في نفس كل إنسان يكمن حب التفوق والنجاح، والإنسان بطبيعته يحب التقدم في أي مجال كان، ولكن الضعيف الذي يتكاسل لا يهمه التقدم أو النجاح ويرضى بحاله كيفما كان!. لأنه لا يجد سببا يدفعه للحصول على الأفضل، ولا يشعر بأنه يجب أن يتقدم الى أمام، فيعيش كيفما اتفق، ولكن الانسان السليم يبحث بين فينة وأخرى عن أسباب تقدمه وضعفه، كي يتعلم من أخطائه ولا يكررها ويدرس أسباب نجاحه كي يعمل بها ويتقدم من خلالها.
وبما أن الحياة أقصر مما يمكن أن يبدأ كل شخص من جديد، لذلك فإن أصحاب العقول النيرة والأذكياء، يدرسون عوامل النجاح وأسباب الفشل عند الآخرين، كي يصلوا أسرع الى المقصد المطلوب، لذلك يقول الله في كتابه الكريم (فاعتبروا، تدبروا...) ويحفزنا على دراسة حياة الماضين والتفكر في خلقه سبحانه وتعالى .
المنافسة حكمة جلية نجدها في المجتمعات المتطورة، فهي تنهض بالضمائر الإنسانية، وتكون بمثابة المركب الى بر الأمان وإذا دققنا في الخليقة منذ بداية مصيرها، سوف نجد أن المنافسة إحدى المفردات الهامة بين خلق الله، ولكن في بعض الأحيان تكون شريفة وفِي بعض الأحيان تفقد شروط النزاهة والشفافية.
العقول المتفردة حجر الزاوية
وبما أن أصحاب العقول والقلوب المفعمة بالحق والقيم الجميلة، يختلفون عن غيرهم، فمن الطبيعي أن نجد أنواعا كثيرة للمنافسة في حياتنا اليومية، فهناك من يتنافس كي يصعد على ظهر أخيه، ويأكل أمواله، وهناك من يدفع منافسيه الى الهاوية، وثمة من يكمن في قلبه الصدق وإخلاص النية، فيسعى كي يبحث عن الخير لنفسه وللجميع.
هنا يكمن الفرق، بين من يتقدم بصورة حثيثة ويتمسك بمبادئه ويسعى الى الأمام بشرف، وبين من يبحث عن التقدم بالطرق غير الشريفة.. من الطبيعي أن يكون مصير صاحب النوايا السيئة، الغرق في محيط الفشل فجأة !أو بعد مطاولة ومماطلة في أسلوبه المتحايل والمخادع مع الآخرين.
فحتى وإن حقق نجاحا كبيرا، من أين نعرف بأن المنافسة محمودة؟.
عندما تخلص النيات وتدفع الإنسان والمجتمعات الى فعل الخير من أجل أهداف سامية، وتكون منهجا للبناء، وبالعكس عندما ترتبط بالتعدي على حقوق الآخرين ستكون مرفوضة بلا شك وسوف تكون عاملا للهد ، ومع تطور المجتمعات في هذا الزمن بالتحديد، حيث كل شيء قابل للوصول إليه بسهوله، وعند متناول الأيدي، اشتعلت روح المنافسة بين الناس أكثر من ذي قبل، حيث يسعى الجميع للحصول على الأكثر والأفضل.
وفي هذا المجال وعن هذا الفحوى المهم للمنافسة، كانت لشبكة النبأ المعلوماتية جولة بين النساء الناجحات في المجتمع النسوي، حيث سألنا عددا منهن عن المنافسة وكيف يَرَوْنها بين النساء؟.
أجابت الإعلامية سكينة الموسوي بأن: المنافسة بحد ذاتها أمر إيجابي، إن كانت ضمن إطار (الإفراط والتفريط)، أي إذا كانت متزنة ومتسمة بالوسطية، وقد أمر الله جل شأنه بها: (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون)، كذالك لا ننسى الغرائز المستودعة في جبلة الانسان السوي (ألا وهي غريزة حب الكمال)، حيث جبل الانسان على البحث عن الكمال، وعلى حبه والتشبث بكل ما من شأنه، أن يأخذ بيده للكمال وحينما يجد ذلك في الاخرين، تبدأ روح التنافس تمضي نحو بلوغ ذلك وإن كان الكمال لله تعالى.
وأما التنافس بين النساء، فهذا الأمر يتبع شخصية المرأة ومبادئها، فإن كانت تسعى وتركض وراء أهداف دنيوية، ستكون منظومة تفكيرها مبرمجة على الباطل، وسيكون تنافسها غيره وحسد ومراقبة سلبية للتفوق على الآخرين، وإن كانت أهدافها ونيتها خالصة مع الله ستكون منافستها دافعا للتقدم والارتقاء والتألق.
صراع بين العلم والجهل
بعد ذلك أفصحت (أحلام كاظم ابراهيم مدرسة تاريخ) عن رأيها في هذا الشأن فقالت: ان النزاع والخصام بين النساء سببه حسب تجربتي المهنية.. صراع بين العلم والجهل، بمعنى أن المرأة الجاهلة وغير المتعلمة تصب جام غضبها على المرأة المتعلمة وتناصبها العداء، لان الجاهل عدو نفسه، فكيف لا يكون عدوا للناس؟.
ومن ناحية أخرى هناك عداء وخصام بين القوي والضعيف، بمعنى آخر حكم القوي على الضعيف وخصوصا اذا كان الضعيف يمر بظروف ماديه صعبة، والطرف الاخر يكون بيده زمام الامور.. وهناك صراع بين الانسان الناجح في حياته وبين الانسان الفاشل، فالأخير دائما يعادي الإنسان الناجح، والغيرة من المتفوق والناجح في الحياة المهنية، ظاهرة موجودة حتى عند الرجال، فكما يقال في الامثال (ما تخاصم رجلان إلا على مال أو على امرأة.
أما (حنين حليم محمد/ قسم الصيدلة) فقد كان لها رأي آخر حول هذا الموضوع، حيث ترى حنين: بأن المنافسة جيده وفق المنظور الذي وصفه الله وأهل البيت (عليهم السلام): فكما ورد في القران الكريم (فليتنافس المتنافسون)، فجميل أن نرى نساءنا يتنافسن فيما بينهن، وكيف يعتنين بأزواجهنّ وبيوتهن وأولادهن وعلى جانب من دينهن وفيما ينفعهن، وهذا المعنى صار بعيدا عن نسائنا في هذا العصر الذي بلغ فيه مستوى التنافس بين أعلى مستواه.
حيث أخذ الناس يتنافسون في نوع وطريقة تأثيث البيوت، ففي كل سنة هناك أثاث مختلف عن السنة الماضية، وكذا بالنسبة للملبس والمطاعم والترفيه، مع بروز ظاهرة نشر كل هذه الأمور في مواقع التواصل الاجتماعي وسوى ذلك الكثير.. وهذا يبعدهم كل البعد عن المعاني الحقيقية للتنافس المفيد، والحقيقة يؤسفني التحدث حول مجال العمل، بما أن (الموظفات) هذه الأيام لا يعتنين بجودة العمل أو بما يمكن أن يقدمنَ ما هو أفضل في وظائفهن، فالفئة الغالبة تتخذ العمل كواجب وتود قضاء ما عليها فقط، ومن ثم الرجوع للبيت، وهذا يتجسد في المرأة المتزوجة، أما غير المتزوجات، فالكلام هنا مختلف، فهي تهتم بالموضة ومواد التجميل وكيف يمكنها أن تكون اليوم أحلى من زميلتها، وكيف انها تتمكن من الارتباط بشخص بنفس الوظيفة والسلك العملي، هكذا يتجسد التنافس للأسف ولكن أكرر، هنالك فئة تعنى بالضمير وتقديم كل ما هو أفضل بالعمل ولكنهم القلة.
ومن (فاطمة الحمامي/ اختصاص إدارة أعمال) حصلنا على رأي في هذا الخصوص حيث قالت: إن دور المنافسة في تطوير المجتمع يكمن في أن المنظمات نتيجة للمنافسة الشديدة التي تخوضها مع منافسيها سوف تسعى بأقصى طاقاتها لتظهر بصورة حسنة أمام المجتمع والبيئة المحيطة، بالتالي يعود هذا بالنفع على المجتمع بما ستقدمه المنظمة من برامج او دورات تدريبية تطويرية، وخطط ومساهمات ومشروعات ضخمة تساعد على رقي المجتمع، بالتالي سوف يسعى أفراد المجتمع لتطوير أنفسهم للحاق بمنظومة التطور. أما أثر المنافسة على تطور المرأة العاملة، فنتيجة للمنافسة القائمة الآن على تفعيل دور المرأة في العمل، واجتذاب الكفاءات منها، فتسعى المنظمات لاستقطاب مثل هذه الكفاءات، بالتالي تتواجد الحاجة الملحة عند المرأة العاملة لتطوير نفسها والرغبة في الحصول على الترقيات والمناصب العليا فيحدث التطور.
ختاماً نشير الى ان المنافسة اذا سارت في اتجاهها الصحيح، سوف تكون سببا أساسيا في تقدم المجتمع، وتكون ذات تأثير قوي على المجتمع وأفراده، ولكن اذا سارت في اتجاه خاطئ سوف تكون سببا في إلحاق الأذى بالمجتمع، وربما نرى الأمور طبيعية في الظاهر ولكن هذا يتعلق بالقشور السطحية لهذه الظاهرة، إذ سرعان ما تزول القشور وينكشف القبح الكامن في جسد المجتمع كله.
اضف تعليق