح الإمام علي في النجف فكان محفوظا للغاية ولعل السبب في ذلك هو التمكن من الإحاطة بالمدينة في وقت قصير).

وما يهمنا في هذا الموضوع هو أن الإحصائية التي اختارتها واستعرضت محتوياتها في كتابها هو الدفتر الخاص بضريح الإمام علي(ع) والذي لم يتعرض للسرقة حيث تقول: (وفي النهاية وجدنا أنه من المناسب أن نذكر الهدايا الموجودة في ضريح الإمام علي لتكون نموذجا يعطينا فكرة عما تحتويه تلك الأضرحة من هدايا ثمينة) ولا أدري لماذا اختارت الدفتر الخاص بضريح الإمام علي بذكر الهدايا والنفائس رغم أن موضوع كتابها عن كربلاء ورغم وجود دفاتر إحصاء للهدايا في ضريحي الإمام الحسين والإمام العباس كما تقول: (ويوجد في الإرشيف العثماني العديد من الدفاتر الخاصة بإحصاء وتعداد الهدايا الموجودة في ضريح الإمام علي والحسين والعباس ولقد وجدنا من المناسب والمفيد إيراد ترجمة لأحد هذه الدفاتر حتى تعطينا فكرة عامة عن الأمانات الموجودة في تلك الأضرحة وقد وقع اختيارنا على الدفتر الخاص بضريح الإمام علي).

ورغم أننا لا نعرف السبب في اختيارها الدفتر الخاص بضريح الإمام علي رغم أن الأولى أن تختار الدفتر الخاص بضريح الإمام الحسين لأن موضوعها حول كربلاء إلا أن ذلك من حسن الحظ لأن ضريح الإمام علي لم يتعرض للسرقة من قبل الوهابيين وإن محتوياته من الهدايا مماثلة لما كان يحتوي ضريح الإمام الحسين قبل السرقة على أقل تقدير إن لم تكن هدايا الضريح الحسيني أكثر منها حيث نستطيع القول بل الجزم إن الهدايا التي استعرضتها الكاتبة في كتابها بشكل مفصل ووصفتها وصفا دقيقا نقلا عن دفتر الإحصاء الخاص بضريح الإمام علي كانت توجد مثلها في ضريح الإمام الحسين والتي سرقها الوهابيون إن لم تكن أكثر منها وسوف نستعرضها بإيجاز نظرا لكثرتها لتعطينا صورة أدق وأوضح عن حجم الهدايا والنفائس التي سرقها آل سعود من ضريح الإمام الحسين عدا ما سرقوه من الأموال والذهب وغيره من البيوت والأسواق وسلب النساء ما عليهن من الذهب ومن ذلك ما ذكره لونكريك عن الرحالة الهندي (الميرزا أبو طالب) في (رحلته ص399) إنه (لقي في كربلاء عمته (كربلائي بكم) ونسوة من حاشيتها ـ وكانت امرأة ثرية ـ وكان الوهابيون قد سلبوهن كل ما يملكن فأعانهن هو نفسه بكل ما استطاع من المعونة).

ولنرجع إلى دفتر الإحصائية الخاص بضريح الإمام علي حيث تستعرض الكاتبة (679) قطعة من الهدايا والنفائس بالتفصيل والحجم والوزن والشكل وقد تنوعت هذه الهدايا ما بين:

1ـ المصاحف الشريفة المتنوعة الحجم والمجدول بعضها بالذهب وبعضها يعد من النوادر

2ـ أغطية للصندوق الشريف أغلبها من الحرير الخالص وبعضها مرصعة بالنجوم

3ـ رمانات ذهبية ونحاسية على الضريح الشريف

4ـ علامات كبيرة من الذهب والفضة على الضريح الشريف

5ـ عمائم خضراء خاصة بالضريح الشريف من القماش الثمين

6ـ أعلام كبيرة ذات نجوم من الصلب على الضريح الشريف

7ـ مجموعة كبيرة جدا من الأحجار الكريمة مكونة من الياقوت والزمرد واللؤلؤ والفيروز والزبرجد بمختلف الأحجام

8ـ شمعدانات ذهبية وفضية

9ـ مباخر ذهبية ذوات أربع زوايا

10ـ وردات ذهبية مزينة باللؤلؤ والزمرد

11ـ ساعات ذهبية وذوات مينة ذهبية

12ـ كراسي بعضها من الذهب

13ـ معلقات ذوات سلاسل ذهبية مزينة بأحجار كريمة

14ـ أزرار ذهبية كبيرة مزينة بالأحجار الكريمة

15ـ كفوف من الذهب والفضة

16ـ نُجف متنوعة الأحجام بعضها مزين بالماس

17ـ قناديل كثيرة أغلبها من الذهب والفضة والبلور الأخضر والأبيض وبعضها مزين بالماس والزمرد والياقوت

18ـ ستائر من الحرير وغيره وبعضها مزينة باللؤلؤ

19ـ أكياس لمفتاح الضريح الشريف

20ـ صرر للمصاحف الشريفة

21ـ رحلات متنوعة

22ـ سيوف ودروع وخناجر وسكاكين بعضها منقوش بالذهب ومزين بالأحجار الكريمة

23ـ بنادق مختلفة الأحجام والأنواع

24ـ سجاد كبير ووسط

إضافة إلى أشياء أخرى مثل أكواب وأقفال متنوعة ومفارش من الحرير والأطلس الأحمر ولوحات من الخشب مغطاة بالذهب والفضة وأشياء كانت معروفة في ذلك الوقت مثل (لعل من الذهب وإينينة وكشكول وكليم وبورنجك وغيرها).

هذه الإحصائية الكبيرة والنفيسة هي تقديرية لحجم ونفاسة الأشياء التي سرقها الوهابيون من مرقد الإمام الحسين كوننا اعتمدنا على الدفتر الخاص بضريح الإمام علي ومن المؤكد أن تكون الأشياء التي سرقها الوهابيون أكثر بكثير من هذه الإحصائية إذا أضفنا إليها ما سرقوه من البيوت والأسواق من الأموال والحلي والمصوغات الذهبية والأحجار الكريمة.

أما عدد القتلى فقد قدر بخمسة آلاف شخص من الأبرياء قتلوا بطرق وحشية وعن صدى هذا الحادث الأليم وانعكاسه على الحكومتين العثمانية والإيرانية ينقل السيد جعفر الخياط في (موسوعة العتبات المقدسة ص273) عن (ريتشارد كوك) في كتابه (بغداد مدينة السلام ص236) قوله: (إن هذا الحادث الأليم قد أحدث رعبا وقلقا في بغداد كلها وسرعان ما انعكس ذلك في استانبول وإيران) ثم يقول: (إن الإيرانيين في الحقيقة قد اشتد هياجهم بحيث إن فتح علي شاه لم يمنعه من التدخل السافر وسوق الجيوش إلى العراق لهذا السبب إلا إرسال مبالغ طائلة من بغداد إليه في الوقت المناسب إرضاء لجشعه المسنون).

كما وجدنا من وثق هذه الحادثة شعرا وكان شاهد عيان فيها فأنجاه الله من القتل ليسجل بشعره صورا من تلك الجريمة البشعة التي لن يمحى عارها من تاريخ آل سعود المليء بالإجرام وهذا الشاعر هو السيد علي آل السيد سلمان النجفي الذي كان حيا سنة ١٢٣٣. كما ذكره صاحب الحصون (ج ٢ ص ٤٥٣) فقال: كان فاضلا كاملا شاعرا بليغا أديبا معاصرا للشيخ محمد حسين ابن الشيح محمد علي الاعسم، وكانا خليطين وبينهما مراسلات ومكاتبات يقول السيد علي آل سلمان من قصيدة طويلة مستجيرا ومستنهضا الإمام الحجة المنتظر(عجل الله فرجه الشريف) إثر غارة الوهابيين الوحشية على كربلاء وانتهاكهم لقدسية حرم سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين (عليه ‌السلام) وسفك دماء الابرياء:

الى م التمادي يا بن أكرم مرسل *** وحتام فيها أنت متخذ سترا

ألم تر أن الظلم أسدل ليله *** على الافق والاقطار قد ملئت كفرا

فما الصبر والبلوى تفاقم أمرها *** فمن مقلة عبرا ومن كبد حرا

أما كان فعل القوم منك بكربلا *** بمرأى أما كنت المحيط بها خبرا

أفي كل يوم فجعة بعد فجعة *** لدى كربلا تذكارها يصدع الصخرا

الى كم لنا بالطف شنعاء ما رقت *** لها عبرة الا ألمت بنا أخرى

وما فجعة بألطف الا تفاقمت *** علينا ولم تبقي لسابقة ذكرى

فها كربلا هذا ذبيح كما ترى *** وهذي وقاك الله مسلوبة خدرا

اذا لم يغث في سوحكم مستجيرها *** فأين سواها المستجار ومن أحرى

يطل لديها من دماء ولاتكم *** ألوف وما عدى وأنت بها أدرى

وكم من مصونات عفات تروعت *** وكم من دم يجرى وكم حرة حسرى

وانت خبير بالرزايا وما جرى *** من القوم مما لم يدع بعده صبرا

أجل ربما في الشرق والغرب من عما *** عواديه لا تخشى أثاما ولا وزرا

مصائب أنستها بكر طرادها *** علينا وأن لا مستجار لنا ـ شمرا

ألم ترنا كشاف كل ملمة *** نعاني الرزايا من غوائلهم غدرا

أحاطوا بنا من كل فج وأرهبوا *** فما أضيق الغبرا وما أبعد الخضرا

اضف تعليق