q
العراق لديه خزين ثقافي وآثاري لا يمكن تجاهله او اختزاله، بعصر من العصور او زمن من الازمان، وهنا تكون المهمة صعبة للغاية في ديمومة ابراز هذه المعالم الاثرية وتسويقها الى العالم، ولا ينحصر الامر بالجهات الرسمية، بل يقع على عاتق كل فرد مسؤولية الترويج...

أربعة أيام قضاها الحبر الأعظم البابا فرنسيس في العراق متجولا في مناطقه الدينية المقدسة ومواقعه الاثرية، وله الفضل يعود بتعريف العالم ببعض مواقعنا السياحية المنسية على المستويين المحلي والدولي.

قبل يوم الخامس من شهر آذار عام 2021 لم تكن الجهات الحكومية تولي الأماكن الاثرية أي اهتمام يذكر، وشاهدنا كيف عجت مواقع التواصل الاجتماعي بالصور التي توضح مراحل العمل في تعبيد الطرق المؤدية الى موقع الزقورة الاثري، كما نشرت اول عملية إيصال الانارة الى هناك.

الكثير من المواطنين العراقيين لم يسمعوا ويعرفوا من قبل أي معلومة عن مبنى الزقورة وبأي زمن بُنيت والى أي عصر تعود، وجاءت زيارة البابا لكشف النقاب عن معالم هذا الموقع الاثري المهم بالنسبة للعالم، فكيف بالنسبة لاصحاب هذا الوطن المليء بالمواقع التاريخة على مر العصور.

ولم يختلف الامر بالنسبة لبعض الكنائس المدثورة في الموصل التي حظيت بقسط يسير من الاهتمام الحكومي قبيل زيارة البابا اليها، وهذا الاهتمام الوقتي يعكس حقيقة دامغة، ان الجهات الرسمية الحكومية غافلة الى حد كبير عما يتملكه بلاد الرافدين من ارث حضاري وثقافي رصين يفوق ما تمتلكه جميع دول المنطقة.

لقد أخفقت الأحزاب التي حكمت العراق منذ عقود بتصدير الإرث المحلي الزاخر، وبقيت جميع المحاولات مقتصرة على زيارة بعض فرق التنقيب عن الآثار في مناطق الجنوب وغيرها من المدن العراقية، وانتهى الامر لهذا الحد ولم تتبع الجهات الرسمية الخطوات الواجبة لديمومة هذا الزخم.

لم يكن التقصير واقع من جهة بعينها في المنظومة الحكومية، لكن هنالك من يتحمل القسط الأكبر من التقصير، وهنا يمكن ان تكون وزارة الخارجية العراقية هي من ترفع شارة التقصير الكبرى في هذا الملف.

وزارة الخارجية العراقية، اختصرت مهام عملها في السنوات الماضية على ترويج الكتب والمخاطبات الرسمية، واستقبال الوفود الدولية التي تزور البلاد بدعوة رسمية من قبل الحكومة، وقد تركز العمل بهذه الدائرة، ولم تتمكن من عبور هذا الحاجز والولوج في عالم القوى الناعمة والترويج الدعائي.

المشكلة التي تواجه العراق هي ان اغلب العاملين في الأماكن التي تنحصر مهمتها بهذا الاتجاه، ليس لديهم الدراية بأهمية عملهم، وما يجب عليهم فعله، متخذين من المنصب مكان عمل لا أكثر، وبذلك تنتهي فترة الترأس دون تحصيل النتيجة المطلوبة وهي الترويج لهذا البلد والتذكير بحضارته التي ناهز عمرها السبعة آلاف سنة.

لقد أدرجت الاهوار في جنوب العراق ضمن لائحة التراث العالمي، اذ خلف قرار منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو)، فرحة وسط العراقيين، وكأنهم استردوا خمسة آلاف سنة من حضارتهم الى الخزينة المعنوية، وهي عمر الأهوار العراقية، لكن الشيء المؤسف حقا ان الاهوار بعد قرار 2016 لم تحظى بالتفاتة حكومية تؤكد صدق نوايا احياء التراث الوطني.

ولا يمكن ان نقتصر ارث العراق التاريخي بموقع الزقورة واهوار الجنوب، فالجنائن المعلقة والعتبات المقدسة ومقامات الاولياء الصالحين، لا تقل بالمكانة عن المرافق الأخرى، والتي يمكن ان توظيفها لان تكون مورد اقتصادي هائل يدر ملايين الدولارات الى خزينة الدولة، التي تعتمد في الوقت الحالي على النفط باعتباره المصدر الوحيد للدخل القومي.

العراق لديه خزين ثقافي وآثاري لا يمكن تجاهله او اختزاله، بعصر من العصور او زمن من الازمان، وهنا تكون المهمة صعبة للغاية في ديمومة ابراز هذه المعالم الاثرية وتسويقها الى العالم، ولا ينحصر الامر بالجهات الرسمية، بل يقع على عاتق كل فرد مسؤولية الترويج كأن يكون عبر نشر صورة على مواقع التواصل الاجتماعي بصورة مستمرة.

حضارتنا في الوقت الحالي تعتبر من الحضارات المنسية وليس صحيحا ان تبقى بهذه الحالة من التعامل الشعبي والرسمي، فلا يمكن لزائر أجنبي ان يحط رحاله في الشمال او الجنوب العراقي، وابناءه الى الآن لا يملكون الهمة والصحوة الحقيقة للترويج عن تاريخهم العريق وتراثهم الرصين، وريثما فعلنا ذلك سنزيل الغبار عن تاريخ الأجداد وفخر الاحفاد ونعيده الى الاذهان بعيدا عن النسيان.

اضف تعليق