q

لايزال الصراع قائم بين قطر وباقي دول الخليج التي اعلنت قطيعتها للاخيرة، فالتوتر وشد الاعصاب مازال موجود، وتداعيات الازمة لاتزال تلقي بظلالها خاصة الاقتصادية منها على اقتصاد قطر، الذي يكافح من أجل الحد من وطأة هذه التداعيات، وقد أظهر استطلاع أن الأزمة الدبلوماسية بين قطر وجيرانها دفعت خبراء الاقتصاد لخفض توقعات نمو الاقتصاد القطري ولكن ليس بالقدر الذي يحول دون كونه واحدا من أفضل الاقتصادات أداء في المنطقة، وخفض 12 خبيرا آراءهم متوسط توقعاتهم لنمو الناتج المحلي الإجمالي القطري في العام الحالي إلى 2.3 بالمئة من 3.5 بالمئة الذي أجري في أبريل نيسان، وتم خفض توقعات النمو للعام المقبل إلى 3.1 بالمئة من 3.7 بالمئة، وحتى إن صحت التوقعات الجديدة ستظل قطر قادرة على تحقيق نمو في العامين الحالي والمقبل بوتيرة أسرع مما تسجله معظم الدول الخليجية الخمس الأخرى المصدرة للنفط، ودفع قرار السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر قطع العلاقات الدبلوماسية وخطوط النقل مع الدوحة الكثير من البنوك الأجنبية لتقليص أعمالها مع قطر وأجبر الدوحة على ترتيب روابط شحن جديدة عبر دول محايدة في الأزمة مثل سلطنة عمان.

وخفض الاستطلاع أيضا متوسط التوقعات لنمو الناتج المحلي الإجمالي في السعودية هذا العام إلى 0.1 بالمئة فقط من 0.5 بالمئة في السابق لكن توقعات النمو في العام المقبل ارتفعت إلى 1.9 بالمئة من 1.8 بالمئة، غير أن قدرة قطر على مواصلة تصدير الغاز الطبيعي واحتياطياتها الأجنبية الضخمة يعني أن العقوبات تؤثر على اقتصادها لكنها لا تكبله، وذكرت مونيكا مالك كبيرة الخبراء الاقتصاديين في بنك أبوظبي التجاري أنه لا نتوقع أي صدمات اقتصادية أو مالية شاملة وفقا للوضع الراهن، في ضوء الوضع القوي للاحتياطي الأجنبي القطري واستمرار صادرات الهيدروكربونات، وأشارت إلى أن اعتماد البنوك القطرية الشديد على رأس المال الأجنبي يعني ارتفاع سعر الفائدة على الإقراض بين البنوك بسبب الأزمة لكنها قالت إن ارتفاع تكلفة الواردات بسبب تغيير مسارات الشحن قد يؤدي أيضا إلى إبطاء مشروعات البنية التحتية، وأضافت أن تباطؤ ترسيات المشاريع في النصف الثاني من 2017 قد ينتج عنه أيضا ضعف النشاط الاستثماري في 2018 حتى إذا تم حل الخلاف.

ويتوقع استطلاع الرأي ألا يشهد تضخم أسعار المستهلكين في قطر تغيرا يذكر بسبب العقوبات ليسجل 2.4 بالمئة في السنة الحالية وهو نفس المعدل المتوقع في الاستطلاع السابق. ومن المتوقع أن يسجل ثلاثة بالمئة في العام المقبل مقابل توقعات سابقة بأن يسجل 3.1 بالمئة، كما تشير التوقعات إلى أن المالية العامة ستضعف بسبب تراجع أسعار النفط والغاز العالمية في الشهور القليلة الماضية، ومن المتوقع الآن أن تسجل الدوحة عجزا في الموازنة بنسبة 4.9 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام وليس 3.6 بالمئة كما أظهرت التوقعات السابقة، على أن يصل العجز إلى 2.8 بالمئة في العام المقبل بدلا من 1.7 بالمئة، غير أن استطلاع الرأي يتوقع أن تحقق قطر فائضا في ميزان المعاملات الجارية في العام الحالي والمقبل، ومن المتوقع أن يسجل الفائض هذا العام 0.7 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي مقابل 0.1 بالمئة في التوقعات السابقة حيث يحد تباطؤ النمو الاقتصادي من واردات السلع والخدمات.

لغز الثلاثمئة مليار دولار .. ما حجم الاحتياطيات السائلة لدى قطر؟

متى تكون 300 مليار دولار غير كافية؟ هذا السؤال مهم لمستقبل قطر حيث يتكهن بعض المصرفيين وصناديق التحوط بأن الاحتياطيات المالية الضخمة لهذا البلد الغني جدا ربما لن تكون كافية للدفاع عن عملته الريال في الأجل الطويل، ولايشك أحد في أن قطر لديها أموال وفيرة للصمود في مواجهة العقوبات الاقتصادية التي جرى فرضها عليها أوائل الشهر الماضي، حينما قطعت السعودية وثلاث دول عربية أخرى العلاقات الدبلوماسية ووسائل النقل مع الدوحة، وصرح محافظ مصرف قطر المركزي الشيخ عبد الله بن سعود آل ثاني إن الدوحة يمكنها أن توظف نحو 340 مليار دولار من الاحتياطيات، أي 40 مليار دولار إضافة إلى الذهب لدى المصرف المركزي، و300 مليار دولار لدى جهاز قطر للاستثمار صندوق الثروة السيادية للبلاد.

ويشير ذلك إلى أن قطر يمكنها أن تتكيف بارتياح مع أي نزوح لرأس المال بفعل الأزمة، ويتوقع بنك أوف أمريكا نزوح 35 مليار دولار من النظام المصرفي القطري خلال عام إذا سحبت دول عربية خليجية أخرى ودائع وقروض، لكن قطر ربما تواجه نزوحا أكبر في التدفقات الصافية إلى الخارج إذا هبطت صادراتها من الغاز الطبيعي مجددا على سبيل المثال، وتتمثل المشكلة في أنها قد تكون قادرة فقط على استخدام جزء ضئيل من احتياطيتها في الدفاع عن عملتها، فمن بين الاحتياطيات أصول محلية ربما يكون من الصعب بيعها لمشترين أجانب في ظل الأزمة، بينما هناك جزء آخر مرتبط بأصول أجنبية "غير سائلة" لا يمكن بيعها بسرعة لجمع سيولة مالية، أما الجزء الموجود في صورة حسابات بالبنوك الأجنبية وسندات متداولة أو أسهم مدرجة يمكن تسييلها بسرعة وسهولة إذا اقتضى الأمر، فهو من أسرار الدولة، وهذه السرية تثير تكهنات حول القوة المالية الحقيقية لقطر.

وتشير النظرية الاقتصادية إلى أن الإبقاء على ربط الريال القطري بالدولار يتطلب احتياطيات لدى المصرف المركزي تعادل قاعدة النقد في البلاد، أي 17 مليار دولار، ومن ثم قد يكون لدى البنك المركزي نحو 13 مليار دولار يمكنه المناورة بها، وهذا يعني أن جهاز قطر للاستثمار ربما يحتاج إلى تسييل جزء صغير من أصوله قريبا لتعزيز احتياطيات المصرف المركزي، ويبدو رقم 300 مليار دولار لأصول جهاز قطر للاستثمار الذي تحدث عنه محافظ المصرف المركزي معقولا لكثير من المحللين، فهو قريب من 320 مليار دولار قدرها معهد صناديق الثروة السيادية بالولايات المتحدة، والذي يرصد تحركات تلك الصناديق من خلال مصادر عامة واتصالات مع مسؤولين ورجال أعمال، كما أنه يتماشى مع بيانات الاقتصاد الكلي بشأن ثروة قطر، فبحساب رصيد المعاملات الجارية لقطر منذ عام 2000 حينما بدأت تسجيل فوائض كبيرة بفضل صادرات الغاز، وبافتراض عائد سنوي على الاستثمار قدره ثلاثة في المئة لتلك الأموال، فإن إجمالي الاحتياطيات يتجاوز 300 مليار دولار، وفي وقت سابق هذا العام، نقل جهاز قطر للاستثمار ما يزيد عن 30 مليار دولار من حيازات الأسهم المحلية إلى وزارة المالية، وتشير المراجعات للأصول المحلية المتبقية، بما فيها شركة الديار القطرية للاستثمار العقاري والخطوط الجوية القطرية، إلى أن قيمتها ربما تبلغ 50 مليار إلى 75 مليار دولار، وهو ما يترك للصندوق السيادي أصولا أجنبية بنحو 225 مليار دولار.

وتتساءل الأسواق المالية عن حجم الأصول التي يمكن تسييلها ومن بينها تلك الأصول الطويلة الأجل مثل متاجر هارودز في لندن وحصة جرى شراؤها في الشركة المالكة لمبنى إمباير ستيت في نيويورك مقابل 622 مليون دولار، ولدى جهاز قطر للاستثمار حصص في شركات غربية كبيرة مدرجة، من بينها حصة قدرها نحو 15 في المئة في فولكسفاجن الألمانية لصناعة السيارات، ربما تكون سائلة جزئيا إذ يستطيعون بيعها بسهولة في سوق الأسهم وإن كان التخارج منها بالكامل بدون خفض أسعار الأسهم قد يستغرق عدة أشهر.

وهذا يعني أن الجهاز لديه نحو 180 مليار دولار من الأصول الأجنبية السائلة، وهو ما يتفق مع تقديرات دبلوماسي غربي يتابع الموقف في قطر ويستخدم غالبا مصادر عامة للمعلومات، لكن هناك ما يدعو للاعتقاد بأن جهاز قطر للاستثمار، مع شهيته المتفتحة على الأصول الأجنبية المتميزة، ربما يكون أقل سيولة من صناديق ثروة سيادية أخرى، وأظهرت بيانات الخزانة الأمريكية أن حيازات قطر في الأوراق المالية الطويلة الأجل في الولايات المتحدة مثل سندات الخزانة بلغت 8.6 مليار دولار في أبريل نيسان وهو أقل من ثلاثة في المئة من أصول جهاز قطر للاستثمار، وتبلغ الحيازات الكويتية المماثلة 203 مليارات دولار، أو ما يعادل 39 في المئة من الحجم المقدر لصندوق الثروة السيادية الكويتي، بينما تبلغ الحيازات السعودية 155 مليار دولار، أو 30 في المئة، وربما تكون هذه البيانات دون الحجم الحقيقي للاستثمارات القطرية في الأوراق المالية الأمريكية السائلة إذا كان بعض تلك الاستثمارات يتم تمريره عبر مراكز المعاملات الخارجية (الأوفشور) مثل جزر كايمان، لكن الغموض يشير إلى أن الذخيرة المالية لقطر ربما ليست بالكثرة التي تبدو عليها حسبما يجادل بعض مديري صناديق التحوط في نيويورك ولندن، والذين يستطيعون تحقيق مكاسب من تقلبات السوق إذا تعرضت عملة قطر لضغوط.

الا انه وفي الفترة الاخيرة بات الريال القطري يتعرض لضغوط في سوق الصرف البريطانية، في أعقاب قطع دول عربية علاقاتها الدبلوماسية والتجارية مع الدوحة قبل أقل من شهر، اذ ذكرت مصادر في بنوك "باركليز" و"لويدز" و"تيسكو" و"أوف سكوتلند" في المملكة المتحدة إن الريال القطري لم يعد متوفرا للبيع أو الشراء في الوقت الحالي، وتمتلك قطر حصة قدرها 6 في المائة من باركليز، أحد أكبر البنوك البريطانية، بعدما أنقذته خلال الأزمة المالية العالمية في 2008، ومع ذلك، حافظ الريال القطري على سعره أمام الدولار في سوق التعاملات الآجلة خلال اليومين الماضيين، بعد تسجيل هبوط حاد في فترة سابقة بفعل استمرار الخلاف بين الدوحة ودول عربية، ولقطر، البلد الغني بمصادر الطاقة، استثمارات تبلغ 40 مليار إسترليني في بريطانيا تشمل معالم بارزة في لندن، مثل ناطحة السحاب شارد ومتجر هارودز وفندق سافوي وحصة في حي كناري وارف المالي.

طبيعة المشهد الاقتصادي في قطر

أن المشهد الحالي على الرغم من تظاهر اقتصاد قطر بالصلابة نظراً للامكانيات التي يملكها من قوة صادراته الغازية وحجم احتياطياته الاجنبية، يحمل في زواياه الاخرى تداعيات هذه الازمة اذ ان الاضرار موجودة بفعل الحصار الخليجي، ومن المنتظر أن تتفاقم الأوضاع في قطر، حيث بدأت تداعيات الأزمة تضرب قطاعات حيوية، وتسببت بارتفاع تكلفة الشحن إلى 10 أضعاف ما كانت عليه قبل مطلع يونيو، وفقا لما ذكره وزير الخارجية القطري مؤخرا، ومن بين أكبر القطاعات المتضررة، قطاع الإنشاءات، خصوصا المشاريع المتعلقة بمونديال قطر، أي الملاعب والمرافق ذات العلاقة والفنادق الجديدة التي ستستضيف اللاعبين والمشاهدين القادمين من الخارج، كما ستلحق أضرار بمشروع الميناء الجديد وكذلك الحال بمشروع المترو، وسيتعرض قطاع الأعمال والشركات التي لها فروع في قطر لضربات قوية، خصوصا مع تراجع قيمة الريال القطري وتأثر التصنيف الائتماني لقطر، كما أصبحت التداعيات تثقل كاهل الاقتصاد القطري بواجهته المالية التي يعبر عنها الريال، إذ تزامن تراجع العملة القطرية مع تضييق الخناق على الريال الذي أصبحت 5 مصارف بريطانية على الأقل ترفض التداول به، ومما زاد الطين بله بعدما خفضت وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني نظرتها المستقبلية لتسعة بنوك قطرية من مستقرة إلى سلبية، كما أبقت الوكالة على النظرة السلبية لبنك واحد، فضلاً عن تعرض الخطوط القطرية لضغوط كبيرة جراء إلغاء عشرات الرحلات اليومية ومنع استخدام المجالات الجوية العربية ورحلات أطول بتكلفة أعلى.

اضف تعليق