q
باتت فرنسا من أكثر البلدان الأوروبية استهدافًا من قبل تنظيم داعش الإرهابي، حيث تشير التقارير إلى أنه خلال الثلاث السنوات السابقة هناك نحو 1000 فرنسي مسلم انضموا إلى تنظيم داعش الإرهابي، وعدد كبير منهم عاد إلى فرنسا عقب خسارة التنظيم معاقله في سوريا والعراق...

الهجوم الإرهابي الأخير الذي شهدته فرنسا وأودى بحياة أربعة أشخاص بينهم ضابط، أثار حالة من الذعر والقلق في هذا البلد الذي يعد وبحسب بعض المراقبين، من أكثر البلدان الأوروبية استهدافًا من قبل تنظيم داعش الإرهابي، حيث تشير التقارير إلى أنه خلال الثلاث السنوات السابقة هناك نحو 1000 فرنسي مسلم انضموا إلى تنظيم داعش الإرهابي، وعدد كبير منهم عاد إلى فرنسا عقب خسارة التنظيم معاقله في سوريا والعراق، وجمعيهم ينتظرون أوامر من التنظيم لشن هجمات إرهابية جديدة داخل فرنسا، هذه الهجمات اثارت ايضا قلق ومخاوف المسلمين في هذا البلد والذين أصبحوا هدف أساسي لبعض الأحزاب اليمينية المتطرفة التي سعت الى الاستفادة من هكذا خروقات امنية.

حيث شنت بحسب بعض المصادر أطراف سياسية وشخصيات فرنسية معروفة بعدائها للمسلمين حملة شعواء على الإسلام، وطالبت باتخاذ اجراءات اكثر تشدد ضد المسلمين، وقد كشف استطلاعان للرأي بعد أحدث هجوم إرهابي تشهده فرنسا أن غالبية الفرنسيين يريدون من السلطات القبض على المسلمين المشتبه في أنهم يتبنون أفكارا متطرفة إذا وردت أسماؤهم في قوائم المراقبة الخاصة بالمخابرات وأنهم يؤيدون حظر التيار السلفي.

وطالب معارضون يمينيون الرئيس إيمانويل ماكرون بتطبيق سياسات أمنية صارمة وأشاروا إلى أنه سيكون هناك دعم شعبي قوي للخطوات التي تستهدف المساجد والأئمة الذين يحرضون على الكراهية وكذلك الأجانب الذين يعتبرون مصدر تهديد. وأظهر استطلاع أجرته مؤسسة أودوكسا أن 87 بالمئة يريدون احتجاز من يشتبه في أنهم متطرفون دينيا بينما يفضل 88 بالمئة حظر التيار السلفي. وكشف استطلاع أجرته مؤسسة إيلاب أن 80 بالمئة من الفرنسيين يدعمون طرد الأجانب المتطرفين بينما قال أكثر من نصف المشاركين في الاستطلاع إن ماكرون لا يبذل ما يكفي من جهد للتصدي للإرهاب. ويريد الرئيس إعادة رسم العلاقة بين مسلمي فرنسا والدولة الفرنسية العلمانية. وهو ليس أول من يسعى لذلك.

ومنذ الثمانينيات سعت الحكومات الفرنسية المتعاقبة إلى رعاية نموذج ليبرالي للإسلام في البلاد يساعد على دمج الدين في مجتمع علماني. وعادت هذه القضية إلى بؤرة الضوء عندما قتل فرنسي مغربي المولد، بايع تنظيم داعش الارهابي، أربعة أشخاص في جنوب غرب فرنسا يوم 23 مارس آذار. وقتل نحو 240 شخصا حتى الآن في فرنسا منذ مطلع عام 2015 على أيدي متشددين يتبنون فكر التنظيم المتشدد.

هجوم جديد

وفي هذا الشأن قالت السلطات الفرنسية إن مسلحا قتل مجموعة أشخاص في جنوب غرب البلاد حيث استولى على سيارة وفتح النار على الشرطة ثم احتجز رهائن في متجر وهو يصيح ”الله أكبر“ قبل أن تقتحم قوات الأمن المبنى وتقتله. وأصيب 16 شخصا بينهم اثنان جروحهما خطيرة فيما وصفه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأنه هجوم ”إرهابي“ نفذه إسلامي متشدد.

وأعلن تنظيم داعش مسؤوليته عن الهجوم. وقال ماكرون إن أجهزة الأمن ما زالت تدرس إعلان داعش مسؤوليتها. وقال ماكرون الذي عاد إلى باريس من بروكسل ليترأس اجتماع أزمة مع وزراء ومسؤولي أمن ”أحث المواطنين الفرنسيين على أن يظلوا واعين بالتهديد الإرهابي وأن يدركوا أيضا القوة والمقاومة التي يظهرها شعبنا في كل مرة يتعرض فيها للهجوم“.

وقتل أكثر من 240 شخصا في فرنسا في هجمات منذ عام 2015 نفذها مهاجمون بايعوا أو استلهموا أفعالهم من تنظيم الدولة الإسلامية. وأعلنت السلطات هوية المهاجم وقالت إنه يدعى رضوان لقديم (25 عاما) من مدينة كاركاسون. وقتل شخصان عندما هاجم متجرا في بلدة تريب القريبة. وقال شهود إن نحو 20 شخصا لاذوا بغرفة تبريد في المتجر. وقال ماكرون إن لفتنانت كولونيل بادل نفسه مع أحد الرهائن يصارع الموت في المستشفى.

وقال المدعي العام الفرنسي فرانسوا مولان الذي يقود التحقيق في الهجوم إن المهاجم المولود في المغرب كان معروفا لدى السلطات لارتكابه جنحا لكنه كان تحت مراقبة أجهزة الأمن في 2016 و2017 لصلته بحركة سلفية متطرفة. وأضاف ”المراقبة ... لم تكشف دلائل واضحة يمكن أن تؤدي بنا إلى توقع أنه سينفذ هجوما“. وأضاف أن امرأة على صلة بالمهاجم اعتقلت.

وقال وزير الداخلية جيرار كولوم إن من المعتقد أن منفذ الهجوم تصرف منفردا. وقال كولوم ”كل يوم نرصد حقائق ونحبط هجمات جديدة. لكن للأسف هذا وقع دون أن نتمكن من منعه“. وقتل المهاجم شخصا واحدا في البداية برصاصة في الرأس عندما استولى على السيارة في كاركاسون وهي مدينة أثرية محاطة بسور ومقصد سياحي بارز.

وقاد المهاجم السيارة إلى موقع كان فيه أربعة من ضباط الشرطة وفتح النار عليهم وأصاب أحدهم في الكتف ثم قاد إلى تريب التي تبعد نحو ثمانية كيلومترات إلى الشرق حيث احتجز الرهائن في المتجر. وقال مولان ”الجاني دخل المتجر وهو يصيح الله أكبر وأشار إلى أنه جندي من جنود داعش وأنه مستعد للموت من أجل سوريا ويسعى لإطلاق سراح إخوانه، قبل أن يطلق النار على متسوق وموظف في المتجر لقيا حتفهما على الفور“.

وقال عامل في المتجر إن متسوقين فروا من المبنى عندما اقتحمه المسلح. وقال الموظف ”كنت في القسم الخاص بي عندما سمعت طلقات نارية. ذهبت إلى منطقة إطلاق النار وتلاقيت وجها لوجه مع الشخص“. وأضاف ”رفع مسدسه وأطلق النار، هربت وصاح الله أكبر وتحدث عن داعش. ثم أخرجت المتسوقين الذين كانوا نحو 20 في منطقتي وتسللنا من الباب الخلفي“.

وقال كولوم إن المسلح طالب بالإفراج عن صلاح عبد السلام المشتبه به الرئيسي والناجي الوحيد من هجمات نفذتها داعش في باريس في 2015 وقتلت 130 شخصا. ويحمل عبد السلام الجنسية الفرنسية وولد ونشأ في بروكسل وبدأت محاكمته في بلجيكا. ويواجه عبد السلام اتهاما ”بالشروع في القتل في سياق إرهابي“ فيما يتعلق بتبادل لإطلاق النار مع الشرطة في بروكسل في مارس آذار 2016 بعد أربعة أشهر من هروبه من باريس ليلة الهجمات التي كان شقيقه أحد الانتحاريين فيها. بحسب رويترز.

وتشارك فرنسا في التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لقتال داعش في سوريا والعراق ولها آلاف الجنود في غرب أفريقيا يقاتلون متشددين مرتبطين بتنظيم القاعدة. وفي فبراير شباط قال كولوم إن قوات الأمن الفرنسية أحبطت هجومين هذا العام مع توجيه متشددي داعش أنظارهم صوب أهداف محلية بعد أن مني التنظيم بهزائم في سوريا والعراق. وقال كولوم في تريب ”هذه بلدة صغيرة وهادئة. للأسف التهديد في كل مكان“.

وقالت مصادر قضائية إن عمليات تفتيش منزل المهاجم أسفرت عن العثور على مذكرات تشير إلى داعش فيما بدا أنها وصية إضافة إلى هاتف وجهاز كمبيوتر. ووجد المحققون كذلك في المتجر ثلاث عبوات متفجرة بدائية الصنع ومسدس عيار 7.65 مليمتر وسكين. وتحتجز الشرطة شخصين في إطار التحقيقات هما امرأة على صلة بالمهاجم وشاب يبلغ من العمر 17 عاما يقال أنه احد أصدقائه.

عمليات واجراءات

على صعيد متصل قال مصدر بالشرطة الفرنسية إن الشرطة اعتقلت شخصا يشتبه أنه اندفع بسيارة مسروقة صوب مجموعة من الجنود كانوا يركضون خارج قاعدتهم عند جبال الألب. وقال متحدث باسم الكتائب البرية للجيش المتمركزة في منطقة إيزير إن الجنود أبلغوا الشرطة بأن السائق مر بهم في البداية وهو يطلق سبابا بالعربية ثم عاد وحاول دهسهم. ولم يصب أحد في الواقعة. وأضاف المتحدث ”كان عشرة منهم يركضون خارج الثكنات. استهدف مجموعة واحدة من أربع مجموعات لكن لم يصدم أحدا“. بحسب رويترز.

وقال متحدث باسم المنطقة إنه ليس من الواضح ما إذا كان السائق سعى لدهس الجنود، وهم عشرة من سلاح المدفعية، أم أنه فقط كان يحاول تخويفهم. وأثار الحادث القلق في بلد يعيش في حالة تأهب بعد أن قتل شخص موال لتنظيم داعش أربعة أشخاص في أول هجوم من نوعه منذ رفع الرئيس إيمانويل ماكرون حالة طوارئ استمرت عامين. وقال المتحدث ”لا نعلم ما إذا كانت (هذه الواقعة) عملا لا إرادي أم محاولة لتخويف الجنود أم متعمدة“. وقال مصدر قريب من التحقيق إن دوافع السائق لم تتضح وجاري التعامل مع الحادث بجدية.

من جانب اخر أكد وزير الداخلية الفرنسي، أن عام 2017 شهد طرد 20 متطرفًا أجنبيًا كانوا متواجدين بشكل شرعي بالأراضي الفرنسية. وأشار وزير الداخلية إلى صعوبة توقع اعتداءات تريب وكركاسون الإرهابية نظرًا لأن التحريات التي جرت بشأن المهاجم رضوان لقديم لم تظهر أي مؤشرات عن تحضيره لشن هجوم. وأوضح أن الإدارة العامة للأمن الداخلي (الاستخبارات الداخلية) وجهت خطاب استدعاء للمدعو رضوان لقديم، لتقييم حالته والتأكد من عدم إظهاره أي علامات للتطرف قبل نقل ملفه للحالات التي لا تشكل أولوية.

وأكد وزير الداخلية الفرنسية، ردًا على انتقادات المعارضة التي تطالبه بإجراءات أكثر صرامة، أنه من المستحيل وضع في السجن كل الأشخاص المدرجين على القائمة «إس»، والذين يشكلون خطرًا محتملًا على الأمن العام والبالغ عددهم 26 ألف شخص.

اضف تعليق