q

الانتخابات البرلمانية البريطانية التي أسفرت عن خسارة حزب المحافظين بقيادة تريزا ماي بـ (الأغلبية التي كان يتمتع بها في مجلس العموم البريطاني) بعد ان فقدا اثني عشر مقعدا عما كان عليه في السابق، عدها بعض المراقبين ضربة جديدة للحزب وتريزا ماي، التي كانت تأمل في الحصول على تفويض شعبي أوسع يدعمها لمباشرة عملية الخروج من الاتحاد الاوروبي. وهو ما دفعها للذهاب نحو تشكيل حكومة أقلية والتحالف مع الحزب الديمقراطي الوحدوي في ايرلندا الشمالية الذي حصل على 10 مقاعد، هذه الانتخابات ستزيد الضغوط على ماي التي يرى بعض المراقبين انها تستمر طويلا في موقعها الحالي بعد الشرخ الكبير الذي افرزته الانتخابات في صفوف حزب المحافظين. وكانت ماي قد فاجأت الجميع حين أعلنت قبل 7 أسابيع عن إجراء انتخابات مبكرة رغم أن الانتخابات لم تكن مقررة قبل 2020. وفي تلك الفترة توقعت استطلاعات الرأي أن تزيد ماي بقوة من الأغلبية الهزيلة التي ورثتها عن رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون.

حزب العمال المعارض ما زال يصر على استقالة رئيسة الوزراء خصوصا بعد ان خسرت ثقة الناخبين في الانتخابات المبكرة التي دعت اليها، ويرى بعض الخبراء ان عدم وجود أغلبية مريحة في البرلمان، سيعقد الامور بخصوص عملية الانفصال خصوصا وان المعارضة ستسعى الى وضع عراقيل جديدة ضد تحركات رئيس الوزراء البريطانية تيريزا ماي، التي أعلنت أن حزب المحافظين سيشكل حكومة جديدة بالتحالف مع الحزب الديمقراطي الوحدوي، مؤكدة مواصلة المفاوضات حول خروج بلادها من الاتحاد الأوروبي. وقالت رئيس الحكومة البريطانية إن المفاوضات بشأن خروج البلاد من الاتحاد الأوروبي ستبدأ بعد 10 أيام، كما كان متوقعا سابقا. هذا، واشارت بعض النتائج إلى أن حزب المحافظين الحاكم في البلاد خسر الأغلبية في مجلس العموم وحصل على 318 مقعدا من أصل 650 في المجلس، بينما عزز منافسه الأساسي حزب العمال بقيادة جيريمي كوربين مكانته في البرلمان بعد أن حصل على 29 مقعدا إضافيا وضمن 261 مقعدا .

هزيمة سياسية

تشير النتائج الأولية لفرز الأصوات في الانتخابات التشريعية المبكرة في بريطانيا إلى أن حزب المحافظين بزعامة رئيسة الوزراء تيريزا ماي يتجه للفوز، لكنه يفقد الأغلبية البرلمانية. وتوقعت هيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي) أن يحصل حزب المحافظين على 316 مقعدا في البرلمان الجديد، ما يقل عن نصف المقاعد الـ650 في مجلس العموم البريطاني، في حين قدرت نتيجة حزب العمال بـ 265 مقعدا.

وبحسب تنبؤات قناة سكاي نيوز البريطانية، قد يفوز المحافظون بما بين 315 و321 مقعدا، ما لن يتيح لهم تشكيل حكومة وحدهم وسوف يؤدي إلى "برلمان متأرجح"، لا يتمتع أي حزب فيه بأغلبية ساحقة. في المقابل، تمكن حزب العمال من تحسين مواقعه، حيث حصل بعد فرز 90% من الأصوات على 237 مقعدا، بينما لم يكن له في البرلمان السابق سوى 229 مقعدا، هذا، وقال زعيم حزب العمال البريطاني جيريمي كوربين إن "الوقت قد حان لتستقيل رئيسة الوزراء تيريزا ماي بعد أن أشارت نتائج الانتخابات إلى أنها خسرت أصوات ودعم وثقة الناخبين".

وأضاف: "جرت الدعوة لهذه الانتخابات حتى تحصل رئيسة الوزراء على أغلبية كبيرة لتؤكد سلطتها... إذا كانت هناك رسالة من نتائج الليلة فهي التالي: رئيسة الوزراء دعت لهذه الانتخابات لأنها أرادت تفويضا... التفويض الذي حصلت عليه هو خسارة مقاعد المحافظين وخسارة أصوات وفقد دعم وفقد ثقة".

من جهتها، قالت ماي إن بريطانيا تحتاج لفترة من الاستقرار وإنها ستتحمل المسؤولية عن توفيره إذا فازت بأكبر عدد من المقاعد. وأضافت بعد أن فازت بمقعدها في البرلمان: "في هذا الوقت، أكثر ما يحتاجه هذا البلد هو فترة من الاستقرار". وفي أول خطوة من نوعها من داخل الحزب المحافظ، دعت آنا سوبري العضو في البرلمان، تيريزا ماي إلى "إعادة النظر في موقعها" بعد الحملة الانتخابية "المروعة"، حسب تعبيرها. ويشير مراقبون ووسائل إعلام إلى بدء النقاش في أوساط المحافظين حول مصير ماي وقيادة الحزب.

واعتبرت نيكولا ستورجن، زعيمة الحزب الوطني الإسكتلندي، أن نتائج الانتخابات كانت مخيبة للآمال بالنسبة لحزبها، الذي خسر عددا كبيرا من المقاعد، ولكنها كارثية لتيريزا ماي قائلة: "إنها كارثة بالنسبة لتيريزا ماي، فهي دعت إلى إجراء انتخابات بكل غطرسة معتقدة أنها ستسحق المعارضة، وستزيح الجميع جانبا، وستكتسح الانتخابات، والآن موقفها صعب، صعب جدا". ويرى مراقبون أن الغموض حول شكل الحكومة المقبلة وقوة تفويضها بعد فقدان المحافظين الأغلبية البرلمانية، قد يدفع لندن إلى طلب تأجيل المفاوضات حول انسحابها من الاتحاد الأوروبي، المقررة بعد 10 أيام.

من جانبه، قال مفوض الميزانية في الاتحاد الأوروبي غينتر أيتنجر ، إنه غير متأكد من أن المفاوضات مع لندن حول "بريكست" ستبدأ في الوقت المحدد، في ظل غياب فائز واضح في الانتخابات البرلمانية البريطانية. ومع أن القوى السياسية الرئيسة في البلاد، بما فيها حزب العمال، لا تدعو إلى التراجع عن قرار الانسحاب الذي أقر في الاستفتاء العام الماضي، إلا أنها تتمسك بآراء مختلفة حول شروط "بريكست" وطرق تحقيقها.

حكومة جديدة

أعلنت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي أنها ستشكل حكومة جديدة مع حزب الديمقراطيين الاتحاديين، وذلك بعد حصول حزبها على أعلى نسبة من الأصوات في الانتخابات البرلمانية. وشددت ماي على أن من حق حزب المحافظين - الذي تنتمي إليه - أن يحكم، بالرغم من أن عدد المقاعد التي حصل عليها في الانتخابات أقل بثمانية مقاعد من الحد الأدنى للأغلبية. وفي وقت لاحق، قالت ماي "بالطبع كنت أرغب في نتيجة مختلفة"، كما أعربت عن الأسف لنواب حزبها الذين خسروا مقاعدهم في الانتخابات المبكرة التي دعت إليها.

بالمقابل، قال حزب العمال المعارض إنه "الفائز الحقيقي" في الانتخابات. أما حزب الديمقراطيون الأحرار فقال إن على رئيسة الوزراء أن "تخجل" من المضي قدما بالسعي لتشكيل حكومة. وكان المحافظون بحاجة إلى 326 مقعدا كي يضمنوا الأغلبية البرلمانية مجددا، لكن مع إعلان النتائج في 649 دائرة انتخابية من إجمالي 650 دائرة، لم يتمكنوا من تحقيق هذا الهدف، وبالتالي أصبحوا بحاجة إلى حزب الديمقراطيين الاتحاديين، الذي ينتمي لأيرلندا الشمالية، كي يتمكنوا من الحكم.

وفي بيان موجز عقب اجتماع مع الملكة، قالت ماي إنها سوف تنضم إلى "الأصدقاء" في حزب الديمقراطيين من أجل "مباشرة العمل" على مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ولم توضح ماي تفاصيل الاتفاق المرتقب، لكنها قالت إن الحكومة الائتلافية سوف "تقود البلد خلال المفاوضات الحاسمة". وأضافت "تمتع حزبانا بعلاقة قوية لعديد من السنوات". واستطردت بالقول "وهذا يمنحني الثقة للاعتقاد بأننا قادرون على العمل سويا من أجل مصلحة المملكة المتحدة بأكملها". بحسب بي بي سي.

من جهتها، قالت ارلين فوستر، زعيمة حزب الديمقراطيين الاتحاديين، إنها تحدثت إلى ماي، وأنهما ستجريان المزيد من المحادثات من أجل "استكشاف الكيفية التي قد يكون من الممكن عبرها جلب الاستقرار لهذه الأمة في هذا الوقت من التحديات الكبيرة". ودعت تريزا ماي إلى الانتخابات في أبريل/ نيسان الماضي، بذريعة أنها بحاجة إلى أرضية قوية من الدعم الشعبي في مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، المقرر أن تبدأ يوم 19 يونيو/ حزيران الجاري.

من الغطرسة إلى المهانة

الى جانب ذلك هيمنت نتائج الانتخابات العامة في بريطانيا على الصحف البريطانية، إذ تناولتها في تغطيتها الخاصة وفي افتتاحياتها وفي مقالات الرأي، البداية من صحيفة الغارديان التي تصدر صفحتها الأولى مقال لهيذير ستيوارت المحررة السياسية للصحيفة بعنوان "من الغطرسة إلى المهانة". وتقول ستيوارت إن تيريزا ماي التي "هذبتها" نتيجة الانتخابات، اعتذرت لزملائها في الحزب لإهدار أغلبية حزب المحافظين بمقامرة خاسرة لإجراء انتخابات عامة مبكرة اضطرتها نتيجتها إلى اللجوء إلى الأحزاب الاتحادية في ايرلندا الشمالية.

وأضافت أن زيادة كبيرة في التأييد لحزب العمال وزعيمه جيريمي كوربن وسياساته المناهضة للتقشف أدت إلى تراجع حزب المحافظين وتركتهم عاجزين عن تشكيل حكومة أغلبية بمفردهم. وقالت إن اعتذار ماي جاء بعد أن غضب حزب المحافظين من تصريح سابق لمقر رئاسة الوزراء لا يقر بالنتيجة "الكارثية" التي باءت بها الانتخابات التي نادت بها ماي.

وفي صفحة الرأي من الغارديان نجد مقالا لغابي هنسليف بعنوان "ماي لن تنجو". وتقول هنسليف إنه من الصعب التفكير في سقوط أكثر دويا وفي غطرسة أكثر اكتمالا من غطرسة ماي. وتتساءل قائلة إن "ماي نادرا ما تميل إلى المغامرة والمخاطرة، فكيف انتهى بها الحال إلى مثل هذه المقامرة التي جاءت بمثابة استفتاء عليها هي شخصيا، وخسرت فيه؟". وترى هنسليف إن الخطا الرئيسي و"القاتل" لماي هو أنها لم تدرك مدى الثورة الشعبية والتغير في الرأي الذي رفعت اسهم جيريمي كوربن وحزب العمال.

وتقول هنسليف إن مجلس الوزراء لا يمارس ضغوطا لرحيل ماي ولكن الأمر المتوقع بشكل متزايد هو أنها ستسعى إلى دعم بقاء حزب المحافظين في السلطة، وتشكيل حكومة مؤقتة بالتعاون مع الاحزاب الاتحادية في أيرلندا الشمالية، ثم تعلن في وقت لاحق جدولا زمنيا لتركها للسلطة على أن تبقى كرئيس لحكومة تسيير أعمال حتى يتم اختيار رئيس وزراء يخلفها. وتختتم هنسليف المقال متسائلة أيمكن أن نمني أنفسنا ببعض الاستقرار؟ وتجيب أن كل الساسة الآن يجب أن يحذروا التوقعات، ولكن الشيء الوحيد الذي يمكن توقعه تأكيدا أن تخلو الفترة القادمة من المفاجآت.

وفي صحيفة التايمز التي صدرت صفحتها الرئيسية بمقال لفرانسيس إليوت المحرر السياسي للصحيفة بعنوان "ماي تحدق في الهوة". قال إليوت إن تريزا ماي كانت تتشبث بالسلطة أمس، ولكنها كانت تحت رحمة مجلس وزرائها، وخصومها في الحزب، والاحزاب الاتحادية الأيرلندية الشمالية التي تسعى للإتلاف معها. ويقول إليوت إن رئيسة الوزراء التي تقلصت سلطتها كثيرا اضطرت إلى أن تعد بأن ستمنح فيليب هاموند، وزير الخزانة الذي كانت تعتزم إقالته، سلطة اكبر فيما يتعلق بمشاورات الخروج من الاتحاد الأوروبي بينما تواجه حقيقة فقدها للأغلبية. بحسب بي بي سي.

وفي صحيفة التايمز أيضا نطالع تحليلا لآرون روغان عن آرلين فوستر زعيمة الحزب الاتحادي الديمقراطي لأيرلندا الشمالية، التي تقول الصحيفة إنها أصبحت واحدة من النساء الأكثر نفوذا في السياسة البريطانية. ويقول روغان إن فوستر ستكون أكثر من سعيدة لتقوية الصلات بين بلفاست ولندن بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي. ويضيف أنه منذ بدء عملية الخروج من الاتحاد الأوروبي، والحزب الاتحادي الديمقراطي لأيرلندا الشمالية يخشىى أن تتقطع أواصر الصلة بينه وبين بريطانيا، وسيغتنم الفرصة للعب دور مباشر في أيرلندا الشمالية. وكان الحزب قد قال إنه يريد أن تكون أيرلندا الشمالية هي الصلة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي عبر جمهورية ايرلندا.

اضف تعليق