وجدّدت اسرائيل تهديداتها إذا استؤنفت الهجمات على الدروز وفشل النظام السوري في منعها، فسترد إسرائيل بقدر كبير من القوة. وصعدت إسرائيل عملياتها العسكرية في سوريا منذ أن أطاحت المعارضة ببشار الأسد، وقصفت مناطق في أنحاء البلاد وأدخلت قوات برية إلى الجنوب الغربي ودعت إلى بقاء سوريا دولة لامركزية ومعزولة...
يرفض دروز يسكنون بالقرب من العاصمة السورية دمشق طلب الحكومة، التي يقودها إسلاميون، تسليم أسلحتهم الخفيفة، قائلين إن السلطات لم تعالج بعد المخاوف من أن يشن متشددون سنة هجمات جديدة، وذلك بعد أيام من أعمال عنف طائفية.
واندلعت الأسبوع الماضي اشتباكات بين مقاتلين سُنة ودروز مسلحين من سكان بلدة جرمانا بجنوب شرقي دمشق، امتدت لاحقا إلى منطقة أخرى بالقرب من العاصمة ثم جنوبا إلى محافظة السويداء ذات الأغلبية الدرزية.
ويهدد هذا العنف سيطرة الحكومة الجديدة على سوريا حيث تهاجم عصابات مسلحة الأقليات الدينية وتكثف إسرائيل تدخلها العسكري بحجة حماية الطائفة الدرزية.
وهناك مفاوضات مع السلطات السورية للتوصل إلى اتفاقات تسمح لمقاتلي الدروز بحماية مناطقهم باعتبارهم أعضاء في قوات الأمن السورية، لكن السلطات طلبت من سكان هذه المناطق هذا الأسبوع تسليم كل أسلحتهم إلى الدولة.
وقال مكرم عبيد، عضو لجنة جرمانا التي تتفاوض مع الحكومة السورية “قلنا لهم، بمجرد أن يكون هناك دولة قادرة على تنظيم قواتها، فلن تكون لدينا مشكلة في تسليم أسلحتنا”.
وذكر عبيد أن لجنته أبلغت المسؤولين في الحكومة أن من الأفضل لهم التركيز على نزع سلاح العصابات التي تضايق الأقليات الآن.
وأضاف لرويترز “من حقنا أن نشعر بالخوف لأننا رأينا ما حدث في مناطق أخرى”، في إشارة واضحة إلى مقتل مئات المدنيين من الأقلية العلوية، التي ينتمي إليها الرئيس المخلوع بشار الأسد، في مارس آذار الماضي.
وكانت هذه أعنف أعمال العنف الطائفي في سوريا منذ سنوات بعد انتهاء الحرب، التي استمرت 14 عاما، في ديسمبر كانون الأول الماضي عندما أسقطت المعارضة الأسد الذي فر إلى روسيا.
وقال عبيد “بدها الناس تشعر بالأمان، بيكفيها 11 سنة يعني قتل وضرب وشغلة بال (قلق)، يعني عدم استقرار، هذا الموضوع الناس تعبت، تلفت منه… ولسه جايين لمرحلة تانية كنا بنعتقد إنه مع انهيار النظام راح يودينا لمكان أفضل بكتير الحقيقة، حتى الآن لأ مانا (لسنا) شاعرين بالاطمئنان”.
وعبر فهد حيدر، أحد سكان جرمانا، عن نفس المخاوف.
وقال لرويترز “نحنا مو ضد تسليم السلاح، بالعكس سلاحنا نحنا ما بدنا إياه، بس يصير في قانون وتنضبط (مسألة) السلاح في سوريا كلها، وكل العصابات بسوريا تسلم سلاحها، إحنا أول عالم تسلم سلاحها”.
وإثر إطاحة الاسد الذي قدّم نفسه حاميا للأقليات في سوريا، لم تتوصل الفصائل الدرزية المسلحة التي لا تنضوي تحت مظلة واحدة، الى اتفاق كامل مع السلطات الجديدة. لكن مئات المقاتلين من فصيلين رئيسيين انضووا في صفوف الأمن العام ووزارة الدفاع.
والتقى الشرع الجمعة في دمشق الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط الذي كان دعا الأربعاء أبناء طائفته في سوريا إلى “رفض التدخل الإسرائيلي”.
وأفاد المرصد السوري عن مقتل أربعة دروز في ضربة بمسيّرة أصابت مزرعة في كناكر في محافظة السويداء في جنوب سوريا.
ومساء الخميس ندد الشيخ حكمت الهجري، أبرز القادة الروحيين لدروز سوريا، بـ”هجمة إبادة غير مبررة” ضد أبناء طائفته، مطالبا “وبشكل فوري أن تتدخل القوات الدولية لحفظ السلم ولمنع استمرار هذه الجرائم ووقفها بشكل فوري”.
واتهمت السلطات “مجموعات خارجة عن القانون” بافتعال الاشتباكات عبر شن هجوم على قواتها.
وتعهدت السلطات الجديدة حماية الطوائف كافة وسط مخاوف لدى الأقليات، في وقت يحثّ المجتمع الدولي على إشراك جميع المكونات في المرحلة الانتقالية.
وبعد اتفاقي تهدئة بين ممثلين عن الدروز ومسؤولين حكوميين، انتشرت قوات الأمن في صحنايا، وعززت من إجراءاتها الأمنية ليل الخميس في محيط جرمانا، حيث نص الاتفاق وفق السلطات “على تسليم السلاح الثقيل بشكل فوري وزيادة انتشار قوات إدارة الأمن العام في المدينة”.
لكن أريج البالغة 35 عاما والتي تسكن صحنايا قالت “لكننا خائفون”، مضيفة “فرّ عدد كبير من المسيحيين والدروز إلى دمشق”.
وتمثل اشتباكات دارت هذا الأسبوع أحدث تحد للشرع الذي تعهد مرارا بتوحيد كل القوى المسلحة السورية تحت هيكل واحد وحكم البلاد بطريقة لا تستثني أحدا.
لكن حوادث العنف الطائفي، خاصة مقتل مئات العلويين في مارس آذار، زادت من مخاوف الأقليات إزاء الإسلاميين الذين يهيمنون على المشهد في سوريا حاليا وأثارت تنديدات من قوى عالمية.
إسرائيل والسعي الى سوريا مقسمة ومعزولة
بدورها شنت الطائرات الحربية الإسرائيلية أكثر من 20 غارة استهدفت مراكز عسكرية في جميع أنحاء سوريا ليل الجمعة السبت، وفق ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، بعد أن كانت إسرائيل قد أعلنت في وقت سابق عن تنفيذ ضربة قرب القصر الرئاسي في دمشق.
وتحدث المرصد السوري لحقوق الإنسان الذي يملك شبكة واسعة من المصادر على الأراضي السورية، عن “أكثر من 20 غارة إسرائيلية على درعا وريف دمشق وحماة، طالت مستودعات ومراكز عسكرية”، إضافة إلى غارات على ريفي حماه واللاذقية.
ووصف المرصد الغارات بأنها “الأكثر عنفا منذ بداية العام”.
وأفاد مراسلو وكالة فرانس برس في العاصمة السورية عن سماع أصوات هدير طائرات وعدد من الانفجارات.
ومنذ سقوط الرئيس بشار الأسد في كانون الأول/ديسمبر، نفذت إسرائيل التي تنظر إلى السلطات الجديدة في دمشق بريبة، مئات الهجمات على مواقع عسكرية في سوريا، مبررة ذلك بسعيها لمنع وصول الأسلحة إلى السلطات الجديدة التي تصفها ب”الجهادية”.
كما أرسلت إسرائيل أيضا قوات إلى المنطقة منزوعة السلاح في هضبة الجولان.
واستهدفت غارة إسرائيلية فجر الجمعة دمشق، تردد صداها في أنحاء العاصمة، وفق ما أفاد مراسلو فرانس برس وسكان.
وقال المتحدّث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي في منشور على منصّة إكس إنّ “طائرات حربية أغارت.. على المنطقة المجاورة لقصر أحمد حسين الشرع في دمشق”.
ودانت الرئاسة السورية في بيان هذا القصف الذي قالت إنه طال القصر الرئاسي، معتبرة أنه “يشكل تصعيدا خطيرا ضد مؤسسات الدولة وسيادتها”.
وتأتي هذه الغارات عقب اشتباكات بين مسلحين دروز وعناصر أمن ومقاتلين مرتبطين بالسلطة السورية قرب دمشق وفي جنوب البلاد، على الحدود مع إسرائيل، أوقعت أكثر من مئة قتيل خلال يومين، وفقا للمرصد السوري لحقوق الإنسان.
وعقب الغارة، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في بيان مشترك مع وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس “هذه رسالة واضحة للنظام السوري. لن نسمح بنشر قوات (سورية) جنوب دمشق أو بتهديد الطائفة الدرزية بأيّ شكل من الأشكال”.
وجدّدت اسرائيل الخميس تهديداتها، إذ حذّر كاتس في بيان من أنه “إذا استؤنفت الهجمات على الدروز وفشل النظام السوري في منعها، فسترد إسرائيل بقدر كبير من القوة”.
وصعدت إسرائيل عملياتها العسكرية في سوريا منذ أن أطاحت المعارضة ببشار الأسد في ديسمبر كانون الأول، وقصفت مناطق في أنحاء البلاد وأدخلت قوات برية إلى الجنوب الغربي ودعت إلى بقاء سوريا دولة لامركزية ومعزولة.
وبنت إسرائيل موقفها استنادا إلى تشككها في الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع، الذي كان قائد أحد فروع تنظيم القاعدة، وعلى رغبتها في حماية الأقلية الدرزية التي لها أتباع في لبنان وإسرائيل أيضا.
وقال الجيش الإسرائيلي إنه نشر قوات في جنوب سوريا “لمنع عودة القوات المعادية إلى المناطق المحيطة بالقرى الدرزية”. وأضاف أن القوات مستعدة للدفاع عن نفسها و”لسيناريوهات مختلفة”.
وأضاف أنه جرى إجلاء خمسة مواطنين سوريين دروز لتلقي العلاج في إسرائيل بعد إصابتهم بجروح.
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية السورية رزان سفور في منشور على منصة إكس “إسرائيل لا تريد السلام، ولا تكترث بالجماعات التي تزعم أنها تحميها بقصف الآخرين”.
جاء القصف بعد اشتباكات بين مسلحين دروز وسنة على مدى أيام في منطقة جرمانا ذات الأغلبية الدرزية بسبب تسجيل صوتي مسيء للنبي محمد والذي اشتبه مسلحون سنة في أن أحد أفراد الأقلية الدرزية هو من سجله.
وقال الشيخ يوسف جربوع الزعيم الديني الدرزي إن ما صدر عن قلة من الأفراد بحق النبي محمد لا يمثل إلا أنفسهم وهو مرفوض من قبل الدروز والمجتمع كله، داعيا الطائفتين إلى رفض محاولات تأجيج الانقسامات الطائفية.
وقال زعيم المعارضة يائير لابيد في منشور على إكس “لا يمكن لإسرائيل أن تترك الدروز في سوريا لمصيرهم… يجب أن يعلم النظام السوري أنهم حلفاؤنا ولن نقف مكتوفي الأيدي وهم يتعرضون للهجوم”.
والتقى زعماء الطائفة الدرزية ومسؤولون حكوميون سوريون في السويداء في وقت متأخر يوم الخميس في محاولة لتهدئة التوتر. وقالوا في بيان ختامي إن سكان السويداء سيحمون محافظتهم ضمن قوى الأمن الداخلي السورية ويرفضون “أي شكل من أشكال التقسيم أو الانفصال أو الانسلاخ عن الوطن”.
وردا على سؤال عما إذا كان الهدف من القصف الإسرائيلي لسوريا هو حماية الدروز، قال الشيخ ليث البلعوس، أحد زعماء الدروز الذين شاركوا في الاجتماع، لتلفزيون سوريا “نرفض الاعتداء على سوريا ولسنا بحاجة لمن يدافع عنا، وننتظر من الدولة أن تقوم بواجبها”.
وتوجد أقلية درزية صغيرة في إسرائيل، كما يعيش حوالي 24 ألف درزي في هضبة الجولان التي احتلتها إسرائيل في حرب عام 1967 وضمتها عام 1981 في خطوة لم تعترف بها معظم الدول أو الأمم المتحدة.
وكتب بعض الدروز الذين يخدمون في الجيش الإسرائيلي إلى نتنياهو يطالبونه بمساعدة أقاربهم في سوريا، قائلين إن “مئات المقاتلين” مستعدون للتطوع والمساعدة.
ومنذ الإطاحة بالأسد في ديسمبر كانون الأول، سيطرت إسرائيل على أراض في الجنوب الغربي وتعهدت بحماية الدروز وضغطت على واشنطن لإبقاء الدولة المجاورة في حالة ضعف، وفجّرت الكثير من الأسلحة الثقيلة للجيش السوري في الأيام التي تلت الإطاحة باللأسد.
ويتوزّع الدروز بين لبنان وإسرائيل والجولان المحتل وسوريا، حيث تشكل محافظة السويداء في الجنوب معقلهم الرئيسي.
وتزامنت الغارة الإسرائيلية الأربعاء مع إحياء الدولة العبرية ذكرى قتلاها العسكريين.
وقال نتانياهو “في يوم ذكرى جنود الجيش الإسرائيلي، نُكرم المساهمة الكبيرة للطائفة الدرزية في أمن إسرائيل … نُولي أهمية كبرى للوفاء بالتزامنا تجاه الطائفة الدرزية في إسرائيل وحماية إخوانهم في سوريا”.
وأضاف “لن تسمح إسرائيل بإلحاق الأذى بالطائفة الدرزية في سوريا وذلك انطلاقا من التزامنا العميق تجاه إخواننا الدروز في إسرائيل الذين تربطهم علاقات عائلية وتاريخية بإخوانهم في سوريا”.
ومنذ اندلاع النزاع في سوريا عام 2011، تمكن الدروز الى حد كبير من تحييد أنفسهم عن تداعياته. فلم يحملوا إجمالاً السلاح ضد النظام ولا انخرطوا في المعارضة باستثناء قلة.
ولم يتوصل الدروز الذين ينضوون ضمن مجموعات مسلحة عدة في مناطق تواجدهم الى اتفاق بعد مع السلطات الجديدة للاندماج ضمن قواتها، بعدما أعلن الرئيس الانتقالي أحمد الشرع حل كل الفصائل المقاتلة.
رفض الانسلاخ عن سوريا
بدورها أكدت المراجع الدينية والفصائل العسكرية الدرزية الخميس انها “جزء لا يتجزأ” من سوريا التي ترفض “الانسلاخ” عنها، بعيد اشتباكات ذات طابع طائفي اوقعت أكثر من مئة قتيل يتوزعون بين مسلحين دروز من جهة وعناصر أمن ومقاتلين مرتبطين بالسلطة من جهة أخرى ومدنيين بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.
واثر اجتماع في مدينة السويداء ليل الخميس ضم مشايخ عقل الطائفة وأعيانها وفصائلها المسلحة، تم الإعلان عن خارطة طريق على وقع الاحداث الدامية الأخيرة. وقال متحدث باسم المجتمعين “نؤكد على مواقفنا الوطنية الثابتة…وأننا جزء لا يتجزأ من الوطن السوري الموحد”، مضيفا “نرفض التقسيم او الانسلاخ أو الانفصال”.
ودعا في الوقت نفسه الى “تفعيل دور وزارة الداخلية والضابطة العدلية في محافظة السويداء من أبناء المحافظة”.
وتزامنت مطالب دروز السويداء مع اعلان السلطات السورية التوصل إلى اتفاق مع ممثلين عن مدينة جرمانا.
وأعلن مدير مديرية أمن ريف دمشق المقدم حسن الطحان لوكالة الأنباء السورية الرسمية سانا أن الاتفاق ينص “على تسليم السلاح الثقيل بشكل فوري وزيادة انتشار قوات إدارة الأمن العام في المدينة”.
وتأتي هذه الخطوات نحو التهدئة بعد ساعات من وصف الشيخ حكمت الهجري الذي يعد أبرز القادة الروحيين لدروز سوريا، في بيان ما شهدته منطقتا جرمانا وصحنايا قرب دمشق في اليومين الاخيرين بأنه “هجمة إبادة غير مبررة” ضد “آمنين في بيوتهم”.
وقال “لم نعد نثق بهيئة تدعي انها حكومة.. لأن الحكومة لا تقتل شعبها بواسطة عصاباتها التكفيرية التي تنتمي اليها، وبعد المجازر تدعي أنها عناصر منفلتة”، معتبرا أنه على الحكومة أن “تحمي شعبها”.
وشدد على أن “القتل الجماعي الممنهج” يتطلب “وبشكل فوري أن تتدخل القوات الدولية لحفظ السلم ولمنع استمرار هذه الجرائم ووقفها بشكل فوري”.
وجاءت مواقف الهجري الذي يعد أحد مشايخ العقل الثلاثة في سوريا، غداة اعلان السلطات السورية نشر قواتها في صحنايا لضمان الأمن، متهمة “مجموعات خارجة عن القانون” بالوقوف خلف الاشتباكات التي وقعت فيها بعدما هاجمت قوات الأمن.
وفي منشورات على منصة أكس، ندّد وزير الخارجية أسعد الشيباني الخميس بمطلب التدخل الدولي، مؤكدا أن “الوحدة الوطنية هي الأساس المتين لأي عملية استقرار أو نهوض”.
واعتبر أن “أي دعوة للتدخل الخارجي، تحت أي ذريعة أو شعار، لا تؤدي إلا إلى مزيد من التدهور والانقسام”.
وكانت الخارجية السورية أكدت الأربعاء “رفضها القاطع لجميع أشكال التدخل الخارجي في شؤونها الداخلية”.
الدروز بين الخصوصية الدينية والدور السياسي
يشكّل الدروز أقلية في الشرق الأوسط أدت أدوارا سياسية في دول انتشارها مثل لبنان واسرائيل وسوريا حيث خاض أبناؤها أخيرا مواجهة دامية مع السلطات، لكنها لطالما سعت للحفاظ على خصوصيتها الدينية والاجتماعية.
والدروز الذين يشكل تعدادهم أكثر من مليون، هم وفق ما يشرح أستاذ التاريخ في الجامعة الأميركية في بيروت مكرم رباح لوكالة فرانس برس مجموعة “تتجاوز المساحة والجغرافيا”.
فمن هم الدروز وماذا نعرف عن عقيدتهم ودورهم في السياسة والمجتمع؟
– المذهب والعقيدة –
نشأت الدعوة الدرزية في مطلع القرن الحادي عشر، وهي متفرعة من المذهب الاسماعيلي، ثاني أكبر الفروع لدى الشيعة بعد الاثني عشرية.
يؤمن الموحدون الدروز بالله “الواحد الأحد، خالق السموات والأرض”، وبملائكته ورسله وأنبيائه، واليوم الآخِر، بحسب الموقع الالكتروني لمشيخة العقل، وهي أعلى مرجعية دينية لهم في لبنان.
وفي ما قد يفسّر خصوصية تعاليمهم التي يقتصر تداولها على أبناء الطائفة، ينطلق الدروز في عقيدتهم من “خطاب ظاهر وخطاب باطن”، بحسب ما يؤكد لفرانس برس مطلّعٌ على شعائرهم طلب عدم الكشف عن اسمه.
ويتحدث عن ارتكاز التعاليم على “مرحلة ناضجة من توحيد الاله” مبنية على سياقات طويلة من الأديان التوحيدية، أثّرت فيها أفكار أفلاطون عبر مزج المفاهيم الدينية بالفلسفية.
يعتمد الدروز سبع وصايا أساسية منها “صدق اللسان” و”حفظ الاخوان” و”البراءة من الأبالسة والطغيان”، ويؤمنون بالتقمص الذي “هو جزء من العقيدة”.
في اليوميات، يشتركون في مناسبات دينية مع مذاهب أخرى، تشمل “تجمعات يومية خلال الأيام العشرة قبل عيد الأضحى، يتخللها أداء تلاوة دينية وبعض العبادات وبعض الاشعار والروحانيات، وتكون تكريسا للمبادئ الأساسية السبع… التي اذا مارسها الموحد، فهو يمارس التوحيد الصحيح”.
كما يحيون رأس السنة الهجرية، ويؤدون الزكاة “كلّ حسب قدرته”.
يجتمع مشايخهم ليلة الخميس الجمعة لأداء طقوس وعبادة وتلاوة، في ما يشكّل تعبيرا عن “مبدأ حفظ الاخوان والعبادة الجماعية والتواصل مع بعضهم”.
وتبقى تعاليم الطائفة ضمن أبنائها، ومن غير المستحب أن يرتبطوا بشركاء حياة من خارجها، على رغم وجود بعض حالات الزواج المختلط.
– الأعداد والانتشار –
تُقدّر أعداد الدروز الذين يرتدي المتدينون منهم من الرجال الزي الأسود والقلنسوة البيضاء، وتغطي النساء رؤوسهن وقسما من وجوههن بوشاح أبيض مع زي أسود طويل، بأكثر من مليون.
وتتركز غالبية أتباع الدعوة الدرزية في مناطق جبلية في لبنان وسوريا والأراضي الفلسطينية والأردن.
يقدّر تعدادهم في سوريا بنحو 700 ألف يعيش معظمهم في جنوب البلاد حيث تعد محافظة السويداء معقلهم، كما يتواجدون في مدينتي جرمانا وصحنايا قرب دمشق، ولهم حضور محدود في إدلب، شمال غرب البلاد.
وفي لبنان، يُقدّر عددهم بنحو 200 ألف، ويتركزون في جبال وسط البلاد خصوصا الشوف وعاليه والمتن الأعلى، ومناطق عند امتداد السفح الغربي لجبل الشيخ مثل حاصبيا وراشيا.
في إسرائيل، يتوزعون على أكثر من 20 قرية في الجليل وجبل الكرمل وهضبة الجولان المحتلة. ويبلغ عدد حاملي الجنسية الإسرائيلية 153 ألفا، وفق دائرة الاحصاء المركزي. يضاف إليهم نحو 23 ألفا في الجولان، غالبيتهم العظمى تحمل إقامات إسرائيلية دائمة.
ووفق مركز التراث الدرزي في اسرائيل، تعترف إسرائيل بالطائفة “بصفتها كيانا منفردا له محاكمه الخاصة وقيادته الروحانية المستقلة”.
في كتابه “الايمان الدرزي” (The Druze Faith)، يشير المؤرخ سامي نسيب مكارم الى أن بعض الدروز خصوصا في لبنان وشمال سوريا “هاجروا اعتبارا من القرن السادس عشر الى جبل حوران” حيث باتت المنطقة تعرف باسم “جبل الدروز”.
ومنها، انتقل البعض الى الأردن حيث يُقدّر وجود ما بين 15 و20 ألف درزي، خصوصا في الشمال.
وهاجرت أعداد صغيرة الى مختلف أنحاء العالم مثل أميركا اللاتينية وجنوب شرق آسيا وأستراليا، إضافة الى الولايات المتحدة وكندا والمكسيك.
على رغم الانتشار، عمل الدروز على الابقاء على روابط وثيقة.
ويوضح رباح في كتاب آخر عن الدروز والموارنة والصراع في جبل لبنان، “ثمة زيجات مختلطة وعلاقات قائمة بين الدروز… ورجال الدين يؤدون دورا محوريا في الحفاظ على هذه العلاقة”، مضيفا “حيث نشأت الحدود، لم يعترف بها الدروز فعلا”.
– الدور السياسي –
على رغم كونهم أقلية، أدى الدروز في الشرق الأوسط “دورا مهما وأحيانا رائدا، في الحياة السياسية والاجتماعية في المنطقة، وفي شؤونها الاقتصادية والاجتماعية”، بحسب مكارم.
وعاد ذلك غالبا الى زعماء إقطاعيين أو عائليين كان لهم تأثير كبير في صناعة دور الأقلية بشكل تخطى حجمها.
ففي لبنان، أدى الزعيم كمال جنبلاط دورا سياسيا محوريا اعتبارا من الخمسينات من القرن الماضي وحتى مطلع الحرب الأهلية (1975-1990)، الى حين اغتياله في 1977.
وفي سوريا، منح الانتداب الفرنسي عام 1921 جبل الدروز استقلاله الإداري، وظل كذلك حتى 1937. لكن هذه الفترة شهدت قيام أحد أبرز الشخصيات الدرزية سلطان باشا الأطرش، بقيادة ثورة كبرى ضد الفرنسيين اندلعت عام 1925.
أما في إسرائيل، فيوضح رباح أن الدروز “منخرطون بالكامل في الدولة… ويخدمون في الجيش. ما يمنحهم هامشا أكبر مع الدولة”.
عقب اندلاع النزاع في سوريا، حيّد الدروز أنفسهم عن تداعياته، فلم يحملوا إجمالا السلاح ضد النظام ولا انخرطوا في المعارضة باستثناء قلة.
ولم يتوصل الدروز الذين ينضوون ضمن مجموعات مسلحة عدة في مناطق وجودهم، لاتفاق بعد مع السلطات الجديدة التي تولت الحكم إثر إطاحة بشار الأسد،.
وفي تباين سياسي نادر، اختلفت المواقف حيال الأحداث الأخيرة.
فالزعيم اللبناني وليد جنبلاط، نجل كمال، حذّر من جرّ الطائفة الى “حرب لا تنتهي” مع المسلمين، بينما أكدت مراجع دينية وفصائل عسكرية درزية سورية أنها “جزء لا يتجزأ” من البلاد. في المقابل، حضّ رجال دين سوريون والزعيم الروحي لدروز اسرائيل الشيخ موفق طريف على حماية دروز سوريا.
ويوضح رباح أن هذه الأطراف “لديها أجندات مختلفة، والأهم، ثمة صراع نفوذ على امتداد ثلاث دول”.
اضف تعليق