إنتشرت في الآونة الأخيرة وبشكل لافت للنظر وأمام أعين المسؤولين العراقيين ظاهرة عمالة الأطفال والأحداث في مختلف المهن والحرف السهلة والصعبة, والتي تتزايد بين فترة وأخرى وكل عام وخصوصا بعد سقوط النظام السابق والى الآن. وقد حذرت منظمات المجتمع الدولي ومنظمات تابعة للأمم المتحدة والتي تختص بحقوق الطفولة وحمايتها من مخاطر تواجد آلاف الأطفال يوميا في ميادين الأعمال الشاقة.
سامر طفل عمره لا يتجاوز عشر سنوات يقول أني أتوجه صباح كل يوم إلى كراج خاص لتأجير عربات الدفع لأعمل بها لكسب المال لي ولعائلتي المكونة من خمس أنفس، وأنا وزملائي في المهنة نواجه أحمال ثقيلة يوميا وخطرة في نفس الوقت لا تتناسب مع أعمارنا وأحجامنا وخبرتنا في الحياة اليومية قليلة.
المواطن (جواد حمود) رمى هذه الحالة الاجتماعية الخطيرة في دولة غنية بثرواتها المختلفة مثل العراق على الحكومة المركزية ووزارتي التربية والعمل والشؤون الاجتماعية لسحب الأطفال من كافة الأعمال التي يعملون بها وزجهم في مقاعد الدراسة أو إيداعهم في دور رعاية الدولة للأحداث لإحتضانهم ورعايتهم بدل تشردهم في الشوارع وفقدهم براءة الطفولة التي يسحقها الفقر والجور والإهمال. ولنجعل البسمة والعلم والنظافة شعار دائم أمام أطفال العراق الجديد لأنهم بناة المستقبل وجيله الواعد.
المشرفون التربويون قالوا أن الأرقام الحقيقية للمتسربين من مقاعد الدراسة للعام الدراسي الحالي وقسم منهم تاركي الدراسة نهائيا في ازدياد مستمر وبدون محاسبة، وهذا خطر على العملية التربوية وخطر على مستقبل أجيالنا لأن تركهم بهذه الصورة يشجع على استفحالها وتكثر الأمية بين صفوف الأطفال والشباب بدون محاسبة عائلية وتربوية وقانونية. وربما بعض الأطفال أعياهم التعب ينامون قرب بضاعتهم أو على عرباتهم التي يعملون بها من حيث لا يدركون.
آراء الباحثين
الباحث الدكتور حسن بيعي (أستاذ أختصاص في الطب المجتمعي) قال: أن الأشغال اليومية التي يقوم بها الأطفال في عموم المحافظات العراقية تتسع يوما بعد آخر، وقسم منهم يؤدون أعمال شاقة لا يمكن أن يتصورها بشر، مثال على ذلك هو التحميل والتفريغ للبضائع والذي يؤدي مستقبلا إلى تشوهات في العمود الفقري، وقسم من الأطفال يعملون في المصانع الكيماوية وهذا العمل يؤثر على الجهاز التنفسي للطفل، وقسم آخر يحصد محاصيل الحقول المرشوشة بالمبيدات الحشرية وينظفون الأرض من الجرذان الميتة وهذا خطر على صحتهم كون تلك الحشرات ناقلة للأمراض المعدية!, ومن الأعمال الخطيرة الأخرى هو إن بعض الأطفال يحشرون أنفسهم في معامل صعبة على سنهم ومنها معامل صناعة الزجاج وأمام أفران تبلغ درجة حرارتها أكثر من ألف درجة مئوية مستنشقين أبخرة السليكون والزرنيخ والرصاص السامة وبشكل يومي والذي يؤثر على صحة الطفل مستقبلا، ومنهم من يعمل في معامل صناعة الطابق وخصوصا العمل داخل أفرانه والتي تنتج غازات سامة أيضا, ومنهم من يعمل في معامل أنتاج أكياس النايلون والملابس والجلود والأفران والمخابز, إضافة إلى عمل البعض في بيع أكياس النايلون وفي البسطيات، وقسم منهم يعمل في جر العربات لحمل البضائع والتنقل بها حسب الطلب وقسم منهم يحمل البضائع فوق طاقته يسبب له الأرهاق الجسدي, وغيرها من الأعمال التي تؤذي الأطفال وتفقد براءتهم وهم يأملون بمستقبل جيد ينقذهم من المتاعب اليومية، أنها صور مفزعة بحاجة إلى انتباه ومراجعة ومحاسبة من قبل وزارتي التربية والعمل والشؤون الاجتماعية وأولياء الأمور ومنظمات المجتمع المدني المختصة بحقوق الطفل واليتيم وحقوق الإنسان، خوفا عليهم من مستقبل مجهول لهم، فضلا عن خوفنا عليهم من إستغلال الجماعات الإرهابية المعادية للشعب العراقي لإستغلالهم في عملياتهم الإجرامية ضد الشعب العراقي الصابر والجريح منهم، وكذلك خوفنا عليهم لعودة زمن الرق بشكل يجعل العراق أكثر بشاعة . مبينا إن إهم أسباب عمل الأطفال عديدة التي تجبر الأطفال إلى العمل في الأماكن الخطيرة والكبيرة على سنهم منها :
1- لمساعدة أهله في تلبية احتياجاتهم المادية والمعنوية.
2- الطفل اليتيم يخرج بنفسه للعمل ليكسب لقمة عيشه مما يؤدي إلى ترك المدرسة وهجرها.
3- قسم من الأهالي تخرج أطفالهم بالقوة إلى ميدان الأعمال الشاقة والخطرة على صحتهم المهم عندهم مكسب مادي يجنيه لهم أطفالهم وشبانهم دون معرفة النتائج الصحية والجسدية ولا يعرفون حقوق الطفل الذي يتعرض إلى الإرهاق في العمل.
4- استغلال بعض الأطفال بتشويههم ليتمكنوا من العمل كشحاذين، أو يقوم كل صباح قسم من الأطفال بجمع النفايات المهمة وعزلها حتى يبيع القسم المهم منها.
إصابات الأطفال
من جانبه قال الباحث الإجتماعي (حيدر نوري) إنه في حال إصابة الطفل أثناء العمل فإن مكتب العمل يستقبل المعاملة شأنها شأن أية معاملة أخرى ويقرر الحكم فيما إذا كان للطفل حق، مبيناً أن هذا الأمر يحتوي على شقّين، الأول هو المخالفة العمالية التي أرتكبها صاحب العمل بتشغيل الأطفال وهي التي تحال إلى الشعبة القانونية في وزارة العمل ليقوم بإتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة تجاه هؤلاء المخالفين لتعليمات وزارة العمل بعدم تشغيل الأطفال، إما الشقّ الآخر هو محاسبة صاحب العمل على الإصابة التي تعرض لها الطفل العامل الجاهل لحقوقه وينظر لها كحق عام لأي عامل بغض النظر عن سنّه، مؤكداً أن صاحب العمل لم يقم بتشغيل الطفل في نظام التأمينات الاجتماعية وهذا الأمر مخالفة أخرى للقانون.
مبينا إن تشغيل الأطفال أثناء فترة العام الدراسي تسبب إحراج للطفل أو الحدث رغم إن هؤلاء الأطفال يحصلون على أموال قليلةً جداً مقابل عمله، الأمر الذي يؤثر عليه شخصياً ويؤثر على إقتصاد الدولة كونه سيزيد من نسبة المتخلفين عن الدراسة ما يؤدي إلى إنتاج جيل غير متعلم وبالتالي عدم القدرة على الإنتاج الذي يزيد من دخل الدولة.
خوف داخلي
وأوضح نوري إن عمل الأطفال والأحداث يعتبر مخالفة قانونية فإن أثره يمتد لنفسية الطفل التي قد تتأثر على حسب طبيعة العمل الذي يمتهنه، مؤكداً أنه لا يوجد عمل في غاية السهولة حيث أن الطفل الذي يفترش السجاد في الشارع ليبيع ما لديه يتعرض بشكل يومي لخوف داخلي مرضي من عدة عوامل قد تكون تحرشاً أو إعتداء مادياً أو جسدياً أو خوفاً من الحوادث التي تنعكس على نفسيته، كما قد يمتد التعب لدى طفل آخر إلى أعباء بدنية عندما يعمل في مكان خطير أو عند حمل أدوات ثقيلة أو أثقال كبيرة عن جره لعربة أكثر من قابلية الجسمانية. مبينا إن الأثر النفسي لا يقف في مرحلة الطفولة فهو يمتد عند الكبر، حيث إن الطفل لم يستخدم عمره في صغره وفقاً لما كان مفترضاً وهو المتعة والدارسة، مشيراً الى إن إعتماد الطفل على ذاته قد يكون له طابع إيجابي في صقل شخصيته عندما يتعدى سنّ الطفولة وينتقل إلى مرحلة الشباب.
آراء المسؤولين شديدة
محمد كمر مدير قسم الرعاية في بابل قال: نظام وزارة العمل مَنَعَ تشغيل مَن هم دون الـ 13 بشكل قطعي، مؤكدا إن المعامل والمحال التي يَثبت تشغيلها أطفالاً تُعاقب بغرامة مالية وأخذ تعهد خطي من صاحب المعمل أو المحل أو الورشة للتصليح. مبينا إن الخدمة المدنية لا تفرق بين الطفل والحدث وكلاهما لا يُقبل تشغيله حسب القانون والدستور العراقي.
مؤكدا إن وزارة العمل والشؤون الإجتماعية تحمل المعامل والشركات وورش التصليح من تشغيل الأطفال والأحداث، مبينا إن المخالف الذي يثبت مخالفتها للنظام بتشغيلهم أطفالاً يُعاقَب بغرامة مالية وينذر.
فيما أكد اختصاصيون نفسيون أن تشغيل الأطفال يولد أثاراً سلبية تنعكس على المجتمع بشكل عام وعلى الأطفال بشكل خاص، وأن أثر العمل في وقت نشأة الطفل يمتد إلى ما بعد بلوغه لانتهاك مرحلة طفولته.
رأي القانون
المحامي علي خميس قال: إنه على الرغم من تجريم تشغيل الأطفال واستغلالهم اقتصادياً في معظم دول العالم وليس في العراق وحده بقوانين قاسية أقرتها اتفاقيات دولية مثل (حقوق الطفل) التي جاء في مادتها (32-1) تعترف الدول بحق الطفل في حمايته من الاستغلال الاقتصادي ومن أداء أي عمل يُرجَّح أن يكون مُضرّاً أو أن يمثل إعاقة لتعلّم الطفل أو أن يكون ضاراً بصحة الطفل، أو بنموه البدني أو العقلي أو الروحي أو المعنوي أو الاجتماعي، مبينا إن عدداً من الشركات والمعامل والأفراد مازالوا يمارسون الإتجار بالبشر مستغلين ضعف الطفل وعدم قدرته على الإدراك، وقد أخذ هذا الاستغلال أشكالاً عديدة أهمها تشغيل الأطفال وتسخيرهم في أعمال غير مؤهلين جسدياً ونفسياً للقيام بها، لافتا الى
إن تشغيل الأطفال والأحداث جريمة قانونية مجتمعية وإنتهاك للبراءة، وإن وزارة العمل والشؤون الإجتماعية تمنع تشغيل الطفل حتى في الأعمال الموسمية، وإن ملابسات القضية تحدد الغرامة والأنذار للمخالف، موضحا إن نظام وزارة العمل أوجب لعمل الأطفال الذين هم في السن ما بين الثلاثة عشر والخمسة عشر عاماً، موافقة وزير العمل على عملهم شريطة أن يكون العمل بسيطاً ولا يحمل أي خطر أو ضرر نفسي أو جسدي ولا يؤثر على دراسته وفق ساعات محددة لا تتجاوز ست ساعات ولا تكون في الفترة المسائية ومنع عمل من هم دون سن الثالثة عشر بشكل قطعي حيث نصت المادة 162 من نظام العمل أنه لا يجوز تشغيل أي شخص لم يُتمَّ الخمسة عشر عاماً ولا يجوز دخوله مكان العمل الذي يكون فيه مواد أو أعمال خطرة بشكل نهائي.
صقل المواهب
وأكد خميس إن عمل الأطفال أثناء موسم العام الدراسي لا يُعد من قبيل العمل المحظور كونه يُصنّف من ضمن التعليم الذي يصقل المواهب ويزيد المعرفة وعلى ذلك هو غير محظور نظاماً.
أعمال بسيطة للأحداث
فيما قال المحامي أحمد رحيم: إن نظام العمل عرّف من يشملهم النظام وذكر منهم الأحداث وحدد المهام التي قد يستطيعون تنفيذها ومعيار ذلك، حيث إن كل الأعمال التي ليس فيها مخاطر على صحتهم أو أجسادهم أو سلامتهم أو أخلاقهم. وأن وزارة العمل أصدرت قراراً بهذه الأعمال المحظورة عليهم من باب حمايتهم من مخاطر المهن الشاقة، وأيضاً فرض النظام عدم السماح لمن هم دون الخامسة عشر بالعمل أو الدخول لأماكن العمل وذلك حماية لهم من أية مخاطر قد يتعرضون لها.
إستثناءات النظام
وأكد رحيم إن النظام أستثنى أن يعمل من هو دون هذه السن بشرط ألا يقل عن الثالثة عشر وأن تكون الأعمال غير مُضرة وخفيفة وأن لا تضر بنموهم الجسماني أو يؤثر على صحتهم ، وأن لا تؤثر على مواظبتهم على الدراسة والتعليم ، وأن يوجه لهم برامج تعليمية وتدريبية تتوافق مع أعمارهم.
عمل الأحداث
وبيّن رحيم أن القانون راعى الأحداث لا تتجاوز أوقات عملهم لا تتعدى لست ساعات، وأن لا تمتد إلى فترة الليل، وهذا يدل على سعي القانون في تطوير مهارات الأحداث مع الحفاظ عليهم، وتنظيم ساعات العمل بحيث لا يعمل الحدث أكثر من أربع ساعات متصلة دون فترة زمنية للراحة والطعام والصلاة، لا بحيث لا تزيد على نصف ساعة، مؤكدا إن الحدث يجب إن لا يبقى في مكان العمل أكثر من ست ساعات، ولا يجوز تشغيل الأحداث في أيام الراحة الأسبوعية أو في أيام الأعياد والعطل الرسمية ، وأوجب القانون على صاحب العمل أن يستوفي طلب التوظيف بأن يكون الحدث قد تجاوز إختباراً وفحصا صحياً من طبيب مختص ومصدّق عليه.
أعمال موسمية
وأشار رحيم إلى ضرورة أن يشجع أصحاب العمل الأحداث على الأعمال الموسمية في نهاية كل عام دراسي التي تعطيهم الخبرة والمعرفة دون أن يتعرض لصحتهم وسلامتهم.
الحدث والطفل
من جانبه قال رئيس لجنة حقوق الإنسان والمستشار القانوني علي حمزة الدلي : إنه يجب التفريق أولاً بين الطفل والحدث حيث إن الطفل هو من يكون دون سن الـ 15 عاماً، أما الحدث هو ما بين الخامسة عشر والثامنة عشر ، ثم التفريق بين نظام وزارة الخدمة المدنية ونظام العمل ، حيث إن نظام وزارة الخدمة المدنية لا يفرق بين الطفل والحدث فكلاهما ممنوعان من العمل ولا يُقبل تشغيلهما، أما نظام العمل فقد فرّق بين الحدث والطفل ومنع تشغيل الأطفال، وأعتبر تشغيل الطفل مخالفة صريحة لنظام العمل في الوقت الذي نظّم فيه عمل الأحداث ووضع شروطاً لعمله وضوابط أساسية منها عدد ساعات العمل وعدم التشغيل في الأعمال الخطرة إضافة إلى الشروط الأساسية من حيث حمل الحدث للجنسية العراقية و حسن السيرة والسلوك.
عقوبات رادعة
وأوضح الدلي إن وزارة العمل والشؤون الإجتماعية تعاقب المسبب لتشغيل الأطفال المخالفة لنظام العمل التي يتبين تشغيلها للأطفال بعقوبة تتراوح بين دفع الغرامة المالية أو إيقاف التصريح لها أو إيقاف النشاط، كما يُعاقب الفرد الذي يقوم بتشغيل الطفل وفقاً لقانون الإتجار بالبشر لما في تشغيله للطفل من إستغلال لشخص لا يعي حقه وعلى ذلك تقع عليه العقوبة بين السجن والغرامة المالية.
للطفل ضمانات
وبين الدلي إن الطفل له حقوق وضمانات وليس عليه ضمانات كونه جاهل بحقه وقاصر وغير مدرك لمخالفته لنظام العمل، وعلى ذلك لا تقع عليه أية عقوبة نظير عمله.
وخلال تجوالنا في الأسواق العامة نجد هؤلاء الأطفال والأحداث مازلوا يعملون في شتى الأعمال منها البسيطة والثقيلة بدون علاج يذكر من أية جهة حكومية ولاسيما ذات العلاقة أو من قبل منظمات المجتمع المدني من أجل إنقاذ جيل المستقبل من الأحداث والأزمات المستقبلية عليهم ولضمان حقوقهم وبناء وطنهم العزيز وتوفير لقمة العيش الكريم لهم.
اضف تعليق