q
منذ وقوع الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا، لا حديث يعلو في منصات التواصل الاجتماعي والإعلام في الدول العربية على حديث التوقعات بحدوث زلازل مشابهة، خاصة مع الجدل الذي أثاره خبير جيولوجي هولندي يُعرف نفسه بأنه باحث في شؤون الزلازل بعد أن توقع بأن تشهد دول عربية هزات أرضية كبيرة...

تنتشر أحزمة الزلازل في عدة مناطق مختلفة حول العالم، يمر بعض هذه الأحزمة في دول عربية وشرق أوسطية فيما تقترب أخرى منها. فما هي الدول العربية الأكثر احتمالاً للتعرض للزلازل؟ وكيف يمكن تقليل الآثار الكارثية للهزات الأرضية؟

تتصاعد المخاوف بشكل متسارع في الكثير من الدول العربية ودول الشرق الأوسط بعد الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا وأدى إلى مقتل نحو 41 ألفاً ونزوح عشرات الآلاف من السكان.

وبحسب علماء الزلازل والأراضي فإن المنطقة العربية ليست بمنأى عن التعرض للهزات الأرضية نظراً لاقتراب عدد منها من مناطق النشاط الزلزالي والاحزمة الزلزالية.

وتقع عدة دول عربية إما داخل أو بالقرب من ثلاثة أحزمة زلزالية وهي:

1- الحزام الزلزالي الآسيوي-الأوروبي: والذي يبدأ من جبال الهيمالايا ويمر بإيران والعراق وباكستان وصولاً إلى أوروبا.

2- الحزام العربي الإفريقي: وهو يمر عبر البحر المتوسط من سواحل تركيا ويمر بسوريا ولبنان والأردن ويصل إلى مصر وقد يمتد إلى دول المغرب العربي.

3- حزام صدع شرق إفريقيا والممتد من سوريا ولبنان والأراضي الفلسطينية والأردن وصولاً إلى سلاسل جبال غرب البحر الأحمر وحتى إثيوبيا.

وتتعرض عدة دول في المنطقة العربية والشرق الأوسط وحتى اليمن إلى الزلازل بدرجات متفاوتة. فقد تعرضت مصر وخليج العقبة والأردن والجزائر واليمن وليبيا على سبيل المثال إلى زلازل بدرجات متفاوتة من القوة على مدار العقود السابقة.

ويشير تقرير البنك الدولي عن الكوارث الطبيعية في المنطقة العربية والصادر في نوفمبر عام 2013 إلى أنه بالإضافة لمخاطر تعرض الشرق الأوسط للطقس القاسي والفيضانات وموجات الجفاف فإن هذه المنطقة معرضة أيضاً لخطر الزلازل. فبينما تضاعف عدد الكوارث الطبيعية في جميع أنحاء العالم تقريبًا منذ الثمانينيات، فقد تضاعف ثلاث مرات تقريبًا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وبعد الفيضانات، تعتبر الزلازل هي أكثر الكوارث تكراراً في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وتتسبب في خسائر فادحة بحسب التقرير.

ما هي أكثر الدول العربية المعرضة لخطر الزلازل؟

يقول الدكتور واثق غازي عبد النبي الأستاذ بقسم علوم الأرض بجامعة البصرة أن هذه الدول تنقسم إلى أربع مجموعات

أولاً: المناطق المحيطة بشبه الجزيرة العربية: وتشمل الدول العربية القريبة من الحافة التصادمية بين الصفيحة العربية والصحفية الأوراسية (والتي تشمل إيران وتركيا سوياً)، وهي المنطقة الممتدة على طول جبال طوروس جنوب شرق منطقة شرق الأناضول وجبال زاغروس غرب إيران وشرق العراق وكل ما هو قريب منها، وهذه المناطق هي الأكثر تعرضاً للنشاط الزلزالي.

وقال الدكتور شريف الهادي، الأستاذ بالمعهد القومي المصري للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية بقسم الزلازل، الجزيرة العربية تعتبر شبه آمنة لأن الصفيحة العربية كلها كتلة واحدة فيما عدا المناطق التي تحدها مثل فالق البحر الأحمر أو سلسلة جبال زاغروس في إيران وهي مناطق يتوقع أن تشهد زلازل كبيرة، لكن نظراً لبعد المسافة بين الدول العربية وهذه المناطق النشطة فإن تأثير هذه الزلازل على دول كالإمارات والسعودية وسلطنة عمان وقطر ليس تأثيراً كبيراً.

وأضاف في حواره مع DW عربية أن السعودية تتاثر بالحزام الزلزالي متوسط القوة الذي يمر في منتصف البحر الأحمر ويوثر فقط على المدن الساحلية مثل جدة وكلها لا تسبب دماراً أو ضرراً كبيراً.

ثانيا: الدول القريبة إلى صدع البحر الميت، وهذه الدول معرضة بدرجة أقل لخطر الزلازل وتشمل بلاد الشام بشكل عام لأنها تمثل حافة تكتونية بين الصفيحة العربية والصفيحة الإفريقية، ويقول خبير الزلازل وعلوم الأراضي العراقي إن سوريا رغم أنها لا تقع بشكل مباشر داخل بؤرة الزلزال الأخير، لكن المنطقة المتأثرة من سوريا كانت هي الأقرب إلى منطقة صدع شرق الأناضول وهو الحد الفاصل بين الصفيحة العربية والصفيحة الأناضولية ، وتحدث على هذا النوع من الحافات هزات أرضية عادة بمقدار كبير، مضيفاً أن هذه المنطقة تتأثر ببؤر الهزات الأرضية التي تحدث في دول أخرى.

أما الدكتور شريف الهادي فقال إن المنطقة التي وقع فيها الزلزال في تركيا هي نقطة تقاطع فالقين كبيرين للغاية في الصفائح الأرضية وهما فالق البحر الميت وفالق شمال الأناضول ما يخلق نقطة ضعف في القشرة الأرضية تسبب تكبير النشاط الزلزالي.

ثالثاً: منطقة التباعد بين الصفيحة العربية والإفريقية، وتضم الدول المعرضة لخطر من الدرجة الثالثة والأقل من الدول السابقة وتمتد على طول مناطق البحر الأحمر. ويقول خبير الزلازل العراقي إن هذه المنطقة معرضة بشكل أقل لخطر الزلازل لأنها في "حافة تباعدية" (منطقة تباعد الصفائح التكتونية) ومقدار الزلزال في هذه المنطقة يكون عادة أقل وليس مثل مناطق تقارب الصفائح التكتونية.

ويقول الدكتور واثق غازي إن هذه المنطقة تضم الساحل الغربي للسعودية والساحل الشرقي الذي يضم مصر والسودان، وتشهد هذه المنطقة هزات أرضية لكنها تحدث داخل البحر الأحمر وأحياناً تصل إلى مقدار 6 درجات على مقياس ريختر وقد يشعر بها سكان المناطق الساحلية القريبة.

ويضيف قائلاً إن "المناطق الأخرى مثل عُمان تعد قريبة للنطاق النشط جداً وهو "نطاق مكران" ويمثل نطاق تقارب بين النطاقين العربي والإيراني ولذلك فهي معرضة لنشاط زلزالي"، وقال الدكتور شريف الهادي إن مصر يمر بها حزام زلزالي قادم من الصدع في البحر الميت مروراً بخليج العقبة والأردن ولبنان وشمال غرب سوريا التي وقع فيها الزلزال، ولذلك فهي تتأثر بزلازل شرق المتوسط خصوصاً إذا ما تسببت بحدوث موجات تسونامي والتي قد تضرب سواحلها الشمالية.

رابعاً: مناطق إفريقيا: وتضم هذه المنطقة - بحسب الدكتور واثق غازي - كل الدول المطلة على سواحل البحر الأبيض المتوسط وصولاً إلى المغرب.

وأضاف أن هذه الدول هي نوعاً ما أقل تعرضاً للنشاط الزلزالي، لأن كل الزلازل يمكن أن تقع على السواحل في جهة أوروبا داخل حوض البحر الأبيض المتوسط فيما عدا مناطق المغرب العربي والتي يمكن أن يكون بها نشاط زلزالي أكثر من باقي الدول المطلة على الساحل، وقال خبير الزلازل العراقي إن منطقة الشرق الأوسط وجنوب البحر المتوسط هي مناطق تأتيها الهزات الأرضية الحادثة في السواحل الأخرى المطلة على البحر المتوسط، بمعنى أن بؤر الهزات الأرضية لا تكون داخل هذه الأراضي وإذا حدثت فهي تحدث بمقدار قليل.

يقول الدكتور شريف الهادي إن المغرب والجزائر يمر بهما حزام زلزالي يمر بوسط البحر الابيض المتوسط وتعرضتا لبعض الزلازل المدمرة والتي سببت ضحايا وخسائر كبيرة للغاية في البنية التحتية.

وأضاف الخبير المصري أن "معظم البلاد العربية معدل وقوع الزلازل فيها قليل وفي الغالب يكون متوسط القوة أو تحت المتوسط ولا يضرب أماكن واسعة كما حدث في تركيا التي تشهد وضعا مأساوياً لأن هذه المنطقة التي وقع فيها الزلزال نشطة للغاية ربما بمعدل أكثر عشرة أضعاف مما هو عليه الحال في الدول العربية، كما أن هذه الزلازل وحتى إن كان بعضها كبيراً إلا أنها حدثت في فترات زمنية متباعدة".

ويشير تقرير مكتب الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث والصادر في مايو 2013 إلى أنه خلال السنوات الثلاثين الماضية تأثرت المنطقة العربية بأكثر من 270 كارثة، مما أدى إلى وفاة أكثر من 150 ألف شخص وأثر على ما يقرب من 10 ملايين شخص، وكانت الزلازل من ضمن هذه الكوارث.

ويؤكد التقرير الأممي أن النشاط الزلزالي يندرج ضمن أكثر المخاطر شيوعاً في المنطقة. على سبيل المثال، يعرض الصدع الأردني عددًا من البلدان (الأردن ولبنان والأراضي الفلسطينية وإسرائيل وسوريا) لخطر كبير من الزلازل. وبالمثل، تعرضت بعض دول منطقة المغرب العربي (الجزائر والمغرب وتونس) لنشاط زلزالي في الماضي. وقد حدثت زلازل مدمرة في فلسطين (1927) ولبنان (1956) والمغرب (1960) ومصر (1992) والجزائر (2003) بحسب ما ورد في التقرير.

بعد زلزال القرن في تركيا وسوريا.. هل تراعي المباني العراقية المخاطر الزلزالية؟

بعد الزلزال المدمر الذي ضرب جنوب تركيا وشمال غربي سوريا وحصد أرواح عشرات آلاف الضحايا، باتت الزلازل هاجسا مخيفا لدى العراقيين، لا سيما مع إحساس سكان المدن الشمالية بالهزات الأرضية الارتدادية وتساؤلاتهم عن وضع المباني والأبراج السكنية التي تزايدت وتيرة إنشائها بعد عام 2003 وخاصة في مدن بغداد وإقليم كردستان والمدن الأخرى.

يقع العراق على الصفيحة العربية الملاصقة لكل من الصفيحة الإيرانية وصفيحة الأناضول، حيث تتأثر على مدار العام بالهزات الأرضية كما الحال في مدن السليمانية ومندلي وخانقين ومناطق أخرى وهي الأكثر تعرضا للهزات من غيرها من المدن مع محاذاتها للصفيحة الإيرانية الشرقية.

يتطلّب بناء المجمعات السكنية في العراق الحصول على موافقات قطاعية من عدة جهات حكومية، أبرزها الهيئة العامة للإسكان التابعة لوزارة الإعمار والإسكان، إضافة إلى موافقة وزارة البلديات والهيئة الوطنية للاستثمار وأمانة بغداد وغيرها من الجهات الأخرى.

وقد تواصلت الجزيرة نت مع مصدرين من إعلام وزارة الإعمار للوقوف على دور الوزارة إزاء المجمعات السكنية في البلاد، وإذا كانت مراعية للمخاطر الزلزالية مع إحصاء عدد الأبراج السكنية، إلا أن المصدرين رفضا الحديث مبررين ذلك بعدم امتلاكهما تصريحا بالحديث لوسائل الإعلام.

وحسب استقصاء الجزيرة نت، توجد العديد من المشاريع السكنية العملاقة في العاصمة بغداد، منها بسماية ودار السلام والمنصور سيتي والعطيفية وبوابة بغداد وغيرها من المشاريع الأخرى التي تباع بأسعار مرتفعة.

بدوره، يكشف المتحدث الرسمي باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي -في حديث للجزيرة نت- عن وجود أكثر من 119 مشروعا ضمن الخطط التنموية للوزارة، بالإضافة إلى 15 مدينة سكنية عمودية جديدة منتشرة في أغلب محافظات بغداد وكربلاء والنجف والأنبار وكركوك وواسط والبصرة، في خطوة تستهدف معالجة أزمة السكن التي تحتاج إلى 3 ملايين وحدة سكنية.

وتعدّ الهيئة الوطنية للاستثمار (مؤسسة حكومية) أبرز جهة حكومية تعمل على تعزيز واستقطاب وجذب رؤوس الأموال والشركات الاستثمارية للعراق لتلك التي تزيد كلفتها الاستثمارية على 250 مليون دولار، حيث تعد الهيئة إحدى الجهات المشرفة على المخططات التفصيلية والنهائية للمشاريع السكنية العمودية.

وعن دور هيئتها في بناء تلك المجمعات، تعلق المتحدثة الرسمية باسم الهيئة حنان جاسم بأن الهيئة الوطنية للاستثمار هي الجهة المشرفة على نشاط الاستثمار في العراق عموما، مبينة -في حديثها للجزيرة نت- أن الهيئة تعمل على إحالة مخططات المجمعات السكنية إلى مكتب استشاري حكومي لأجل التدقيق والرقابة وفحص مدى توفر شروط الأمان والسلامة اللازمة بتلك المجمعات ومن ضمنها مقاييس الزلازل وغيرها، وأن الهيئة لا تمنح الموافقات لأي مشاريع تفتقر إلى تلك الشروط والمعايير.

وبالانتقال إلى إقليم كردستان، حيث تنقسم طريقة بناء المجمعات السكنية العمودية فيها إلى فئتين: الأولى منخفضة الكلفة لفئات محدودي الدخل وبأسعار بين 45-60 ألف دولار أميركي، حيث تفتقر هذه الفئة بوجه عام إلى شروط ومعايير السلامة التي تحميها من الكوارث الطبيعية كالزلازل، حسب مراقبين.

أما الفئة الثانية فتمتع بمواصفات متوسطة وعالية، وتبدأ أسعارها من 80 ألف دولار فصاعدا، وتصل إلى 300 ألف دولار أميركي، وجزء منها يفتقد معايير السلامة العالمية وشروطها، بينما يكون القسم الآخر منها بمواصفات عالمية رصينة تراعي جميع شروط مقاومة الزلازل.

من جهته، ينتقد رئيس اتحاد مستثمري كردستان ياسين محمود رشيد عدم مراعاة الشروط الهندسية والمعايير المطلوبة التي تساعد المباني الضخمة والأبراج العمودية على مقاومة الزلازل كما في بعض البلدان مثل اليابان، مؤكدا أنه لو ضربت قوة زلازل تركيا وسوريا في العراق فستكون الأضرار والكوارث أكبر وأكثر وأخطر سواء في الإقليم أو العراق عموما.

ومن الجدير ذكره أن هيئة الاستثمار في إقليم كردستان تمنح بعض مشاريع الإسكان تراخيص للبناء استنادا إلى قانون الاستثمار المعمول به في الإقليم، وأن عدد الوحدات السكنية التي بنيت وفق هذه الطريقة تقدر بنحو 220 ألف وحدة سكنية بمختلف الأشكال والمساحات، في الوقت الذي تمنح فيه دوائر البلدية تراخيص بناء المشاريع لقسم آخر، حيث يبلغ عدد وحداتها السكانية نحو 100 ألف وحدة سكنية، حسب رشيد الذي أكد وجود أكثر من 450 بناية تجارية كبيرة ومتوسطة وصغيرة بالإقليم.

وبعد الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا، ومن أجل منع تكرار مأساة الضحايا في العراق، يشدد رشيد -في حديثه للجزيرة نت- على ضرورة عدم منح أي تراخيص بناء للمجمعات السكنية والأبراج العمودية ما لم تتوفر فيها شروط ومعايير السلامة المقاومة للزلازل.

ويكمل رئيس اتحاد مستثمري كردستان حديثه بانتقاده الجهات والمؤسسات الحكومية في الإقليم وكذلك النقابات والاتحادات المعنية بالأمور الهندسية، محمّلا إياها مسؤولية عدم توفر تلك الشروط والمعايير في جزء واسع من المجمعات السكنية، أما عن الأضرار فلا يقف رشيد عند ما تسببه الزلازل من انهيارات للمباني والمجمعات فحسب، وإنما يضيف أضرارا اقتصادية أخرى تكمن في انخفاض أسعار تلك المشاريع وتراجع الطلب عليها.

أما عن الجانب الجيولوجي وربطه بشروط ومعايير السلامة في المباني والأبراج السكنية العمودية، تتفق نائبة نقيب الجيولوجيين في العراق مديحة محمد النعيمي مع رشيد بالقول "ليست جميع المنشآت والمباني العراقية مصمّمة على أسس الصيانة المحمية من المخاطر الزلزالية".

وفي حديثها للجزيرة نت، تؤكد النعيمي ضرورة استشارة الخبير الجيولوجي عند اختيار مواقع بناء المباني والأبراج العمودية لدراسة طبيعة ومواصفات الطبقات الصخرية التي سيُقام عليها البناء من جهة وتفاصيل التصاميم الهندسية من جهة أخرى، لافتة إلى أن أبرز الشروط الواجب توفرها عند بناء المجمعات السكنية العمودية تتعلق بدراسة الأرض التي تقام عليها الأبنية بكل أنواعها من حيث الصلادة ونوعية الصخور وارتفاع منسوب المياه الجوفية، حسب قولها.

في السياق، يكشف مسؤول شعبة المحطات الزلزالية العراقية سلوان غازي ذنون -للجزيرة نت- عن أبرز الأسباب التي تزيد من سرعة انهيار المباني والأبراج العمودية بفعل الزلازل، ومنها ما يتعلق بأبعاد المباني وكثافة العناصر الإنشائية وتوزيعها على التربة بوجود مقاييس معينة لا بد من أخذها بالاعتبار.

ويستطرد قائلا "إن البناء فوق المباني القديمة يزيد من ضعف المقاومة، لا سيما إذا لم تعالج الأرض قبل البناء، إن توزيع فتحات النوافذ والأبواب في الجدران الداخلية مع وزن المبنى يزيد من قوّته، إن المباني النحيفة مثل تلك الموجودة في كردستان يجب ألا يزيد عدد طوابقها على 4 أو 5، لكن هذا غير موجود في بعض المجمعات، ولا سيما في أربيل، الأمر الذي يجعلها عرضة لتكون من أكثر المباني تضرّرا في حال وقوع زلازل قوية".

من جانبه، يكشف منسق الإعلام في مديرية الدفاع المدني في العراق نؤاس صباح عن اتخاذ مديريته خطوات سريعة؛ بعد دخول البلاد على الخط الزلزالي، من حيث نشر الوعي الوقائي لدى المواطنين حول كيفية التعامل مع الزلازل، خاصة أن العراق حديث عهد بالزلازل وكان نادرا ما يُسجل هزّات باستثناء الخفيفة منها.

ووضعت مديرية الدفاع المدني التابعة لوزارة الداخلية الاتحادية خطة متكاملة للتعامل مع الزلازل في حال وقوعها، مبينا في حديثه للجزيرة نت أن مسؤوليات مديريته في هذا الجانب تتمحور في الدعم الاستشاري حسب قانون الدفاع المدني المعمول به في البلاد.

تنبؤات وقوع زلازل المنطقة العربية..خبراء يردون!

أثارت توقعات خبير جيولوجي هولندي بحدوث زلازل جديدة في المنطقة العربية الكثير من الجدل، بين محذر من تكرار كارثة مماثلة لما وقع في تركيا وسويا وبين مشكك في مصداقية هذه التوقعات. فما رأي الخبراء في تنبؤات بحدوث الزلازل؟

منذ وقوع الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا، لا حديث يعلو في منصات التواصل الاجتماعي والإعلام في مصر ودول عربية أخرى على حديث التوقعات بحدوث زلازل مشابهة، خاصة مع الجدل الذي أثاره خبير جيولوجي هولندي يُعرف نفسه بأنه باحث في شؤون الزلازل بعد أن توقع بأن تشهد دول عربية هزات أرضية كبيرة.

فقبل ثلاثة أيام من وقوع الزلازل في تركيا وسوريا، غرد فرانك هونغربيتس قائلا: "عاجلًا أو آجلًا سيقع زلزال بقوة 7.5 على مقياس ريختر في هذه المنطقة (جنوب أو وسط تركيا، الأردن، سوريا، لبنان)".

وحققت التغريدة انتشارا كبيرا على موقع تويتر حيث حصدت على أكثر من 50 مليون مشاهدة وآلاف التفاعلات، لكن كان معظم هذا الزخم عقب وقوع الزلزال في السادس من فبراير / شباط 2023.

ولم يكتفي بذلك، بل حذر فرانك هونغربيتس، الذي يُقدم نفسه باعتباره متخصصا في هندسة الكواكب، من حدوث هزات ارتدادية جديدة في المنطقة قائلا: "شاهدوا النشاط الزلزالي القوي الإضافي في وسط تركيا والمناطق المجاورة، عادة ما تستمر الهزات الارتدادية لفترة من الوقت بعد وقوع زلزال كبير".

وحققت هذه التغريدة أيضا انتشارا كبيرا بلغ أكثر من 12 مليون مشاهدة وآلاف التفاعلات وسط حالة هلع، خاصة وأن صور ومقاطع الفيديو عن الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا وخلف آلاف الضحايا، ما زالت عالقة في الأذهان، لا سيما مقاطع سقوط الأبنية فوق رؤوس ساكنيها.

ورغم إقرار الباحث لاحقا بأن توقع حدوث زلزال بشكل محدد يعد بالأمر المستحيل، إلإ أنه أكد أنه يستعين في تنبؤاته بموقع القمر وأيضا بالتغيرات المناخية.

أثارت تغريدات الباحث الهولندي حالة من الجدل في المنطقة خاصة في البلدان التي زعم أنها قد تقع بها هزات أرضية، مثل مصر ولبنان والعراق التي قال إنها دولا تشهد نشاطا زلزاليا، وعلى منصات التواصل الاجتماعي، تباينت الآراء حيال توقعات وتنبؤات هونغربيتس، حيث أعرب كثيرون عن خوفهم وقلقهم من حدوث زلازل قوية على غرار زلزال تركيا وسوريا.

في حين شكك آخرون في تصريحات الباحث الهولندي واتهمه البعض "بالبحث عن الشهرة". بل إن هناك من نادى بضرورة التوقف عن نشر تغريداته لأنها تتسبب في حالة ذعر، لكن في المقابل، دافع بعض مستخدمي التواصل الاجتماعي عن هونغربيتس وطالبوا بضرورة أخذ توقعاته على محمل الجد والتحلي بالكثير من اليقظة والحيطة.

من جهته يؤكد الدكتور عباس شراقي، أستاذ الموارد المائية والجيولوجيا بجامعة القاهرة، أن توقعات هونغربيتس ليست سوى "تنجيم"، مضيفا بأن الباحث الهولندي "لم يقدم أي أساس عملي يؤكد صحة توقعاته".

وفي مقابلة مع DW عربية، أوضح شراقي "اعتماده بشكل كامل على حركة القمر والنجوم، لذا فإن هذا الكلام يميل أكثر إلى التنجيم وليس إلى العلم. ثمة فارق كبير بين التوقع وبين إجراء أبحاث ثم استخلاص نتائج".

وأضاف خبير الجيولوجيا "هونغربيتس يتحدث عن القمر والنجوم، لذا فكلامه لا يحمل أي مصداقية. إذا فالأمر ليس سوى توقعات. والدليل أنه قال إنه يتوقع حدوث زلزال في مصر خلال أيام أو شهور أو أعوام، فما الجديد في ذلك؟ ..الزلازل يمكن أن تحدث في أي وقت"، ويتفق مع هذا الرأي الدكتور عماد كمال، أستاذ قسم الزلازل بالمعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية في مصر.

عماد كمال قال في مقابلة مع DW عربية "تقوم تنبؤات (هونغربيتس) على أساس حركة اصطفاف الأقمار العملاقة مع بعضها البعض ومع كوكب الأرض لتحديد حدوث الزلازل وهذا الأمر لا يستند على أساس عملي جيولوجي"، وأضاف أن توقعات الباحث الهولندي عن زلزال تركيا وسوريا كان "مصادفة"، مشيرا إلى أنه توقع في السابق حدوث زلازل في دول أخرى، لكن "لم يحدث شيئا".

وعلى وقع حالة الهلع التي أثارتها التوقعات بحدوث هزات ارتدادية في المنطقة التي تمتد من تركيا إلي سوريا ولبنان ومصر والأردن، سارع متخصصون وخبراء في مصر إلى طمأنة المواطنين إزاء هذه التنبؤات.

وفي هذا السياق، استضافت قنوات تلفزيونية مسؤولين ومتخصصين أكدوا على ضرورة عدم تصديق ما يثار حيال مثل هذه التوقعات مع لفت الانتباه إلى أن الحكومة المصرية تنفذ خطة واستراتيجية لمواجهة مخاطر الزلازل، خاصة عند بناء المدن الجديدة والأنفاق والجسور.

ورسميا، سعت الحكومة المصرية إلى طمأنة المواطنين حيث أكدت في بيان اليوم الاثنين (13 فبراير/شباط 2023) أن الحديث عن تعرض البلاد لزلازل مدمرة ليس "سوى شائعات"، مشددة على أن هناك "متابعة مستمرة ودقيقة لنشاط أي زلازل أو هزات أرضية قد تحدث من خلال الشبكة القومية لرصد الزلازل".

ويشار إلى أنه توجد في مصر ستة بؤر زلزالية من بينها "منطقة خليج العقبة" التي تتعرض لقرابة 300 هزة ومنطقة "بحيرة ناصر" في جنوب البلاد والتي يُعرف عنها نشاطا زلزاليا متوسطا وأيضا "جزيرة شدوان" الواقعة بالقرب من مدخل خليج السويس والتي تتميز بنشاط زلزالي كبير.

وأعادت التنبؤات عن احتمالية وقوع زلازل في مصر وقبلها زلزال تركيا وسوريا المدمر، إلى الأذهان ذكرى كارثة زلزال عام 1992 حيث تعرضت البلاد إلى أسوأ هزّة أرضية خلفت أكثر من 540 حالة وفاة وأكثر من ستة آلاف مصاب فضلا عن تشريد نحو 50 ألفا.

واستعاد كثيرون ذكرى مأساة 1992 في محاولة لتسليط الضوء على حجم الكارثة التي وقعت في تركيا وسوريا عقب زلزال الاثنين الماضي، حيث مازالت عمليات انتشال وإنقاذ آلاف الضحايا جارية.

وتجدر الإشارة إلى أن حصيلة قتلى الزلزال الأخير الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا ارتفعت إلى أكثر من 33 ألفا، فيما تشير أحدث الأرقام الواردة من سوريا أنّ حصيلة القتلى تقترب من أربعة آلاف، فيما قالت الأمم المتحدة إنّ هذه الحصيلة قد "تتضاعف".

هل يمكن التنبؤ بالزلازل؟

التنبؤ بحدوث زلازل قد يساعد في إجلاء المدنيين من المناطق المهددة وبالتالي إنقاذ حياة المئات وربما الألاف من الأرواح. لكن ما مدى واقعية ذلك؟

يؤكد الدكتور عباس شراقي، أستاذ الموارد المائية والجيولوجيا بجامعة القاهرة، على عدم "وجود أسس علمية حتى الآن للتنبؤ بالزلازل"، لكنه قال إن هناك "بعض الشواهد" قد تساعد في توقع احتمال حدوث هزات أرضية.

وأضاف "على سبيل المثال، تحدث الزلازل على مدار اليوم في اليابان والمحيط الهادي وفي قبرص، لكن شدتها تتراوح ما بين 2 و3 درجات، بيد أنه في حالة تكرار هذه الزلازل واشتداد قوتها، يمكن - في هذا الوضع - أن نقلق بأن الأمر ربما يكون بداية لحدوث زلازل".

وفي سياق متصل، شدد الدكتور أحمد محمد فريد منصور، الباحث بالشبكة القومية المصرية للزلازل و الحد من المخاطر، على أن التنبؤ بالزلازل ليس بالأمر السهل "لأنه يتوقف عليه حياة البشر وإدارة أمور الدول داخليا ودوليا".

وفي مقابلة مع DW عربية، أوضح منصور "التنبؤ (بوقوع هزات أرضية) يجب أن يكون دقيقا في ثلاث تعريفات تتمثل في موقع الزلزال ووقت حدوثه ومقدار قوته. من هذا المنطق يتضح الفرق بين التنبؤ بالزلزال وتوقع احتمالية حدوثه التي تخلو من الدقة أو اليقين".

وأضاف "استنادا على ذلك، فإن السيد فرانك هونغربيتس صادفه الحظ في توقع حدوث زلزال تركيا، لكنه عجز في تحديد موعده لانه قال (آجلاً أو عاجلاً) و أخيرا أخطأ في حساب قوة الزلزال".

لكنه منصور أكد على أن هناك معايير تستند على أساس عملي قد تساعد في تحديد "الخطر الزلزالي لكل منطقة على حدة نظرا لكثرة العوامل المؤثرة التي تختلف من مكان لأخر و من وقت لأخر"، وتابع بهذا الخصوص "يمكن أيضا إنشاء مقياس معلن بشفافية ومتغير للخطر الزلزالي لكل منطقة، حيث تكون قيمته متغيرة بتغير القراءات والاستنتاجات العلمية لهذه المنطقة."

"توابع" الزلازل أو الهزات الارتدادية.. ما أسبابها ومدى خطورتها؟

وقعت هزات ارتدادية عقب الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا، في المنطقة الحدودية المنكوبة ما خلف خسائر فادحة. فما ما هي توابع الزلزال؟ ومتى يمكن أن تحدث وما مدى خطورتها؟ وما علاقة الصفائح التكتونية بذلك؟

لم يكد سكان تركيا وسوريا أن يفيقوا من هول الزلزال المدمر الذي خلف خسائر مادية وبشرية كبيرة صباح الاثنين الماضي (السادس من فبراير/شباط 2023)، حتى حدثت هزات ارتدادية أخرى أو ما يُطلق عليها "توابع الزلزال".

وتسبب زلزال الاثنين المدمر في وفاة آلاف الأشخاص وسط توقعات بزيادة حصيلة القتلى بسبب إذ أن الآلاف مازالوا محاصرين تحت الأنقاض وأيضا بسبب احتمال حدوث هزات ارتدادية أخرى قد تؤدي إلى انهيار المباني المتضررة والمتصدعة من الزلزال الأول.

توابع الزلزال. ما هي؟

يلي حدوث زلزال كبير هزات ارتدادية أو "توابعه" وتكون قوية خلال الـ 48 ساعة عقب الزلزال الأول وقد تستمر لأسابيع وربما لسنوات في بعض الحالات فيما تبلغ قوة توابع الزلزال بداية من درجة أقل من قوة الزلزال الأول فإذا بلغت شدة الزلزال 7 درجات على مقياس ريختر، فإن العلماء يتوقعون حدوث هزة ارتدادية تالية بقوة تبلغ 6 درجات.

وفي مقابلة DW، قال روجر موسون، الباحث الفخري في هيئة المسح الجيولوجي البريطانية، إن هذا يعد معدل وقوع توابع الزلازل، "لكن قد يقع الأمر في بعض الأحيان على خلاف ذلك إذ قد تفوق قوة توابع الزلزال شدة الزلزال الرئيسي، لذلك بصفتي عالم زلازل، يجب أن أكون دائما على استعداد لأي مفاجأة قد تُحدثها الأرض".

يشار إلى أن المنطقة الحدودية بين تركيا وسوريا تعرضت لهزات ارتدادية أخرى كانت بنفس قوة الزلزال الأول.

لا يعتبر العلماء الزلزال حدثا فرديا إذ حدث بين الخط الأول والثاني من خطوط الصدع بعيدا عن الزلزال السابق لأن الهزات الارتدادية أو توابع الزلزال تحدث نتيجة محاولة الصفائح التكتونية للأرض العودة إلى مكانها على طول خط الصدع.

وقال العلماء إنه وقع أكثر من مئة هزة ارتدادية أخرى منذ حدوث كارثة الزلزال في تركيا وسوريا، ويقول موسون إنه قد لا تحدث هزات ارتدادية إذا كانت قوة الزلزال ضعيفة، لكن في حالة وقوع زلزال قوي، فإن حدوث هزات ارتدادية بعده يعد أمرا مسلما به.

الأسباب وراء تزايد قوة توابع الزالزل؟

بلغت قوة الهزة الارتدادية التي وقعت عقب زلزال الاثنين 7.5 درجة على مقياس ريختر في معدل يقترب من قوة الزلزال الأول والتي بلغت 7.8 درجة فيما يقول العلماء إن هذا الأمر يعد غير شائع.

ويرجع موسون، الذي يُجري أبحاثا في جامعة إدنبرة في المملكة المتحدة، السبب وراء ذلك إلى أن الزلزال الأول لم يحدث على طول خط صدع واحد وإنما يمكن القول بأنه حدث في منطقة صدع شرق الأناضول المعروفة بنشاطها الزلزالي.

وأضاف أن هذا الأمر يشبه حدوث تصدع كبير بما يشمل تجمع خطوط صدع ثانوية حوله، مشيرا إلى أن الزلزال الأول أدى إلى حدوث "تجمع" للزلازل على طول الصدوع الجديدة التي نجمت عن الصدع الرئيسي وهو الأمر المغاير للهزات الارتدادية النموذجية التي تحدث على طول خط الصدع للزلزال الرئيسي.

متى تقع توابع الزلزال وما فترة حدوثها؟

لكن الأمر يثير تساؤلات حيال متى يُتوقع حدوث توابع الزلزال وما إلى متى يمكن أن تستمر؟ وفي ذلك، يقول العلماء إن الأمر يعتمد على قوة شدة الزلزال الأول.

بدوره، قال موسون إنه رغم أن توابع الزلزال الأكثر شدة سوف تتوقف على الأرجح بعد حوالي يومين من وقوع الزلزال الأول، إلا أنه من الممكن أن تتضاءل توابع الزلزال تدريجيا، لكنها لن تتوقف تماما حتى بعد عام من حدوث الزلزال الرئيسي.

وتشير أبحاث أخرى إلى أنه في بعض المناطق ذات النشاط الزلزالي مثل خط الصدع الزلزالي "نيو مدريد" بولاية ميسوري الأمريكية، فإن توابع الزلازل الصغيرة قد تستمر لعدة قرون بعد حدوث الزلزال الأول.

ما مخاطر الهزات الارتدادية في تركيا وسوريا؟

وفيما يتعلق بزلزال سوريا وتركيا المدمر، يقول العلماء إنه يتعين الانتظار ليوم أو يومين للحصول على رؤية واضحة حيال مخاطر حدوث هزات ارتدادية أخرى إذ يمكن أن يؤدي تنشيط خط الصدع الذي حدث فيه هزة ارتدادية بلغت 7.5 درجة على مقياس ريختر إلى حدوث هزات ارتدادية أخرى.

وأضاف العلماء أن توابع الزلزال قد تظل خطيرة ومدمرة إذ قد تسبب هزة صغيرة في انهيار مبنى متصدع جراء الزلزال الأول وهو ما يخلف دمارا كبيرا.

وفي ذلك، قال موسون إنه في الغالب تتسبب الهزة الارتدادية في ضرر غير متناسب مع قوتها، لكن الأمر يعود إلى أن المباني باتت متضررة جراء الزلزال الأول، مضيفا "هذا يعد أحد الأسباب التي تدفع سلطات الدفاع المدني إلى التجول في المنطقة المنكوبة جراء الزلزال الكبير من أجل تمييز المباني المتضررة وغير الآمنة من أجل تحذير السكان من مغبة العودة إليها".

كيف نجحت التجربة اليابانية في مكافحة خطر الزلازل؟

أحيا زلزال تركيا وسوريا النقاش حول أهمية تكيف الدول ذات النشاط الزلزالي العنيف مع هذا النوع من الكوارث ومع قسوة الطبيعة، على غرار اليابان، التي باتت رائدة في هذا المجال خصوصا مع أبنيتها المضادة للزلازل ومع خفضها عدد الضحايا بشكل لافت.

وتعرف اليابان بأبنيتها المضادة للزلازل، حيث تفرض الحكومة معايير بناء تعتبر الأكثر صرامة في العالم، كما يتم تجديد البنايات مع مراعاة المخاطر الطبيعية التي تهدد البلاد.

وقال موقع "لاكراو" الفرنسي إن زلزال تركيا وسوريا الأخير أحيا التساؤلات حول مدى هشاشة المباني التي دمرتها الهزات العنيفة على جانبي الحدود، ما يذكرنا بأهمية احترام معايير البناء وفقا للنموذج الياباني.

واستفادت اليابان من خبرة طويلة الأمد في مجال مكافحة الزلازل ترجع لقرون، إذ بدأت دراسات علم الزلازل منذ مئة عام خصوصا في أعقاب الزلزال الذي دمّر طوكيو في 1923 وخلّف أكثر من 100 ألف قتيل، حيث دمّرت الهزات غالبية المباني الغربية الطراز المبنية بالطوب وكذا المنازل الخشبية التقليدية.

وحدد التشريع المحلي في عام 1924 المعايير التي يجب مراعاتها في تصميم وبناء المباني الجديدة، وهو بمثابة أول تشريع هندسي في العالم يحدد معايير البناء التي تراعي النشاط الزلزالي.

وقال محمود القريوتي الباحث المتخصص في علم ورصد الزلازل، لوكالة "فرانس برس" إن هناك عدة خطوات تجسد الاستراتيجية اليابانية لمكافحة آثار الزلازل، موضحا أن الخطوة الأولى تتمثل بتقييم الخطر الزلزالي بمعنى معرفة الصدوع النشطة وأماكن الصفائح التكتونية بحيث يتم تقييم المخاطر لكافة المناطق وتحديد أكبر نشاط يمكن أن يحدث في المناطق المعنية بالدراسة، ثم معرفة خصائص ومميزات الأبنية والمنشآت بشكل عام وأماكن التجمعات السكنية لوضع خرائط تبين مواقع الخطر الزلزالي.

والخطوة الثانية هي "وضع سيناريوهات اعتمادا على أماكن الخطر الزلزالي وأيضا على أماكن التجمعات والمنشآت السكانية بحيث يمكن تطبيق تلك المخاطر على المناطق السكانية ومعرفة حجم التهديد الزلزالي".

وأشار إلى أنه "بالإضافة إلى ذلك هناك استراتيجيات توسع المدن وانتشارها في المناطق الأقل خطرا، بحيث يتم التركيز عليها والابتعاد قدر الإمكان عن مناطق الصدوع النشطة لأنه لا يمكن مطلقا منع النشاط الزلزالي لكن يمكن تخفيف مخاطره".

وتعتمد التجربة اليابانية على إجراءات هامة جدا أيضا، مثل صياغة تشريع هندسي لمقاومة آثار الزلازل بناء على دراسات زلزالية جيولوجية هندسية مختلفة، بحيث يتم تنظيم المعايير الهندسية والمتطلبات الواجب اتخاذها من الأطراف المعنية بما في ذلك مصممو الأبنية والمنشآت الهندسية أو المنفذون، والالتزام التام بهذه المعايير والخطوات حتى تكون المنشآت المختلفة تقاوم أفعال آثار الزلازل.

وهناك إجراءات أخرى تخص الأبنية حيث يتم إخماد الموجات الزلزالية أثناء حدود النشاط الزلزالي من خلال وضع مجسّات أو مصنّعات هندسية مختلفة على مستوى الأساسات وأماكن أخرى لجعل المبنى يتحرك بشكل يناسب الحركة الزلزالية حتى يتم إخماد تلك الموجات.

ونجحت هذه الإجراءات بشكل ممتاز بتخفيف الأخطار في اليابان ما أدى إما إلى انعدام الضحايا خلال حدود الزلازل أو سقوط عدد قليل جدا. ويمكن تطبيق هذه الاستراتيجية على بلدان كثيرة من ضمنها تركيا وسوريا والمناطق ذات النشاط الزلزالي.

اضف تعليق