تجد البرامج التلفزيونية التي تتطرق للإجرام صدى وقبولاً عند المشاهدين وتحظى بمشاهدات عالية، فالقائمون عليها يبتكرون وسائل للتشويق والإثارة في عرض المادة التلفزيونية! وتبدو هذه البرامج من الوهلة الأولى أنها لا تحمل في طياتها سوى المتعة؛ فهي مادة منافسة للهواتف الذكية في جذب المشاهدين واستنزاف وقتهم...
تجد البرامج التلفزيونية التي تتطرق للإجرام صدى وقبولاً عند المشاهدين وتحظى بمشاهدات عالية، فالقائمون عليها يبتكرون وسائل للتشويق والإثارة في عرض المادة التلفزيونية! وتبدو هذه البرامج من الوهلة الأولى أنها لا تحمل في طياتها سوى المتعة؛ فهي مادة منافسة للهواتف الذكية في جذب المشاهدين واستنزاف وقتهم؛ وهذا ما يتيح لبعض المحطات التلفزيونية بزجّ إعلاناتها الربحية!.
ولكن بالتمعن والتأمل العميق سيظهر لنا الخدمة العظيمة التي تقدمها هذه البرامج للمجرمين ولمراهقين الجريمة وللمرضى المهوسين بإرعاب الناس وجمع المال السريع؛ فهي توفر لهم دروساً علمية مجانية ذات فوائد جمة!.
فهذه البرامج المتفردة في علم الإجرام التطبيقي تثير مجموعة من الإشكاليات المتقابلة، فهي من جهة تسعى إلى تقديم خدمة الاخبار والتقارير والتحقيقات بتقريب الجمهور من ظروف عمل القوات الأمنية واشعار المواطن بأخطار الجرائم وتسلط الضوء على سلوك المجرمين، لكنها من جهة أخرى قد تتسبب بتأثير عكسي يصل حدّ الزيادة في نسب الجرائم، فهي تؤثر سلباً على المشاهدين لاسيما القاصرين.
وربّما لا يخفى على المهتمين بهذا الشأن أن هذه البرامج التي تبحث في عالم الإجرام قد أثارت في عددٍ من البلدان انتقادات واسعة لتأثيرها على فئات عمرية معينة، كما اعترف بعض ممن ارتكبوا جرائم أن ما قترفوه مستوحى من برامج الإجرام المعروض من شاشات التلفاز.؛ فهي تمدّ المجرمين بأفكار وطرق تساعدهم على تنفيذ خططهم؛ مما دفع ناشطو تلك البلدان بالمطالبة بمراجعة هذا البرامج وضرورة احترام أخلاقيات المهنة.
فالمجرمون يتصيّدون حالات مذكورة في هذه البرامج لتنمية خططهم وتطوير أدائهم بمعالجة أخطاء ارتكاب الجريمة والأدلة التي يتركها خلفه المجرم، فضلاً عن تأثر الناشئة بما يشاهدونه ويترسخ في أذهانهم ما يعرض أمامهم؛ قد تصل في أحيانٍ لما يسمى “التطبيع مع الجريمة”.
وقد يجد البعض أن ليس هناك من ضرورة لحذف هذه البرامج أو ايقافها، فهي برامج شائعة في الكثير من الدول، إذن ينبغي اعتماد صيغ أخرى لتقديم هذه البرامج كي لا يؤثر سلباً على التنشئة الاجتماعية، على سبيل المثال استدعاء متخصصين من مجالات متعددة كالإعلام وعلم النفس وعلم الاجتماع قبل بث الحلقة، وعدم الإفصاح عن الخبايا والتفاصيل التي من شأنها تطوير أداء المجرمين، والاكتفاء بالتلميح والتمويه وذكرها جملة لا تفصيلاً، فضلاً عن التدقيق في تأثير الجوانب الفنية من إخراج وموسيقى وتصوير. وبالإمكان أيضاً تحسين أداء هذه البرامج بإغناء الحلقات بالمعلومات القضائية والقانونية، وبمداخلات المتخصصين في علم النفس وعلم الجريمة وأثر تلك الجريمة على الضحايا والمجتمع.
وأصبح لزاماً على الفضائيات أن تعيد النظر في برامجها هذه، وأن تصحح مسارها بالابتعاد عن دروسها المجانية في علم الإجرام التطبيقي.. اما إن لم تعر هذه الجهات لمقالتي أدنى أهمية فهي بذلك تجسد عن قصد أو دونه شعار “كلنا يداً بيد من أجل خوض حرب ناعمة ضدّ الشعب العراقي”!.
اضف تعليق