"يقتضي عند البحث في الرمز الديني توضيح ماهية هذا الرمز بالنسبة للشاعر، إذ أن هذه المنظومة الإنسانية تتسع وتضيق بحسب اهتمام الشاعر بها واطلاعه على أبرز تشكيلاتها، فهي تتناول الشخصيات الدينية كالأنبياء والأوصياء والتعاليم والطقوس المقدسة في مختلف الأديان"1.
ونظراً لسعة الأفق الفكري والمعرفي وتنوعه في تجربة الإمام الشهيد السيد حسن الشيرازي (قدس سره) الشعرية لابد أن يتم استثمار الرموز الدينية التي يرتبط بها عقيدة وانتماء، ومن هذه الرموز رمز الإمام المهدي (عج) لما له من خصوصية وأبعاد تغري بالبحث والتقصي والاستكشاف إذا ماعرفنا أن حقيقة الشعر هي الغوص في الأشياء ومعرفة مدى ارتباطها بالإنسان وقضاياه ومصيره المستقبلي.
لقد حضر رمز الإمام المهدي (عج) في الكثير من قصائد الشعراء بوصفه رمز الخلاص الإنساني وأنه يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن ملئت ظلماً وجوراً، وقد تنوعت طرائق تعامل الإمام الشيرازي مع الرمز المهدوي بعدة دلالات حافظت على الثيمة الأصلية للرمز:
سأعودُ فوقَ مناكبِ التيارِ
وأُلَغِّمُ الأنوارَ بالإعصارِ
وسأنشرُ الأموات من موت الهوى
وأعبِّدُ الأمواجَ للبحّارِ
ويلُ الطغاةِ إرادةٌ جبّارةٌ
تطغي على المتعنّتِ الجبّارِ 2
هنا يقدم السيد الشيرازي صرخة مهدوية منذ العتبة النصية الأولى حيث عنون القصيدة (صرخة الإمام المنتظر)، وفي نفس القصيدة يقدم ألماً بتصويرٍ شعري عال:
أنا للعواصفُ تستطيل مدى المدى
أنا للقواصف تنتشي بدمارِ
فإلى مَ أكبت آهةً إن أجهشت
في الصورِ لاشتعلت بسبع بحارِ 3
ويبدو أن السيد الشيرازي انتبه إلى القصيدة الأكثر حضوراً في مشهد الشعر الذي قيل في رثاء أهل البيت عموماً والإمام الحسين خاصة وهي قصيدة السيد حيدر الحلي التي يستنهض فيها صاحب الأمر (عج) حيث صارت نشيداً تترنم به الأجيال الموالية المتلاحقة:
فانهض فما أبقى التحمل غير أحشاء جزوعه
كم ذا القعود ودينكم هدمت قواعده الرفيعة 4
وكأن السيد الشيرازي اراد لقصيدة (صرخة الإمام المنتظر) ان تكون رداً على هذه العينية العصماء كنا هو واضح من مطلعها (سأعود فوقَ مناكب التيارِ)، فالقصيدة تطمئن السيد الحلي وتؤمله بأن الفرج قادم مهما طال الإنتظار ومهما كان ألمه كبيراً. وفي مكان آخر يقدم في قصيدة (معطيات الظهور) تصورات وإجابات شعرية للكثير من الأسئلة المحيطة بقضية ظهور الإمام بعد غيبته الطويلة وكيف سيكون شكل العالم في حضوره وبأي نوع من السلاح سيواجه قوى التكبر التي تستخدم أحدث التقنيات لمواجهة حضوره الذي سيربكهم ويقضي على آخر أمل لهم فجاءت القصيدة بمعطيات هي أقرب للموضوعية:
وأنّ سلاحَكَ شيءٌ جديدٌ
إلى ذلك اليوم لم يُعملِ
وتلغى القنابلُ والطائرات
بأسلحةٍ -بعدُ- لم تُعقلِ
فتنهار أفئدة الظالمين
وتهوي الجباه على الأرجلِ
وتطوي الحكومات طي الخيال
وترمي المدى في المدى الموغلِ
عن الأرضِ ترفع ألف حجاب
لتكشفَ عن عالمٍ أجملِ
وتنسفُ أقيسة الفلسفات
بأقيسةٍ -بعد- لم تنجل5
فهل هناك مقاييس أبلغ وأنفع للبشرية من مقاييس القرآن؟، الكتاب الذي لم تعرف الأمة كيفية التدبر فيه وفي آياته، الأمة التي لو أعطت الحقوق لأصحابها الشرعيين لما وصلت اليوم إلى ما وصلت إليه حيث اغتراب الإنسان في ذاته باحثاً عن خيط أمل يتعلق فيه لينقذه من الأفكار التي تظهر أشياء وتبطن عكسها، هذه الهواجس جسدها السيد الشيرازي في قصيدته في قصيدته (صاحب الأمر):
ودهتنا مبادئ كالأفاعي
تنفث السمَّ في صميمِ الدواءِ
صاحبَ الأمرِ قم فأنت الذي
يقضي على كل فاجرٍ غوّاءِ
قم فإنَّ البلادَ ثارت غضاباً
حررت عن حكومةِ العملاءِ
هتفوا بالسلامِ لكنَّ خلف اللفظِ
لايطلبونَ غيرَ الدماءِ 6
كما اشتغل السيد حسن الشيرازي على رموز تحيط به ولها من دلالات شعورية وعلاقات تعبر عن الشعور الإنساني إضافة لما ارتبط به من الموجودات التي سكبها على شعريته بما يتلائم مع قضيته الأساسية، ومن هذه المفاهيم التي تم الإشتغال عليها على سبيل المثال لاالحصر (الصحراء، العري، الشراع، الكوخ، الألغام) وهي مستمدة من الواقع الحياتي المعاش:
أنا الصحراء كالجسدِ المسجى
في أقاصي القبة الزرقاء
أنا الغبراء
أشكو العريَ والجوعَ المُعَفَّرِ بالفراغِ
ولدغة الرمضاء 7
رغم تعاقب الأزمنة تفاوتت طرق استخدام رمز الصحراء واستلهامها مكانياً ووجدانياً استلهاماً يتماهى مع رؤية الشاعر ومهارته في التعامل مع اللغة وتطويعها، في هذا المقطع يزاوج السيد الشيرازي مكانية الصحراء برمز الجوع الذي ألبسه قميصاً مجازياً ليقدم معنى يترجم حالة الحزن والفراغ الفكري لإنسان هو أشبه بكائن صحراوي ينتظر خلاصه من زرقة لها مدلولاتها أيضاً.
إن أسئلة الذات والوجود الإنساني التي شغلت الكثير من الكتاب والمفكرين أخذت مساحتها الشعرية في تجربة الشهيد الشيرازي لكنها أسئلة اقترنت بتصورات معرفية وفرتها قناعاته الإسلامية المرتكزة على إرث أهل البيت عليهم السلام بكل ماله من بلغة وعمق حيث الإنسان قيمة عليا ارتضاها له مبدع السماوات والأرض كما جاء في موارد عديدة من القرآن الكريم لذلك يجب أن يكون كما أريد له وفق المعايير الإلهية القرآنية وإلا لاجدوى من وجوده كما جسده الشهيد الشيرازي في هذا المقطع الشعري المعرفي:
أنا مايعني أنا إن كنت تمثالاً مُسَيّر؟
أنا مايعني أنا إن كنتُ مرآة ومجهر؟
ليتني كنت كما يعني أنا، أو لم أُصَوَّر؟
اضف تعليق