لعب عدم الاستعداد النفسي للتعمّق الفكري دوراً ما في هذا المجال بالنسبة إلى بعض الأجيال المعاصرة. إنها تبحث عن «سندويشة» طازجة تستطيع أن تتناولها بسهولة. أمّا (القضايا الفكرية المعمّقة) فهي لا توّد كثيراً البحث فيها، إنه عصر السرعة، أليس كذلك؟ ولكن فات هؤلاء أنّ السطحية...
في طليعة المشاكل التي تعاني منها قطاعات واسعة من أُمتّنا في تعاملها مع القرآن (القراءة السطحية) لهذا الكتاب المجيد.
إنّها تتعامل مع القرآن كحروف وكلمات ميّتة، وليس كمفاهيم تنبض بالحركة والحياة!
إنها تستمع إلى القرآن وتتلو آياته، ولكن: كتمائم سحرية وطلاسم غيبية لا يكاد أحد يفهم منها شيئاً!
وبذلك أصبح القرآن حروفاً بلا معانٍ، وكلمات بلا مفاهيم!
والسؤال الآن هو: كيف أصبحت هذه القطاعات هكذا؟ وما هي العوامل الكامنة وراء ذلك؟
والجواب:
1- تشوش الرؤية. فقد ترسخت في أذهان الكثيرين فكرة (تعالي القرآن عن الإدراك البشري) إنّه كتاب الله وهل تستطيع ذرّة تافهة في الوجود ـ اسمها الإنسان ـ أن تصل إلى تلك القمّة الرّفيعة؟!.
ولقد تطرّف البعض في هذا الاتجاه حتّى قال: «إنّ القرآن كلّه متشابه بالنسبة إلينا، ولا يجوز لنا أن نتكلّم في محكمه»!
وعندما سأله بعض الحاضرين: ما تقول في {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} هل هذه ـ أيضاً ـ تعتبرها آية متشابهة؟!
أجاب: بأنّ الأحد ما معناه؟ وما مبدأ اشتقاقه؟ وما الفرق بينه وبين الواحد؟ وأطال الكلام في مثل هذا!(1).
وهذا يعني أنّ قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ}(2) أو قوله: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً}(3) أو قوله: {وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَى}(4) وأمثال هذه الآيات هي آيات متشابهة لا يحقّ لأحد -أيّ أحد- أن يحاول فهمها، أو أن يتكلم فيها؟.
2- وقد لعب عدم الاستعداد النفسي للتعمّق الفكري دوراً ما في هذا المجال بالنسبة إلى بعض الأجيال المعاصرة.
إنها تبحث عن «سندويشة» طازجة تستطيع أن تتناولها بسهولة. أمّا (القضايا الفكرية المعمّقة) فهي لا توّد كثيراً البحث فيها، إنه عصر السرعة، أليس كذلك؟!
ولكن فات هؤلاء أنّ السطحية في الرؤية والتفكير قد ترضي شهوات الإنسان، ولكنّها كثيراً ما توقعه في أخطاء قاتلة.
وفاتهم كذلك: أنّ الملاحظة الدقيقة والتفكير العميق هما الخطوة الأُولى التي لا غنى عنها في أيّة مسيرة حضارية.
ولذلك نجد أن عالماً قد يقضي من عمره عشرين عاماً أو أكثر وهو يراقب أمراً قد يبدو لنا تافهاً، ولكنّه يخرج من ذلك بنتائج هامة وكبيرة.
3- ولا ننسى هنا الأثر الذي تركه ابتعاد الجيل المعاصر عن اللُّغة العربية الأصيلة.
فقد ساهم هذا العامل في عدم فهم هذا الجيل لبعض الآيات القرآنية؛ لأنه لم يعرف المدلول الحقيقي لبعض الكلمات والجمل القرآنية؛ ممّا جعله يجهل معنى الآيات التي تضمّنت تلك الكلمات والجمل.
اضف تعليق