المشكلة أن مرتكبي السيئات كلما حصلوا على ما يريدون وما يخططون له، يزدادون إيغالا في سلوكهم الخاطئ، بل يظنون أن سلوكهم هذا عين الصواب مع أنه يلحق الأذى بالآخرين، ويتجاوز على حقوق الآخرين، ويتسبب بالسيئات التي لا تغتفر، ومع ذلك بسبب الغرور يستمرون في منهجهم الخاطئ...
(كلما أُصِبْتَ بسيئة فابحث عن السبب لأن الله عادل لا يظلم أحدا)
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله)
السوء مفردة تعني الضرر، وتنتمي في فحواها إلى الشر، وتقف مباشرة في مقابل النفع الذي ينتمي إلى نقيض الشر ونعني به الخير، فالضرر شيء والنفع شيء آخر نقيض له، مثلما أن الشر شيء والخير نقيض تام له، والسيئة هي العمل غير الصالح، وكل عمل غير صالح فهو ضار، وكل ضار غير نافع، وكل غير نافع ومؤذٍ للإنسان فهو لا ينتمي للخير.
هناك من يُخطي ويلقي اللوم على الآخرين، وبأنهم هم الذين يقفون وراء هذه الأخطاء التي يرتكبها هو، وهذا النوع من الناس دائما يلقي بأخطائه وسيئاته التي يرتكبها بنفسه وبيديه، يلقيها على الآخرين، ويأتي بألف سبب وسبب لكي يلصق سيئاته ومعاصيه بالآخرين، وهؤلاء لا نفع فيه لا لأنفسهم ولا لمن يكون ضمن مسؤوليتهم، بل يتسببون بالضرر لأنهم وللآخرين، ويحاولون التملص من مسؤولياتهم بشتى الأساليب والطرق.
الإنسان الذي يرتكب السيئة، عليه أن يتحمل وزرها، ولابد أن يفهم بأن نتائجها سوف تلحق به الضرر طال الوقتُ أم قَصُر، وهؤلاء لا يترددون من ارتكاب السيئات، والأشد عجبا من ذلك، لا يتردّدون لحظة بالقول إن الله ألحق بنا العمل السيّئ، وحاشا الرحمن من ذلك، لأن السيئات لا تطال الإنسان من خالقه الرحيم، بل نفسه أولا، لاسيما أولئك الأشرار الذين لا يتورعون قيد أنملة عن ارتكاب السيئات.
أما الله تعالى فهو خالق الإنسان والكائنات، وهو الرؤوف بها، وهو تعالى يحسن للمخلوقات ويرعاها برحمته ومنافعه غير المحدودة، لهذا فإن السيئة من صناعة الإنسان نفسه، وهو الذي يتضرر بها وبنتائجها قبل غيره، لكنه يغالي في الحجج والأعذار، ولا يبالي بما تصنع يداه من شرور تطال الجميع بما فيهم هو نفسه.
سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) يقول في كتاب (من عبق المرجعية) حول هذا الموضوع:
(السيئات والمصائب التي تصيب الإنسان فهي من الإنسان نفسه، وكل ابتلاء يصيب الإنسان فسببه الإنسان نفسه، لأن الله لا يريد لأحد شرا أو سوءاً).
لابد من المعالجة الذاتية أولا، فعلى الإنسان أن يبحث عن أسباب السوء في نفسه وذاته، لأن كثرة السيئين تعني مجتمعا سيئا، وكثرة النماذج غير الجيدة، تصنع أجيالا سيئة لا سمح الله، وهذا هو الخطر الذي يكم وراء السلوكيات السيئة، والأخلاق السيئة، والأفكار المنحدرة، لأن صناعة المجتمع السيّء تبدأ بوجود النموذج السيء، كالأب المسيء، حيث ينشأ أطفاله في ظله فيصبحون نسخة منه، وقد يتعمّم هذا على مستوى واسع وخطير.
السوء يكمن في ذات الإنسان ولا يتسبب به شخص آخر، لذلك على كل إنسان يتعرض لمشكلة، أو نوع ما من الشر، عليه أن يبحث عن أسباب ومسببات هذا السوء في أعماقه وداخله وأفكاره ومن ثم ثقافته وسلوكياته، وأهم نقطة عليه أن لا يلقي ما يقوم به من إساءات على عاتق الآخرين، بل عليه أن يعترف بمسؤوليته ومن ثم يبدأ بالمعالجة.
لا للبحث عن أسباب واهية
ليس صحيحا أن يلقي باللائمة على الخالق تعالى، لأن الله سبحانه هو الذي يساعد الإنسان يك يكون مستقيما وصالحا وقويا، لأن الله تعالى مبعث المكارم كلها، ومنبعها الأول والأكبر حيث يمد الإنسان برحمته ورأفته ونعمته الكبيرة، فلا يصح البحث عن الأسباب الواهية وإلصاق أسباب السوء بمصدر آخر.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(كلما أُصِبْتَ بسيئة فابحث عن السبب لأن الله عادل لا يظلم أحدا، بل هو مبعث الإحسان والكرم).
مشكلة المجتمعات المتأخرة تكمن في عدم اكتراث الناس بارتكاب السيئات، فالإنسان في غمرة لهاثه وراء المال أو السلطة أو الجاه، لا يتنبّه لما يقوم به من أفعال وأعمال سيئة، بل هدفه ينصبّ على كيفية الفوز بما يخطط له ويريده، بغض النظر عمّا كلما أُصِبْتَ بسيئة فابحث عن السبب لأن الله عادل لا يظلم أحدا إذا كان طريقه بالوصول صحيحا أو خاطئا.
هؤلاء لا يحسبون حساب الغد أو المستقبل، ولا يفكرون بالنتائج التي سوف تظهر لهم في الأسام اللاحقة، المهم بالنسبة لهم أن يحصلوا على ما يردون، وبعد ذلك لا علاقة لهم بما ستكون عليه العواقب، كما أنهم لا يبالون بشيء اسمه إلحاق الضرر بالآخرين، فكم من أولياء الأمور غير الصالحين تسببوا في ضياع أولادهم بسبب سوء تصرفاتهم وأعمالهم التي تقوم على الأساليب السيئة لكي يصلوا إلى غاياتهم بكل الطرق.
ولكن بالنتيجة سوف تطالهم أفعالهم وأعمالهم الشريرة، ليس هم وحدهم، بل سوف تطال أولادهم والمقربين منهم، ولهذا يجب أن يحذر الإنسان كل الحذر من ارتكاب السيئات اليوم على أمل أن تُمحى أو تُنسى غدا، فالسيئات لا تمحى ولا تسقط بالتقادم، بل تتركم وتزداد وسيأتي اليوم الذي تُسقِط صاحبها في سيئاته وشرِّه.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يؤكد ذلك في قوله:
(الإنسان الذي لا يكترث بارتكاب السيئات فإن النتيجة السيئة ستلحقه، طالت المدة أو قصرت).
وأغرب ما في هؤلاء الذين يرتكبون السيئات، أنهم يُصابون بالغرور، والأخير يصيبهم بالعماء، فلا يرون أخطاءهم ولا السيئات التي يرتكبونها، بل يصل الأمر معهم أن كل ما يقومون به وما يفعلونه هو مشروع وصحيح ولا غبار عليه، فيضعون من أنفسهم (الخصم والحكم)، فهو يرتكب الذنب وهو يغفر لنفسه، بسبب حالة العمى التي تصيب بصائرهم وعقولهم.
كيف نصنع مجتمعا دون مسيئين؟
المشكلة أن مرتكبي السيئات كلما حصلوا على ما يريدون وما يخططون له، يزدادون إيغالا في سلوكهم الخاطئ، بل يظنون أن سلوكهم هذا عين الصواب مع أنه يلحق الأذى بالآخرين، ويتجاوز على حقوق الآخرين، ويتسبب بالسيئات التي لا تغتفر، ومع ذلك بسبب الغرور يستمرون في منهجهم الخاطئ.
فيكون يوم الحساب بانتظارهم، وحينها ليس هنالك أي مجال للعفو، فالإنسان المسيء يمكنه التكفير عن سيئاته وهو في الدنيا، أما في الآخرة فهناك الحساب الذي لا يوجد فيه رحمة لمن أعماهم الغرور والشر والسيئات.
ينبّه سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) على هذه النقطة فيقول:
(على الإنسان الذي لا يبالي بارتكابه السيئات أن يكون حذرا ولا يغتر، فأمير المؤمنين علي سلام الله عليه يقول «إذا رأيت ربك سبحانه يتابع عليك نعمه وأنت تعصيه فاحذره»، أتدري لماذا؟ لأن هذا معناه أن الله أخّر له السوء في الآخرة، وهناك المصيبة أعظم! لأن الدنيا تنتهي وتنصرم، والإنسان ينجو منها علي كل حال، أما السوء في الآخرة فليس فيه منجي).
لذا على الإنسان أن يضع أعماله في ميزان الحق والخير، وأن يكفّ فورا عن العمل المسيء، وأن يضع الله تعالى بين عينيه في كل خطوة يخطوها، وأن تكون أعماله كلها لله تعالى حتى ينجو في الدارين، وحتى يكون سببا في صناعة مجتمع مستقر متحابّ متعاون ومزدهر.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(من الأسس التي يجب على الإنسان أن يسأل الله التوفيق فيها والاستمرار عليها هي أن تكون أعماله لله حقيقة).
لهذه الأسباب التي وردت في أعلاه على الإنسان أن لا يرتكب السيئات، وعليه أن يكون معينا وسببا في صناعة مجتمع متآخٍ في أعماله وفي نواياه وفي حياته الاجتماعية والعملية، لأن الفرد إذا تجنب السوء صار نموذجا جيدا، فيتشبه به الآخرون، أولاده أو القريبون منه في العمل والدراسة والصداقة وسواها، وهكذا إذا كثرت النماذج الصالحة، أصبح لدينا مجتمعا نموذجيا خال من السيئات والمسيئين.
اضف تعليق