q
المسلمون اليوم إذا لم يرجعوا إلى أمير المؤمنين(ع) سيكون مصيرهم السقوط والتخلف، لأنه نور إلهي يضيء الدَّرب لكل المجتمعات الإنسانية إذا ما علمت بقوله، وآمنت به، واقتدت بسيرته، فهو الذي يُعطي العلماء علماً، وللمجاهدين قوةً، وللصابرين صبراً، وللمتقين روحاً وتقوى، وللمضحّين إخلاصاً، وللسياسيين درساً، وللاقتصاديين منهجاً...

تقديم معنوي

منذ فترة ليست بالبعيدة –قبل هذه الأزمة الكورونية– كنت عند أحد الأخوة الكرام من العلماء وبينما نحن نتداول الحديث دخل رجل كبير في السنِّ عليه الوقار، وأناقته بادية، وهدوءه ظاهر فجلس إلى جانبي صامتاً، ثم عرَّف عن نفسه بقوله: (الدكتور صاحب الحكيم سفير السلام العالمي)، ومستشار المنظمة العالمية للحوار العقائدي (صفة الاستشارية بالأمم المتحدة)، وعضو الهيئة التنفيذية لمنظمة العاملين بالصحة وحقوق الإنسان في جنيف. المنظمة العالمية للمدافعين عن حقوق الإنسان بالتعاون مع المجموعة الأوربية (إيرلندا) ويحمل هويتها؛ ويحمل هوية عضوية الأمم المتحدة في نيويورك وجنيف).. وكان يحمل معه أمرين؛

- كتاب توثيقي عنه وعن نشاطاته في خصوص السلام العالمي..

- لوحة كبيرة توثِّق النَّص المعتمد من الأمم المتحدة واعتبار الإمام علي (ع) رائد العدالة الإنسانية والاجتماعية، حيث استخلص النص، وترجمه إلى ثلاثة لغات في اللوحة الفنية التي كان يحملها، ويفتخر بها وبأمير المؤمنين (ع).

وفعلاً كانت جلسة رائعة ومفيدة جداً ما قطعها علينا إلا صوت المؤذن لصلاة الظهر، وتواعدنا على أمل اللقاء بجناب الدكتور المحترم ولكن لم نوفَّق لذلك لأنه كان زائراً وعلى جناح السفر.

ولكن تذكرتُ يومها أنني كتبتُ عدة مقالات عن أمير المؤمنين (ع) حين اتخذ الأمين العالم للأمم المتحدة حينها (كوفي عنان) قراراً باعتبار كلمة أمير المؤمنين الإمام علي (ع) في عهده لمالك الأشتر، فاعتمد العهد كله؛ وثيقة دولية واحد مصادر التشريع الدولي.

الأمين العام للأمم المتحدة (كوفي عنان)

في بداية هذا القرن الموسوم بالحضارة الرقمية، والديمقراطية، وحقوق الإنسان، وكل هذه تُسوَّق تحت راية عالمية دولية، باسم الأمم المتحدة، ومجلس الأمن الدولي باعتباره أعلى هيئة عالمية معترف بها من جميع الدول في هذا العصر الأغبر.

وكان الأمين العام للأمم المتحدة هو (كوفي عنان)، قرأ كلمة مترجمة لأمير المؤمنين الإمام علي (ع) فافتُتن بها، وقال: «قول علي بن أبي طالب: (يا مالك إن الناس؛ إما أخ لك في الدَّين أو نظير لك في الخلق)، هذه العبارة يجب أن تعلَّق على كلّ المنظمات، وهي عبارة يجب أن تُنشدها البشرية».

وبعد أشهرٍ اقترح (كوفي عنان) نفسه؛ أن تكون هناك مداولة قانونية حول كتاب الإمام علي (ع) إلى مالك الأشتر، فتداولته اللجنة القانونية في الأمم المتحدة، وبعد مداولات ومدارسات طويلة، طُرحت هل هذا يرشح للتصويت؟ وقد مرّت العملية في عِدَّةِ مراحل ثم رُشِّح للتصويت، وصوَّتت عليه الدول بأنه أحد مصادر التشريع الدولي.

الإمام علي (ع) رائد العدالة الإنسانية

على ضوء تقرير الأمم المتحدة للعام 2002م، الإمام علي رائد العدالة الإنسانية والاجتماعية وهو نفسه الذي حمله معه جناب الدكتور المحترم، فالاهتمام الكبير لأقوال وكلمات الإمام علي (ع) وتسميته بـ(حكيم الشرق) دون منازع، رغم أن هذ العصر يشهد حرباً شعواء على الإسلام والمسلمين لم يشهدها التاريخ كله، وفي مثل هذه الظروف نسمع تلك المناشدات، وتتبع تلك الدراسات وعلى مستوى العالم اجمع، من ثم يخرجون بنتيجة مبهرة باعتمادها لأنهم لم يجدوا لها مثيلاً في التاريخ البشري كله..

يقول أحد الأعلام معلقاً: "ليس غريباً أن تقوم الأمم المتحدة بتكريم شخصية كشخصية أمير المؤمنين (صلوات الله عليه)، فلقد اطلعوا هؤلاء وبتجرّد على سيرته العطرة، ووصلوا إلى هذه النتيجة، واتخذوه رمزاً، للعدالة الإنسانية والاجتماعية، وقد أصدرت الأمم المتحدة تقريراً باللغة الإنجليزية وستين صفحة، أعدَّه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الخاص بحقوق الإنسان وتحسين البيئة والمعيشة والتعليم، حيث تمَّ فيه اتخاذ الإمام عليّ (ع) من قِبَل المجتمع الدَّولي شخصيةً متميزة، ومثلاً أعلى في إشاعة العدالة، والرأي الآخر، واحترام حقوق الناس جميعاً مسلمين وغير مسلمين، وتطوير المعرفة والعلوم، وتأسيس الدولة على أسس التسامح والخير والتعددية، وعدم خنق الحريات العامة.

وقد تضمَّن التقرير مقتطفات من وصايا أمير المؤمنين (عليه السلام) الموجودة في نهج البلاغة، التي يوصي بها عمَّاله، وقادة جنده، حيث يذكر التقرير أنَّ هذه الوصايا الرائعة تُعدُّ مفخرة لنشر العدالة، وتطوير المعرفة، واحترام حقوق الإنسان.

وهنا المفارقة العجيبة الغريبة بحيث: شدَّد التقرير الدَّولي على أن تأخذ الدُّول العربية والإسلامية بهذه الوصايا في برامجها السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والتعليمية، لأنها تستورد كل ذلك من الغرب المفتقر أصلاً لمثل هذا الفكر الإنساني الرَّاقي، فهم يَستَجْدُون الفكر الفاسد، والقوانين الجائرة، من شتى الأصقاع، ويتركون هذا التراث الغني الثرِّ بأنقى وأرقى المعاني الإنسانية، والمباني القانونية في العالم.

كما أنَّ التقرير الأممي قد تمَّ توزيعه على جميع دول الأمم المتحدة، ليستفيدوا منه وما اشتمل عليه من منهجية أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) في السياسة والحكم، وإدارة البلاد، والمشورة بين الحاكم والمحكوم، ومحاربة الفساد الإداري والمالي، وتحقيق مصالح الناس، وعدم الاعتداء على حقوقهم المشروعة، وأرقى قواعد الإدارة في السياسة والاقتصاد والعسكر.

لأن التقرير العالمي ذكر شروط الإمام عليّ (ع) للحكم والحاكم الصالح، التي وردت في نهج البلاغة، كقوله (ع): (مَنْ نَصَبَ نَفْسَهُ لِلنَّاسِ إِمَاماً فَعَلَيْهِ أَنْ يَبْدَأَ بِتَعْلِيمِ نَفْسِهِ قَبْلَ تَعْلِيمِ غَيْرِهِ، وَلْيَكُنْ تَأْدِيبُهُ بِسِيرَتِهِ قَبْلَ تَأْدِيبِهِ بِلِسَانِهِ، وَمُعَلِّمُ نَفْسِهِ وَمُؤَدِّبُهَا أَحَقُّ بِالإِجْلاَلِ مِنْ مُعَلِّمِ النَّاسِ وَمُؤَدِّبِهِمْ). (نهج البلاغة: ح68)

واقتبس التقرير الدولي مقاطع من وصايا أمير المؤمنين (عليه السلام) لعامله على مصر مالك الأشتر، التي يؤكد فيها على استصلاح الأراضي والتنمية ويقول: (وَلْيَكُنْ نَظَرُكَ فِي عِمَارَةِ الأَرْضِ أَبْلَغَ مِنْ نَظَرِكَ فِي اسْتِجْلاَبِ الْخَرَاجِ، لأَنَّ ذلِكَ لاَ يُدْرَكُ إِلاَّ بَالْعِمَارَةِ، وَمَنْ طَلَبَ الْخَرَاجَ بِغَيْرِ عِمَارَة أَخْرَبَ الْبِلاَدَ، وَأَهْلَكَ الْعِبَادَ، وَلَمْ يَسْتَقِمْ أَمْرُهُ إِلاَّ قَلِيلاً). (نهج البلاغة: ك53)

وورد في التقرير الدولي أيضاً أساليب الإمام عليّ (عليه السلام) في محاربة الجهل والأمية، وتطوير المعرفة، ومجالسة العلماء، حيث يقول لأحد عماله: (وَأَكْثِرْ مُدَارَسَةَ الَعُلَمَاءِ، وَمُنَافَثَةَ الْحُكَمَاءِ، فِي تَثْبِيتِ مَا صَلَحَ عَلَيْهِ أَمْرُ بِلاَدِكَ، وَإِقَامَةِ مَا اسْتَقَامَ بِهِ النَّاسُ قَبْلَكَ).

ومن شروط الحاكم العادل أخذ التقرير الدولي قول أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) الذي قال فيه: (ثُمَّ اخْتَرْ لِلْحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ أَفْضَلَ رَعِيَّتِكَ فِي نَفْسِكَ، مِمَّنْ لاَ تَضِيقُ بِهِ الأُمُورُ، وَلاَ تُمَحِّكُهُ الْخُصُومُ، وَلاَ يَتَمادَى فِي الزَّلَّةِ، وَلاَ يَحْصَرُ مِنَ الْفَيْءِ إِلَى الْحَقِّ إذَا عَرَفَهُ، وَلاَ تُشْرِفُ نَفْسُهُ عَلَى طَمَع، وَلاَ يَكْتَفِي بِأَدْنَى فَهْم دُونَ أَقصَاهُ، أَوْقَفَهُمْ فِي الشُّبُهَاتِ، وَآخَذَهُمْ بِالْحُجَجِ، وَأَقَلَّهُمْ تَبَرُّماً بِمُرَاجَعَةِ الْخَصْمِ، وَأَصْبَرَهُمْ عَلَى تَكَشُّفِ الأُمُورِ، وَأَصْرَمَهُمْ عِنْدَ اتِّضَاحِ الْحُكْمِ، مِمَّنْ لاَ يَزْدَهِيهِ إطْرَاءٌ، وَلاَ يَسْتَمِيلُهُ إِغْرَاءٌ، أُولئِكَ قَلِيلٌ.

ثُمَّ أَكْثِرْ تَعَاهُدَ قَضَائِهِ، وافْسَحْ لَهُ فِي الْبَذْلِ مَا يُزيِلُ عِلَّتَهُ، وَتَقِلُّ مَعَهُ حَاجَتُهُ إِلَى النَّاسِ، وَأَعْطِهِ مِنَ الْمَنْزِلَةِ لَدَيْكَ مَا لاَ يَطْمَعُ فِيهِ غَيْرُهُ مِنْ خَاصَّتِكَ، لِيَأْمَنَ بِذلَكَ اغْتِيَالَ الرِّجَالِ لَهُ عِنْدَكَ، فَانْظُرْ فِي ذلِكَ نَظَراً بِلِيغاً) (نهج البلاغة: ك53)

ولو عرفت هذه الأمة قيمة ما لديها من كنوز الحكمة، في تراثها العظيم عن رسول الله (ص) وأهل بيته الأطهار (ع) لغزت العالم، ولسادت وقادت جميع الشعوب والأمم، ولظهرت على كل ملَّة من ملل السَّماء والأرض، ولكنَّها رَضِيَت بالقيل، وسَكَنت للخفض، وأسلمت قيادها للأراذل السُّفهاء من بني أمية الطلقاء ومَنْ مكَّنهم من رقاب المسلمين، وتركت شرفها وأسيادها منبوذين وكأنهم أبناء الضِّرَّة من بين أمهاتهم، ولم يكتفوا بذلك بل طاردوهم وقتلوهم بعد أن شرَّدوا شيعتهم تحت كل شجر وحجر.

حاجة العالم للإمام علي (ع)

وجميل ما يذكره سلطان المؤلفين الإمام الراحل (قدس سره) في كتاب جميل كتبتُ مقدمته قبل عقدين من الزمن، يتحدَّث فيه عن حاجتنا وحاجة الأمة، بل العالم إلى الإمام علي (ع) واستغناؤه عنا لأنه نور قام بنفسه، فهو الإمام، وهو حجة الله على الأنام، عَرَفَهُ مَنْ عَرَفَه، وأنكره النواصب وأمثالهم من خوارج هذه العصور المتأخرة من أتباع ابن تيمية، وأذناب ابن عبد الوهاب.

يقول سماحته: (فأول فائدة في معرفة الإمام (ع) والاعتقاد به يعود للإنسان نفسه، فإن أمير المؤمنين(ع) كلما تَعرَّف عليه المجتمع البشري بشكل عام والمجتمع الإسلامي بشكل خاص كلما كان يعود بالنفع عليهم، وإن لم يكتسب هو من ذلك أيَّة منفعة لنفسه، كما أنه (ع) لا يضرُّه شيء حتى لو أساءت كل الدنيا إليه وهجرته.

فمعاوية عندما أخذ يسبُّ ويلعن علياً(ع) على المنابر –والعياذ بالله- وأمر بذلك جميع ولاته، لم يتضرر به الإمام أي ضرر، حيث أنه(ع) مستغنٍ عن مدحنا له على المنابر أو في المحافل العامة وإنما تضرر معاوية، وتضرر المسلمون، وتضررت البشرية جمعاء، وحتى الأجيال القادمة، (من تلك الفِعلة الشنيعة لمعاوية وبني أمية الطلقاء من أبناء الشجرة الملعونة في القرآن)

فالمسألة بالعكس تماماً، فنحن الذين ننتفع بمدحه(ع) ونستفيد من فضائله ومناقبه(ع)، ونتضرر إذا ابتعدنا عن نهجه وتكبّرنا عن الاقتداء به، ومن هنا قال رسول الله (ص): (ذِكْرُ عَلِيٍّ عِبَادَة)، فإن العبادة توجب التقرُّب إلى الله، وتكامل الإنسان وسعادته في الدنيا والآخرة، وهكذا يكون ذِكر علي (ع) فإنه يُوجب السعادة الدنيوية والأخروية..

ويمكن تقريب الصورة إلى الذهن، بمثالٍ: فلو أن الناس احترموا الطبيب الذي يعيش بينهم والتفوا حوله، سوف تقل مرضاهم ولصدّ نوعا ما عن أمراضهم، وحافظوا على سلامتهم وصحتهم.. أما إذا تركوا الطبيب ولم يلتفوا حوله بل أهانوه و.. فستزداد أمراضهم، وتُسلب راحتهم وتُصبح سلامتهم وحالتهم البدنية معرضة للآفات والأمراض، أما الطبيب نفسه فلا ينتفع بنفعهم، ولا يتضرّر بضررهم بشكل أساسي، بل هم المنتفعون إذا اهتموا بطبيبهم، وأصغوا إلى نصائحه وتوجيهاته، وهم المتضررون إذا تخلوا عنه.

وأين الطبيب من أمير المؤمنين علي (ع) الذي لا يمكن الاستغناء عنه في جميع مرافق الحياة، وكل مراحل العمر، وما ذكرناه ـ آنفاً ـ ليس إلا مثالاً لتقريب الصورة لا أكثر، ومع كل هذا، رأينا كيف ظَلَمَ بعضُ الناس أنفسهم، وانفضُّوا من حول الإمام علي (ع)، ففروا من نوره الشعشاع إلى ظلماتهم الدامسة..

لقد كان (ع) يناديهم بين الحين والآخر بقوله: (أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي قَدْ بَثَثْتُ لَكُمُ الْمَوَاعِظَ الَّتِي وَعَظَ بِهَا الأَنْبِيَاءُ أُمَمَهُمْ، وَأَدَّيْتُ إِلَيْكُمْ مَا أَدَّتِ الأَوصِيَاءُ إِلَى مَنْ بَعْدَهُمْ، وَأَدَّبْتُكُمْ بِسَوْطِي فَلَمْ تَسْتَقِيمُوا، وَحَدَوْتُكُمْ بالزَّوَاجِرِ فَلَمْ تَسْتَوْسِقُوا، لله أَنْتُمْ! أَتَتَوَقَّعُونَ إِمَاماً غَيْرِي يَطَأُ بِكُمُ الطَّرِيقَ، وَيُرْشِدُكُمُ السَّبِيلَ؟) (نهج البلاغة: خ182)

ولذلك نرى المسلمين تخلَّفوا باتباعهم أمثال معاوية، (ومَنْ أوصله إلى السُّلطة من قريش).

ثم يقول: وكذلك المسلمون اليوم إذا لم يرجعوا إلى أمير المؤمنين(ع) سيكون مصيرهم السقوط والتخلف، لأن أمير المؤمنين(ع) نور إلهي يضيء الدَّرب لكل المجتمعات الإنسانية إذا ما علمت بقوله، وآمنت به، واقتدت بسيرته، فهو الذي يُعطي العلماء علماً، وللمجاهدين قوةً، وللصابرين صبراً، وللمتقين روحاً وتقوى، وللمضحّين إخلاصاً، وللسياسيين درساً، وللاقتصاديين منهجاً، وللحكام برنامجاً، وللشعب تقدماً، وحتى لغير المسلمين رحمة وعطفاً). (نحن والإمام علي (ع) السيد محمد الشيرازي: ص13)

نعم سيدي؛ ما أحوجنا، وأحوج العالم والإنسانية إليك، وغلى نهجك، ومنهجك سلام الله عليك أبد الآبدين ودهر الدَّاهرين يا أمير المؤمنين..

اضف تعليق