القناعة من أروع ما يملكه الإنسان، فهي كنز ثمين لا يتبدل. تشعر صاحبها بأنه أغنى الناس وأكثرهم رضًا، وتغمر القلب بالسكينة والاستقرار. الإنسان القنوع يرى نفسه دائمًا راضيًا بما قسمه الله له، ولا يلهث وراء الأطماع الكثيرة، فيعيش حاضره ويستمتع بكل لحظة...
من الناس من يمتلك كل ما يجب أن يمتلكه الإنسان الطبيعي من عائلة وأبناء وبيت وسيارة ووظيفة بمستوى دخل جيد، ورغم ذلك ما إن تحدثه حتى يشكو إليك صعوبة العيش وكثرة المتطلبات وغير ذلك من الصعوبات التي تواجهه في سبيل توفير لقمة العيش له ولعائلته. ومن الناس أيضًا من لا يمتلك إلا متطلبات العيش البسيط وربما يعيش بقوت يومه، ولا يشكو لأحد، ولا تسمع منه سوى عبارات الحمد والثناء. فالفرق بين هذا وذاك هو أن النموذج الأول لا يمتلك القناعة بينما الثاني يمتلكها.
من الواقع:
أحدهم الذي لديه من الأولاد أربعة، وجميعهم موظفون بمرتبات جيدة، علاوة على كونه متقاعدًا وله مرتب جيد أيضًا، لم يمرر فرصة للحديث إلا وشكى فيها من كون توفير متطلبات الحياة أمرًا معقدًا وصعبًا. أما أخوه ذو المرتب الواحد، والذي لديه أبناء في المدارس والجامعات، فلا يشكو لأحد مطلقًا، وحسن المظهر هو وأبناؤه، مما جعل الناس يشكون في أنه ذو مصدر دخل واحد. وهذا هو الفارق بين أحد قانع بما قسم الله وراضٍ به، وبين فارغ العين الذي لو أُنْزِلَ له خير السماء يبقى يشكو لمن حوله.
القناعة من أروع ما يملكه الإنسان، فهي كما يصفونها دائمًا بأنها كنز ثمين لا يتبدل. وهي اكتمال في شخصية الفرد ليكون غنيًا ومتعففًا ومترفعًا عن الكثير، خصوصًا أن القناعة تُشعر صاحبها بأنه أغنى الناس وأكثرهم رضًا. كما أنها تغمر القلب بالسكينة وتعطيه الاستقرار فين عكس ذلك على الروح والجوارح، فالإنسان القنوع يرى نفسه دائمًا راضيًا بما قسمه الله له، ولا يلهث وراء الأطماع الكثيرة التي تملأ الدنيا.
أما عكس القناعة، فيعني بالضرورة بقاء الإنسان يلهث خلف المطامع الدنيوية التي لا تنقضي. وفي سبيل ذلك يفقد صحته الجسمية لكونه لا يمنح لنفسه ولجسده فرص الراحة، بل يذهب غير القانعين من الناس إلى أكثر من ذلك، فهم رغم سعيهم المتواصل للكسب وبكل الطرق المحللة منها والمحرمة، فإنهم لا يتمتعون بها لا بلباس مميز ولا بسمن لائق ولا بسفر ولا غير ذلك مما يجب الإنفاق فيه، فيعيشون عيشة الفقراء ويحاسبون حساب الأغنياء كما يقال.
ما هي عائدات القناعة على النفس البشرية؟
الإنسان القنوع يحظى بالمردودات النفسية التالية:
الرضا والاطمئنان: أولها أن يكون راضيًا عن رزقه ومطمئنًا لا ينظر إلى من حوله. وصفة الاطمئنان هذه تمنحه راحة نفسية واستقرارًا، وبالتالي يتمتع بصحة نفسية. على النقيض، غير القانع الذي يُشعل فيه إنجاز أو حصول أحدهم على رزق معين فيستشيط غضبًا لكونه لم يحصل مثل ما حصل عليه الآخر، مما يفقده صحته النفسية ويفقد معها البركة في رزقه والراحة في بدنه.
التركيز على الحاضر والاستمتاع باللحظة: كما أن من عائدات القناعة أنها تجعل الإنسان يعيش حاضره ويركز عليه ويستمتع بكل لحظة في الحياة بدلًا من التفكير في الماضي أو المستقبل. فالأول يمكن معالجته، ولا المستقبل بيدك حتى تعمل من أجله، فهل يعرف الإنسان متى سيغادر الحياة؟ بالطبع لا، فلماذا كل هذا العناء من أجل مستقبل مجهول؟
ممارسة الامتنان: الإنسان القنوع يعرف كيف يمارس الامتنان، إذ إن التعبير عن الامتنان والشكر لله على النعم التي أنعم بها على الإنسان لا بد أن يتصف بها كل البشر، لكن للأسف وبسبب الطمع الذي يحيط بالناس ويحولهم إلى ماديين أصبح الشكر والامتنان شبه غائب، سيما لدى أولئك الطامعين.
التركيز على النعم الموجودة : ومن العائدات النفسية للقناعة على النفس البشرية هي أنها تجعل الإنسان القانع يفكر في النعم التي يمتلكها والتركيز عليها بدلًا من التركيز على النقص في بعض جزئيات حياته التي لا تكاد تذكر. وبالتالي يكون حامدًا لله ومستشعرًا لنعمه. إذن هذه العائدات التي يحصل عليها الفرد حين يكون قنوعًا، والعكس هو المنطقي، وإليك الخيار إما شاكرًا وإما كفورًا.
اضف تعليق