تتفق المصادر اللغوية على ان أصل العيد في اللغة من العود، وقد قلبت الواو ياء وهذا حاصل في لغة العرب كثيرا، وقد ذكرت هذه المصادر أيضا أن العود قد يكون للأفراح وقد يكون للأحزان، لكن هناك من يقول أن غلبة الافراح على المعنى فيه جعلت الاسم – العيد مختصا بالفرح واجتماع الناس فيه، لكن هذه المصادر وغيرها من مصادر التاريخ لم تكشف لنا عن معنى هذا العود لدى الناس أو عن الشيء أو الامر الذي يعود فيقتضي حزن الناس أو فرحهم حتى نتمكن من توثيق اشتقاق العيد لفظا من العود، مما يزيد أصل استعماله واشتقاقه في اللغة غموضا وفي التاريخ أكثر أبهاما، لان التاريخ لا يحدثنا عن حدث أو أمر عاد عند العرب فحزنوا أو فرحوا فاجتمع فصار لديهم عيدا.
ونكتشف هذا الغموض بوضوح في تعريف الخليل أبن أحمد الفراهيدي وهو إمام العربية، فهو يقول: العيد كل يوم يجمع الناس لانهم عادوا اليه. وبهذا فهو يوم عام غير مخصوص بيوم وغير محدد بزمن متعين، وهو خلاف هوية العيد في تخصيصه بيوم وتعيينه بزمن كما دأبت عليه كل الامم والاعراف في كل المجتمعات، بل أكثر من هذا فأننا لانعرف عند العرب قبل الاسلام عيدا مثل أعياد الامم الاخرى بل نعرف لهم مواسم يجتمعون فيها للبيع والشراء وقول الشعر لاسيما في الأشهر الحرم لكنهم لا يطلقون على هذه المواسم اسم العيد.
وقيل سمي يوم الجمعة بهذا الاسم لاجتماع العرب فيه وقد سمي كذلك يوم "عروبة"، وقد روى البخاري عن النبي محمد "صلى الله عليه وآله وسلم "أنه لما قدم المدينة وجدهم يحتفلون بعيدين لهم فقال "صلى الله عليه وآله وسلم " (كان لكم يومان تلعبون فيهما وقد أبدلكم الله بهما خيرا منهما يوم الفطر ويوم الأضحى ) لكن الرواية لا تذكر لنا اسم هذين العيدين وكذلك لم تذكره مصادر التاريخ في جاهلية العرب قبل الاسلام، مما لا يسمح لنا بالتعويل على هذه الرواية في استنتاج وجود العيد عند العرب في الجاهلية، لكنه لا يمنع وجود يوم فرح وسعد عندهم، لكن لا يشمله اصطلاح العيد.
وأما قول إبن الاعرابي: سمي العيد عيدا لأنه يعود كل سنة بفرح مجدد. فهو تعليل لغوي متأخر بعد ظهور العيد ويومه في تاريخ العرب الاجتماعي في عصر الاسلام.
واذا كان هذا يمنع من اشتقاق العيد في المعنى من العود في تاريخ العيد وثقافته وإن كان هذا الاشتقاق ممكنا لفظا في اللغة بقلب الواو ياءا، لكنه يظل على مستوى اللفظ في اللغة دون المعنى في الواقع. وقد ورد اشتقاقه في اللغة أيضا من العادة وتعليله عند أصحاب هذا القول اعتياده أو إنهم إعتادوا الفرح في العيد وهو قول بعيد، لكن هناك قول في اصل العيد في اللغة لا يعود به الى الاشتقاق بل يحيل تفسير الاسم فيه الى الاستعارة من اللفظ – العيد الذي ورد في لغة العرب والمراد به عندهم فحل كريم من الابل مشهور في الجاهلية عند العرب وينسبونه الى حي في العرب يقال لهم بنو العيد ومنه جاءت التسمية لهذه الابل... قال الشاعر:
ظلت تجوب بها البلدان ناجية......عيدية أرهنت فيها الدنانير
ويريد بها الشاعر هذه الابل الكريمة في أصلها وأيضا تسمى النوق بالعَود في اللغة وهي نجائب النوق وكرائمها عند العرب وقد قرنت هذه الابل بهذه النجابة بالشرف، فذكر المفسر القرطبي في تسمية العيد قولا يقرنه بالشرف "قيل: سمي بذلك لأنه يوم شريف تشبيها بالعيد: وهو فحل كريم مشهور عند العرب وينسبون إليه فيقال: إبل عيدية" جاء ذلك في تفسيره قوله تعالى " قال عيسى أبن مريم اللهم أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا وآية منك وأرزقنا وأنت خير الرازقين" وعليه فالمعنى بهذا العيد هو اليوم الشريف، أي أجعله بإنزال المائدة لنا يوما شريفا لنا لأولنا وأخرنا.
وقد ورثت أمة المسيح جملة من الأعياد في تراثها الديني وكانت الاكثر أياما في الاعياد من بين أهل الاديان وأمم الكتاب، وقد انتشر الاحتفال بها وسرت عوائدها وتقاليدها في القرنين الرابع والخامس الهجريين في كل من بلاد مصر والعراق وشاركهم المسلمون بها.
لكن لو بحثنا في أصل هذه الاعياد وجذورها لوجدنا أنها تعود الى جذور رافدينية–عراقية وفرعونية–مصرية قديمة ترجع تاريخيا الى عصور ما قبل ميلاد السيد المسيح، وكانت في أغلبها أعياد الوثنيين القدامى في مصر والعراق كما يقول آدم ميتز أستاذ اللغات الشرقية، وهي أعياد ذات صبغة دينية في أصولها التاريخية والاجتماعية عند أولئك الوثنيين القدامى الذين كانوا يتقربون فيها الى آلهتهم ويحتفلون بعودة هذه الآلهة من العالم السفلي، وهي تشير أو ترمز في طقوسهم تلك الى نضوج وظهور ثمار الارض والزرع في مواسم الحصاد التي كانت تجري في ايامها تلك الاعياد، والمقاربة لديهم في ذلك، أن باطن الارض الذي يخرج منه الزرع ويثمر في موسم الحصاد إنما هو محل العالم السفلي في عقيدتهم الدينية الوثنية الذي تسقط فيه آلهتهم ثم تخرج منه في الربيع وفق أساطيرهم، فكأن خروج الآلهة بمثابة خروج الزرع من الارض يوم حصاده. وهكذا يكون الدين هو أصل كل الأعياد في تاريخ البشر الاجتماعي، وليس هناك عيد في تاريخ البشر الا ويقف خلفه الدين أو تصنعه عقيدة دينية.
العيد في الاسلام وتحولات المعنى فيه
ورد في دعاء صلاة العيد "اللهم اني أسألك بحق هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيدا ولمحمد صلى الله عليه وآله وسلم شرفا وذخرا وكرامة ومزيدا " فالعيد في هذا الدعاء هو جعل مباشر من الله تعالى للمسلمين، وللنبي محمد وآله صلوات الله عليهم، شرفا ومزيدا من هذا الشرف، وهو يذكرنا بأصل اشتقاق العيد أو تفسيره بمعنى اليوم الشريف كما أوضح المفسر القرطبي وهو ما يرجح لدينا تفسير اسم العيد بهذا المعنى دون اشتقاقاته الاخرى.
والجعل في العيد في الاسلام هو جعل تشريعي وليس جعل تكويني كما هو العيد عند المسيح وحواريه، لانه آية - معجزة من الله تعالى قد سألها المسيح إبن مريم، والعيد في الاسلام بما هو جعل تشريعي فقد ترتب عليه حكم شرعي فيحرم الصوم فيه لاسيما في اليومين الاولين من عيد الاضحى وعيد الفطر، وهما اعلان شرعي بانتهاء موسم الحج وموسم الصوم وفيهما شرعت صلاة العيد وشرع الاحلال في الأضحى وزكاة الفطرة في الفطر، وقد ثبتت أحكامه تلك في شريعة الاسلام، وهو تحول أولي في معنى العيد في الاسلام يخرج به عن تلك الطقوسية المعتادة في الأعياد التي سبقت الاسلام، ويرتبط من جانب آخر في تحوله هذا هو اقتران العيد في الاسلام بدورة القمر في الفلك وليس بالشمس في دورتها الموسمية كما هو الحال في الاعياد لدى الامم والمجتمعات السابقة أو التي تتخذ دينا غير الاسلام ومنها المسيحية واليهودية.
وايضا شهدت وسائل إظهار الفرح في العيد وتقاليد الزينة فيه تحولا مهما في الاسلام، فقد أوصى النبي محمد "صلى الله عليه وآله وسلم " بتأسيس تقاليد جديدة في العيد ولعلها غير معهودة أو معروفة من قبل، فقد روي عنه أنه قال "زينوا العيدين بالتهليل والتكبير والتحميد والتقديس" فالعيد هنا يأخذ طابعا إلهيا خالصا، وسر الفرح فيه هو اختصاصه بالقبول الالهي للصوم أو للحج فهو يوم مختص بفرحته لمن قبل الله تعالى صومه في الفطر وحجه في الاضحى، وقد ورد عن الامام علي عليه السلام في كشف خصوصية العيد واختصاصه قوله "إنما هو عيد لمن قبل الله صومه وشكر قيامه" وهي تؤكد تحولات مهمة في معنى العيد في الاسلام.
وقد شهد هذا المعنى في العيد توسعا في تأويله لدى أهل الدين والمتقين في أمة محمد "صلى الله عليه وآله وسلم" فهو "كل يوم لم يعصى الله فيه فهو يوم عيد" كما ورد عن سيد المتقين علي ابن أبي طالب عليه السلام، واذا كان هذا توسعا عاما في العيد وهو يتوقف على معنى العيد في الاسلام، فإننا نشهد توسعا أو تحولا أخر في الاسلام في تخصيص أيام للعيد وتحديد زمن متعين لأيام فيه لها أحكام في الشرع وعبادات في الدين، فقد روى المفضل بن عمر "قال: قلت لابي عبد الله –جعفر بن محمد -عليه السلام كم للمسلمين من عيد فقال أربعة أعياد قلت: قد عرفت العيدين والجمعة فقال لي: أعظمها وأشرفها يوم الثامن عشر من ذي الحجة" وهو يعني به عيد الغدير وله آداب وعبادة ودعاء مخصوص به، وبذلك اكتملت لدى المسلمين أعياد أربعة خاصة بهم.
وقد تطورت في العيد بين المسلمين وبمرور الزمن تقاليد وعادات اجتماعية يوافقها الشرع وان لم يرد في بعضها نص شرعي بل يحث على البعض منها ضمنا ونصا، مثل التزاور بين الارحام وإظهار الفرح والزينة فيه وزيارة قبور الاموات في الاضحى وذبح الاضحيات فيه لإطعام القانع والمعتر من الفقراء وصناعة الحلوى الطيبة في كلا العيدين لتقديمها للضيوف والمهنئين والخروج فيه بأجمل اللباس خصوصا لدى أطفال المسلمين الذي هو يوم لهو جميل بالنسبة لهم، وقد عمدت الدول الاسلامية كافة الى اعلان ايام العيدين من الاضحى والفطر عطلة رسمية توكيدا للعلاقة الاجتماعية في شعوب هذه الدول بالهوية الاسلامية التي أسس لها جزئيا وبشكل فاعل وبصيغة اجتماعية مفهوم العيد وتطوراته في الاسلام وتاريخه..
اضف تعليق