q

في ظل التغيرات السريعة والضغوط والمشكلات المتزايدة التي يعيشها الكثير من البشر في عصرنا الحالي، ازداد اهتمام العلماء والباحثين بقضايا الصحة النفسية خصوصا وان العديد من الابحاث والدراسات قد اشارت الى ارتفاع معدل حالات الإصابة بالاضطرابات والأمراض النفسية والانحرافات السلوكية، التي اصبحت من اخطر التحديات في عالمنا الحالي، وتشير الإحصائيات الصادرة من منظمة الصحة العالمية كما تذكر بعض المصادر، إلى تزايد هائل في انتشار الاضطرابات النفسية في العالم نتيجة لعوامل كثيرة ومتداخلة، نفسية، وبيولوجية، واجتماعية، اذ تصيب الاضطرابات النفسية أعدادا كبيرة من الناس في مختلف مراحل العمر، ومن مختلف المستويات الاقتصادية والاجتماعية، وتتسبب في تدهور ومعاناة يمتد تأثيرها من المريض إلى الأسرة و المجتمع.

ومن خلال تقارير منظمة الصحة العالمية حول مدى انتشار الأمراض النفسية يمكن عرض بعض الامراض ومنها، مرض الفصام العقلي"الشيزوفرينيا " ويعد من أسوأ الاضطرابات العقلية من حيث تأثيره على التفكير والسلوك و الحكم على الأمور وما يتميز به من تدهور في شخصية المريض وميله إلى العزلة والسلوك العدواني، ويبلغ عدد حالات الفصام في بلدان العالم 45 مليون إنسان، وتصل نسبة الإصابة إلى 1% من السكان في أي مجتمع، ويمثل مرضى الفصام أكثر من 90% من نزلاء المصحات والمستشفيات العقلية.

الاكتئاب النفسي، يطلق على الاكتئاب مرض العصر الحالي، وهو أحد أكثر الأمراض النفسية انتشارا، وتؤدى الإصابة بالاكتئاب إلى العزلة وفقدان الاهتمام بالحياة وتزايد احتمالات الانتحار، ويصيب الاكتئاب النساء أكثر من الرجال، ويقدر عدد حالات الاكتئاب في العالم بحوالي 340 مليون حالة، ونسبة الإصابة بالاكتئاب تصل إلى 7% من سكان العالم، ويؤدى إلى ما يقرب من 800 ألف حالة انتحار كل عام. هذا بالإضافة الى حالات الخرف وعدد هذه الحالات في دول العالم حوالى 25 مليون شخص في الوقت الحالي، وينتظر أن يزيد هذا العدد ليصل إلى 80 مليون شخص بعد عدة سنوات، والتخلف العقلي ويقدر عدد الحالات بحوالي 100 مليون انسان، وتعتبر هذه الحالات غير قابلة للعلاج.

الشيزوفرينيا

وفي هذا الشأن فقد كشف بحث جديد نشر في المجلة الأمريكية للطب النفسي عن ارتباط مرض انفصام الشخصية "شيزوفرينيا" بثمانية أمراض أو اضطرابات منفصلة، وليس مرضاَ واحداً فحسب. وعمد باحثون في جامعة واشنطن في مدينة سانت لويس الأمريكية إلى تحليل الحمض النووي لأكثر من 4 آلاف شخص يعانون من مرض انفصام الشخصية. وقام الباحثون في الدراسة بمطابقة التغيرات الجينية التي وجدت في الحمض النووي مع الأعراض الفردية للأشخاص المشاركين في الدراسة. واستناداً لذلك، وجد العلماء عدة "مجموعات جينات" مختلفة يمكن أن تسبب ثماني متلازمات منفصلة لمرض انفصام الشخصية.

وأشار العلماء في الدراسة إلى أن "الأمراض المعقدة مثل الشيزفرينيا قد تتأثر بمئات التغيرات الجينية التي تتفاعل مع بعضها البعض بطرق معقدة." وأوضح المشرف على الدراسة الدكتور روبرت كلونيغر، أن "الجينات تؤثر في بعضها البعض بطريقة تفاعلية،" مؤكداً أن "هناك ضرورة لفهم كيفية آلية عمل تلك الجينات، وظهور أعراض مختلفة للمرض نتيجة الخلل فيها." وأشارت الجمعية الأمريكية للطب النفسي إلى أن مرض الشيزفرينيا يعتبر اضطراب مزمن في الدماغ يصيب نسبة واحد في المائة من السكان. وقد تتفاوت أعراض المرض بين الهلوسة واضطراب الكلام، ومشاكل عدم الانتباه، واتخاذ القرار.

وأظهرت دراسة نشرت في تموز/يوليو الماضي أن هناك أكثر من 108 من الجينات المختلفة والمرتبطة باضطراب الصحة العقلية. ولكن واجه العلماء مشكلة في تحديد الاختلافات الجينية التي تعرض الأشخاص لخطر الإصابة بمرض انفصام الشخصية. ودرس الباحثون في جامعة واشنطن الحالات التي تتغير فيها وحدة واحدة من الحمض النووي والمعروفة باسم تعدد أشكال النوكليوتيدات أو "أس أن بي." ووجدت الدراسة أن 42 مجموعة تفاعلية من هذه الجينات مسؤولة عن تطور المرض بشكل ملحوظ.

وقال المؤلف المشارك في الدراسة الدكتور دراغان سيفراك، إن "العلماء سابقاً كانوا يبحثون عن الارتباط بين الجينات الفردية ومرض انفصام الشخصية،" موضحاً أن "الدراسات السابقة تفتقد لنقطة أساسية، وهي أن الجينات لا تعمل بشكل مستقل، بل تتفاعل لتعطل بنية الدماغ ووظيفته ما يتسبب بالإصابة بالمرض." بحسب CNN.

وأشار البروفيسور في الطب النفسي في جامعة أريزونا تشارلز رايزون إلى أن اعتبار مرض الشيزوفرينيا ليس نتيجة اضطراب واحد ليس بالأمر الجديد، مضيفاً أن "مرض انفصام الشخصية هو عبارة عن 80 مرض، في ظل اختلاف الظروف النفسية المسببة للمرض بين شخص وآخر، وبلد وآخر، باختلاف الشفرة الوراثية والجينات." ويحاول العلماء الفصل بين اضطرابات مرض انفصام الشخصية، وتحديد الجينات المسببة لكل حالة على حدة بهدف معرفة من هم الأشخاص المعرضين للإصابة بمرض "الشيزوفرينيا"، بهدف تطوير علاجات أكثر فعالية.

التعب المزمن

من جانب آخر قال علماء إنهم اكتشفوا تغييرات مميزة في الجهاز المناعي، للمرضى الذين يعانون من متلازمة التعب المزمن، ما يخالف الاعتقاد الشائع بأن التعب مرض نفسي. وكشفت دراسة أجراها علماء في جامعة كولومبيا بالولايات المتحدة حدوث زيادة في مستوى الجزيئات المناعية المسماة "سيتوكين" عند المرضى خلال المراحل المبكرة من المرض.

وقالت الدراسة إن هذه النتائج قد تساعد على تحسين طرق تشخيص وعلاج المرض. من جانبهم، قال خبراء بريطانيون إن المزيد من البحث مطلوب من أجل تأكيد من هذه النتائج. ويعاني الأشخاص المصابون بمتلازمة التعب المزمن، أو ما يسمى أحيانا بالتهاب الدماغ المؤلم للعضلات، من التعب بشكل يومي، والذي لا ينتهي مع النوم أو الراحة. كما أنهم قد يعانون أيضا من آلام في العضلات وصعوبة في التركيز.

وقد تسبب متلازمة التعب المزمن كذلك مرضا وعجزا مزمنا، على الرغم من أن الكثير من المصابين يتحسنون مع مرور الوقت. وتشير التقديرات إلى أن نحو 250 ألف شخص مصابون بهذا المرض في بريطانيا وحدها. وأجرى فريق الباحثين الأمريكي اختبارات، على عينات دم من 300 مريض بمتلازمة التعب المزمن، وكذلك نحو 350 شخصا أصحاء. ووجدوا نمطا بعينه من الجزيئات المناعية في المرضى المصابين بالمرض منذ نحو ثلاث سنوات.

ووجد عند هؤلاء المرضى مستوى أعلى من الجزيئات المناعية المسماة السيتوكين، وخاصة نوع يسمى "إنترفيرون غاما"، وهو مرتبط بالتعب الذي يلي العديد من أنواع العدوى الفيروسية. أما الأشخاص الأصحاء والمرضى لأكثر من ثلاث سنوات لم يظهر عندهم هذا النوع من الجزيئات. وقالت الدكتورة مادي هورينغ، التي أشرفت على الدراسة، إن هذا يرجع إلى الطريقة التي قد تضر بها العدوى الفيروسية الجهاز المناعي.

وأضافت: "يبدو أن مرضى متلازمة التعب المزمن تزيد لديهم جزيئات السيتوكين، حتى مرور ثلاث سنوات من الإصابة بالمرض، وعند هذه النقطة يظهر الجهاز المناعي علامات على الإنهاك، وينخفض مستوى السيتوكين". وقالت إن هذا يشير إلى أن هناك مراحل مميزة للمرض، فحينما تبدأ استجابة السيتوكين في الاستقرار يبدأ المرض في الهدوء.

ويقول البروفيسور بيتر وايت، أستاذ الطب النفسي بجامعة كوين ماري في لندن، إنه من السابق لأوانه أن نتوصل لاستنتاجات من تلك الدراسة. وأضاف: "واحد فقط من بين 51 من البروتينات المناعية التي تمت دراستها نشط في كل الحالات مقارنة مع المجموعة الضابطة، الأمر الذي يمكن أن يحدث من قبيل المصادفة فقط". وقال: "أتمنى أن يستمر فريق البحث في إعادة تحليل بياناتهم، بعد تقسيم العينات تبعا لعوامل أخرى تحدد المجموعات الفرعية، التي يعتقد معظم العلماء أنها تسبب هذا المرض". وأضاف: "أخيرا، وكما أشار الباحثون أنفسهم، نحن بحاجة إلى أن نرى نتائج الدراسة تتكرر بشكل مستقل".

ويقول الدكتور تشارلز شيفرد، المستشار الطبي لجمعية متلازمة التعب المزمن، إن البحث رائع ومفيد، وعزز من معرفتنا عن الاستجابة المناعية الشاذة في الأشخاص المصابين بهذا المرض. وأضاف: "إذا كانت الأنواع المميزة من السيتوكين الشاذ يمكن ربطها بالمرض، فيمكن استخدام هذه النتيجة للمساعدة في تشخيص المرض، وفتح الباب أمام استخدام الأدوية المضادة للالتهابات، التي ستقلل من الاستجابة الشاذة للجهاز المناعي". بحسب بي بي سي.

لكنه أشار إلى أن تحقيق هذا لا يزال بعيدا بعض الشيء. وأضاف: "على الرغم من أن بعض الأطباء لا يزالون يعتقدون خطأ أن متلازمة التعب المزمن مرض نفسي، فإنه يجري الآن التوصل إلى دليل قوي يظهر أننا نتعامل مع مرض عضوي، يشمل انحرافات مهمة تتضمن المخ والعضلات والجهاز المناعي".

علاج الاكتئاب

في السياق ذاته جانب آخر أشارت مراجعة لأبحاث سابقة إلى إن تقنيات العلاج النفسي والذهني قد تساعد العديد من السيدات اللائي يعانين من الاكتئاب في فترة ما بعد انقطاع الطمث. وخلص الباحثون إلى أنه توجد دراسات قليلة جدا شملت ما إذا كانت العلاجات المعرفية تمثل بدائل جيدة للنساء اللائي لا يمكنهن أو لا يستطعن استخدام علاجات دوائية لكن هذه الدراسات القليلة أوضحت نتائج إيجابية.

وقالت شيريل جرين التي قادت الدراسة "عندما بدأت العمل في هذا المجال أصابتني الدهشة بسبب الافتقار للبديل والعلاج الدوائي والعلاج غير الهرموني فيما يتعلق بعلاج أعراض انقطاع الطمث في ظل وجود مخاطر ترتبط بالعلاج الهرموني والآثار الجانبية لمضادات الاكتئاب على بعض النساء."

ويساعد العلاج السلوكي المعرفي المرضى في تغيير الطريقة التي يفكرون بها والطريقة التي يشعرون بها ليعيشوا بصورة أفضل. ويركز العلاج السلوكي بصورة أكثر على تعديل التصرفات لوقف سلوك تدمير الذات. وتساعد التأملات الذهنية المرضى في زيادة التحمل والتعامل مع الضغط. بحسب رويترز.

وتقول العديد من هذه الدراسات إن النسوة يملن إلى الشعور بالإكتئاب بصورة أقل بعد خضوعهن للعلاج الذي يشتمل على التعليم ومهارات التعامل واسترخاء العضلات لكن ندوة تعليمية واحدة لم تحسن من مزاجهن. كما شعرت النساء بالاكتئاب بصورة أقل بعد خضوعهن لتقنيات تخفيف التوتر وتقنيات الاسترخاء بالإضافة إلى التنفس من الحجاب الحاجز. لكن لم تشعر النساء بالاكتئاب بصورة أقل دائما بعد خضوعهن لعلاجات السلوك المعرفي.

التأمل وانكماش حجم المخ

الى جانب ذلك أشارت نتائج دراسة حديثة الى ان ممارسة رياضة التأمل الذهني على مدى سنوات العمر يؤدي الى تراجع أقل في حجم المخ المرتبط بكبر السن. وقال الباحثون في تقرير ورد في دورية علم النفس إن من يمارسون التأمل على مدى سنوات تصل في المتوسط الى 20 سنة من عمرهم يتميزون بكبر حجم المخ بالمقارنة بغيرهم ممن لا يفعلون ذلك.

وفي حين ان من المعروف ان حجم المادة السنجابية (الرمادية) بالمخ ينحسر مع التقدم في العمر قال كبير المشرفين على هذه الدراسة إن فريق الباحثين توقع رصد المزيد من المادة السنجابية في مناطق معينة من المخ بين من يتأملون لفترات طويلة. وعلى عكس توقعاتهم جاءت النتائج ايجابية أكثر. وقال فلوريان كورث الحاصل على درجة الزمالة بمركز رسم المخ في جامعة كاليفورنيا بلوس انجليس "لكننا وجدنا انتشار المادة السنجابية في مختلف مناطق المخ".

لكن كورث وزملاءه قالوا إنه لا يمكن القول بان التأمل يقلل من تراجع حجم المخ. وربما تؤثر عادات أخرى أيضا لدى المتأملين لفترات طويلة على حجم المخ. وأشارت دراسة مسحية في مجال الطب التكميلي أجرتها المعاهد القومية الامريكية للصحة ومراكز مكافحة الامراض والوقاية منها الى ان نحو 18 مليون بالغ ومليون طفل مارسوا التأمل في الولايات المتحدة عام 2012.

وقالت الدراسة إنه على الرغم من تجذر ممارسة التأمل بين الجماعات الدينية التقليدية والروحية في الشرق إلا ان الامريكيين عادة ما يتأملون في العصر الحديث بعيدا عن الطقوس الدينية. وكتب كورث وفريقه البحثي يقول إن الدراسات السابقة وجدت ان التأمل يمكن ان يؤدي الى تحسين قدرات الذاكرة والوعي وطلاقة الحديث والوظائف الابداعية والعملية. بحسب رويترز.

وتضمنت الدراسة الحديثة عقد مقارنة بين رسم المخ الخاص بخمسين ممن قاموا بالتأمل لفترات طويلة وخمسين آخرين من الرجال والنساء ممن لم يقوموا بذلك وتراوحت اعمار المشاركين بين 24 و77 عاما. وتمرس المتأملون على هذه العادة من أربع سنوات الى 46 سنة. ودفعت الدراسة كورث للعودة الى ممارسة رياضة التأمل التي كان قد هجرها. وقال "تقول نتائج الدراسة إن الامر يستحق بصورة اساسية التفكير في رياضة التأمل".

العقل الباطن أكثر ذكاء

في السياق ذاته وعندما تتمكن عقولنا من حل بعض الألغاز، أو قراءة بعض الكلمات غير الواضحة، نشعر بأننا نتحكم في عقولنا بشكل جيد. لكن تجربة جديدة أظهرت أن ثمة عملية كبيرة تحدث بشكل تلقائي خلف ذلك الغطاء الذي يغلف عقولنا الواعية، كما يقول الصحفي العلمي توم ستافورد. فمن المفاهيم الخاطئة الشائعة أننا نعرف عقولنا جيدا، ومن خلال تجولى حول العالم، والسير هنا وهناك للتحدث مع الآخرين، خضت تجربة بنفسي من خلال التفكير في بعض الأفكار. فقد سألت نفسي مثلا: "ما الذي سأتناوله في وجبة الغداء؟"، أو "لماذا فعلت هي ذلك؟. حاولت استكشاف الأمر، فمن الطبيعي افتراض أن تجربتي هذه هي تقرير كامل من حالة عقلي، فذلك أمر طبيعي، لكن قد لا يكون ذلك صحيحا.

هناك عقل باطن يقوم بالنصيب الأكبر من عملية التفكير، وهذا ما يتفق عليه الخبراء النفسيون، فإذا سألت نفسي عن عاصمة فرنسا، تأتي الإجابة على الفور إلى عقلي – باريس! وإذا قررت أن أحرك أصابعي فستتحرك للأمام والخلف بنمط معقد لم أرتب له مسبقًا، ولكنه جاء إلي من عقلي الباطن. وأكبر جدل في علم النفس حاليا يدور حول السؤال: ما الذي يقوم به العقل الباطن تحديدًا، وما الذي يتطلبه التفكير الواعي؟ أو دعنا نستخدم سؤالا آخر طرح في إحدى الأبحاث العلمية المعتبرة، وهو: هل العقل الباطن ذكي أم غبي؟

يشير أحد الآراء الأكثر شيوعًا إلى أن العقل الباطن يمكن أن يجهز الردود البسيطة المحفزة، وأن يقدم الحقائق الأساسية، وأن يدرك الأشياء، وأن يمارس الأمور التي تدربت عليها. أما الإدراك المعقد الذي يشمل التخطيط، والتعليل المنطقي، وجمع الأفكار، فيحتاج لتفكير العقل الواعي. وقد أجرى فريق إسرائيلي تجربة جديدة مؤخرًا، وسجلت نتائج عكس ذلك الرأي، إذ استخدم الباحث ران حاسين وزملاؤه خدعة بصرية بارعة يطلق عليها اسم "التشويش الوميضي المستمر" وذلك لإدخال معلومات في أذهان المشاركين دون إدراك ذلك.

وقد تبدو التجربة مؤلمة، ولكن في الحقيقة هي تجربة بسيطة إلى حد ما، حيث يعتمد أسلوب التجربة على حقيقة أن لدينا عينين، وأن العقل يحاول عادة دمج الصورتين الناتجتين عن الرؤية للحصول على صورة واحدة متكاملة. وتستخدم طريقة الوميض المستمر نظارة مانعة للضوء لتعرض للمشاركين صورا في كل عين تختلف عما يعرض للعين الأخرى، حيث تطلع إحدى العينين على الصورة بألوان ساطعة وبسرعة، في حين تعرض أمام العين الأخرى بعض المعلومات، ولا يدرك ذلك المشاركون على الفور.

وفي الحقيقة، قد يستغرق الأمر بضعة ثواني لإدراك ما في النظرية بشكل ممتاز للوعي بها (إلا إذا أغلقت إحدى العينين لتتخلص من المربعات المضيئة، وحينها ترى الصورة المخفاة على الفور). وشملت تلك التجربة الرئيسية أيضا تقديم أسئلة حسابية بطريقة غير واعية، وقد يكون السؤال مثلا هو: "٩-٣-٤=..."، وقد يتبعها عرض بشكل واضح للرقم المطلوب والذي طلب من المشاركين قراءته بأسرع طريقة ممكنة، وقد يكون هذا الرقم المعروض هو الإجابة الصحيحة أو رقم آخر غير صحيح.

والنتيجة المدهشة هي أن المشاركين قرأوا الإجابة الصحيحة أسرع من قرائتهم للإجابة الخاطئة، وهذا أظهر أن عقولهم قامت بحساب المعادلة – حتى وإن لم يكن لديهم إدراك بذلك. وتوحي النتيجة بأن لدى العقل الباطن قدرات أكثر تطورا مما نتخيل، وليس كنتائج أخرى للعمليات اللاواعية، إذ لم يظهر مجرد استجابة تلقائية لأحد المحفزات- حيث تطلبت التجربة إجابة محددة باتباع قواعد الرياضيات التي تفترض أنها لن تأتي إلا بالتداول. بحسب بي بي سي.

ويطلق التقرير على الطريقة المستخدمة في التجربة "لعبة التبديل في دراسة العقل اللاواعي" والتي ترى أنه "يمكن للعقل الباطن القيام بكل العمليات الأساسية والوظيفية التي يقوم بها العقل الواعي". وتمثل هذه ادعاءات قوية، وقد أقر القائمون على الدراسة بأن هناك حاجة إلى القيام بالمزيد من البحث في هذا الصدد، حيث بدأنا نسكتشف مواطن القوة ومداها في عقولنا الباطنة. فمثل ما يجري تحت قمم جبال الجليد، لا تزال معظم العمليات التي تجرى في عقولنا غير مرئية، وتعكس تجارب مثل هذه مجرد لمحة حول ما يدور أسفل غطاء الرأس.

الخرف او الزهايمر

الى جانب ذلك أكد علماء بريطانيون أن دماغ الإنسان توجد به نقطة ضعف لمرض الزهايمر والشيزوفرينيا (الفصام)، واستطاع العلماء تحديد هذه المنطقة من خلال مسوحات مغناطيسية. وتدخل تلك المنطقة بالمخ في مرحلة تطور في نهاية المراهقة وتتعرض للعطب مبكرا أثناء الشيخوخة. وحتى هذه اللحظة، يواجه الأطباء صعوبة في التنبؤ بأي من الناس قد يتطور لديهم الأمر وتحت أية ظروف قد يحدث هذا. ونشرت النتائج في دورية بي ان اية اس، وأشارت إلى وجود طريقة محتملة لتشخيص هؤلاء الذين قد يتعرضون لخطر الإصابة مبكرا. ولفت الخبراء إلى أن هناك حاجة للمزيد من الأبحاث في كيفية تطبيق هذه الاكتشافات المثيرة داخل العيادات والمستشفيات.

وأجرى فريق تابع لمجلس البحوث الطبية، الذي قام بالدراسة، مسحا للدماغ بالرنين المغناطيسي لحوالي 484 متطوعا يتمتعون بصحة جيدة، وتتراوح أعمارهم بين ثمانية و85 عاما. وبحثوا في التغيرات التي تطرأ بصورة طبيعية على الدماغ خلال مراحل العمر المختلفة. وكشفت الصور وجود نمط مشترك، يتمثل في أن أجزاء الدماغ التي أصابها آخر مراحل التطور كانت أول من يظهر عليها علامات التراجع المرتبطة بالتقدم في السن.

وهذه المناطق بالمخ، وهي عبارة عن شبكة من الخلايا العصبية أو مادة رمادية تقوم بتنسيق المعلومات "عالية الأهمية" القادمة من الحواس المختلفة مثل البصر والصوت. وعندما فحص الباحثون صور أدمغة المصابين بمرض الزهايمر والفصام وجدوا أن نفس المناطق بالمخ كانت مصابة. وتتوافق تلك النتائج مع ما توصل إليه خبراء من قبل، وهو وجود ارتباط بين الزهايمر والفصام.

وقال البروفيسور هيو بيري من مجلس البحوث الطبية "الأطباء يطلقون على الفصام (الخرف المبكر) لكن حتى الآن لا يوجد دليل واضح على أن نفس الأجزاء بالمخ ربما تكون مرتبطة مع نوعين مختلفين من المرض." وأضاف "هذه الدراسة الكبيرة والمفصلة تكشف ارتباطا كان مفقودا من قبل رغم أهميته بين تطور عمليات الشيخوخة والمرض في الدماغ." وأوضح أن هذه الدراسة ترفع قضايا هامة حول العوامل البيئية والجينية المحتملة التي ربما تكون قد حدثت في مراحل عمرية مبكرة وامتد تأثيرها مدى الحياة." وتابع "أكثر شيء يمكن الوصول إليه حول هذه الاضطرابات الصعبة، الاقتراب من مساعدة من يعانون من هذه الأمراض وعائلاتهم." بحسب بي بي سي.

ومن جانبه قال مايكل بلومفيلد، من جامعة كوليدج لندن "الفصام قد يكون مرضا مدمرا، لكن في الوقت الراهن من الصعب جدا التنبؤ على وجه اليقين الذي قد يكون لديه امل جيد بالشفاء والذي قد يكون لديه امل ضعيف." وأضاف "هذه الدراسة تقربنا خطوة من أن نصبح قادرين على التوقع، وهو ما سيمنح المرضى الفرصة للحصول على علاج أفضل مستقبلا." وأوضح أن التسلح بهذه المعرفة الجديدة، ربما تساعد في فهم كيفية منع تغيرات المخ قبل حدوثها.

اضف تعليق