q

يشهد عالمنا اليوم فوضى عارمة على المستويات كافة، بسبب تفاقم الحروب والصراعات والنزاعات، مما انتج ازمات عديدة انعكست بشكل سلبي على الكثير من المجتمعات، حيث خلفت آفات عدة وساهمت بتراجع البلدان على الصعيد الفكري والثقافي، بسبب تزايد الامية والابتعاد عن العلم والمعرفة التي محفزها الاهم (القراءة) كونها السبيل الوحيد للإبداع وتكوين المبدعين والمخترعين والأدباء والمفكرين، والأمم القارئة هي الأمم القائدة، والذين يقرأون هم الأحرار، لأن القراءة والمعرفة تطرد الجهل والخرافة والتخلف، حيث حرصت الأمم المتيقظة على نشر العلم وتسهيل أسبابه، وجعلت مفتاح ذلك كله من خلال تشجيع القراءة والعمل على نشرها بين جميع فئات المجتمع، كما هي بعض وسائل استمتاعه وترفيهه.

القراءة كانت ولا تزال من أهم وسائل نقل ثمرات العقل البشري وآدابه وفنونه ومنجزاته ومخترعاته، وهي الصفة التي تميز الشعوب المتقدمة التي تسعى دوماً للرقي والصدارة، ولبيان أهمية القراءة فإن أول كلمة خاطب بها جبريل (عليه السلام) نبينا محمد صلى الله عليه واله هي كلمة: ( اقرأ )، في قوله تعالى: ((اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)) العلق: 1-5. وهذا له دلالة كبيرة وعميقة في اكتشاف أهميتها.

حديثا دخلت القراءة في أنشطة الحياة اليومية لكل فرد عن طريق التكنلوجيا الحديثة فتحولت القراءة من الورقية الى الالكترونية، لدرجة اهملت فيها قيمة الكتاب الورقي، في هذا الشأن عزم مجموعة من الشباب العراقي على انشاء مشروع رصين يستهدف شريحة غير القراء بمختلف الفئات والتوجهات ومن كلا الجنسين لمحاربة الجهل، والتطرف، وتفاقم الامية، ونبذ الطائفية، وإعادة قيمة القراءة واهمية الكتاب لدى افراد المجتمع العراقي، وجاء هذا المشروع تحت مسمى "دعوة للقراءة".

التقت شبكة النبأ المعلوماتية بمؤسس المشروع ناظم 32 عام من العاصمة بغداد استل حديثه حول بدايات المشروع واهدافه المستقبلية: " تأسس المشروع في 10/8/2012 على الفيس بوك، في صفحة بإسم "دعوة للقراء_ خاص بالعراقيين" وثم تطور من المواقع الافتراضية الى ارض الواقع من خلال الملتقيات الثقافية في الاماكن العامة وبمساعدة بعض الشباب والكادر الاداري، حيث كان اول لقاء يوم جمعة على حدائق الزوراء 10/5/2013، فيما كان الملتقى الاول للمشروع 10/1/2014, في البيت الثقافي البغدادي، واضاف مؤسس المشروع تمت اقامت ثلاث حملات تحت مسمى "حملة الـ100 قارئ" الاولى ابتدأت 14/2/2014 وانتهت في 24/5/2014، والثانية انطلقت في 1/12/2014 وانتهت في 14/2/2015، اما الثالثة انطلقت في12/7/2015 وانتهت في 11/9/2015، والان اطلقت حملة جديدة سميت بــ "حملة الــ1000قارئ الاولى" ابتدأت في 1/7/2016 وتنتهي في 1/9/2016، ومن النشاطات ايضا حملة لتسليط الاضواء على المكتبات العامة في بغداد, واخرى في الديوانية لتطوير المكتبة المركزية، واخيرا انشاء خمس فروع دعوة للقراءة في المحافظات العراقية, والباقية تباعا.

اما عن أهداف المشروع فقد لخصها مؤسس المشروع بما يلي:

1- اعادة القيمة الاعتبارية للكتاب لدى الانسان العراقي.

2- العمل على تنمية طاقات المجتمع البشرية وتوجيهها نحو تطوير المجتمع.

3- السعي الى نبذ العنف بكافة اشكاله من خلال نشر المعرفة والوعي والثقافة.

4- السعي لضمان حقوق المرأة وتمكينها من أداء دورها الفاعل في المجتمع.

5- تفعيل الجانب الفكري والنفسي والاجتماعي " فلسفة, اقتصاد, علم النفس والاجتماع, التاريخ , القانون, برمجة لغوية عصبية NLP.

6- تفعيل الذوق الفني "موسيقى, رسم, سينما ومسرح, ادب " او اي فنون اخرى.

7- دعم المبدعين والمتفوقين في كافة المجالات والعمل على تنمية قدراتهم وتطوير مهاراتهم.

واضاف ناظم علي " لم تتعاون معنا اي جهة ثقافية رسمية, في الفترة الاخيرة بعثنا لوزارة الثقافة بطلب لغرض تزويدنا بكتب تبرع للمشروع، لكنهم رفضوا ذلك كوننا لسنا منظمة مجتمع مدني علما انه منذ اربع سنوات نعمل لصالح المشروع ونجاحانا يعرفه الجميع، اضافة الى ذلك لا يوجد تسهيلات لإيصال المشروع وافادة اكبر عدد من القراء، مثلا دخلنا الى جامعة بغداد من اجل ان نفتح قناة عمل مع اقسام العلوم الاجتماعية ولكن اوصدت الابواب في وجوهنا كوننا لا نعمل بصفة رسمية، ما هذه البيروقراطية؟!.

من جهته يصف إبراهيم خليفة احد اعضاء مشروع دعوة القراءة في بغداد بداية انضمامه للمشروع حيث قال: "الإحساس بالذنب كان المطارد الكبير الذي يلاحقني ما أن افتح صفحتي على الفيسبوك، فالساعات التي اقضيها وبعض الألم الذي بدأت اشعر بها في عيوني ورقبتي أضافة إلى إحساسي بالملل والرتبة وعدم وجود شيء جديد أو مفيد هو من دفعني إلى أن اقتل هذا الإحساس في نفسي واجد شيء مفيد في هذا العالم الكبير، اضاف خليفة "تابعت صفحات مفيدة في البداية مثل صفحة مصطفى محمود وإبراهيم الفقي وأحلام مستغانمي وغادة السمان، ثم بدأت بإرسال طلبات صداقة للمثقفين والمفكرين الذين يظهرون لي في صفحات ومجموعات ثقافية وهذا ما أوصلني بأمان إلى أحضان دعوة للقراءة"، لم يكن لهذه المجموعة الفضل عليّ في دعوتي للقراءة لأنني اقرأ ومنذ فترة ولكنها وفرت لي مجتمع قارئ استطيع أن اقضي فيه ساعات بأمان وسعادة، بدأت بنشر بعض خواطري وقصصي حتى أكملت مجموعتي الأولى التي ربما سترى النور في يوم من الأيام، في دعوة للقراءة أجد متنفس لي، ففي هذه المجموعة استطيع أن انشر واكتب واعلق بحرية كبيرة لا يوفرها لي المجتمع الحقيقي أو الافتراضي على صفحتي الشخصية وسبب هذه الحرية أن المستقبل لهذه الكلمات عقول متفتحة لها القدرة على تقبل الأخر، باختصار "دعوة للقراءة" تساهم في تخفيف التوتر والضغط والقلق عني وبالتالي هي تساهم بشكل أو بأخر في أبعادي عن المرض النفسي.

على صعيد ذي صلة قال امجد عبدالرحيم احد اعضاء مشروع دعوة للقراء في البصرة "من خلال المشروع تعرفت على نفسي، اثر بي جداً وبشكل كبير، تغيرت من خلال المشروع كنت مجرد جثة هامدة في المجتمع، سابقا كنت مجرد رقم في جنسية او شهادة الجنسية، من خلال المشروع عرفت كيف اغير من نفسي، عرفت كيف يكون مستقبلي كيف اكون رقم صعب في الحياة كيف اترك بصمة في حياتي وحياة الاخرين، تعرفت على اناس لميكن لهم وجود في حياتي، وضعت خطة لحياتي في كيفية تطوير ذاتي، ادركت ما هي الثقافة وما هي القراءة، كنت في الماضي اعتبر القراءة مجرد كلام او حبر على ورق، ما يضيف لي من حاجة، و من خلال المشروع اضاف لي كل شيء".

من جانبها قالت اعتزاز احد اعضاء دعوة للقراء من الحلة "تجربتي مع المشروع كانت مختلفة عن بقية الفروع باعتبارها تكونت بالتعاون مع مؤسسة حكومية وهي جامعة بابل، كونا قناة عمل مشتركة، ووفروا لنا ارضية للتجمع بالمكتبة المركزية، لكن بعد ذلك لاقت معوقات وتخوفات من قبل الجامعة ادى الى توقف النشاط لحين الحصول على مكان حر بعيد عن اي انتماء وخاصة ان الحلة مجتمعها منغلق نوعا ما فلا يمكن اللقاء في اي مكان، لكنها تجربة جميلة ومفيدة لكون المشروع جعلني بتماس مع الناس، واشعر بان شخصيتي اصبحت اقوى خاصة عندما صرت مسؤولة الفرع وصاحبة قرار، وان وجود اناس اكبر مني سنا واكثر مني خبرة فهذا شيء يفيدني بالمستقبل على ان لا اخاف من ادارة اي شيء".

الى ذلك قالت جواني احد مسؤولي المشروع من كركوك "دخلت للمجموعة عن طريق صديقة لي وكنت في بادئ الامر متخوفة من التواصل والتعليق على افكار الاخرين، لان مستويات التفكير عالية بالنقاش واللباقة والمشاركة بالراي، والحقيقة شدني جدا اسلوبهم في ادارة الخلاف، لأنني ارى اختلاف بالراي ومناقشة حادة وبالنهاية ينهون النقاش بتحياتي ومودتي واحترم رايك، فهذا الكلام عادة لا نراه باي مجموعات منتشرة بالفيس بوك الا ما ندر، والحمد لله انا سابقا كنت اقرا لكن في فترة ما انشغلت وتراجع مستوى قراءتي، لكن عندما بدأت التفاعل في المجموعة استفدت كثيرا، ولان اذا اتضايق او اكون بمفردي لا ارى نفسي الا وانا ابحث عن كتاب لأقرأه".

في الخاتم اذا لم نقرأ، لن نجد سبيلاً للتقدم والتطور لأن كل حرفة ووظيفة مهما كانت، تتطلب المعرفة، وتتطلب مزيداً منها كل يوم في ظل هذا العصر, عصر الانفجار المعرفي الهائل وثورة المعلومات المتسارعة.

اضف تعليق