بمناسبة قرب حلول شهر رمضان العظيم (1436 للهجرة)، وكالسنوات السابقة، ألقى المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، كلمه قيّمة مهمة، بجموع غفيرة من العلماء والفضلاء والمبلّغين وطلبة العلوم الدينية والمؤمنين، من العراق والخليج وأوروبا والهند وأفغانستان وباكستان وسوريا، ومن مختلف المدن الإيرانية كقم المقدّسة وأصفهان وطهران وغيرها، وذلك في بيته المكرّم بمدينة قم المقدسة، مساء يوم الأربعاء الموافق للثاني والعشرين من شهر شعبان المعظّم 1436 للهجرة (10حزيران2015م)، إليكم أهمّ ما جاء فيها:
قال الله عزّ وجلّ في كتابه الكريم: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) سورة البقرة: الآية185.
من أوصاف القرآن
ذكر الله تبارك وتعالى في هذه الآية الكريمة، ثلاثة أوصاف للقرآن، وهي:
أولاً: هدى للناس. والثانية: وبيّنات من الهدى. والثالثة: الفرقان. وهنا نتكلّم حول هذه الأوصاف بإيجاز، ونقول: ذكرت مختلف التفاسير، وخصوصاً المأثورة عن المعصومين صلوات الله عليهم المعروفة بالتفاسير الروائية، ذكرت عن القسم الأول (هدى للناس) بأنها العقائد الإسلامية والأحكام. وأن هذا الهدى هو هدى لكل الناس، وليس للمؤمنين فقط أو للمسلمين. فالقرآن الكريم هو كتاب هداية للجميع، أي للمؤمنين والمسلمين وبقية البشر، وإن لم يكن الناس مؤمنون حينما نزل القرآن، سوى اثنين، وهما رسول الله صلى الله عليه وآله والإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، ـ نعم أبو طالب وعبد المطلب لهما المقام الإيماني الرفيع ولا بحث في ذلك ـ مع ذلك فإنّ المخاطب في القرآن الكريم هم الناس كافّة، أي كل أهل الدنيا، فلا يختصّ خطاب القرآن بالحجاز والعراق وإيران، بل للبشر جميعاً. ففي زماننا يخاطب القرآن البشرية كلّها، وهم قرابة سبع مليار إنساناً، وهو كتاب هداية لهؤلاء البشر جميعاً. هذا أولاً.
قصص وعبر
ثانياً: بيّنات من الهدى. ذكر الشيخ الطوسي تفسيراً لهذا المعنى وقال بأن أخبار الأنبياء والأمم هي عبر، وهي موجودة في القرآن أكثر من آيات الأحكام، لأنها عبر تؤثّر على الإنسان أكثر من الأحكام. فمثلاً قصّة بلعم بن باعوراء، نرى ان ابن عباس قال عنها بأنّها أشدّ آية في كتاب الله على علماء هذه الأمّة. ويعني حينما يقرأ الناس هذه القصّة، فسيحصل لهم الضغط والتأثّر الوجداني، خصوصاً أهل العلم. فأثر هذه القصّة وأثر القصص الأخرى في القرآن هو أكثر من أثر الأحكام. وهكذا قصص العلماء الأتقياء، فهي تؤثّر على الناس أكثر من ثوابات العلماء الأتقياء أنفسهم.
إذن (بيّنات من الهدى) هي التي تبيّن قصص الأنبياء والأمم، وهي عبرة لنا وللناس جميعاً، وهي كثيرة في القرآن. فلذا أمرنا القرآن الكريم بقوله تعالى: (فَاعْتَبِرُوا) سورة الحشر: الآية2.
الفارق بين الحق والباطل
ثالثاً: الفرقان. وهو الفارق بين الحق والباطل. فالقرآن الكريم هو وحده الذي يكون فارقاً بين الحق والباطل. ففي القرآن الكريم يقول تبارك وتعالى: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ) سورة البقرة: الآية213. أي كانوا كلّهم على الشرك، فبعث الله الأنبياء، لبيان التوحيد والنبوّة والمعاد والإمامة. وقبل بعثة الأنبياء كان الناس كلّهم على وتيرة واحدة، أي على الشرك، إلاّ ان الله تبارك وتعالى بعث الأنبياء ليفرّقوا بين الحق والباطل. وعلى سبيل المثال: الأموال الموجودة في أيدي الناس، ربما بعضها تكون صحيحة وأصلية، وبعضها مزوّرة وغير صحيحة، وهذا الأمر ينطلي على أكثر الناس، حيث أكثرهم لا يعرفون ذلك، إلاّ أهل الخبرة، حيث بنظرة واحدة يفرّقون ويعرفون العملة المزوّرة والأصلية الصحيحة. وهكذا الإسلام الذي يُعرض على الناس، يمكن أن يكون من الإسلام الصحيح، ويمكن أن يكون من الإسلام الباطل.
القرآن يكشف الإسلام المزيّف
قد يسأل أحد: وهل يوجد إسلام باطل؟ نقول: نعم كإسلام بني أمية وإسلام بني العباس. والقرآن الكريم هو الذي يفرّق بين الإسلام والصحيح، والإسلام الباطل، ويبيّن الفارق بينهما. فمن الخصوصيات التي ذكرها القرآن الكريم في الآية الكريمة التي استهلنا بها الحديث: هي أنه قال (هدى) بدون الألف واللام، و(بيّنات) بلا ألف ولام أيضاً، ولكن حينما ذكر القسم الثالث، نراه يقول: (الفرقان) أي ذكر القرآن وعرّفه بالفرقان، أي بالألف واللام. ومثل هذا يفيد الحصر في البلاغة. ولذا نرى ان كثيراً من علماء أهل الكفر، بمختلف مللهم، قد تأثّروا بظرافة القرآن وبعمقه وببلاغته. فحينما يذكر القرآن الكريم (هدى وبيّنات) بلا ألف ولام، ويذكر الفرقان بالألف واللام، فهذه الألف واللام، وكما جاء في الكتب البلاغية ويعرفه العلماء، كلما ذكرت في المسند ولم تكن (الألف واللام) للعهد فيكون ظهوره في الحصر. بلى قد وردت كلمة الفرقان في القرآن الكريم بلا ألف ولام في آية أخرى، ولكن ذكرُها بالألف واللام في هذه الآية هو مورد بحثنا. وبناء على ذلك فإنّ القرآن الكريم هو هداية وبيّنات، ولكن هو وحده الذي يفرّق بين الحق والباطل. فمعاوية وابنه يزيد والمتوكّل وأمثالهم ومن هم على وتيرتهم، يقرأون القرآن، ولكن ليس القرآن الذي فيه حصر أي الذي يفرّق بين من يكون على الحقّ ومن يكون على الباطل. فالقرآن هو الذي وحده يميّز ويفرّق بين الحق والباطل. وهو الذي يبيّن ان إسلام معاوية ويزيد والمتوكّل وأمثالهم هو إسلام على باطل. وهذا الأمر لا يعرفه الكثير من الناس، ولكن بمراجعة القرآن الكريم يُعرف الفرق والفارق بين الحق والباطل.
التلاوة المطلوبة
ربّ سائل يسأل: كيف نصل إلى القرآن الذي يفرق بين الحق والباطل؟
قبل أن نبيّن ذلك، نشير إلى ان الروايات الشريفة تقول: (شهر رمضان ربيع القرآن). وهذا يعني ان القرآن له ربيع، كالربيع الفصلي الذي تتفتح فيه الأزهار والورود والخضار وتحيا فيه الأرض وتعطي الفاكهة، وأمثال ذلك من الطيّبات وغيرها. ويستحبّ في شهر رمضان أن يُختم القرآن أربعين مرّة، أي في اليوم ختمة وعشرة أجزاء. كذلك ورد في بعض الروايات الأخرى أن يُختم القرآن في كل ثلاثة أيام، وسبب ذلك هو حتى يُفهم من القرآن شيئاً. فالقرآن مثل وصفة الطبيب، وهذه الوصفة هي مقدّمة وجودية، أي لا بدّ أن نفهمها حتى نعمل بها. والاشتباه بالعمل بها يوجب الضرر الكبير. فالعمدة هنا، من تلك الروايات الشريفة، هو العمل بالقرآن لا قراءته فقط، وإن كانت الروايات قد أمرت بالقراءة، وان القراءة لها ثواب عظيم، إلاّ ان القرآن هو كالوصفة، فيها كل شيء، وهو بيان لكل شيء، ويوصل الإنسان إلى كل خير وسعادة، ويبعد الإنسان، بدون استثناء، عن كل شرّ وشقاء، وهذا لا يحصل إلاّ بالعمل بالقرآن.
العمل بالقرآن
هنا أشير إلى مسألة شرعية قد يغفل عنها بعض الناس، وهي معنى العمل بالقرآن، وكيف يكون ذلك. فقد ورد في الرواية الشريفة ان من يقرأ القرآن ولا يعمل به، فهذه القراءة، وحسب قول رسول الله صلى الله عليه وآله، هي قراءة (لايجاوز تراقيهم)، أي لا تتجاوز. وهذه الرواية الشريفة تشير إلى عظمة من عظمة البلاغة الواردة في كلام رسول الله صلى الله عليه وآله. فالتراقي هي جمع ترقوة، وحينما يقرأ الإنسان القرآن، فإنّ الحروف تخرج من لسانه ومن الجوف ومن الحلق والشفاه، إذن فما ربطها بالترقوة، وهي عظمان يكتنفان الحلقوم، وما هو موردها؟
المورد هو كناية، أي بمعنى أن القراءة التي لا تدبّر ولا تفقّه فيها هي قراءة لم تتجاوز الترقوة. وهذه من أعظم الكنايات والبلاغات التي وردت في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله، وهي كثيرة في القرآن الكريم أيضاً.
فالذين يقرأون القرآن ولا يعملون به فهم، كما وصفهم رسول الله صلى الله عليه وآله، شرّ خلق الله، ولم يقل شرّ المسلمين أو المؤمنين. علماً بأن قراءة القرآن في نفسها مستحبّة، ولكن من يقرأ القرآن ولا يعمل به فسيكون من شرّ خلق الله تبارك وتعالى.
ما على الزوجين
مثلاً: يقول القرآن الكريم: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) سورة البقرة: الآية228. وهذا يعني انه لابدّ لكل من الزوجين، الرجل والمرأة، أن يعرفا حقّ الآخر، ويعملا به، لا أن يكتفيا بمعرفته فقط وبترديده، وبقراءته بلا عمل ولا تطبيق. فالقراءة لوحدها لا فائدة فيها، وفهم هذه المضامين العالية هي مقدّمة وجودية للعمل بها. فعلى الزوجين أن يعرفا ما يجب عليهما، ولابدّ أن يعملا بما يعرفا لئلا يسقطا في الحرام. كما على غير المتزوّجين من الرجال والنساء أن يتعلّموا أيضاً. لأن معرفة القرآن ليس للعمل به فقط، بل للمرتبة الثانية وهي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فالذي لم يتزوّج عليه أن يتعلّم، مقدّمة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحتى يُعلّم ـ الرجل والمرأة ـ غيره كأخيه وأخته وتلامذته وجيرانه، وحتى ينتشر الفرقان ويتبيّن الحق والباطل.
شرّ الخلق
إذن لا بد من التفقّه في كتاب الله تبارك وتعالى، وإلاّ فمن لم يتفقّه في القرآن ولم يفهم ولم يعمل به فسيكون في عداد من وصفهم الحديث النبوي الشريف (شرّ خلق الله)، أي من قال في حقّهم الحديث الشريف: (ربّ تال للقرآن والقرآن يلعنه). فالذي ينظر إلى القرآن فقط، مثله كالذي ينظر إلى وصفة الطبيب ويتركها ولا يعمل بها إلى أن يتضرّر. بلى إنّ من لم تصله الوصفة، أو لم تكن عنده، وتضرّر ربما يكون معذوراً، ولكن من بلغته الوصفة وقرأها ولم يعمل بها، فهذا يكون شرّ خلق الله.
إذن العمدة هي العمل بالقرآن الذي يُظهر الفرقان. أي ان القرآن الذي يفرق بين الحق والباطل، يظهر بالعمل به ولا يظهر بالقراءة وحدها، وهذا جوابنا على السؤال السابق: (كيف نصل إلى القرآن الذي يفرق بين الحق والباطل؟) الذي مرّ ذكره آنفاً.
معيار الحقّ
لذا نرى أن الامام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه في بعض حروبه، وأظن كانت حرب الجمل، أتاه رجل وقال له: ياأمير المؤمنين في القوم الذين يحاربوننا جماعة من المسلمين والمصلّين وقرّاء القرآن، فكيف نحاربهم ونقتلهم؟ فقال له الإمام: (اعرف الحقّ تعرف أهله). وهذا القول من الإمام لو اننا نتمعّن فيه بدقّة لغيَّرنا كما غيَّر الكثير من الناس. فقد قال جماعة بأن أمير المؤمنين صلوات الله عليه قال تسع جُمل فقأَ فيها عين الفصاحة. فالإمام صلوات الله عليه لم يقل لذلك الرجل اعرف الرجال وانظر إليهم ولصلاتهم وصيامهم، بل قال له لابدّ من أن تعرف الحقّ وترى من يعمل به، حينها ستعرف من هو الحقّ ومن على الحقّ. وأما من يجانب الحق فهو ضد الحقّ. إذاً فلا ننظر إلى الأفراد والرجال بل ننظر إلى الحقّ ونجعله المعيار في معرفة الرجال.
أهل البيت هم الحقّ
بلى إنّ النبيّ صلى الله عليه وآله قد قال: (عليّ مع الحقّ والحق مع عليّ يدور معه حيثما دار) ولا يفارقه، وذلك لأن النبيّ والإمام عليّ وأهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين هم الفرقان، وهم الذين يبيّنون الفرقان، وهم الذين يبيّنون القرآن، وهم الذين يميّزون بين الحق والباطل، ويميّزون بين الهداية والضلالة. فاتّباعهم حقّ، وتركهم باطل، واتّباعهم هداية، وتركهم ضلال.
إذن لابد أن نتدبّر القرآن كما في قوله تعالى: (أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ) سورة النساء: الآية82، حيث ان القرآن الكريم يذكر لنا أموراً تفرق بين الحق والباطل. والقرآن فيه جملة الفرقان، والنبيّ وأهل البيت صلوات الله عليهم هم الفرقان. وهذه مسؤولية وهي من الواجبات الكفائية، فمن يمكنه الفهم الأكبر سيكون تكليفه أكبر وأكثر. فعلينا الارتباط بأهل البيت الأطهار صلوات الله عليهم الذين قالوا بحقّهم (يعرف القرآن من خوطب به)، وأن نرى كيف كانوا يعملون. فالذي يمثّل الفرقان ليس القرآن الصامت وحده بل هم من قرنهم رسول الله صلى الله عليه وآله بالقرآن، وهم أهل البيت صلوات الله عليهم. فالفرقان مع الألف واللام هو حصر للذي يفرق بين الحق والباطل، وإذا قلنا حصر، فهذا لا يعني ان أهل البيت غير القرآن. بل إن أهل البيت هم القرآن الناطق وهم الذين يبيّنون معالم القرآن.
من الواجبات
نعم (على سبيل الفرض) إذا كان جميع الناس على معرفة، ويوجد من فيه الكفاية للتبليغ والتعليم، وان الفضائيات بدورها تبيّن الحق من الباطل فحينئذ لا يجب على الجميع، ولكن هذا الأمر لم يحصل ولا توجد مثل هذه الكفاية. فلذا يجب علينا جمعاً أن نتعلّم وننشر هذه العلوم وأن نعمل بها، ولكي نعلّم من يعرف ولا يعمل بما يعرف، ونذكّره بذلك أمثال شريح القاضي الذي كان يعرف ويعلم ولكنه لم يعمل بما عرف وعلم.
إذن من الذي يبيّن للناس ويوصل إليهم نداء القرآن؟
إنّ هذه مسؤولية الجميع، ولذا فإنّ الله لم يأمر الجهّال أن يتعلّموا إلاّ بعد أن أمر العلماء بأن يعلّموا. ويعني إنّ الله تعالى أخذ على العالم أن يعلّم قبل أن يأخذ على الجاهل أن يتعلّم. وهذا من الفرقان حيث جعل على العالم أولاً ثم على الجاهل ثانية وهو التعلّم. فيعش على الكرة الأرضية اليوم سبع مليار إنساناً، وقرابة خمسة مليار منهم ليسوا مسلمين، وأكثرهم ليسوا من المعاندين، بل تعرّضوا إلى عمليات غسل الدماغ ورسّخت في أذهانهم الأمور الباطلة ولم يصلهم الحقّ أو لم يصلهم بصورة صحيحة، ولا يوجد من فيه الكفاية لإيصال الحقائق إليهم، وهذه من الواجبات العينية في زماننا.
لإتمام الحجّة
فالخطاب في القرآن الكريم ليس للمسلمين فقط أو للمؤمنين بل هو للجميع، فعلينا إتمام الحجّة على العالمين، فإن قبلوا فبها، وإن لم يقبلوا فنحن قد أدّينا التكليف الذي علينا. فالقرآن الكريم يقول: (لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ) سورة النساء: الآية165. فعلى الجميع، ومسؤولية الجمع، هي البحث وبيان الفارق والفرقان. فالفخر الرازي مثلاً هو من أقوياء أهل الباطل، ولكنه صار قويّاً لأنه نمى على الباطل وارتقى في الباطل شيئاً فشياً، ولو أنه وُجد في بادئ أمر الرازي من يردعه ويهديه أو يخفّف من حدّته لكان الرازي غير الرازي الآن، وكانت كتاباته بشكل آخر.
داعش صنيعة الاستعمار واليهود
إنّ بعض الدول غير الإسلامية فيها حريّات كثيرة وهؤلاء لم يصلهم الإسلام أو وصلهم إسلام بني أميّة وبني العباس والإسلام المزوّر، وغير الحقيقي، كإسلام داعش الذين يرفعون شعار (لا إله إلاّ الله، محمد رسول الله) ويقومون بذبح الأطفال ويؤسرون النساء ويبيعوهنّ في البلدان. فعلينا أن نبيّن ان هذا الإسلام على باطل، وذلك بأن نبيّن بأن الحقّ مع عليّ وآل عليّ صلوات الله عليهم، وأن نبيّن الفرقان، وهي سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله، حتى يتبيّن زيف اولئك (داعش وأمثالهم) وبأنهم لم يمتّوا إلى الإسلام بصلة، وانهم صنيعة الاستعمار وصنيعة اليهود.
لفضح زيف الحكّام
وذكر سماحته مثالاً من تعامل بعض حكّام البلاد الإسلامية مع معارضيهم وما ارتكبوه من عمليات تصفية جسدية بحقّهم وقال: إنّ معظم الناس لا يعرفون حقيقة أمثال هؤلاء الحكّام، وهل انهم على حق أم باطل. ولكن نحن أهل العلم نعرف ذلك، فيجب علينا أن نبيّن للناس حكومة رسول الله صلى الله عليه وآله وأنه كيف كان يتعامل مع الناس، حتى يتبيّن زيف أمثال أولئك الحكّام وحتى لا يحسبوا على الإسلام وعلى حقيقته الطيّبة.
علينا أن نذكر للعالم أخلاق رسول الله وطريقة حكومته صلى الله عليه وآله. وهذا واجب على الجميع، حتى يتّضح الفرقان وتتّضح حكومة رسول الله وأخلاقه صلى الله عليه وآله، وحتى لا تُحسب حكومة بني أمية وحكومة بني العباس على الإسلام الحقيقي.
عليّ القرآن الناطق
ففي معركة صفين قام معاوية وأصحابه بقطع الماء عن الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه وأصحابه وجيشه ومنعوهم من أن يصلوا إلى الماء وأن يأخذوا منه. فقال الإمام صلوات الله عليه لأصحابه رووا سيوفكم ترووا من الماء. فهجموا هجمة رجل واحد على جيش معاوية وكشفوهم عن الماء واستولوا على الماء. فقال بعض أصحاب الإمام: يا أمير المؤمنين نمنعهم مثلما منعونا من الماء، وكان يستدلّون على قولهم بقوله تعالى: (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ) سورة البقرة: الآية194. فقال الإمام، وهو القرآن الناطق وأعرف بالقرآن: لم تكن حربنا على الماء بل على العقائد والحقّ وعلى الفرقان وحتى يتبيّن الحق من الباطل. مع ان الإمام صلوات الله عليه له الحق في أن يمنعهم من الماء ويوجد له ترخيص ورخصة في مثل ذلك، ولكن قد يكون العمل بهذه الرخصة حراماً لأنه يسدّ باب الهداية. ولأجل ذلك ترك الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه الرخصة ولم يمنع جيش معاوية من الماء. فتحرّك ضمير بعض أصحاب معاوية فتركوا الأخير والتحقوا بالإمام صلوات الله عليه، وذلك لما تبيّن لهم الفرقان. وهذه سيرة المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين. فهذه القصة وأمثالها تحرّك الضمير العالمي كما حرّكت ضمير جماعة من أصحاب معاوية.
هذه القصة هي من أنواع الفرقان التي علينا أن نبيّنها للناس، لأنه إن كان بإمكاننا أن نوصل هذه الأمور إلى الناس ولم نفعل فماذا سيكون عذرنا أمام الله تعالى؟
التأسّي بالأنبياء والأوصياء لتبليغ الحقّ
إذن كل من يعلم بهذه الأمور يجب عليه أن يبيّنها للناس. بلى إنّ التبليغ فيه ابتلاء كالقتل والمشاكل، كما حصل لمعظم الأنبياء والأوصياء حيث تعرّضوا إلى القتل، كما تعرّض الكثير من أصحابهم إلى القتل والسجن والتعذيب أيضاً، وذلك لأنهم كانوا يوصلون كلمة الحقّ. فقد ورد في الحديث الشريف عنهم صلوات الله عليهم: (ما منّا إلاّ مقتول أو مسموم). فبني أمية وبني العباس كانوا يقتلون كل من يخالفهم أو يحبسونه أو يعذّبونه. وهذا هو أمر التبليغ، وكما حصل للخباب بن الأرت وهو من الصالحين من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وآله.
لذا أوصي الجميع، بالأخص الشباب، في كل مكان، بمطالعة التاريخ مطالعة جيّدة، فإذا عرفوا ما طالعوه حينها سيجب عليهم إيصال صوت الحقّ ما لم يوجد مزاحم أهم.
إذن يجب علينا أن نسعى لذلك، وأن لا نطلب الراحة في التبليغ، حتى لا يقال لنا يوم القيامة لِمَ لم تفعل، ولم لم تقل كلمة الحق، ولم لم تصبر، ولم لم تعمل بالآية الكريمة: (وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ) سورة الشورى: الآية43.
الدنيا أم الله؟
يقول القرآن الكريم: (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) سورة التوبة: الآية24. وهذا يعني: هل ان الزوجات والأبناء والآباء والعشيرة والأموال أحبّ إلينا من الجهاد في سبيل الله، ومن قول كلمة الحقّ، أم لابدّ من أن ننطق بكلمة الحقّ. وأنا الآن لست بصدد الكلام أو البحث حول التقية وأحكامها واستحبابها ووجوبها وحرمتها، فهذا الأمر قد بيّنه الشيخ الأنصاري في رسالته (التقية) فالتقية قد تجب وقد تكون حراماً، ولها أحكام أخرى. بل مرادي هنا هو ان القرآن هو الفرقان، وهو الفارق الوحيد للتدبّر فيه، (فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ) سورة القمر: الآية22.
لذا علينا أن نقرأ القرآن في شهر ربيع القرآن، شهر رمضان، وأن نتدبّر ونتفكّر في القرآن ونتفهّم معانيه، وأن نعمل بها وأن نوصلها للآخرين.
أسأل الله تبارك وتعالى أن يكون شهر رمضان، شهراً مباركاً عليكم، وإذا قدّر الله تبارك وتعالى لمولانا بقيّة الله الأعظم عجّل الله تعالى فرجه الشريف، بالظهور، نسأله تعالى أن نكون من أعوانه وأنصاره. وإذا لم يقدّر ذلك، فنسأله تبارك وتعالى أن يعجّل في فرجه الشريف، وأن يوفّقنا لأن نعرف مسؤوليتنا وأن نعمل بذلك، وأن نتحمّل المشاكل التي تعترضنا.
وصلّى الله على محمد وآله الطاهرين.
اضف تعليق