q
يجمع مفهوم الواقعية السحرية بين الواقع والفنطازيا، وكلاهما على نقيض، من هنا تأتي عملية التحديث في الكتابة، فالواقع وحده يبقى رتيبا ومعروفا للقارئ، وغالبا ما يمكننا توقُّع الأحداث قبل حدوثها، حتى أن نهايات القصص أو الروايات وحتى الأفلام السينمائية الواقعية، كانت معروفة النهايات سلفا، مما يطفئ تلك البهجة والمتعة التي تعد من أهم عناصر الإبداع...

يجمع مفهوم الواقعية السحرية بين الواقع والفنطازيا، وكلاهما على نقيض، من هنا تأتي عملية التحديث في الكتابة، فالواقع وحده يبقى رتيبا ومعروفا للقارئ، وغالبا ما يمكننا توقُّع الأحداث قبل حدوثها، حتى أن نهايات القصص أو الروايات وحتى الأفلام السينمائية الواقعية، كانت معروفة النهايات سلفا، مما يطفئ تلك البهجة والمتعة التي تعد من أهم عناصر الإبداع.

أما السحرية أو ما فوق الواقع، فهي تعتمد على مخيلة الكاتب، وقدرته على تحويل العادي والمألوف إلى شيء غير متوقَّع وغير مألوف، من هنا يكون حاملا معه مفاجأة أو صدمة وهي التي تدفع نحو تغيير الواقع أو تجميله، ومنح الأحداث حيوية عالية تجعل من القارئ يحلّق مع أحداث النص ويستمتع بها وبتفاعل معها، وبالنتيجة ترسخ في ذهنه ومن الممكن أن تغيّر حياته عبر التأثر الذي غالبا ما يكون واضحا بسبب دمج الواقع بالفنتازيا.

وقد وُصِفَ مفهوم الواقعية السحرية أو العجائبية بأنها تقنية أدبية ظهرت في كثير من الأعمال الروائية والقصصية في الأدب الألماني منذ مطلع الخمسينيات، و أدب أمريكا اللاتينية بعد ذلك، ثم وجدت طريقها إلى بعض الأعمال في آداب اللغات الأخرى.

وأشهر من كتب عنها من الكتاب، خورخي لويس بورخيس وغابرييل غارثيا ماركيز (حصل على شهرة عالمية كبيرة بعد روايته مائة عام من العزلة)، وتقوم هذه الواقعية على أساس مزج عناصر متقابلة في سياق العمل الأدبي، على أن تكون متعارضة مع قوانين الواقع التجريبي، فتختلط الأوهام والمحاولات و التصورات الغريبة بسياق السرد، الذي يظل محتفظا بنبرة حيادية موضوعية كتلك التي تميز التقرير الواقعي.

مسؤولية الكاتب والكتابة الروائية

وتوظف هذه التقنية عناصر فنتازية كقدرة الشخصية الواقعية على السباحة في الفضاء، والتحليق في الهواء وتحريك الأجسام الساكنة بمجرد التفكير فيها، أو بقوى خفية بغرض احتواء الأحداث السياسية الواقعية المتلاحقة، وتصويرها بشكل يذهل القارئ ويربك حواسه فلا يستطيع التمييز بين ما هو حقيقي وما هو خيالي، وتستمد هذه العناصر من الخرافات والحكايات الشعبية والأساطير و عالم الأحلام والكوابيس.

علما أن هذا الأسلوب لم يكن غائبا عن الكتابات العربية ومنها تلك الحكايات الواقعية السحرية المسماة بحكايات ألف ليلة و ليلة، حيث التوظيف الفطري للواقعية السحرية، مثل ما نجده في قصص الجان، و البساط السحري، و مصباح علاء الدين.

هذه الأحداث التي تفوق الواقع وجدناها في حكايات ألف ليلة وليلة قبل كتابات بورخس وغابريل غارسيا ماركيز وغيرهما من كتاب الواقعية السحرية، ولكن مع اختلاف الأسلوب وعمق المعالجة والطرح، مع أن معظم النقاد يقرّون بسحرية حكايات ألف ليلة وليلة.

أما بداية الواقعية السحرية، والدمج بين الواقع ونقيضه حدث في العام 1925 حيث نظم مجموعة من الفنانين معرضا في مدينة مانهايم في ألمانيا، ضم 130 عمل فني لـ 32 فنان، وكان أحد زواره الصحفي والناقد الفني الألماني فرانك روه، وأطلق عليه مسمى الواقعية السحرية، وهو أول من أطلق هذا الوصف على ذلك النوع من الفنون، ليحل بعدها تيار الواقعية السحرية محل الحركة التعبيرية، وازدهر في ألمانيا في فترة ما بين الحربين العالميتين.

من مؤّلفات الواقعية السحرية

أما أهم مؤلفات الواقعية السحرية، فهي المجموعة القصصية التي تحمل عنوان (الألف) لخورخي لويس بورخيس، و (مئة عام من العزلة) رواية لغابرييل غارثيا ماركيز وقد نال عليها جائزة نوبل للآداب، وذاع صيته ليملأ الآفاق شرقا وغربا، شمالا وجنوبا، والتصق هذا المفهوم (الواقعية السحرية) بهذا الروائي الكولومبي العملاق.

قد يسأل أحدهم وما هو الفرق بين الكتابات الواقعية وبين الكتابات الفنطازية، وبعضهم يسأل ما الغاية من اللجوء إلى العجائبية والغرائبية، والإجابة يمكن إجمالها بأن هذا النوع من الكتابة وفق مفهوم (الواقعية السحرية) يُعدّ محاولة للتغيير في أسلوب وفنون السرد، والتخلص من أساليب نقل الواقع كما هو، فالقارئ يعرف الواقع لأنه يعيشه ويراه ويفهمه، فما فائدة أن يراه كما هو عبر الروايات أو القصص أو الأفلام، لهذا لابد من حدوث تغيير مفيد.

ما هو هذا التعيير المفيد وكيف يمكن أن نصنعه للقارئ، من الواضح أن مسؤولية الكتابة كبيرة، ومسؤولية الكاتب عالية وثقيلة، فهو صانع أفكار قبل أن يكون صانع أحداث، وحكايات واقعية أو متخيَّلة، لهذا فإن هذه المسؤولية تحتم على الكاتب أن يدفع بالقارئ نحو التغيير الأفضل لأنماط الحياة، لهذا يأتي أسلوب الواقعية السحرية كوسيلة من وسائل التغيير التي يعتمدها الكتاب.

وهذا ما حدث في رواية مائة عام من العزلة التي أحدث ضجة كبيرة في العالم، وبعد ذلك تم كسر حاجز التفوق الأمريكي والأوربي في الرواية، لتتقدم رواية ماركيز عليها، ثم يدخل الأدب الأفريقي ليقدّم أعظم المنجزات الروائية، كما في العمل السردي الملحمي حبة قمح للكاتب نغوغي واثيونغو، أو رواية الأشياء تتداعى لكاتبها تشنوا أتشيبي.

اضف تعليق