في ظل الظروف القاسية التي عاشها البلد خلال 2003 ومابعدها, نلاحظ تراجع عام في الإقتصاد الوطني إضافة الى ضعف الجانب التنموي والتربوي... ولايخفى بإن هنالك أسباب عديدة ساهمت في هذا التردي وخلقت جواً من الظروف الصعبة, ومن أبرزها الفرصة التي منحها ترهل الأمن لكي يستفحل الإرهاب ويوتر الوضع الأمني في البلد.
ولم يتوقف هذا التراجع على الجوانب الإقتصادية والأمنية في البلد فقط, بل إستمر ليصل الطابور الى الجانب العلمي, فمنذ سنوات عديدة نلاحظ تراجع في المستوى الطالب الدراسي, بعدما شهدت منظمة يونسكو بأن العراق قبل حرب الخليج الثانية 1991 كان يمتلك نظاما تعليميا يعتبر من أفضل أنظمة التعليم في المنطقة, ولكن الوضع بدأ يتدهور بسرعة بسبب عدة حروب إضافة الى العقوبات الاقتصادية التي فرضت على العراق.
وفقا لتحليل اليونسكو في عام 2003 تفاقم النظام التعليمي في مركز العراق وجنوبه, على الرغم من توفير الأساسيات من خلال برنامج النفط مقابل الغذاء. ولكن شمال العراق لم يعانِ بقدر كبير مثل باقي العراق بسبب برامج إعادة التأهيل وإعادة الإعمار المنظمة من خلال الأمم المتحدة وعدة وكالات.
منذ 2003 ظهرت المشاكل الرئيسية التي تعيق النظام، وتشمل : نقص الموارد، وتسييس النظام التربوي، إضافة الى الهجرة والتشرد الداخلي من الأساتذة والطلاب، والتهديدات الأمنية، والفساد, والأمية على نطاق واسع مقارنة مع قبل، حيث أن نسبه الأميه تمثل 39 ٪ لسكان الريف, وتقريبا 22 ٪ من السكان البالغين في العراق لم يلتحقوا بالمدرسة، و9 ٪ من المدارس الثانوية.
وفي دراسة استطلاعية تفصيلية لنظام التعليم في العراق التي أجرتها Geopolicity في عام 2010 اشير إلى ان على الرغم من التحسينات الكبيرة منذ عام 2003، ولكن نظام التعليم يتطلب استثمارات كبيرة للتغلب على ميراث الصراع, ويحدد التقرير سلسلة من التوصيات التي تشمل الحاجة إلى سياسه تعليم تستند إلى الأدلة, وإعادة هيكلة وترشيد وظيفية جديدة حول تفويض أكبر خدمة نموذج التسليم, وزيادة في تنمية الموارد البشرية, وحسبت تطوير تقديم الخدمات للتركيز الإنفاق العام على حد سواء الأولوية وطويلة الأجل الاحتياجات الهيكلية.
ولنظرة واقعية أكثرفي تلخيص الواقع الجامعي والعوامل او الأسباب التي تساهم في تدني مستوى الطالب الدراسي, قمنا بإخذ عينات عشوائية من طلبة الجامعات وطرحنا عليهم السؤال التالي: (ماهي الاسباب التي تساهم في تدني مستوى الطالب؟).
فكان جواب الطالب "حسن علي نورالدين" (الظروف العائلية والشخصية تلعب دورا كبيرا في تراجع مستوى الطالب العلمي, كما إن الوضع المعيشي للطالب يجبره على العمل والدراسة في ان واحد, وهذا سيؤثر سلبا على مستواه العلمي, لانه لن يجد الوقت الكافي لتقسيم نهاره بين العمل والدراسة, كما إن نقص الوظائف وعدم توفر "التعينات" تسلب إرادة الطالب في أن يطمح لنيل الشهادات العليا, بل سيبذل قصارى جهده من أجل تعلم مهنة خاصة, يستطيع من خلالها كسب رزقه).
وبعدما وجهنا نفس السؤال الى الطالب الجامعي "زيد علي وحيد" قال ( العاتق الاكبر يقع على الطالب نفسه, فهنالك بعض من الطلاب يتهاونون في حضور المحاضرات المهمة, ولن يعيروا اي اهتمام مبالغ بالمناهج الدراسية, وبرأيي عمل الطالب ليس سببا مقنعا لتهاونه في الدراسة, فأنا امارس العمل وادرس في نفس الوقت, ومستواي العلمي جيد وأطمح في التقديم على الدراسات العليا)
وقالت الطالبة "نور علي خزعل" ( لأننا نعيش في مجتمع ذكوري, وهنالك اراء كبيرة تتمثل برفض المرأة لممارسة العمل, نجد الكثير من الفتيات لايفكرن في مستقبلهن العلمي, بل تتوقف أحلامهم عند عتبة التخرج ونيل درجة القبول, لأن في جميع الحالات سينتهي المطاف بهن بين جدران البيت الأربعة).
اما رأي الطالب "زيد علي عبيد" كان (هنالك تقصير كبير من قبل التدريسين والأساتذة, فالبعض منهم يتعامل بطريقة غير لائقة مع الطالب ولايحترم شخصه, ويحاول فرض أرائه عليه, ففي هذه الحالة ستتكون ردة فعل عكسية من الطالب ونفور من المادة الدراسية, ولاننسى بأن الوضع المادي يلعب دورا كبيرا في تراجع مستوى الطالب, فهنالك بعض الطلاب يتغيبون من المحاضرات ليستغلون الوقت في العمل لإعانة اهلهم).
ولمعرفة معلومات أكثر كان لابد لنا بأخذ رأي مختص, الدكتور الجامعي "باسم السعيدي" في جامعة كربلاء حيث قال: (نعتقد بأن السبب الرئيسي هو أن االتدريس في المراحل (الابتدائية, المتوسطة, الإعدادية) يتركزفي إعداد الطالب بصورة خاطئة وتستمر طريقة التعلم بالحفظ والتلقين لكافة المراحل, كما إن وفي ظل الأزمة المالية والتقشف نشاهد ضعفا في ونقص كبير في بعض الإختصاصات والكوادر العلمية والتي تلعب دورا سلبيا في الية التعليم.
وأضاف السعدي: كما إن للتعيين الذي أصبح حديث الساعة دورا في ضعف طموح الطالب, ومن الممكن أن نلاحظ بأن تدفق الطلاب نحو الإختصاصات التي تقدم فرصة عمل أكثر من غيرها, فتجد الطالب في صراع مستمر بين ماتهوى اليه ميوله العلمية وما تقدمه الإختصاصات الاخرى من فرصة عمل, وهذه الثقافة غير صحيحة بتاتا, لأن ظرف البلد إن شاءالله زائل, والبلد بحاجة الى كافة الاختصاصات.
وجوابه عن سؤال "هل المنحة وزيادة عدد المقاعد الخاصة بالدراسات العليا, وتوفير فرص البعثات تعتبر من المغريات التي ستزيد من مستوى الطالب؟" كان: بالنسبة للمنحة الدراسية فبرأيي إنها ستخدم الطالب كثيرا, وياحبذا لو تقدم هذه المنح الى الطلاب المتفوقين لزيادة المنافسة العلمية بين الطلاب, وتشجيعهم على رفع مستواهم الدراسي, واما بالنسبة لموضوع البعثات والدراسات العليا, فهي تعتبر فرصة جيدة لكي يعمل الطالب على نفسه خلال الاربع سنوات الجامعية, خصوصا لمن لايجد فرصة عمل في الوقت الراهن.
وعن الحلول التي من الممكن أن تساهم في رفع مستوى الطالب الدراسي قال: ادخال المعلمين والمدرسين دورات تقوية وتأهيل, يوازي الاسلوب الجامعي الحديث, وهذا سبب آخر يظهر من خلال ضعف الأداء العلمي والأكاديمي للأستاذ أثناء مباشرته لوظيفة التعليم في المواقف التعليمية الجامعية؛ ويُمكن تعليل هذا الضعف بسبب عدم إلمام بعض الأساتذة بمهارات التدريس، وافتقارهم للوسائل التعليمية والإيضاحية الضرورية في عملية التدريس.
إعداد برنامج التعيين بين وزارة العمل والتعليم والتخطيط لتكون أعداد المقبولين في الجامعات وفق الحاجة, وتعيين ذوي الشهادات العليا في الجامعات الاهلية, وتقوية البرامج التعليمية النوعية, إذ انها بالفعل تفتقر إلى النوعية وإلى سياسة بيداغوجية إستراتيجية ورشيدة وواضحة، تُوازن بين عاملي الكم والزمن؛ فبرامج التعليم في بعض التخصصات تتسم بالحشو المعرفي، الذي لا يراعى فيه عامل الزمن الكافي، وأهميته في استيعاب تدريس كل وحدات المقاييس المقرّرة إضافة وضرورة اهتمام الطالب وشد عزيمته في طلب العلم.).
هنالك آداب الطلب والتحصيل إنْ كان من جهة الطالب أو من جهة الأستاذ, أما بالنسبة للأستاذ فهو قبل كل شيء مربي، والواجب عليه أن يكون قدوة لطلابه, بأن يكون متحليا بأخلاق العالِم المربي، يحفظ عدالته من القوادح، ويكلأُ مروءته من الخوارم، فلا يرونه حيث ينهاهم، ولا يفتقدونه حيث يأمرهم، فإذا نهى عن شيء تركه أصلا، وإذا أمر بشيء كان شديد الأخذ به.
وترك الأستاذ لأخلاقيات وظيفة التعليم سبب مؤثر في زهد الطلبة في طلب العلم، وتبرّمهم في السعي لتحصيله، كما قال علي بن أبي طالب عليه السلام: "إنما زهد الناس في طلب العلم، لما يرون من قلة انتفاع من علم بما عمل".
والطالب النبيل يلحظ حال شيخه وأستاذه من آداب العالم، وما يفعل بعلمه في خاصة نفسه وعلاقاته مع غيره من طلاب وغيرهم، ومعلوم أن الأخلاق تُوَرَّث كما يُورّث العلم والمال فالعالم المتواضع المتأدّب الخلوق، يُورّث دلّه وشمائله ودماثة أخلاقه لطلابه، أما العالم المعلّم غير المتأدب بعلمه، فسيُورّث سوء خلقه لطلابه، وهنا ما على الطالب الذكي إلا أن يصبر على سوء خلق أستاذه ويشحذ همته على التحصيل ويثبت حتى يُكتب له التوفيق.
ومن جانب آخر، إن الطالب أيضا مطالب بالتحلّي بآداب طلب العلم لأن النبتة الضعيفة لا يُرجى نموها إذا لم تُنكث التربة من حولها، وتسقى بماء رَويّ يشدّ ساقها، ويُقوّي عروقها.
فنستنتج من هذا الكلام بأن العبئ الأكبر يقع على عاتق الطالب في رفع مستواه العلمي, والتفكير بمستقبل مشرق على أساس بأن الوضع لن يبقى على حاله, فكما يقول المثل (دوام الحال من المحال).
كما ان هنالك بعض الافكار التي تنص على إن هنالك فرقا في نسبة الذكاء بين طالب واخر, وعلى أثر هذا الكلام يقول "وليام جيمس" وهو من علماء النفس (إن الفرق بين العباقرة, وغيرهم من الناس العاديين ليس مرجعه أو صفة أو موهبة فطرية لدى العباقرة, بل الفرق هو في الموضوعات, والغايات التي يوجهون اليها هممهم, والى درجة التركيز التي يسعهم البلوغ اليها).
وإذا درسنا حياة عظماء التاريخ نجد أن الذي خلدهم إنما كان ارتباطهم بهدف عظيم, وإبتعادهم بسبب ذلك عن التوافه, وهذا يعني أن المهمة العالية تجر الشخص الى أن يعمل أكثر من غيره, وينجز أكثر من غيره, وينجح أكثر من غيره, يقول الامام علي (عليه السلام): من رقى درجات الهمم عظمته الأمم (غرر الحكم ودرر الكلم, 5/210).
ويقول الحديث الشريف : "يطير المرء بهمته كما يطير الطائر بجناحيه" فمن شرفت همته عظمت قيمته.(غرر الحكم ودور الكلم, 5/272).
وهكذا فأنه مطلوب دينياً وحضارياً أن نكون طموحين وأن نطلب من الله تعالى أن يجعلنا من أعز خلقه, وأفضل عباده وأن يمنحنا همم عالية..
اضف تعليق