q
بسمة المومني-جريدة ذا غلوب آند ميل.

 

إنّ تقويض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لخطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015 للحد من البرنامج النووي الإيراني هو جزء آخر من اتجاهاته الأحادية الجانب للانسحاب من الصفقات الدولية. وبغية استرضاء قاعدته السياسية، انسحب السيد ترامب بالفعل من اتفاقات رئيسية متعددة الأطراف، مثل الشراكة عبر المحيط الهادئ واتفاق باريس، وهو يهدد بالانسحاب من اتفاق التجارة الحرّة لأمريكا الشمالية واليونسكو. ولكن هذه الإجراءات القصيرة النظر مضللّة وغير مجدية. وعلى غرار الاتفاقات الدولية التي قوّضها السيد ترامب في الماضي، سيستمر الالتزام بخطة العمل المشتركة من دون الولايات المتحدة، والذي سيتأثر فقط هو نفوذها العالمي واقتصادها.

وتعتبر شهادة يوم الجمعة لاتفاق إيران مسألة قانونية أمريكية داخلية، وليس دولية. وينصّ قانون مراجعة الاتفاق النووي الإيراني (إينارا) على أن يقرّ الرئيس أمام الكونغرس بأن إيران تمتثل لخطة العمل المشتركة كل 90 يوماً. وقد وضِع كل هذا في الأصل من قبل الكونغرس الذي تغلب عليه السمة الجمهورية في العام 2015 من أجل إجبار الرئيس باراك أوباما حينها على تقديم حكمه على امتثال إيران للاتفاق الدولي وعما إذا كانت الصفقة لا تزال تفي بمصلحة الولايات المتحدة الوطنية.

تعود حجج السيد ترامب ضد خطة العمل المشتركة إلى حملة ترشيحه. وقد تشبث بالبند الذي ينصّ على إبطال الاتفاقية بعد 10 سنوات؛ بيد أنّ الاحتواء على المدى القصير أفضل من عدمه على الإطلاق. ولا تنصّ خطة العمل المشتركة على أي بند يمنع توسّع نفوذ إيران في الشرق الأوسط وسلوكها الإقليمي المدمّر، خاصةً في سوريا والعراق، الأمر الذي يشكل مصدر قلق لجيرانها. ويشكّل برنامج إيران للصواريخ الباليستية أيضاً مصدر قلق وجيه، إلا أن هذه البرامج تخرج تماماً عن معايير خطة العمل الشاملة المشتركة. وببساطة، فإن خطة العمل المشتركة تحقق أهدافها المعلنة المتمثلة في تخفيض القدرة النووية الإيرانية، وقد أكّدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية مراراً وتكراراً التزام إيران التقني.

ومن خلال عدم التصديق على اتفاق إيران النووي، يكون الرئيس قد رمى الكرة إلى ملعب الكونغرس. وإذا قرر الكونغرس أنّ إيران تنتهك خطة العمل المشتركة، يكون لديه 60 يوماً لإعادة فرض عقوبات أمريكية ثنائية محددة توضع بموجب الاتفاق، أو يمكنه أن يختار تعديل الاتفاق النووي الإيراني وإزالة عملية التصديق نهائياً. وأشار وزير الخارجية ريكس تيلرسون إلى أنه سينصح الكونغرس بعدم “سحب العقوبات” لأن ذلك سيجعل الولايات المتحدة تخرق اتفاقية دولية بشكل تقني. ولا يمكن التوقع من كونغرس منقسم أن يتوصل إلى اتفاق، وسيلقي السيد ترامب اللوم على الكونغرس لهذا الفشل التشريعي، كما فعل آخرون في إدارته.

بالتالي، وبغضّ النظر عن إجراءات الكونغرس، فإن الاتفاق النووي الإيراني سيستمرّ. ومن المتوقع أن يكون الموقّعون الأصليون على الاتفاق قد أكدوا مجدداً دعمهم المتواصل لخطة العمل الشاملة، أقلّه لأن التراجع عن الصفقة من شأنه أن يقوّض المفاوضات الدولية مع كوريا الشمالية للحدّ من برنامجها النووي. إنّ الأوروبيين والصينيين والهنود والروس وغيرهم يبرمون أصلاً صفقات تجارية مع إيران، وعلى الرغم من تهديد السيد ترامب ومسرحياته، سيستمر الدعم العالمي الموحّد لبرنامج العمل المشترك. وكما هو الحال في الاتفاقات الدولية الأخرى التي نكث بها السيد ترامب، سيستمر العالم بتوسيع التجارة وخفض نمو انبعاثات الاحتباس الحراري والحفاظ على تراثه. ببساطة، ستقوم دول أخرى بردم الهوة، والخاسر الوحيد سيكون الولايات المتحدة الأمريكية.

دعونا ننظر إلى أحد جوانب خطة العمل الشاملة التي سمحت لمصنّعي الطائرات بالانخراط مجدداً مع إيران. فقد وقّعت بوينغ صفقة بقيمة 17 مليار دولار أمريكي مع إيران للمساعدة في تحديث أسطولها من الطائرات التجارية القديمة بعد سنوات من العقوبات. ووفقاً لبوينغ، فإنّ الصفقة تدعم 100 ألف وظيفة أمريكية في قطاع التصنيع الضعيف والذي قد يتعرض الآن للخطر إذا ما تم فرض العقوبات من جديد. وستكون شركة إيرباص الفرنسية هي المنتفع المحتمل، إذا تعرقلت صفقة بوينغ. وبغية أن يحقق السيد ترامب فوزاً سياسياً قصير المدى، فإنّه يعرّض الشركات الأمريكية والاقتصاد الأمريكي للخطر بشكل متهور.

وقد تحاول رسائل الرئيس الشعبوية أن تعيد إلى الأذهان العصر الذهبي للهيمنة الأمريكية، إرضاءً لقاعدة مؤيديه، لكن قوة الولايات المتحدة بعيدة كل البعد من أن تكون لا تُقهر. وها هو السيد ترامب يعمل بأحادية في عالم يميل أكثر فأكثر نحو التعددية؛ وهو واقع يفشل في إدراكه. لقد تطلّب الأمر تعاوناً دولياً لوضع خطة العمل المشتركة، ولن تتفكك هذه الخطة بسبب الانفرادية الأمريكية. وقد يسجّل السيد ترامب فوزاً رمزياً مع قاعدته الشعبوية من خلال قسوته على إيران، لكنه يجرّ الكونغرس للفشل والشعب الأمريكي للخسارة.

* بسمة المومني، زميلة غير مقيمة - مركز بروكنجز الدوحة
https://www.brookings.edu

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق