كريستوفر هيل

 

دنفر- من المفترض إن الرئيس الأمريكي باراك أوباما عمل على "تنقية الأجواء" مع الملك السعودي سلمان قبل الإجتماع الأخير لمجلس التعاون الخليجي في العاصمة السعودية الرياض ونظرا للتوتر في العلاقات الثنائية -وهو وضع كان يتفاقم منذ فترة طويلة- ربما كانت تلك أفضل نتيجة يمكن توقعها بشكل معقول ولكن هذا غير كافي.

إن العلاقة الأمريكية مع السعودية مبنية على أساس مقاربة براجماتية قائمة على أساس خذ وهات وتهدف لتطوير المصالح المتبادلة وأهمها المحافظة على السلام والأمن الإقليمي في منطقة متقلبة تعتبر حيوية للإقتصاد العالمي ولكن هذه المقاربة تتحول بسرعة لمقاربة عفى عليها الزمن فلقد دخلنا عصر أيدولوجي جديد تزداد فيه صعوبة تبرير البراجماتية بدلا من القيم المشتركة.

على هذه الخلفية لم يكن من المفاجىء أن التصدعات قد بدأت تظهر في العلاقات الثنائية ففي مقابلة أجراها أوباما مؤخرا وصف أوباما السعوديين (وغيرهم من حلفاء أمريكا) على إنهم متنفعين من السياسة الخارجية الإمريكية. لقد أثار ذلك مناقشات ليس فقط عن ما إذا كان ذلك صحيحا (السعوديون يشترون كميات كبيرة من المعدات العسكرية من الولايات المتحدة الإمريكية) ولكن أيضا عن ما إذا كان من اللائق ذكر ذلك علنا ففي السياسة كما في الحياة ليس كل ما يعتقده المرء يمكن ان يذكره بالعلن.

لكن أوباما لم يتوقف عند ذلك الحد وفي المقابلة نفسها أعلن أن السعودية تحتاج لإن تتعلم أن "تتقاسم "الشرق الأوسط مع خصمها اللدود إيران ولقد إنتقد أوباما بشكل صريح السعودية على معاملتها للنساء وجادل بإن "أي بلد لا يمكن أن ينجح في العالم الحديث وهو يقمع نصف شعبه".

لكن بشكل عام ما يزال المسؤولون الأمريكان وديعين عندما يتعلق الأمر بالحديث عن السعودية فعندما يقرون بوجود "خلافات" مع السعودية تتعلق بكيفية ومكان محاربة الإرهاب يبدو وكأنهم يصفون الخلاف بين روزفلت وتشرشل عن المكان الذي يتوجب على الحلفاء أن يضربوا فيه ألمانيا النازية على وجه التحديد.

في واقع الأمر فإن الخلافات كبيرة والعديد من تلك الخلافات متجذرة في النهج الداخلي للمملكة وسياساتها فعلى سبيل المثال هناك مقاربة السعودية المتعلقة بتنظيم الدولة الإسلامية وبشكل أعم الراديكالية السنية في طول العالم العربي وعرضه.

عادة ما تكون هناك مزاعم بإن السعوديين يصدرون الإرهاب وهذا غير صحيح ولكن الذي فعلوه هو تشجيع الراديكاليين لديهم – وهذا نتاج طبيعي للوهابية والتي تتبنى تفسير أصولي للإسلام – لإرتكاب أعمالهم الإرهابية في أماكن أخرى وعندما يغادر الراديكاليون تغادر معهم الأموال السعودية والتي تمول نشاطاتهم العنيفة.

خلال إدارة الرئيس جورج دبليو بوش عملت الولايات المتحدة الأمريكية مع السعوديين على تتبع التدفقات المالية للمجموعات الراديكالية لإضعاف عمليات مثل تلك الجماعات في طول المنطقة وعرضها بما في ذلك في غرب العراق وقد جاءت تلك الجهود ببعض النتائج ففي واقع الأمر بدلا من تهنئة نفسها على النجاح المفترض لزيادة عدد القوات الأمريكية في العراق سنة 2007 ربما كان يتوجب على إدارة بوش أن تروج لتلك المبادرة التي ركزت على التمويل.

للأسف فإن الجهود لمنع التدفقات المالية من السعودية ضعفت بشكل كبير بعد سنة 2011 عندما إجتاحت أجزاء من شمال أفريقيا والشرق الأوسط ما يطلق عليه الربيع العربي (وهو لقب من المؤكد أنه سيتم إستبداله بشيء أقل بهجة وأكثر دقة). إن الفوضى التي تلت ذلك أشعلت إنتشار الراديكالية السنية –وهو إتجاه من المؤكد أن الغفلة السعودية ساهمت فيه.

إن من غير المرجح أن تبدأ السعودية بالإهتمام الآن وهي تواجه العاصفة الكاملة من المشاكل إبتداءا بأسعار النفط والتي وصلت للحضيض وهناك أيضا الصراع على عملية الخلافة الملكية حيث أن جهود الملك سلمان في تركيز السلطات في أيدي إبنه الهجومي والموهوب والذي يبلغ من العمر ثلاثين عاما ولا يتمتع بالشعبية قد تسببت بالكثير من الإنزعاج ضمن العائلة الملكية الممتدة.

إن العراق تشكل مشكلة أخرى للمملكة فهي تضرب مثالا على كيفية تعزيز الشيعة لسلطتهم السياسية حيث يخشى السعوديون إن هذا المثال قد يثير الإضطرابات في المنطقة الشرقية في السعودية ذات الغالبية الشيعية والتي يوجد فيها معظم الإنتاج السعودي من النفط ولو قامت الحكومة العراقية بتعزيز علاقاتها مع إيران فإن خطر الإستقرار سيزيد بشكل أكبر.

بالنسبة للسعودية فإن تلك التحديات تمثل أولوية أعلى من هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية وهذا يفسر الإختفاء شبه الكامل للبلاد من المعركة وفي واقع الأمر بينما ينظر العديد من السعوديين (ليس بالضرورة النخب) لتنظيم الدولة الإسلامية على أنه عبارة عن حركة بربرية لديها الإمكانيات لإن تلحق الضرر ببلادهم في نهاية المطاف فهم مستعدون في الوقت الحاضر للسماح لتنظيم الدولة الإسلامية بالإستمرار في حملته العنيفة فعلى الرغم من الأهوال التي حصلت في باريس وبروكسل وسان بيرناردينو فإن ضحايا تنظيم الدولة الإسلامية كانوا في غالبيتهم من الشيعة.

والآن بعد أن قامت الولايات المتحدة الأمريكية "بتنقية الأجواء" مع السعوديين فإن العمل الحقيقي يجب أن يبدأ وهذا يعني الإنخراط في حوار صادق عن العلاقة الثنائية وذلك على أساس بعض الإعتراف بالدور المركزي للوهابية في صعود الراديكالية السنية في طول المنطقة وعرضها.

لم يعد من الممكن السماح للسعودية بإلقاء اللوم على سبيل المثال على الحكومة العراقية التي يقودها الشيعة فيما يتعلق بالفشل في التواصل مع المجتمع السني. إن مسؤولية كل السعوديين –وليس فقط العائلة المالكة- إن يعملوا بجد أكثر على إخماد الراديكالية ضمن حدود بلادهم وخارجها.

* مساعد سابق لوزيرة الخارجية السابق وزارة الخارجية الامريكية لشؤون شرق آسيا، السفير السابق للولايات المتحدة لدى العراق

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق