السلام بالقوة هذا هو الشعار البارز الذي تعتمده وتدعو إليه الولايات المتحدة.. راهناً.. ولأنَّ السلام، أمل شعوب الأرض كلها؛ أصبح من الملائم اتخاذه سبيلاً لتحقيق الأهداف الاستعماريَّة، في ظل حروب سابقة وأوضاع قلقة ساخنة، إلّا أنَّ الفرض القسري بالقوة، لأي هدف، من شأنه أن يلقى ردود فعل انتقاميَّة...
السلام بالقوة" هذا هو الشعار البارز الذي تعتمده وتدعو إليه الولايات المتحدة.. راهناً.. ولأنَّ السلام، أمل شعوب الأرض كلها؛ أصبح من الملائم اتخاذه سبيلاً لتحقيق الأهداف الاستعماريَّة، في ظل حروب سابقة وأوضاع قلقة ساخنة، إلّا أنَّ الفرض القسري بالقوة، لأي هدف، من شأنه أن يلقى ردود فعل انتقاميَّة.. مما يجعل الحال أكثر وحشيَّة ودمويَّة.
السلام.. يتمُّ بالحوار البنّاء، بالتفاهم الجاد، وبتحقيق المصالح المشتركة لجميع الأطراف.. كذلك، الشعار الراهن "السلام بالقوة" لم يكن وليد المرحلة الراهنة حسب، وإنما له امتدادات تعود إلى سنوات طويلة خلت، والكتاب الصادر عن دار المأمون في وزارة الثقافة العراقيّة بعنوان: "شعراء الحرب الباردة" ترجمة وتوثيق: "جمال جمعة" يشير وبالتفاصيل والوثائق إلى جملة حقائق تتعلق بهذا التسلسل الاستعماري عن طريق الثقافة، ففي "العام 1950 استحدثت وكالة المخابرات المركزية للولايات المتحدة الأميركية، المنظمة العالمية لحرية الثقافة" وزرعتها أولاً في باريس ومن ثمَّ في بلدان أخر.. واختيار باريس يعود إلى قناعة المجتمع الدولي، إلى أن باريس مركز مشع للثقافات الحرة والمتنوعة والمتفاعلة والمزدهرة، فيما ينظر إلى واشنطن أو نيويورك إلى أنهما مثار شك وقلق وحذر.. بوصفهما مدناً تمثل الخطاب الامبريالي المكشوف..
كذلك عمدت هذه المنظمة إلى التحرّك نحو عدد من الكتاب العرب المعروفين أمثال: نجيب محفوظ، الطيب صالح، يوسف ادريس، وادونيس والسيّاب، وقدمت للأخير جائزة مالية سخية.. تسلمها باعتزاز أولاً.. إلا أنه عاد ورفضها بعد أن تبين هوية هذه المنظمة الاستعماريَّة.
وباِسم "الحرية الثقافيَّة" تبنّت السيرة الذاتية للسيّاب والتي نشرها إثر موقف باهت وخلاف مع عبد الوهاب البياتي الذي كان مسؤولاً عن الجانب الإبداعي والثقافي في مجلة "الثقافة الجديدة" وتأخر في نشر قصيدته "المومس العمياء"، فكان أن شكل هذا الموقف ردود فعل قوية جعلت السيّاب يكتب "كنتُ شيوعياً" فيما كانت المجلة تعاني من ضغوط تهدد إصدارها ومن ثمَّ حجبها نهائياً.
السيَّاب نشر مقاله المسلسل هذا عام 1959 في جريدة "الحرية" المعروفة بوصفها تحمل توجهات حزب البعث العراقي.
مثلما تمكنت من استمالة الروائي الروسي "إيليا اهرنبورغ" وجعلته يقول عبارته: "يجب أن نبيد هؤلاء الالمان ونذبح أطفالهم ونشرب دماءهم" لمجرد أن هتلر كان معادياً لليهود.. فيما نعلم أن "الشعب الألماني نفسه كان ضحية لجنون هتلر"، كما عملت هذه المنظمة على ربط رواية "جورج أورويل-1984" بالزعيم الشهيد "عبد الكريم قاسم" بوصفه "الأخ الأكبر" في رواية أورويل!
وتوسع عمل المنظمة العالمية لحرية الثقافة، فبعد اصدار مجلة "حوار" التي ترأس تحريرها توفيق الصائغ، صدرت مجلة "أصوات" التي ترأس تحريرها "دنيس جو ستون ديفيز" و"أصوات" و "أدب" التي ترأس تحريرها يوسف الخال.. إلى جانب مجلة "إنكاونتر" التي رأس تحريرها: ميلفين لاسكي والشاعر المعروف ستيفن سبندر.
وقد صرّح إيفان كاتس عام 1959 أنّ "أفضل مقاربة للشرق الأوسط في الوقت الحالي هي من خلال الفنون والعلوم الاجتماعية، الثقافة العربية ملحقة بالغرب، نستطيع الولوج إليهم، وبتجرد عن طريق الموسيقى والرسم والأدب" وبهدف نشر التضليل المعلوماتي عمدت المخابرات المركزيَّة إلى زرع "عميل واحد على الأقل في كل صحيفة في كل عاصمة عالميّة منذ عام 1977"، ويؤكد "ويتني لفون أوي" في كتابه "المخبرون" إلى أن هذه الوكالة تمكنت من "خداع أفضل" أدباء العالم ويوثق ذلك في نشاط الوكالة في عدد من المجلات الأدبيّة مثل: (Encounter اللندنية، preuves الفرنسية، Tenpopresente الإيطالية، forum النمساوية Quadrant الاسترالية، jiyu اليابانية، Cuadernos، Mundo Nundo Nuevol الامريكية اللاتينية).
واعترف ضابط في الوكالة اسمه "توم براون" في مقال صحفي تم نشره "أنا سعيد لأنّ وكالة المخابرات المركزية لا أخلاقية" وهذا واضح في جملة الممارسات التي عملت عليها هذه المنظمة الاستعمارية كما يكشف كتابنا الذي نستقي منه هذه المعلومات شعراء الحرب الباردة".
لقد كانت لهذه المنظمة مكاتب في "35" دولة، تتولى نشر "20" مجلة مرموقة إلى جانب إقامة معارض فنية ومؤتمرات وعروض مسرحية وحفلات موسيقية.. وتمكنت المنظمة من إغراء كتاب كبار مثل: همنغواي، وباسترناك.
لقد مضت هذه المنظمة في توسيع قاعدة عملها وكسب المزيد من الكتاب المرموقين وتقديم المكافآت المغرية لهم، غير أنّ الصحافة العربية سرعان ما تنبّهت إلى "الخطاب الثقافي الناعم" لهذه المنظمة الاستعمارية عملت على فضحه وكشف نواياه وأسراره وقد وثق هذا الكتاب لعدد كبير من الصحف والمجلات العربية التي وقفت على الضد من هذا الخطاب.
وكانت د. عايدة مطرحي ادريس قد كشفت في مجلة "الآداب" أن "جميل جبر.. هو مدير منظمة حرية الثقافة في لبنان ومدير ورئيس تحرير مجلة "الحكمة" وهو ما لم يكن معروفاً قبل ذلك".
بإيجاز.. يمكن أن يعد هذا الكتاب أهم وأدق وثيقة تتعلق بالكشف عن مجلات "المنظمة العالمية للحرية الثقافية" التي كانت مخولة من المخابرات المركزية الأمريكية، ومن هنا نبين أن ما كان بالأمس منذ الستينات ما زال حاضراً ويكرر خطابه التضليلي باسم "الديمقراطية" هذه المرة.
اضف تعليق