q

مع حلول فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة، تزداد أعداد الحشرات المسبب للأمراض في كافة المحافظات والمدن العراقية بدرجة كبيرة، وتختلف نسبة الحشرات هذه من مدينة الى أخرى ومن حي سكني الى آخر إلا إنها ترتفع في الأحياء الشعبية بشكل خاص لكثرت النفايات والمياه الآسنة التي تعشش عليها هذه الحشرات وتتكاثر فيها.

ومع ظهور الحشرات التي تسبب إزعاجا للناس ووسيلة سريعة لنشر الأمراض والأوبئة تظهر بشكل ملحوظ القوارض كالفئران والجرذان ما يزيد من معاناة المواطن ومشاكله اليومية ليضيف إليها مشكلة جديدة بسبب ما تخلف هذه القوارض والحشرات من إضرار للأشخاص والممتلكات على السواء، وتنوعت الحشرات بحسب البيئة التي تنشأ فيها.

ففي الأحياء ذات الكثافة السكانية العالية إذ تتراكم أكداس النفايات حتى تغدو تلالا مع قلة حملات التنظيف وتأخرها بسبب قلة عمال التنظيفات، فيكثر الذباب والبعوض والأفاعي والعقارب في بعض الأماكن حيث برك الماء الآسنة ومياه المجاري الطافحة التي تمثل حواضن وأوساط جيدة لنمو هذه الحشرات الضارة ، وأما في الأماكن الزراعية وفي المناطق التي فيها مسطحات مائية فقد إزدادت أعداد البعوض والأفاعي بشكل ملحوظ بسبب زيادة درجات الحرارة وذلك بسبب غياب الحملات المشتركة لوزارتي الصحة والزراعة لمكافحة الحشرات والآفات الزراعية، وساهمت برك المياه الآسنة على إنتشار الحشرات بشكل كبير.

وقد كانت لنا وقفة مع هذه الظاهرة الخطيرة على صحة وبيئة المواطن العراقي والتي أخذت تتفاقم خلال موسم فصل الصيف الطويل عكس نظام دول العالم، ففي العراق يكون فصل الصيف عندنا أكثر من خمسة أشهر حيث تبدأ درجات الحرارة ترتفع من 40 درجة مئوية فما فوق إعتبارا من شهر أيار أي الشهر الخامس من السنة ولغاية نهاية الشهر العاشر (تشرين الأول) وفي خلال تلك الأشهر تتكاثر في العراق بشكل عام القوارض والحشرات لأسباب عديدة ومنها إستمرار إرتفاع درجات الحرارة التي تساعد على تكاثر تلك الحشرات وكثرة النفايات المنتشرة داخل الأحياء السكنية وتواجد طفح المياه الثقيلة في بعض المناطق السكنية التي لم يشملها الخدمات المجاري أي المناطق غير المخدومة.

آراء المواطنين

خلال جولتنا في بعض المناطق الشعبية حيث التجمعات السكانية الكبيرة مثل حي النسيج وحي الثورة وحي البكرلي والأحياء الشعبية داخل مدينة الحلة منها الجامعين والطاق وجبران والمهدية وجباوين والتعيس والاكراد وغيرها من الأحياء التي تشكو الإهمال البلدي بالخصوص، وإلتقينا بالمواطن فاضل ناجي (44 سنة) الذي تحدث إلينا عن هذه الظاهرة الخطيرة على الصحة العامة قائلا: يكثر الذباب والبعوض والعقارب والأفاعي والحشرات الأخرى بشكل عام مع حلول كل موسم صيف للزيادة العالية لدرجات الحرارة ما يؤثر على صحة الأهالي وخصوصا الأطفال منهم، وقد عانيت شخصيا من ذلك كثيرا لأن داري يقع قرب إحدى الأماكن التي يلقي فيها الناس النفايات، وما يزيد معاناتنا إنقطاع التيار الكهربائي حيث تتوقف أجهزة التبريد، الأمر الذي يترك الساحة فارغة أمام البعوض والذباب ليفعل بنا ما يشاء بنا!!.

واضاف ناجي تعد مسألة تراكم النفايات قرب المنازل والمدارس من الأسباب الرئيسة لتكاثر تلك الحشرات وإنتشار الأمراض في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية حيث البيئة الصالحة لنمو وتكاثر الحشرات والذباب وحتى القوارض وبدون معالجة من قبل الوقاية الصحية في المحافظة.

فيما يقول المواطن جواد حمود (67 سنة) صاحب دكان لبيع الخضروات والفواكه: تقوم ظهور الجرذان مثل الإرهابيين من عصابات داعش المجرمة التي تظهر في النفايات القريبة من داري بمهاجمة حديقة المنزل وقد وصل بعضها إلى داخل الدار وسبب لنا تلف بعض الآثاث ولم يسلم منها أفراد الأسرة، ونظرا لغياب دور الجهات المعنية في الدولة قمنا بحماية داري من هذه الجرذان ومنع دخولها فيه قدر المستطاع بشراء بعض المبيدات للقضاء على تلك الجرذان الناقلة للأمراض والأوبئة القاتلة!!!.

فيما شكى مواطنون آخرون بأن أغلب الأحياء السكنية أسهمت في زيادة كميات كبيرة للنفايات مما ساعد إنتشار أنواع مختلفة من القوارض والحشرات، فالطرق البدائية في معالجة النفايات كحرقها أو دفنها في مناطق غير مخصصة زاد من تلوث الأجواء المحيطة بالسكان وإنتشار الأمراض المعدية بين للمواطنين.

في الوقت الذي أصبحت فيه صناعة وتدوير النفايات أحدى وسائل الجذب الاقتصادي في دول العالم المتحضرة والتقدمة علميا، وفي العراق تتسبب هذه المشكلة بهدر للمال العام واستنزاف للموارد البشرية فضلا عن ضررها البيئي والصحي على حياة المواطنين. وخلال تجوالنا في أحد الأحياء السكنية داخل مدينة الحلة شاهدنا أطنان من النفايات منتشرة هنا وهناك وأمام مرأى المسؤولين كون قسم من النفايات قريبة من الشارع العام وقسم منها مرمية على جدران المدارس، ويضطر الطلبة أثناء الدوام الرسمي لهم على السير وسط تلول النفايات للوصول الى مدرستهم، والسبب الآخر هو عدم وجودا أكياس النفايات التي وزعتها بلدية الحلة ودائرة بيئة بابل.

أحدى ساكنات منطقة حي الشهداء الثانية أشارت الى حجم المعاناة التي يتعرض إليها سكان المحلة، إذ تقول أم أحمد: لا نستطيع الجلوس في حديقة المنزل، لوجود النمل وحشرات قارصة أخرى تنتشر بكثافة مع حلول المساء كون رمي النفايات قرب دارنا، وأضطررنا الى الإستعانة بباعة المواد الزراعية ومبيد الحشرات للحصول على بعض المبيدات الفعالة للقضاء على تلك الحشرات، لكنها لم تعالج أعدادها الكبيرة، مما جعلنا أن نستخدم تلك المبيدات بشكل يومي، وهذا الأمر يؤثر بشكل مباشر في المزروعات وصحة الإنسان كون تلك المبيدات ذات تركيبات كيمياوية تؤثر على التنفس.

فيما شكت أم فراس من إنتشار الجرذان والفئران والأفاعي والعقارب والحشرات الأخرى في بعض الأماكن المهجورة أو في كل الأسواق الشعبية كالسوق القريب من منزلها ما أدى إلى غزو تلك الجرذان لمنزلها بصورة مستمرة، وتضيف أم فراس: إن لديها أطفال صغار في المنزل وتخاف عليهم كثيرا من تواجد الجرذان والفئران والحشرات الأخرى القاتلة والتي تسبب أمراض خطيرة للإنسان، ولذلك قامت بمكافحتها بصورة مستمرة.

وأبدت إستغرابها بعدم وجود سيارات التي تبيد الحشرات وكنا نسميها في القرن الماضي سيارات (أم الدخان) وهذا يدل على غياب المؤسسات المسؤولة عن مكافحة مثل هكذا حشرات وقوارض كل موسم صيف!. وقالت لنا بعد أن ذكرت والخوف بادي على ملامحها حوادث عن إيذاء الجرذان لبعض الأطفال في حوادث مروعة : أتساءل أين هي الجهات المعنية من وجود هذه الأعداد الكبير من الجرذان ولماذا لا يعملوا على مكافحتها ؟!، مبينة إن هناك أضرارا أخرى للإنسان، فضلا عن الأضرار المباشرة التي تسببها تلك الحشرات والقوارض على صحة الإنسان والحيوان على حد سواء فأن هنالك أضرارا أخرى قد تصيب بعض من ممتلكات الإنسان كالآثاث في المنزلية أو المواد الغذائية أو الحيوانات بالنسبة إلى البعض ممن يربون الحيوانات أو الدواجن في منازلهم وكذلك تلك الحشرات النباتات الموجود في منازل المواطنين.

فيما شكا المواطن نعمان محمد من تكاثر الفئران والعقارب التي أتلفت المواد الغذائية المخزونة في محله، فعبثت بتلك المواد وأتلفت علب أو الأكياس التي تحفظ البعض الآخر فأصبحت تلك المواد غير صالحة للاستهلاك البشري.

أما المواطنة كوثر سامي (موظفة) فتحدثت إلينا بحسرة عن أضرار الحشرات والفئران على منزلها، حيث قالت إن مع إرتفاع درجات الحرارة العالية تظهر أنواع مختلفة من الحشرات والقوارض التي تسبب للمواطن العراقي أضرارا كثيرة، مبينة إن بعض الفأران وجدت داخل قدور الطبخ التي تعمل عليه الطعام !. مؤكدة إنه تختلف الحشرات والقوارض بالإضرار التي تسببها رغم كونها جميعا ضارة وتوجد في البيئة العراقية أنواع كثيرة من الحشرات والقوارض التي تتواجد في المنازل أو في أماكن أخرى ولعل من أبرز وأشهر تلك الحشرات هي الذباب والعناكب والبعوض والصراصير والنمل والعقارب والأفاعي وغيرها، وأضافت: إنه على مستوى القوارض فتكثر الفئران والجرذان وغيرها، كما تعد الكلاب السائبة والقطط حلقات مكملة لسلسلة هذه الكائنات الضارة التي تتواجد داخل الأحياء السكنية والمدن العراقية.

وتؤكد إنه وصلت بعض أضرار تلك القوارض والحشرات إلى بعض المناطق الزراعية التي عادة ما يكثر فيها البعوض والذباب وذلك لتوفر البيئة المناسبة لتكاثر تلك الحشرات كالمسطحات المائية فيؤثر بالتالي على الإنتاج الزراعي للبلد والذي هو متضرر بشكل فعلي من الأوضاع العامة للبلد وتراكمات السنوات التي جعلته مهملا وغير مواكب للتطورات التي شهدتها بلدان دول الجوار في مجال الزراعة. وتساءلت عن كيفية إختفاء سيارات (أم الدخان) بشكل نهائي من قبل وزارة الصحة ؟!.

الباحث الدكتور حسن علوان (أستاذ طب مجتمعي) قال: إنه تعد مسألة معالجة النفايات الصلبة حاليا هي طريقة بدائية كحرقها أو طمرها من الأمور التي تساهم في تلوث الهواء والماء والتربة في تلك المناطق التي يتم بها معالجة تلك النفايات كما يؤدي إلى ظهور الحشرات المختلفة فيها مع إرتفاع حاد لدرجات الحرارة مع كل موسم صيف في عموم المدن العراقية. مؤكدا إنه من أجل معرفة الإجراءات التي تقوم بها الجهات المعنية بسبب تزايد أعداد الحشرات في مدن العراق بشكل عام ويعود ذلك إلى تراكم النفايات في الأحياء السكنية وقرب المنازل، ورغم إن وزارتي الصحة والبيئة تقوم بحملات لتوعية المواطنين وطلبة المدارس من خطورة تراكم النفايات على صحتهم وما يرافقها من تزايد أعداد الحشرات التي تسبب الضرر المباشر على صحتهم، كما إن للقوارض أضرارا جسيمة على الصحة العامة بما تنقله من أمراض وكذلك الإضرار التي تسببها على الممتلكات وهي تتكاثر في الأماكن المهجورة وفي النفايات. وأضاف الباحث: أن وزارة الصحة تنفذ سنويا عمليات رش أماكن تلك الحشرات بالمبيدات ولكن المشكلة تكمن في كثرة أماكن تواجدها لذا تحتاج الوزارة إلى الدعم من كافة الجهات المعنية لمكافحة إنتشار النفايات والتي تعد الحواضن الأهم لتلك الحشرات القاتلة للإنسان!.

آراء المسؤولين

رئيس لجنة الزراعة في مجلس محافظة بابل سهيلة عباس قالت: إن دور الجهات المعنية في مكافحة إنتشار ظاهرة الحشرات والقوارض مستمر ودور اللجنة هو رقابي ونتعاون مع لجان الصحة والبيئة والزراعة في المجلس من أجل متابعة كل الحالات التي تظهر فيها القوارض والحشرات وكذلك متابعة القضاء على القطط والكلاب السائبة وغيرها من ملوثات البيئة ونوجه الفرق الجوالة المختصة بمكافحة القوارض والحشرات والتعامل مع تلك الحالات بعد تلقينا للشكاوى من المواطنين المتضررين من مناطق سكناهم، ومثال ذلك الفيضان الذي حصل في بعض أجزاء محافظة بابل في موسم الشتاء في العام الماضي وما نتج عنه من خروج القوارض والحشرات من مخابئها وتعاملنا معها بالتنسيق مع الفرق المختصة وهكذا فإننا نتعامل معها بشكل مستمر من أجل القضاء عليها لما لها من خطورة على السكان وما تسببه من أمراض إنتقالية وأضرار جسيمة على الزراعة وأقتصاد البلد.

وفي الجانب الصحي قال الدكتور نورس عبد الرزاق مدير عام صحة بابل إن فرق الوقاية الصحية التابع للمديرية تقوم بين فترة وأخرى وخصوصا في بداية موسم الصيف حيث تكثر الحشرات والقوارض في هذا الموسم بعدد من الحملات لمكافحة نواقل الأمراض الوبائية في العديد من مناطق محافظة بابل حيث قامت برش المبيدات لمكافحة نواقل الأمراض من الحشرات والقوارض.

وفي الجانب البيطري وقال الدكتور يحيى مرعي مدير المستشفى البيطري في بابل: إن هناك علاجات سريعة للقضاء على الحشرات والقوارض تكمن للمواطن التخلص من جميع أنواع الحشرات والقوارض المتواجدة في المنزل أو مكان العمل بأسرع الطرق وأكثرها أماناً ودون مغادرة المكان. مؤكدا إن هذه العلاجات وجميع الأدوية المستخدمة لا تحتوي على روائح أو سمية بل هي صديقة للبيئة والإنسان، وإنها معتمدة لدى دائرة الصحة. مبينا إن الحشرات والقوارض المختلفة التي تتم معالجتها من قبلنا وبإشراف كادر فني متخصص: الصرصور الأمريكي والصرصور الألماني والنمل الأبيض (الرمة) وجميع أنواع النمل دون إستثناء وكذلك مكافحة العناكب والعقارب الجبلية والصحراوية والرملية والأفاعي والبق الفراش والعث الغبار وكافة أنواع الفئران والقوارض والحشرات الطائرة وغيرها التي تظهر عادة مع بداية كل موسم صيف مع إرتفاع درجات الحرارة.

لافتا إنه يتوفر لدى المستشفى البيطري بالتنسيق مع دائرة صحة بابل أحدث الطرق للتخلص من عفن المنازل الضار (الفطريات) إضافة الى وجود أقفاص خاصة لمكافحة والقضاء على الكلاب الضالة والتخلص منها كونها تنقل أمراض معدية للإنسان وتؤثر على الصحة العامة والبيئة.

أما الجانب البيئي فقد أوضح لنا الكيمياوي عباس خضير عباس مدير بيئة بابل : إن الفرق البيئية في دائرتنا تقوم بتأشير المناطق المتضررة بيئيا وصحيا ليتمكنوا من مكافحة بؤر القوارض والحشرات بالتعاون مع دائرة صحة بابل والفرق الوقائية للقضاء على هذه البؤر المسببة والناقلة للأمراض الخطيرة على الإنسان والحيوان. وأضاف عباس : إن دائرة البيئة تقوم بتوزيع بوسترات وفولدرات إرشادية في عموم المحافظة الغرض منها لتوعية المواطن من مخاطر تلك الحشرات وكيفية تعاون المواطن مع الدوائر المعنية للقضاء على مسببات نقل الأمراض الخطيرة على الإنسان ومنها الحشرات والقوارض لكي نجعل بيئة نظيفة وسليمة في مساكننا وأحياءنا ومدننا.

اضف تعليق