قد يتساءل الشاب المسلم لِمَ خلقهُ الله لهذه الدنيا؟، بل كثيرا ما يتساءل الانسان على وجه العموم، عن السبل التي ستقوده الى الحياة الأخرى، وطالما آمن الانسان بهذا الانتقال الحتمي من دار الدنيا الى دار الآخرة، فلا شك أنه سوف يحتاج الى قنطرة، تنقله من ضفة الدنيا، الى ضفة الدار الاخرى، ولا شك أن بين الضفتين بحار من الاعمال والنوايا، لابد للانسان أن يحسن التعامل معها، بما يرضي الله تعالى، ويحفظ حقوق الناس وحرمتهم، في جميع الظروف والاحوال.
في هذا الصدد يؤكد سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) في احدى كلماته التوجيهية للمسلمين على: (إنّ الله سبحانه وتعالى خلق الناس للدنيا، يعيشون فيها كل بمقدار من العمر، ثم ينتقلون إلى الآخرة ويعيشون فيها أيضاً).
وفي هذه الحالة تكون الدنيا نفسها الجسر الذي ينقل الشباب وغيرهم الى ما بعدها، ولابد لهم ان يعبروها بالطريقة التي تؤمن سلامة وصولهم الى ما يبتغون من النجاح والتوفيق، وهذا يتطلب منهم وعيا وايمانا متميزا حقيقيا، وطريقا مضمونا يساعدهم على الوصول الى ضالتهم بأمن وسلام، ولاشك أن الشباب يحتاجون الى من يساعدهم في هذا المجال، هنا ستظهر الحاجة جلية الى أئمة أهل البيت عليهم السلام، كونهم الطريق الآمن بنقل الشباب الشيعة وغيرهم من الفئات العمرية، الى ضفة الآخرة.
كما نلاحظ ذلك في قول سماحة المرجع الشيرازي في كلمته نفسها: إن (الدنيا كالجسر، كما في الحديث الشريف عن النبيّ عيسى على نبيّنا وآله وعليه الصلاة والسلام: *إنّما الدنيا قنطرة فاعبروها ولا تعمروها*. والإنسان يحتاج للقنطرة لمدّة قليلة ربما لفترة دقيقة أو أقلّ. فهكذا يجب على الإنسان أن يستفيد من الدنيا).
ويصوّر سماحة المرجع الشيرازي حياة الانسان وتنقّله من سوق الى آخر بأنها تشبه الاسواق المختلفة التي تضمن معيشة الانسان، إذ يؤكد سماحته قائلا في هذا الصدد: (توجد في الدنيا أسواق مختلفة لمعيشة الإنسان، ومنها سوق الذهب، والسجاد، والفاكهة، والأقمشة، وغيرها. ويعمل الإنسان في إحدى هذه الأسواق، فإذا لم يوفّق في أحدها تراه ينتقل إلى سوق ثان وآخر وهكذا إلى أن يوفّق). لذلك يبقى الانسان في حركة مستمرة، وبحث دؤوب عن السبل الأفضل التي تؤدي به الى ضمان الأحسن، والأكثر قدرة على مساعدته في تحقيق ضالته بالنجاح.
أهل البيت ضمان لنا
نتفق جميعا على أن اجتياز قنطرة الحياة الاولى بسلام، ليست هدفا سهلا أو متاحا للشباب على وجه الخصوص، ولا هو مرور مضمون في كل الاحوال، بل يتعلق الامر بما يقوم به الانسان من اعمال وافعال، وبما يقدمه من افكار وفوائد للانسانية، وبما يؤكد انسانيته وصلاحه في التعامل مع الآخر، وهذه المبادئ تحتاج الى دليل وطريق سليم خاصة لمن هم في مقتبل العمر، وليس هناك اكثر سلامة من طريق أهل البيت عليهم السلام، فهو الطريق المضمون الذي يقود الشباب وسلام الى الدار الاخرى، شريطة الالتزام بمبادئ اهل البيت عليهم السلام، و وصاياهم في كل المجالات، كونها المعيار الذي يضع حاجزا واضحا بين الخير والشر، لذلك يحتاج الانسان أن لا يخسر هذا الضمان الأكيد.
لذا يقول سماحة المرجع الشيرازي في كلمته المذكورة: (إذا لم يوفّق الإنسان في سوق أهل البيت صلوات الله عليهم بالآخرة، فأين يولّي وجهه؟ لذا على كل واحد أن يصرف كل حياته في سبيل أهل البيت صلوات الله عليهم). واذا كان عمل الشباب مناقضا لهذا الطريق، ولا يلتقي مع المبادئ الاسلامية الانسانية لأهل بيت النبوة عليهم السلام، فإن الخسارة هنا ستكون كبيرة، والحسرة سوف تملأ الصدور.
كما نقرأ ذلك في قول المرجع الشيرازي عندما يقول سماحته بوضوح: إن (العمل في غير سبيل أهل البيت صلوات الله عليهم، هو باطل ويورث حسرة وحسرة عظيمة، ويقول القرآن الكريم: وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ) سورة مريم: الآية 39. وطالما كان هناك انذار واضح، فليس امامنا سوى التمسك بهذا الطريق المضمون، لاسيما أنه يلتقي بالخير في اوسع أبوابه وفضاءاته، ويقدم للانسان حلولا ناجعة لتحصيل النجاح في الدنيا أولا، ومن ثم يقوده بصورة مضمونة الى النجاح في الدار الاخرى، وهو هدف عظيم ونتيجة أعظم، يسعى إليها جميع الناس في المعمورة كلها.
وهناك قضية اخرى تتعلق بتشجيع الجميع على سلوك طريق اهل بيت النبوة عليهم السلام، ومنهم الشباب كونهم عرضة للتغرير والانحراف، حتى يكون الخير عميما يشمل الجميع شيبا وشبابا، خاصة ان هناك شرائح معينة تحتاج هذا التشجيع والتنوير والتحريض ايضا، وهذه مهمة الكبار اولا، ثم من يليهم، لغرض كسب اكبر عدد من الناس من كل الفئات العمرية لاسيما الشباب، وتوجيههم نحو الطريق الأضمن وألأفضل.
لملمة الشباب الشيعة
لاشك أن عقلية الشباب لها مواصفات معينة، وملامح قد تختلف عن عقليات الفئات العمرية الاخرى، فالشباب كما هو معروف، غالبا ما يكون متحمسا مندفعا لتحقيق اهدافه، وهذا الامر مقترن بطبيعته الفسيولوجية، العمرية، فضلا عن البيئة والحاضنة التي ينشط فيها، لذلك اذا كانت البيئة غير سليمة والحاضنة تنطوي على مشاكل او شيئ من سبل الانحراف، فإن الامر المطلوب في هذه الحالة، بخصوص الشباب الشيعة، هو توجيههم نحو الطريق السليم، ومساعدتهم على الاستدلال والتوجّه السليم، فالشباب الشيعة دائما بحاجة الى حالة من التوازن تجعلهم قادرين على رؤية الجادة الصواب، وهي القنطرة التي يحتاجه الجميع، للعبور بأمان من محطة أولى شائكة قلقة ممثلة بالدنيا الزائلة، الى دار يتمثل فيها الثبات والديمومة وهي الدار الاخرى، لذلك حتى ائمة أهل البيت عليهم السلام، أكدوا بأنفسهم على أهمية لملمة الشباب، وحمايتهم من التشرذم والتشتت والغموض في الرؤية.
يقول سماحة المرجع الشيرازي، بكلمته نفسها، حول هذا الموضوع: إن (المسألة المهمّة عند أهل البيت صلوات الله عليهم، التي كرّروها وأكّدوا عليها كثيراً، هي مسألة شباب الشيعة. فاسعوا إلى لملمة شباب الشيعة، وهذه مسؤولية كبيرة على الكبار بالنسبة إلى الشباب، وعلى الشباب بالنسبة إلى نظرائهم).
إذاً هناك مسؤولية واضحة في تحقيق هذا الهدف، تبدأ بالكبار عمرا وتجربة وعلما، وصولا الى الشباب أنفسهم، فالشاب الملتزم بطريق الأئمة عليهم السلام، وبالمبادئ الانسانية الحلاقة لمدرستهم، عليه واجب تنوير نظرائه من الشباب ممن لم يتمكن من هضم ومعرفة هذا الفكر الانساني الخالد لأي سبب كان، وعندما يتم اصلاح شاب واحد، هذا يعني ان هناك شبابا آخرين سوف يلتحقون في هذا المسار الانساني الاسلامي المضمون، وهي نتيجة يطمح لها الشباب دائما، لكنهم بحاجة الى المساعدة والتنوير في هذا المجال.
يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا الشأن: إن (صلاح شابّ واحد في العقيدة يصلح الكثير من الشباب، والعكس بالعكس يصدق أيضاً. فحاولوا أن تصبّوا طاقاتكم وقدراتكم في لملمة شباب الشيعة، وفي تربيتهم على الأمرين التاليين: عقائد أهل البيت، وأخلاق أهل البيت صلوات الله عليهم). وعندما يضمن الشباب الوصول الى هذين الأمرين، ويتم تحقيقهما، فإنهم سوف يمتلكون القدرة على عبور قنطرة الحياة الشائكة، بأمن وسلام ونجاح.
اضف تعليق