عشيّة حلول عيد الله الأكبر، وأشرف أعياد الإسلام وأعظمها، عيد الغدير الأغرّ، الذي نصّب فيه مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله، بأمر من الباري تبارك وتعالى، مولانا الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه وعلى آبائه وأبنائه الطاهرين، وليّاً وإماماً، تطرّق المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، إلى هذه الذكرى العظيمة، في درسه خارج الفقه، في مسجد الإمام زين العابدين صلوات الله عليه، بمدينة قم المقدّسة، صباح يوم الأربعاء الموافق للسادس عشر من شهر ذي الحجّة الحرام 1436 للهجرة (30/9/2015م)، وألقى كلمة قيّمة مهمة، إليكم أهمّ ما جاء فيها:
في بداية كلمته القيّمة، قدّم سماحة المرجع الشيرازي دام ظله التهاني والتبريكات، بمناسبة هذا العيد الأعظم، إلى المقام الشامخ لمولانا الإمام صاحب العصر والزمان عجّل الله تعالى فرجه الشريف، وإلى العلماء والفضلاء الحاضرين في الدرس، وإلى المؤمنين والمؤمنات كافّة، وقال:
قال مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله في خطبة الغدير الشريفة: «معاشر الناس، إنّ عليّاً والطيّبين من ولدي من صلبه هم الثقل الأصغر، والقرآن الثقل الأكبر، لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض».
وقال سماحته: لقد بيّن رسول الله صلى الله عليه وآله في هذه الخطبة الشريفة، ما أشار إليه وبيّنه مكرّراً ومتواتراً في مواقف ومواطن كثيرة ومتعدّدة من قبل، حول الثقلين، وهما: (كتاب الله وعترته الطاهرة). فقد بيّن صلى الله عليه وآله الثقل الأكبر، وهو القرآن الحكيم، والثقل الأصغر وهو العامل والناطق بالقرآن الحكيم والمبيّن لأحكامه وهم عترته الطاهرة صلوات الله عليهم أجمعين، أي مولانا الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه وأبناء رسول الله صلى الله عليه وآله من ذريّته.
وأوضح سماحته: لقد كان قول النبيّ صلى الله عليه وآله قولاً دقيقاً، حيث قال: (لن يفترقا) وهو قول يفيد النفي الأبدي، ولم يقلّ صلى الله عليه وآله (لن يفترقان). وقال بعض علماء البلاغة العرب، إنّ هذا الكلام يعني أنه لا توجد منطقة فراغ بين القرآن الحكيم والعترة الطاهرة أبداً. وهذا يعني أن كل ما قاله القرآن وأمر به، قد عمل به وطبّقه العترة الطاهرة. وأن منشأ وجذور كل أعمال وسيرة العترة الطاهرة صلوات الله عليهم هو القرآن الحكيم. وبعبارة أخرى: أن القرآن الحكيم والعترة الطاهرة، وجودين خارجيين، ولكنهما في الواقع والحقيقة وجود واحد ولن يفترقا. وهذا الأمر هو رسالة الغدير.
وحول سبب تسمية عيد الغدير الأغرّ بعيد الله الأكبر، قال سماحته: سميّ عيد الغدير الأغرّ بعيد الله الأكبر، لأنه اجتمعت فيه كل ما أتى به الأنبياء عليهم السلام وكل الكتب الإلهية، بالأخصّ القرآن الكريم، وكذلك اجتمع فيه كل ما جاء من نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله من قول وعمل وتقرير. وفي الواقع الغدير هو خلاصة كل ما أتى به الأنبياء والكتب الإلهية.
كما ان الغدير هو ثقافة العدالة، والإنسانية، وثقافة عبادة الله وطاعته، وثقافة التقوى. وكما أن القرآن الكريم خال من الخلل والنقص وماشابه ذلك، فكذلك الغدير أيضاً. وفي هذا اليوم أتمّ الله تبارك وتعالى نعمته على البشرية، حيث قال عزّ من قائل: «الْيوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي».
وعلى هذا المنوال، وكما أن القرآن لا تناقض فيه ولا تضاد، فكذلك الغدير، كثقافة، لا تناقض فيها ولا تضاد، وهي ثقافة نظيفة من أمثال تلك الأوصاف السلبية. أي بخلاف باقي الثقافات.
وشدّد سماحته بقوله: هذا الغدير، وبعنوان الواجب الكفائي، يجب أن يعرّف إلى الدنيا، ويجب أن يكون هذا التعريف بشكل يوصل مفاهيم الغدير وأهدافه إلى الناس جميعاً، ويقدر على مخاطبتهم وإقناعهم، لكي تتمّ الحجّة عليهم في حال عدم قبولهم للغدير، كما قال الله عزّ وجلّ: «لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ» (سورة النساء: الآية165). ولكي يتمّ أداء مسؤولية الإبلاغ التي أشار إليها القرآن الكريم بـ(البلاغ المبين)، حتى لا تبقى حجّة على الناس الذين وصلتهم رسالة الغدير وثقافته.
وأضاف سماحته: إنّ إيصال ثقافة الغدير إلى الناس كافّة، واجب، وهذا الواجب لا يتمّ عبر اللسان فحسب، بل عبر النشرات والصحف والمجلاّت والكتب، ومواقع التواصل الاجتماعي، والإعلام المسموع والمرئي، بحيث لا يبقى حتى شخص واحد، من البشرية البالغ عددها اليوم سبعة مليار وستكون في المستقبل أكثر من ذلك، لا يبقى محروماً من ثقافة الغدير ومن مضامينه ومحتواه وأهدافه. ويشترط في هذا الأمر أن يكون الإبلاغ هو من مصاديق (البلاغ المبين)، أي لا ناقصاً أو ليس بالمستوى مطلوب، وأن يكون مقنعاً للمخاطَب، بحيث لا يدع له حجّة يحتجّ بها أمام الله تبارك وتعالى.
وبيّن سماحته، أيضاً: لقد نقل خطبة النبيّ صلى الله عليه وآله الخاصّة، ونقل العاّمة بعضها. وترى في هذه الخطبة عبارة (أيها الناس) و(معاشر الناس)، ولن تجد فيها عبارات أخرى كـ(أيها المسلمون) أو (معاشر المسلمين) أو يا(أيها المؤمنون) أو (معاشر المؤمنين). في حين نجد في القرآن الكريم عبارة (ياأيها الذين آمنوا) كخطاب للمؤمنين، وعبارة (ياأيها الناس) خطاباً للبشرية جمعاء، وهذا يدلّ على أنه يجب إيصال ثقافة الغدير إلى الناس كافّة، وهذه مسؤولية كل فرد من الناس.
النقطة المهمة في هذا الأمر هي ان كل من حضر في واقعة غدير خم لم يكونوا مؤمنين، بل كانوا مسلمون منافقون، ومتزلزلون، وخاوون، قد تلبّسوا باسم المسلمين. وقد عبّر سبحانه وتعالى عن هؤلاء بقوله تعالى: «قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ» (سورة الحجرات: الآية14). وإن عدم مجيء عبارة (أيها المسلمون أو أيها المؤمنون) في خطبة الغدير، ومجيء عبارة (أيها الناس)، لدلالة على ثقافة يجب إيصالها للعالمين. وهذا يعني أننا مسؤولون، قدر استطاعتنا وقدراتنا، بأن نوصلها إلى الدنيا كلّها، ونعرّفها لها. وهذا يعني أنه علينا أن نعرّف غير المسلمين، وهم قرابة خمسة مليار، على ثقافة الغدير.
وقال سماحته: هنا علينا أن نعرف انه ما هو حكم هذه المسوؤلية، هل هو مستحبّ أم واجب؟ والجواب على ذلك هو: مع العلم بوجود (من فيه الكفاية) ستكون هذه المسؤولية واجباً كفائياً، وفي حال عدم وجود من فيه الكفاية، فستصبح واجباً عينياً، والكل مكلّفون بأداء هذه المسؤولية، كمسؤولية واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كل حسب قدرته واستطاعته وإمكانه على أداء شروط هذا الواجب.
وأكّد سماحته: فئتان من فئات المجتمع، تتحمّل المسؤولية الأكبر في إيصال ثقافة الغدير للعالمين، وهما:
الأولى: الحوزات العلمية الشيعية. لأنها تتصدّر القيادة الفكرية للتشيّع، وتتمتّع بالقوّة على إبلاغ ثقافة الغدير، ويجب تفعيل هذه القوة.
الثانية: الفئة المثقّفة من المجتمع المعتقدة بالغدير، سواء كانت حوزوية أو جامعية. وهذه الفئة عليها مسؤولية أكبر من مسؤولية سائر الناس.
كما يجب تبيين الفرق بين ثقافة الغدير، وباقي الثقافات، بالأخصّ الثقافات التي قدّمها الحكّام الظالمين والطواغيت ممن تلبّس باسم الإسلام، وغيرهم. ويجب إطلاع البشرية جمعاء على هذا الفرق، أي الفرق بين ثقافة الغدير، وثقافة غير الغدير، وذلك بشكل محسوس وبارز وواضح. وهذا النوع من العمل يعني المصداق البارز والجلي لـ(البلاغ المبين) للغدير. علماً اننا اليوم نفقد البلاغ العالمي للغدير، أو أنه يوجد القليل منه.
وختم سماحة المرجع الشيرازي دام ظله، كلمته القيّمة، بقوله: لم يرد كثيراً في أيّة خطبة من الخطب الطوال لرسول الله صلى الله عليه وآله، عبارة (أيها الناس) و(معاشر الناس).
إذن، هذا يعني أنه يجب بالدرجة الأولى على الحوزات العلمية الشيعية المقدّسة، وبالدرجة الثانية على جميع المثقّفين، وبالنهاية على جميع الناس، أن يؤدّوا المسؤولية التي جعلها رسول الله صلى الله عليه وآله على عاتقهم، وهذا يسلتزم ويوجب تهيئة مقدمات وجود هذا الواجب الكفائي. وبما أنه حالياً لا يوجد (من فيه الكفاية أو مافيه الكفاية) فهذه المسؤولية هي واجب عيني.
أسأل الله تبارك وتعالى أن يوفّق الجميع لأداء هذه المسؤولية الكبيرة.
اضف تعليق