شهدت فترة نهاية السبعينيات من القرن المنصرم أول حراك نقدي منهجي للسردية العراقية بعد انفتاح عدد من المتمرسين بالنقديات السردية على التجارب العالمية في تفكيك بنية النص الروائي، وقد أفادوا كثيرا من تنظيرات رواد الحداثة النقدية في أوربا مثل \"رولان بارت، وجوليا كرستيفيا...
شهدت فترة نهاية السبعينيات من القرن المنصرم أول حراك نقدي منهجي للسردية العراقية بعد انفتاح عدد من المتمرسين بالنقديات السردية على التجارب العالمية في تفكيك بنية النص الروائي ، وقد أفادوا كثيرا من تنظيرات رواد الحداثة النقدية في أوربا مثل " رولان بارت ، وجوليا كرستيفيا ، وتودوروف " وغيرهم ، وبعدها تحول الاشتغال النقدي من البنية الانطباعية الذاتية التوصيفية إلى بنية أخرى تشتغل على التقانات السردية المتقدمة مثل المبنى الحكائي والمتن الحكائي والأنساق السردية وما إلى ذلك ، واتفقوا على إن الرواية المعاصرة تنهل من كل التجارب الأدبية والفنية العالمية والعربية متأثرة بالتحولات الفكرية ألتي كان أبطالها من مغامري التجريب والتجديد في سبيل التوصل الى وسائل تعبيرية جديدة تتوائم مع المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي ألقت بظلالها على كل أشكال الفن بصورة عامة والرواية بشكل خاص ،فظهرت دراسات لفاضل ثامر لطراد الكبيسي وحاتم الصكر وآخرين
ومنذ عام 2000 وهو تاريخ صدور كتاب النقد الثقافي للدكتور عبد الله الغذامي بدأ التنظير و التطبيق العملي في بلاد العالم العربي لهذا الوافد الجديد من اجل قراءة مغايرة للنص عما هو مألوف سابقا.
تشتغل المنظومة النقدية الثقافية في كل تنظيراتها على نظرية الأنساق المضمرة، وهي أنساق ثقافية وتاريخية تتكون عبر البيئة الثقافية والحضارية، وتتقن الاختفاء تحت عباءة النصوص على مختلف أجناسها، ثم تشتغل بصورة مذهلة في توجيه الجهاز ألمفاهيمي للثقافة وسيرتها الذهنية والجمالية المترسخة من خلال التلاحم الديالكتيكي مابين النص واليات التلقي المختلفة .
وقد تأثر المنهج الثقافي بإستراتيجية جاك دريدا التفكيكية القائمة على التقويضية والتشتيتية والتشريحية، ولكن ليس من أجل إبراز التضاد والمتناقض، و تبيان المختلف أثراً وتأجيلا، بل من أجل استخراج الأنساق الثقافية عبر النصوص سواء أكانت تلك الأنساق الثقافية مهيمنة أو مهمشة، وتمركزها في سياقها المرجعي الخارجي، متأثرة في ذلك أيضا بعدة اتجاهات مثل الماركسية الجديدة، و التاريخانية الجديدة، والمادية الثقافية، والنقد النسوي الذي يدافع ثقافيا عن كينونة التأنيث في مواجهة الفحولة المطلقة ، ونلاحظ في حفريات المعرفة لميشيل فوكو ميلا واضحا لهكذا نقود فضلا عن بورديو صاحب نظرية المادية الثقافية وآخرين غيرهم ، أما من العرب فتعد كتابات ادوارد سعيد وعبد الله الغذامي خير مثال في هذا المجال .
وعليه فالنقد الثقافي هو مشروع في نقد الأنساق، والنسق مرتبط بكل ما هو مضمر من جهة وما هو غير مضمر من جهة اخرى، وقد كانت هنالك تجارب نقدية عراقية في هذا المجال للناقد ثامر عبد والدكتور . محمد ابو خضير واسماء اخرى لايسع المجال لذكرها .
وهنا ثارت ثائرة العديد من ادبائنا على هذه الدراسات النقدية وقالوا بأنها أثواب جاهزة نلبسها لأي نص ، وهي دراسات غير صحيحة لأنها خرجت من واقع غربي بعيد عن مرجعيات النص العربي .
وأمام هذا وذاك من المؤيدين والمعارضين تصدى رجال النقد الأكاديميين مثل علي جواد الطاهر ومالك المطلبي وعناد غزوان للجدل الإشكالي وأعلنوا بأن النص قد غادر محليته وأصبح كونيا واتفقوا كليا مع المناهج النقدية الحديثة الوافدة ألينا ونظرية موت المؤلف وقد اشرفوا على دراسات عديدة في جامعاتهم من اجل إيجاد خطاب نقدي رصين .
لكن المشهد بقي ضبابيا و لازال النقد العراقي يعاني من اشكاليتين ، الأولى هي توجه العديد من الأكاديميين على تطبيق المناهج الحديثة على نصوصنا محاولين تطويعها او حتى لي عنقها إلى بنية المنهج النقدي ، أما الثانية هي عودة النقود الوصفية المعتمدة على ماحوته متون الكتب العربية الكلاسيكية من توصيفات للغة والحوار والشخصية والبعيدة عن التفسير والتحليل والتأويل وهي آليات التلقي المتقدمة مما ولد نكوصا كبيرا في المشهد النقدي بمختلف مشاربه بل وتدنى عن اقرأنه في دول المغرب العربي.
اضف تعليق