إسلاميات - الإمام الشيرازي

قادة مسلمون بأفعال لا إسلامية!

رؤى من أفكار الإمام الشيرازي

يشكل المسلمون اليوم نسبة كبيرة من مجموع سكان الأرض، تصل إلى أكثر من مليار وربع المليار نسمة، يتوزعون على دول إسلامية يديرها حكام يعلنون انتماءهم للإسلام ويتخذون منه دينا رسميا للدول التي يحكمونها، وبعضهم يُنسب حكومته أو حزبه أو حركته للإسلام، ولكن المفارقة أن النسبة الأكبر من هؤلاء الحكام وحكوماتهم، لا يطبقون من الإسلام وتعاليمه إلا ما يصبّ في ت

يشكل المسلمون اليوم نسبة كبيرة من مجموع سكان الأرض، تصل إلى أكثر من مليار وربع المليار نسمة، يتوزعون على دول إسلامية يديرها حكام يعلنون انتماءهم للإسلام ويتخذون منه دينا رسميا للدول التي يحكمونها، وبعضهم يُنسب حكومته أو حزبه أو حركته للإسلام، ولكن المفارقة أن النسبة الأكبر من هؤلاء الحكام وحكوماتهم، لا يطبقون من الإسلام وتعاليمه إلا ما يصبّ في تأمين مصالحهم ويحمي سلطتهم، وحين يتعلق الأمر بعامة الناس فتجدهم في وادٍ ومبادئ الإسلام في واد ثان.

فهؤلاء لا يرون في الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله مثالا لهم، ولا يجدون في الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام نموذجا لهم إلا بالأقوال وحدها، فهؤلاء يتبجحون بأنهم الإسلامي، وهم غالبا ما يعبرون عن إعجابهم بإدارة الرسول الكريم وتلميذه النجيب الإمام علي، لكن حين يتعلق الأمر بالتطبيق فنجدهم في منأى عن ذلك، فتأريخ الرسول (ص)، والإمام علي (ع)، يؤكد على صفات الحرص على الناس وعدم الإسراف والعفو وضمان حق الرأي واحترام حقوق الجميع، لكن هذه الصفات لا نجد منها إلا النزر اليسير في هؤلاء الحكام الذين يبذخون في الملبس والمأكل وشراء القصور واليخوت وكل مظاهر الترف.

يقول الأمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمهُ الله)، في كتابه القيّم الموسوم بـ (الصياغة الجديدة):

هناك (مجموعة من قادة الأحزاب والمنـــظمات الإسلامية يسلكون سبيل البذخ والترف، بسكنهم للقصور، وامتطائهم السيارات الفارهة، والتزوج بالفتيات الجميلات ذوات المكانة المرموقة، وتهيئة وسائل العيش المريحة).

إن حالات ومظاهر الترف تعدّ منهج حياة يميز الذوات المشبعة بالأنانية والبحث عن لذائد الحياة، حتى لو جاء ذلك على حساب الفقراء والضعفاء وغيرهم، والترف غالبا ما يرافق حياة الملوك والسلاطين وذويهم، وكذلك الأغنياء والمتنعمين بالثروات بطرق الاستحواذ، لذا فإن الترف غالبا ما يكون مدعاة للسخط لاسيما اذا تم تحقيقه على حساب الآخرين، ومن دواعي الأسف أن البعض من قادة المسلمين في الراهن السياسي يشكلون النموذج الجائر والمؤلم في مجال القادة المترفين، فهم لا يضعون مصالح المسلمين وسمعة الإسلام وتعاليمه في صدارة اهتمامهم كما يتوجب عليهم ذلك، إنما السلطة والقوة والنفوذ ديدنهم، لأن هذه العوامل تشكل مصدرا دائما لترفهم وذويهم.

القصور واليخوت والجزر السياحية

وفي حال يعترض احدهم على هذا الكلام أو يطلب إسنادا لمثل هذه الأقوال والآراء، فإن شراء الفيلات والقصور واليخوت والجزر السياحية والمنتجعات في مدن وأماكن مختلفة في الدول الغربية وغيرها دليلنا على آرائنا وأقوالنا، بالإضافة إلى دلائل البذخ المستدام على المقامرات السرية والمعلنة في موائد وقاعات القمار وغيرها، وإذا تحرّز بعضهم في هذا المجال لكي لا يُفضَح أمره فإنه يمارس الاستحواذ داخل بلاده فتراه يشتري ما يشاء ويبذخ كيفما يشاء، ويعيش هو وذويه في بحبوحة (المال العام) في وقت تتضور ملايين المسلمين جوعا وفقرا، وبهذا فإنهم يضعون أسسا واضحة لفشلهم في بناء الدولة المعاصرة، من خلال تفضيلهم لذواتهم، مبتعدين بذلك عن النماذج القيادية العظيمة في الحلقات المشرقة من التأريخ الاسلامي، أولئك القادة العظام الذين كانوا يتميزون بالزهد الراسخ على حساب الذات لصالح جموع المسلمين.

يقول الإمام الشيرازي:

هناك من قادة المسلمين (ينفصلون عن عامة الشعب، لذا من طبيعة الناس عدم الاعتراف بقادة يسكنون الأبراج العاجية ويرفلون في النعيم ثم يتكلمون باسم الفقراء والمساكين وباسم الإسلام والمسلمين).

هل يوجد في واقعنا الحالي ما يؤكد هذا التوصيف، هل هناك قادة سياسيون إسلاميون يتجاوزون على المال العام، وهل الفقر المدقع الذي أوصل نسبة الفقر (بين العراقيين كنموذج) إلى أكثر من 40% حدث بسبب قلة الموارد، بالطبع كلا، فما يُلاحظ على مثل هؤلاء القادة، أنهم يتحدثون باسم الدين ويحاولون تسويق ما يرد في كلماتهم على المسلمين، وهم بذلك يسلكون منهج الخداع الذي لا يمكن أن يستمر طويلا، فسرعان ما يتم كشفهم من لدن الجماهير الواسعة التي لا يمكن خداعها، لأنها تلاحظ وتراقب التباين بين أقوال القادة المترفين وبين سلوكهم القائم في ساحة الفعل والتطبيق العملي.

يقول الإمام الشيرازي حول هذا الجانب:

(إن من يتكلم باسم الدين لا بد وأن يكون مثل الرسول - صلّى الله عليه وآله- وخلفائه الطاهرين -عليهم السلام- في السلوك والعمل).

التناقض بين أقول القادة وسلوكهم

فهل يا تُرى قادتنا اليوم يأخذون درسهم في القيادة والإدارة من رموزهم العظيمة الخالدة، أم أنهم يقولون شيئا ويفعلون نقيضه؟، بالطبع حين يكون سلوكهم وإدارتهم مناقض لسلوك وقيادة الرسول الأكرم والإمام علي، فإنهم بهذه المخاطرة سوف يخسرون كل شيء، وسوف يبتعد الناس عنهم، ولا يرون فيهم قادة مبدئيين صادقين، فماذا سيكون مآل هكذا قادة سياسيين؟؟ بالطبع سوف يخسرون كل شيء بسبب مناقضتهم لرموزهم ونماذجهم الخالدة في السياسة والإنسانية.

يقول الإمام الشيرازي:

(إذا رأى الناس رؤساء المنظمات والأحزاب والجمعيات الإسلامية يسلكون خلاف سلوكهم عرفوا أنهم ليسوا من الإسلام في شيء فانفضوا من حولهم، ويسبب ذلك فشلهم).

لذلك هناك ظاهرة سياسية تصاعدت مع مرور الزمن أي بالتراكم، وهي تتعلق بطبيعة العلاقة بين الجماهير والأحزاب أو الحركات السياسية، فهذه العلاقة لا تقوم على الثقة بين الطرفين، بسبب عدم إنصاف الأحزاب للناس، وإذا انشغل قادة المسلمين بالترف الشخصي والعائلي وبترف البطانة والحاشية، ستُركن قضية بناء الدولة المعاصرة جانبا، وستنشغل المنظمات والأحزاب والجمعيات الإسلامية بأمور جانبية لا تصب في صالح عموم الناس وهو أمر يقود الى عزلة القادة والمنظمات من لدن الجماهير، وهذا ما يحدث اليوم في معظم الدول العربية والإسلامية، والسبب كما هو واضح التناقض بين أقوال السياسيين وأفعالهم التي تذهب هواء في شبك.

لذا يقول الامام الشيرازي:

إن (من أسباب تخلف المسلمين وعدم تمكن المنظمات والأحزاب والجمعيات الإسلامية من النهضة ومن الوصول إلى الحكم، عدم جماهيرية تلك الأحزاب).

وهذا أمر واقع حاليا، إذ نلاحظ عزوف الشباب وغيرهم من الانتماء إلى الأحزاب أو الحركات السياسية إلا في نطاق محدود وحسب المصالح الضيقة، أما الإنتماء بشكل جماهيري واسع ومؤمن فلا يوجد مثل هذا التوجّه بين عموم الناس بسبب فشل الأحزاب في تحقيق طموحات الناس، وآجلا أم عاجلا سوف تكتشف الجماهير مدى جدية قادتهم على بناء دولتهم بما يتماشى مع متطلبات العصر من خلال الأفعال وليس الأقوال، وذلك برفع المستوى التعليمي والثقافي والإنتاجي والمعيشي وهو ما يصب في روافد بناء الدولة والمجتمع الحديث المنتج، وهذا لا يتم مع وجود القادة الباحثين عن الترف وديمومة السلطة.

لهذا يقول الامام الشيرازي:

(نحن نرى أن القائدَين العظيمَين رسول الله -صلّى الله عليه وآله- وعلي بن أبي طالب -عليه السلام- وسائر الأئمة -عليهم السلام- كانوا يعيشون عيشة متواضعة زاهدة قانعة، بما في هذه الكلمات من معنى).

ومن هؤلاء العظماء يجب أن يتعلم القادة المسلمون، وأن يتخذوا منهم نماذج لإدارة السلطة والمال والقوة والتقرّب من الناس وتقديم مصالح الفقراء وعامة الناس على مصالح القادة أنفسهم وذويهم، وإلا سوف يفقد كل من ينتهج نهجا مغايرا لقادتنا العظماء الخالدين.

اضف تعليق


التعليقات

زهراء عباس الخفاجي
العراق
تناول هكذا موضوعات مهم جدا اليوم، فما يحدث في العراق خصوصا وعامة بلاد المسلمين لا يسرّ، رحم الله الإمام الشيرازي الذي وضع النقاط قبل عشرات السنين، لكن عيون الحكام مغمضة، وقلوبهم قاسية، ونفوسهم تركض وراء ملذاتهم، حبذا لو احتوى هذا الموضوع على تنبيهات محددة لقادة العراق، فهو يجمع بين الغنى والفقر جراء الفساد....2018-12-03