رمضان فرصة نادرة لإعادة ترتيب الأولويات، فإما أن نستسلم لاستهلاك بصري لا ينتهي، أو أن نحوله إلى شهر نعيش فيه بوعي أكبر، نختار فيه ما يفيدنا، ونترك ما يسرق أوقاتنا دون جدوى. الدراما يمكن أن تكون أداة للتغيير الإيجابي، إذا أُحسن توجيهها، وإذا أحسن المشاهد استخدامها...

رمضان، الشهر الذي تنتظره القلوب بشغف، ليس فقط للعبادة والتقرب إلى الله، ولكن أيضًا لطقوس اجتماعية وثقافية راسخة. ومع ذلك، تحول هذا الشهر إلى موسم ذهبي لصناعة الترفيه، حيث تتسابق القنوات الفضائية لعرض عشرات المسلسلات التي أُنتجت خصيصًا لهذا الوقت. وبينما يُفترض أن يكون رمضان شهرًا للصفاء الروحي والتأمل، نجد أنفسنا أمام ظاهرة تتكرر كل عام: طوفان درامي يسرق الوقت، ويغمر العقول بمحتوى لا يتناسب في كثير من الأحيان مع روح الشهر. فهل تحولت الدراما الرمضانية إلى مجرد وسيلة للاستهلاك المفرط؟

المسلسلات الرمضانية لم تعد مجرد وسيلة ترفيه، بل أصبحت جزءًا من استراتيجية تسويقية ضخمة، حيث تدور عجلة الإعلانات بمليارات الدولارات، وتستهدف المشاهدين في وقت الذروة. وبما أن رمضان هو الشهر الذي تزداد فيه نسب المشاهدة بشكل ملحوظ، تتبارى القنوات في تقديم محتوى يجذب الجمهور، حتى وإن كان ذلك على حساب القيم والمبادئ.

ورغم وجود بعض الأعمال التي تقدم رسائل إيجابية وتعكس قضايا المجتمع بعمق، إلا أن نسبة كبيرة من المسلسلات تعتمد على عناصر الجذب السطحي، مثل الموسيقى الصاخبة، والمشاهد المثيرة، والحبكات الدرامية التي تركز على الصراعات العائلية والخيانة والمؤامرات، دون مراعاة طبيعة الشهر الفضيل. هذه الأعمال لا تكتفي باستهلاك وقت المشاهد فحسب، بل تؤثر أيضًا على سلوكياته ونمط حياته خلال رمضان، فتشغله عن العبادات، وتخلق إدمانًا دراميًا يُفقد الشهر قيمته الروحانية.

التأثير على المجتمع

المشكلة لا تكمن فقط في الكم الهائل من المسلسلات، بل في توقيتها ومضمونها. فمن ناحية، يُغرق المشاهد في بحر من الحلقات المتتالية، ما يجعله يخصص جزءًا كبيرًا من يومه أمام الشاشة بدلًا من استثمار وقته في الصلاة، والتأمل، والتواصل العائلي الحقيقي. ومن ناحية أخرى، تقدم بعض الأعمال صورة مشوهة عن المجتمع، حيث تُضخم السلبيات وتُبرز شخصيات غير أخلاقية كنماذج للنجاح، مما يؤثر على تفكير الشباب وطريقة تعاملهم مع الواقع.

كما أن بعض هذه المسلسلات تعزز ثقافة الاستهلاك من خلال الإعلانات المرافقة لها، حيث تُغرق الأسواق بحملات تسويقية ضخمة تدفع الأفراد إلى شراء ما لا يحتاجونه، مما يتنافى مع روح الزهد والبساطة التي يدعو إليها رمضان.

كيف يمكن التغيير؟

إذا كان رمضان موسمًا للتأمل والتغيير، فلماذا لا نغير طريقة استهلاكنا للدراما؟ الحل لا يكمن في مقاطعة المسلسلات تمامًا، ولكن في اختيار المحتوى بحكمة، وموازنة الوقت بين الترفيه والعبادة، والاستفادة من الأعمال الهادفة التي تقدم رسائل بنّاءة.

كما أن المسؤولية تقع على عاتق صناع المحتوى الذين يجب أن يدركوا أهمية إنتاج دراما تعكس روح الشهر، وتقدم قصصًا تحفّز على القيم الإيجابية بدلًا من إثارة الجدل أو تحقيق نسب مشاهدة عالية على حساب الجودة والمحتوى الهادف.

رمضان فرصة نادرة لإعادة ترتيب الأولويات، فإما أن نستسلم لاستهلاك بصري لا ينتهي، أو أن نحوله إلى شهر نعيش فيه بوعي أكبر، نختار فيه ما يفيدنا، ونترك ما يسرق أوقاتنا دون جدوى. الدراما يمكن أن تكون أداة للتغيير الإيجابي، إذا أُحسن توجيهها، وإذا أحسن المشاهد استخدامها. فهل نحن مستعدون لهذا التغيير؟

اضف تعليق