الأصل، أن أي تقارب بين دولتين عربيتين، يلقى الارتياح من قبل الرأي العام العربي ويثير الرغبة في طلب المزيد، سيما حين يُبنى التلاقي على قاعدة صلبة من المصالح المتبادلة والبنى التحتية المشتركة، وبما يعزز الروابط الاقتصادية والاجتماعية والتجارية، ويسهل حركة الأفراد والبضائع والخدمات والرساميل (الحريات الأربع)، تماماً مثلما آل إليه الحال بين مصر والسعودية بعد زيارة الملك سلمان الاستثنائية للقاهرة.

من دون الانزلاق إلى الخطاب الإنشائي الذي ذهب إلى تحميل لقاء البلدين العربيين الكبيرين أكثر مما يحتمل، نرى أن هذا التقارب، يؤسس لعلاقات ذات طبيعة استراتيجية، سيما إن قُدّر للاتفاقيات المبرمة بينهما أن ترى النور، وإذا لم تتدخل "السياسة" مرة أخرى، وتعمل على تفكيك عرى العلاقات الاقتصادية والتجارية التي تعززت بالتوقيع على عدد كبير من الاتفاقيات الثنائية... ومن أراد أن يقرأ حصاد زيارة سلمان لمصر بعين موضوعية، عليه ألا يضرب صفحاً عن الإرث المضطرب للعلاقات البينية العربية، إن أراد الوصول إلى تقييم واقعي لنتائج الزيارة، بعيداً عن الاحتفاليات الاستعراضية، أو "حملات الردح" التي رافقت الزيارة وأعقبتها.

ثمة "نقزة" أو بالأحرى "نقزتان"، في سياق الزيارة وما تمخضت عنه من نتائج، تقض مضاجع بعض المراقبين، وتنغص على أنصار تطوير العلاقات العربية–العربية فرحتهم بمنجزات الزيارة والنتائج المترتبة عليها... الأولى، وتتصل بالخشية من أن نكون أمام "محور جديد" قد نشأ ليصطف في مقابل محاور إقليمية، تتبلور جميعها وتتكاتف، بعيداً عن ميادين الصراع العربي الإسرائيلي، وغالباً في مواجهة "العدو الأول" المُستَجد: إيران... مثل هذا التقدير، إن صدق، سيجعل من التقارب، خطوة على طريق التصعيد الإقليمي، بدل أن يكون توطئة لنظام عربي جديد، يسعى في احتلال موقعه القيادي، في إطار منظومة إقليمية للأمن والتعاون، تشتمل على كل من إيران وتركيا، إن أريد لهذا الإقليم أن يعرف الأمن والاستقرار، ولحروب الطوائف والمذاهب فيه، أن تضع أوزارها، قبل أن تأتي على أخضر المنطقة ويابسها.

و"النقزة" الثانية، التي أثارت وتثير الكثير من المشاعر المتناقضة، إنما تتعلق بجزيرتي تيران وصنافير اللتين طالما عرفتا بكونهما جزءاً من "السيادة المصرية"، خصوصاً الأولى، فيما السعودية بلسان وزير خارجيتها، تعتبرهما "وديعة" سعودية، تركت لمصر في سياق حروبها مع إسرائيل وقد آن أوان استرجاعها... لكن هيهات أن يكون ذلك كافياً لإقناع ملايين المصريين، بأن هاتين الجزيرتين غير المأهولتين، هما بمثابة "وديعة سعودية"، وأنهما ليستا جزءا من التراب المصري، جرى التفريط به على مذبح الحاجة الماسة للمساعدات المالية والاقتصادية السعودية.

وفي ظني أن الرئيس عبد الفتاح السيسي، سيواجه تحدياً مع رأي عام مصري، مفرط في حساسيته حيال "مصريته" ووحدة ترابه الوطني، ولقد كان لافتاً انتشار شريط على مواقع التواصل الاجتماعي، يتحدث فيه الزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر عن الجزيرتين، بوصفها جزءا من التراب المصري، وأن بلاده على استعداد لفعل كل ما يلزم، لمواجهة أي محاولة لنزع "مصريتهما".... لا ندري كيف سينتهي السجال المصري الداخلي حول هذه النقطة، ولكن نعرف أن شعبية السيسي المتآكلة، قد تزداد تآكلاً.

"النقزة الثالثة"، أو "الفخ" الآخر المُستَبطَن في "الوديعة السعودية"، ويتصل أساساً بكونها "مثقلة" بقيود كامب ديفيد وأغلاله... السعودية لا تسترد "وديعتها" فحسب، بل وتستورد معها التزامات مصر بموجب كامب ديفيد كذلك... ما يعني أن "مضائق تيران"، قد تصبح ممراً ضيقاً يتعين على السعودية اجتيازه، صوب أشكال متعددة من الاتصال والتطبيع مع الدولة العبرية، لمتابعة التزامات كامب ديفيد والتأكد من الوفاء بها، على أقل تقدير.

الشعور بأن هذا التقارب، قد يكون في مواجهة إيران وليس إسرائيل... والإحساس بأن النظام المصري فرّط بالجزيرتين مقابل الدعم والمساعدات... والخشية من انفتاح بوابة جديدة للتطبيع بين السعودية وإسرائيل من بوابة الجزر ومضائقها، وكامب ديفيد والتزاماته، عوامل تنغص على محبي التقارب العربي فرحتهم، وتضفي قدراً من المرارة على الاحتفالات التي بدأت ولم تتوقف بالزيارة/ المنعطف، "الاستراتيجي" و"التاريخي" كما وصفت في الإعلام المحسوب على النظامين.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق