عن طريق فكرة المنهجية، يستطيع الإنسان أن يجيب على سؤال: من أين يبدأ وماذا يريد من عملية البناء الفكري، السؤال الذي يعترض الإنسان بشدة، خاصة في مراحله وخطواته الأولى، ويضل يصاحبه إلى ما قبل نهاية المرحلة الوسيطة في عملية البناء الفكري. قد يتسبب هذا السؤال في إصابة الإنسان...

فكرة المنهجية لها دور كبير وأساسي في عملية البناء الفكري، فهي التي ترسم الطريق وتجعل منه طريقا واضحا ومستقيما، يجعل الإنسان يسلكه بسهولة ويسر، متى ما أراد، وسعى سعيه في هذا السبيل.

وبهذا المعنى فإن عملية البناء الفكري لا بد لها من فكرة المنهجية، التي تكسب البناء الفكري صفة البناء المنهجي، ومن دون هذه المنهجية لا يكتسب هذا البناء صفة البناء المنهجي، وعندئذ تظهر الفروقات واضحة، ما بين النمطين من البناء الفكري، النمط الموصوف بالمنهجي، والنمط الموصوف بغير المنهجي.

وعن طريق فكرة المنهجية، يستطيع الإنسان أن يجيب على سؤال: من أين يبدأ وماذا يريد من عملية البناء الفكري، السؤال الذي يعترض الإنسان بشدة، خاصة في مراحله وخطواته الأولى، ويضل يصاحبه إلى ما قبل نهاية المرحلة الوسيطة في عملية البناء الفكري.

وفي بعض الحالات، قد يتسبب هذا السؤال في إصابة الإنسان بنوع من الحيرة لفترة من الوقت، وقد يضعه أمام مفترق طرق، تصعب عليه اختيار جادة الصواب، والتعرف على الطريق المستقيم والواضح في عملية البناء الفكري.

وهذا يعني أن فكرة المنهجية تمثل شرطا أساسيا في عملية البناء الفكري، لأنها تبلور الرؤية، وترسم الطريق، ويتأكد هذا الشرط عند معرفة أن البناء الفكري هو عملية طويلة، وبحاجة إلى زمن طويل نسبيا، كما أنها عملية بطيئة لا تظهر ثمرتها، أو ثمراتها سريعا وعاجلا.

وعن رؤيتي لفكرة المنهجية في عملية البناء الفكري، وفي طريقة اكتساب المعارف والعلوم، هذه الرؤية ابتداء لا تولد فجأة، ولا تظل كما هي جامدة، من دون تغير أو تحريك، وإنما تظل في حالة تغير وتجدد وتراكم دائم ومستمر.

وتتأطر هذه المنهجية في إطارها العام بالمحددات الآتية:

أولا: أن البناء الفكري واكتساب المعارف والعلوم، هي مهمة لا تتوقف ولا تنتهي، لها بداية وليست لها نهاية، فهي مهمة طويلة ومستمرة، ومحكومة بقاعدة أطلب العلم من المهد إلى اللحد.

ثانيا: أن هذه المهمة هي بطبيعتها مهمة جادة ومركزة، وبحاجة إلى مثابرة واجتهاد، وبلسان حال العلم وهو يخاطب الإنسان يقول: أعطني كلك أعطك بعضي.

ثالثا: أن البناء الفكري حتى يصل إلى مراتب عالية ومتقدمة، بحاجة إلى تفرغ يكون خالصا للعلم والمعرفة، وللفكر والثقافة، وبشرط أن لا يزاحمه الاهتمام بأعمال التجارة، والبحث عن الرفاه والرفاه المفرط أو الزائد، فمن يريد العلم له طريقه، ومن يريد التجارة لها طريقها، ولا يمكن الجمع بينهما، لأن العقل الذي يبحث عن المال ويكون مسكونا بالمال، ليس هو العقل الذي يبحث عن العلم ويكون مسكونا بالعلم.

رابعا: أن البناء الفكري هو عملية مركبة من أخذ وعطاء، كسب وإنتاج، وعلى طول الخط، فالاكتفاء بالأخذ من دون العطاء يحدث خللا في عملية البناء الفكري، وهكذا الاكتفاء بالعطاء من دون الأخذ، فلا أخذ من دون عطاء، ولا عطاء من دون أخذ، ومن حسن أخذه حسن عطاؤه.

خامسا: أن البناء الفكري في مراتبه المتقدمة، بحاجة إلى أن تتحدد وجهته الخاصة التي تعرف وتعرف به، بمعنى أن البناء الفكري يبدأ عاما وينتهي خاصا، يتحدد بمجال خاص بحسب التمكن والاختيار.

* الأستاذ زكي الميلاد، باحث في الفكر الإسلامي والإسلاميات المعاصرة-رئيس تحرير مجلة الكلمة
http://www.almilad.org

اضف تعليق