إن التحدي الاكبر الذي نواجهها مع الإعلام الجديد لا يكمن في الجوانب التكنولوجية وطبيعة التحول على مستوى الوسيلة فقط، وإنما تحدي الحقيقي يشمل المحتوى في ما يكتب وينشر ويقال عبر تلك الوسائل او ما بات يعرف بالاعلام الاجتماعي، لقدرته الهائلة في صنع الصور النمطية وتشكيل الرأي العام بدرجة أكبر وأكثر تأثيرا من الاعلام التقليدي...
الثابت الوحيد على مر العصور هو التغيير والتحول من حالة الى أخرى التي تتطور بها البشرية، ولا سيما على صعيد الاتصال الذي يعد سمة إنسانية منتجة للتواصل والتأثير والتفاعل، فقد تعددت وسائل الاتصال قديماً من الاتصال الشفهي والمكتوب إلى أن تطورت الوسائل بعد الثورة الصناعية واختراع الصحف والإذاعة والتليفزيون التي باتت تعرف الان بوسائل الاعلام التقليدية وظلت مهيمنة على المشهد الإعلامي لسنوات عديدة، حتى اكتشاف الإنترنت الذي ولد من رحمه ما بات يعرف بالإعلام الجديد أو الإعلام البديل باستخدام المواقع الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي في تغطية الأحداث ونقل الأفكار واستخدام الدعاية بأنواعها كافة.
ظهور الاعلام الجديد أدى تحولا كبيرا على صعيد الوسيلة الإعلامية والمحتوى الإعلامي وحتى الجمهور، وهو ما خلق جدلا واسعا حول مدى تأثيره وهل أصبح أكثر تأثير من الاعلام التقليدي على الجمهور المتلقي، هذا السؤال يمكن الإجابة عليه وفقا لمعطيات ومعلومات عبر المقارنة والبراهين العلمية، فمن حيث الانتشار تعد وسائل الإعلام الجديد أكبر انتشارا ووصولا من وسائل الإعلام التقليدية وهذا يعني انها يمكنها التأثير بعدد أكبر من الجمهور مقارنة بنظيرتها التقليدية.
من حيث التواصل وسائل الإعلام الجديدة تتميز بخاصية التفاعلية من قبل الجمهور وهو ما يفتقده الاعلام التقليدي مما يعني انه اقل تأثيرا على الجمهور، اما من حيث حجم تقديم المعلومات والبيانات تتمتع وسائل الإعلام الجديدة بقدرة كبيرة على ضخ كميات كبيرة ومتسارعة وتشعبية من البيانات والمعلومات في وقت واحد ومستدام، وهذا غير متوفر في وسائل الإعلام التقليدية.
لكن من حيث المصداقية والدقة تتميز وسائل الاعلام التقليدية على نظيرتها الجديدة، كونها تخضع للرقابة الحكومية والالتزامات القانونية وفيها حارس بوابة يعمل على تحقيق المسؤولية الاجتماعية تجاه المجتمع عبر التحكم المسؤول في المضامين التي تقدمها للجمهور المتلقي، وبهذا يكون مصدر وسائل الاعلام التقليدية اكثر تأثيرا من وسائل الاعلام الجديدة التي يسهل فيها تقديم مضامين مضللة وبعيدة عن المصداقية والدقة كما هو الحال في الاخبار الكاذبة التي تنتشر عبر مواقع الشبكات الاجتماعية او ما يعرف بالاعلام الاجتماعي، إضافة الى ان أثر الرسالة التي تقدم عبر وسائل الإعلام التقليدية يبقى في أذهان الناس لمدة طويلة.
وعلى الرغم من التطور الذي تشهده تكنولوجيا الإعلام الجديد إلا أنها لا تلغي وسائل الاعلام التقليدية، بل عملت على طورتها وغيرتها بشكل كبير كما هو الحال مع صحافة الواقع المعزز او بودكاست او الاندماج المشترك.
ان قوة التأثير الإعلامي التي تستمدها الوسائل الإعلامية الجديدة ناتجة من الثورة الرقمية التي شهدها هذا المجال بسبب التغيرات المتسارعة خاصة على المستوى التقني فالتغير الذي طال طرائق وأساليب العمل الإعلامي جعل الموارد البشرية العامة في قطاعات الصحافة المكتوبة والسمعي البصري أمام وسائل إعلام واتصال جديدة أكثر انتشارا وتأثيرا.
وقد اطل الواقع الإعلامي الجديد بتبعاته على الممارسين للوظيفة الإعلامية والقائمين على تسيير المؤسسات الإعلامية المختلفة والتصق العمل الصحفي بإعلام الكتروني ويبدو أن الثورة الرقمية التي ترافق في الوقت الراهن نشاط وسائل الإعلام في علاقة مع الجمهور تؤثر بشكل واضح على جمهور الشباب الذي يميل إلى استخدام وسائل الاتصال والإعلام الحديثة كتقنيات الاتصال الحديثة في شبكة الانترنت.
وبسبب سهولة الاستخدام والاتاحة هاجر الجمهور من وسائل التقليدية الى وسائل الاعلام الجديدة، اذ يتفاعل مع وسائل الإعلام الجديد وتوجه قطاع واسع من جمهور الإعلام التقليدي إلى وسائل الاعلام الجديدة، فنرى أن الشباب في الوقت الراهن يميل إلى استخدام مواقع التواصل الاجتماعي ويتعرض ويتابع بكثافة الاخبار والمعلومات الأفكار عبرها، ويحدث هذا في ظل تراجع اهتمام الشباب بوسائل الإعلام التقليدية كالصحافة المكتوبة والإذاعة والتلفزيون وهي وسائل إعلامية بإمكان الملتقي متابعتها على وسائل اتصال جديدة كالهواتف الذكية وشبكة الانترنت.
والبرهان على هيمنة وافضلية وقوة التأثير في الاعلام الجديد على حساب نظيره التقليدي هو الدراسات الإعلامية العلمية التي إشارات الى قوة التأثير والتفاعلية من لدن الجمهور ابان احتجاجات ما عرف بالربيع العربي او قضايا إنسانية مثل قضية الطفل ريان المغربي فضلاً عن الازمات المحلية مثل الانسداد السياسي في العراق وتأخر تشكيل الحكومة الى جانب جدلية الموضوعات الاجتماعية كالانتحار والمخدرات وغيرها الكثير الموضوعات الأخرى التي تمس الجمهور بشكل مباشر.
إن التحدي الاكبر الذي نواجهها مع الإعلام الجديد لا يكمن في الجوانب التكنولوجية وطبيعة التحول على مستوى الوسيلة فقط، وإنما تحدي الحقيقي يشمل المحتوى في ما يكتب وينشر ويقال عبر تلك الوسائل او ما بات يعرف بالاعلام الاجتماعي، لقدرته الهائلة في صنع الصور النمطية وتشكيل الرأي العام بدرجة أكبر وأكثر تأثيرا من الاعلام التقليدي.
اضف تعليق