شهر رمضان هو شهر الرحمة الإلهية، فالرحمة لا تأتي الا عن طريق التراحم فيما بيننا، وان غاب هذا العنصر الأساس سيكون المجتمع أقرب الى الغابة بعيدا عن القانون الإلهي الذي يؤكد على التسامح الذي يجب ان يظهر وبشكل جلي في شهر الخير بعيدا عن الجشع والاضرار بالآخرين...
تستعد الملايين من المسلمين لمتابعة المسلسلات الرمضانية، وفي المقابل هنالك الملايين ممن يراقبون الأسعار ويتخوفون من الارتفاع الكبير الذي تشهده الأسواق المحلية، وكثيرا ما يطرح التساؤل الآتي، لماذا الارتفاع بالتزامن مع حلول شهر الخير رمضان؟
شهر رمضان من أكثر الشهور اتساقا بالعبادات والتضرع الى الله عز وجل، له طقوس عبادية واجتماعية تختلف الى حد ما عن باقي الشهور، بالإضافة الى ذلك توجد عادات اجتماعية واسرية خاصة، ومن هذه العادات هي المائدة الرمضانية العامرة، ولعل هذا ما يميز العراق عن غيره من البلدان العربية والإسلامية.
هذه المائدة بالطبع بحاجة الى تجهيز وتسوق خاص، وغالبا ما يكون هذا التحضير قبل أيام من حلول الشهر الفضيل، حيث تأخذ الاسر العراقية بالنزول بكثافة الى الأسواق للتبضع وشراء الأشياء، التي ربما كثير منها لا تحتاجه في الشهر، لكنها اعتادت على ذلك سنويا.
وفي نفس الوقت الذي تستعد فيه الاسر، يقوم التجار بحملة لرفع الأسعار دون مبرر؛ فاغلب الأشياء تم شراءها من منافذ بيع الجملة بأسعار طبيعية، وعلاقة بشهر رمضان، لكن أصحاب محلات البيع المباشر يتخذون من شهر رمضان فرصة لكسب المزيد من الأرباح.
يتحمل الافراد جزءا كبيرا من ارتفاع الأسعار في بداية الشهر، وذلك من خلال الاقبال الكبير على الشراء، وكأن الأسواق ستشهد ازمة او شحة بالمواد الغذائية الضرورية، اذ يؤدي الاقبال الكبير والشراء بهذه الطريقة الى زيادة رغبة التجار في رفع الأسعار بما يحلوا لهم دون مراقبة ذاتية او حكومية.
ومن عوامل ارتفاع الأسعار هو غياب الرقابة الحكومية على الأسعار، ولم تفكر وزارة التجارة بأي اجراء رقابي، فلم تعد تسيّر مفارزها لتفقد الأسعار ومحاسبة المغالين، وهذا بالتأكيد يحفزهم على الجشع وعدم مراعاة الحاجات الإنسانية وما تتعرض له الاسر من عوز بسبب السياسيات الاقتصادية الفاشلة.
ومن مصاديق فشل السياسات الحكومية في هذا الاتجاه هو ترك الحبل على الغارب، وكل ما فلحت بفعله هو زيادة نسبة كمية العدس والحمص في الوجبة الشهرية من البطاقة التموينية.
هذا الاجراء لا يشكل أي نوع من أنواع الردع بالنسبة لتجار التجزئة، رغم انه لا يعادل شيء او يشكل حيز في المائدة الرمضانية التي تحرص الاسرة العراقية على تحضيرها طيلة أيام الشهر الفضيل، فالأحرى بالحكومة فعيل العملية الرقابية عبر إنزال المفارز المتخصصة بحماية السوق من الارتفاع.
وكذلك يمكن ان تقوم بدفع منحة مالية الى الاسر المعوزة وفق قاعدة البيانات المتواجدة لدى دائرة الرعاية الاجتماعية، كأن يكون مضاعفة الراتب الشهري خلال شهر رمضان، ولا اعتقد تمثل هذه العملية أي ضغط على الموازنة العامة للدولة، في الوقت الذي تُهدر فيه الكثير من الأموال على مشروعات بالية وأفكار غير ناضجة لا تخدم المجتمع الإنساني.
عدم وقوف الحكومة مع المواطن وتحديدا في شهر رمضان المبارك يجعل المواطنين في حالة من الخشية المستمرة من عواقب الأمور، فكثيرا ما يحدث استمرار الأسعار بالارتفاع مع نهاية رمضان، وبهذه الصورة يكون التجار قد اتخذوا منه نقطة الشروع لزيادة مفرطة في جميع المواد الاستهلاكية وغيرها.
شهر رمضان هو شهر الرحمة الإلهية، فالرحمة لا تأتي الا عن طريق التراحم فيما بيننا، وان غاب هذا العنصر الأساس سيكون المجتمع أقرب الى الغابة بعيدا عن القانون الإلهي الذي يؤكد على التسامح الذي يجب ان يظهر وبشكل جلي في شهر الخير بعيدا عن الجشع والاضرار بالآخرين.
اضف تعليق