إن الشباب قبل غيرهم، عليهم أن يتمرنوا جيدا على مجاهدة النفس، والتعلّم المستمر على كيفية تطويع النفس وليس العكس، حتى يكون الشاب وغيره في مأمن من المشاكل الإيمانية والنفسية، وبالتالي يهنأ في حياته، ويتجنب المعاصي والمشكلات التي تزول من طريقه نحو آخرة مضمونة وسعيدة...
(الكثير من الناس يبذلون جهدهم، لكنهم يبذلونه في تحقيق شهواتهم وملذّاتهم)
سماحة المرجع الشيرازي دام ظله
عندما ترد كلمة الجهاد في محاضرة أو مقال أو كتاب أو حديث، يتبادر إلى الذهن دور الإنسان المؤمن في الحرب، وينحصر المعنى المباشر في كيفية مشاركة الإنسان في القتال ضد الأعداء، ولكن في الحقيقة هناك أنواع أخرى للجهاد، ومنها على سبيل المثال جهاد النفس الذي يعدّه العلماء الأجلاء من أكبر أنواع الجهاد وأصعبها أيضا، لماذا؟
لأن النفس يمكنها بألف طريقة وطريقة أن تسيطر على صاحبها، وتغريه وتلهيه وتقوده إلى ما لا يُحمد عقباه، وكل هذا يحدث عندما يتسلل الشيطان إلى النفس ويوقعها في أحابيله، ومن ثم يدفعها لتطيح بصاحبها، وفي حال تمكنت من ذلك عبر تحريك الشهوات، وعرض المغريات الكثيرة، فإن الإنسان سوف يسقط سقوطا مدوّيا، لاسيما في مرحلة الشباب.
فالشاب هو الأكثر عرضة لمثل هذا الاختبار الشديد مع النفس، ويحتاج إلى قوة إيمانية عظيمة لكي يجاهد نفسه، ويقودها بدلا من أن تقوده وتوقع به في شر الشهوات والسيّئات، لذا على الشباب وبالأحرى على كل إنسان أن يمتلك الإرادة والتصميم التام على مجاهدة النفس ليس في ساحة الحرب وحدها، وإنما في مجالات كثيرة منها مواجهة الشهوات والنفس.
سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، يقول في محاضرة الهداية التي وردت ضمن سلسلة محاضرات نبراس المعرفة:
(يجب على كل شخص أن يمتلك إرادة وعزما وتصميما، فيكون أولاً مثابراً ويكون ثانياً مجاهداً، والجهاد هنا ليس جهاد الأعداء في ساحات الوغى والحروب فقط، بل هو أعم من ذلك، ومنه جهاد الإنسان مع شهواته الباطلة والضارّة، وجهاد الإنسان مع نفسه الأمارة بالسوء).
أما جهاد النفس فهو من الصعوبة بمكان، بحيث تكون المواجهة شديدة بين النفس وصاحبها، لدرجة أن هه النفس تُصاب بحالة شديدة من التعب، ويعاني صاحبها من مصاعب جمة، ويدخل في دوّامة من الاحتدام الذاتي، حيث تدور حرب ذاتية داخلية بين الإنسان ونفسه.
في حال وقوع هذه الحالة عند أحد الشباب، فإنه بسبب حداثة عمره وقلة خبراته في الحياة، تكون الصعوبة التي يعاني منها أكبر بكثير من الإنسان الذي خبر معارك النفس، وجرب المواجهات الطاحنة مع الذات، لذا فإن مجاهدة النفس تنعكس بصورة أو أخرى على حالة الإنسان النفسية، لكن المؤمن القوي التقيّ يمكنه الخروج من هذه المواجهة مظفَّرا.
يقول سماحة المرجع الشيرازي دام ظله:
(إن جهاد النفس هو نوع من الجهاد فيه إتعاب للنفس ويكون في سبيل الله سبحانه تعالى، وهو يختلف عن الجهاد لغير الله كالجهاد من أجل سبيل نيل الشهوات).
العيش في حالة من الاضطراب الداخلي
أمر طبيعي أن الصراع الذاتي له انعكاسات واضحة وصعبة، وأن الشاب سوف يعيش حالة من الاضطراب الداخلي الذي ينعكس على تصرفاته وتفكيره، ولكن في كل الأحوال لا ينبغي أن يبقى الإنسان والشباب على وجه الخصوص في حالة من الكسل أو التراجع في خوض معركة الجهاد الذاتي، فعليه أن يبذل الجهد المطلوب دونما تردّد.
وكذلك عليه أن يعرف ما الذي يفعله تحديدا، ولماذا يقوم بهذا الفعل، وهل عمله هذا في سبيل الله أم العكس، هذه الأمور في غاية الأهمية، ويجب أن يعرفها ويتقنها الشاب وعموم المراحل العمرية بشكل جيد، لأن أعمال الإنسان إذا كانت لله سوف يحصد النتائج الذاتية الجيدة.
حيث يقول سماحة المرجع الشيرازي دام ظله في هذا المجال:
(لا شك أن على الإنسان أن يبذل جهده وأن لا يكون كسولاً، لكنه عليه أن يعرف هدفه من وراء ذلك البذل، هل هو في سبيل الله تعالى؟!).
لماذا يجب ان يكون عمل الشاب والناس عموما من أجل الله تعالى؟، الجواب في غاية الوضوح، لأن كل عمل لا تُرعى فيه أحكام الله لن تكون وراؤه هداية، ولا فائدة للشخص الذي قدم ذلك العمل، فالعمل الذي لا يراعي الله تعالى، يكون مخطئا، ولا فائدة منه وبالتالي لن يعود باية نتيجة مثمرة على القائم بهذا العمل.
من هنا يجب على الشاب أن يقرن عمله دائما بالتوافق مع الأحكام الشرعية، حتى يكون العمل مرضيا لله تعالى، وبالتالي ستكون الهداية مضمونة لمن يبذل ذلك العمل، وهذا هو المطلوب، لأن العمل بعيدا عن رضا الله هو ضرب من الشيطنة والابتعاد عن الهداية، وبالتالي السقوط في أحضان النفس الأمارة بالسوء، وبالتالي سوف تكون النتائج وبالا على صاحبها.
سماحة المرجع الشيرازي دام ظله يؤكد على:
(إنّ كل جهد ليس لله تعالى ليس وراؤه هداية، ولا يكون طريقاً إلى الله تعالى، بل هو مجرد شيطنة وطريق إلى إبليس عليه لعنة الله).
الطريق نحو آخرة مضمونة
هناك أمران لابد من أن يقدمهما الشباب في صلب أهدافهم وأعمالهم، وهذا الأمران في غاية الأهمية لأن تقدم الشاب في حياته وتطوره يتوقف على هذين الأمرين، لذا من المهم جدا الالتزام بهما، الأمر الأول الذي يؤكد عليه سماحة المرجع الشيرازي هو عدم الكسل والتقاعس، فلا يصح للشاب ان يكون كسولا في حياته، ولا متقاعسا، لأن حياته ستكون في حالة ركود بل وتراجع وبالتالي فشل في الحياة.
لذا يجب ان يبادر الشباب بالعمل والبذل واعتماد الإرادة القوية في مواجهة المضادات التي تسعى للإيقاع بهم وجعل حياتهم فارغة من أهدافها وجدواها.
الأمر الثاني وهو في غاية الأهمية أن يكون أي نشاط وأي عمل يقوم به الشباب من كلا الجنسين، مراعيا لحدود الله وأحكامه حتى تكون نتائجه مجدية وذات فائدة تحسن حياة الشباب وتطورها، وتجعلهم في المقدمة دائما، لأنهم يضعون أعمالهم وغايتهم لله تعالى.
سماحة المرجع الشيرازي دام ظله يقول:
(على الإنسان في الوهلة الأولى لاسيّما الشباب والفتيات من المؤمنين والمؤمنات أن يقوموا بأمرين: الأمر الأول: أن يبذلوا جهدهم باستمرار لكي لا تكون حياتهم كسلا وتقاعسا، والأمر الثاني: عليهم أن يركزوا في أن يكون الجهد مبذولاً في سبيل الله تعالى (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا) لأن الهدف الصحيح من وراء الجهد هو الله تعالى).
الحقيقة ليس الشباب وحدهم معنيون بهذا التوجيه وهذا الكلام، بل جميع الأعمال من كلا الجنسين تقع عليهم مسؤولية العمل وفق هذه النصائح التي تهدف إلى جعل الإنسان متوافقا مع نفسه وليس متصارعا معها، كما أنه يضمن الرضا الإلهي عنه وينال الهداية التامة، وفي حال تحقق ذلك للشاب أو للإنسان في أي عمر كان، فإنه سوف ينال الرحمة الإلهية التي تجعل منه إنسانا مهتديا مستقرا تقيا ورِعا وناجحا.
وهذا ما يؤكده سماحة المرجع الشيرازي دام ظله حين يقول:
(لا فرق أن يكون الإنسان المجاهد رجلاً أم امرأة، عالماً أم كاسباً، متزوجاً أم غير متزوج، فقيراً ام غنياً، فهذا التوفيق يكون من الله سبحانه وتعالى (لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) وهذا التعقيب في الآية الكريمة لعله يُشير إلى الإنسان المحسن الذي تظهر فيه مصادیق المحسنين).
خلاصة القول إن الشباب قبل غيرهم، عليهم أن يتمرنوا جيدا على مجاهدة النفس، والتعلّم المستمر على كيفية تطويع النفس وليس العكس، حتى يكون الشاب وغيره في مأمن من المشاكل الإيمانية والنفسية، وبالتالي يهنأ في حياته، ويتجنب المعاصي والمشكلات التي تزول من طريقه نحو آخرة مضمونة وسعيدة.
اضف تعليق