يعدّ الفساد في العراق بمثابة السرطان الخطير الذي يأكل خيرات العراق، وقد تكون هذه الخيرات على شكل أموال أو غيرها، لكن هنا علينا أن نبين من يقف وراء الفساد المتزايد في كل عام، نحن نعلم أن الدولة ومؤسساتها لها الحصة الأكبر من صنع هذا الفساد، وهنا يجب توضيح دور المواطن في هذه القضية وهل هو مسؤول عن الفساد أو مشارك فيه؟، إن المواطن قد يكون عنصرا في انتاج الفساد، وقد يتم ذلك بطريقة مباشرة، مثل التزوير، والرشا، أو بطريقة غير مباشرة، كالمساهمة في إنتاج الفساد ونشره بطريقة غير متعمَّدة.
إن الأغلبية ونقصد بذلك الذين يدعون أنهم يتظاهرون ضد الفساد، ويقولون بأنهم هم من أوصلوا المسؤولين الى مناصبهم، من خلال انتخابهم ومنحهم أصواتهم، وهؤلاء يعممون الفشل على الجميع بدون استثناء، لأنهم يرون أن الكل على شاكلة من انتخبوهم، ولو رجعنا للواقع سنجد أنهم هم الذين دمروا البلد بسبب مشاركتهم بالانتخابات، واختيار الفاسدين لمصالحهم الشخصية، ونسيان وطنهم وشعبهم، فكل همهم هو الوصول إلى المناصب، حتى وإن كانت قائمة على تجاوز حقوق الغير والتعدي عليها، وتشويههم للديمقراطية ، وللأسف هنالك معايير تجعل العالِم والجاهل سواسية، والفاسد والحريص على المال العام في نفس المستوى، وتجعل الوطني والخائن بمستوى واحد.
ولأهمية هذا الموضوع، وبسبب تدخله في جميع المحاور والاختصاصات، قامت (شبكة النبأ المعلوماتية)، باستطلاع آراء بعض المختصين ومن يهمهم الأمر، لمعرفة ما يدور حول آفة الفساد التي تنخر في مفاصل البلد المختلفة، ولمعرفة الطريق القادرة على التقليل من الفساد ومن ثم القضاء علية، وكان السؤال الأول:
هل المواطن مشارك في آفه الفساد في العراق؟.
عن ذلك أجابنا الدكتور (عامر الحمداني)، ماجستير علوم عسكرية/ بكلوريوس كلية القانون:
يشارك المواطن بدور واسع في ازمة الفساد في العراق، بشكل مباشر او غير مباشر، من خلال الكثير من الممارسات اليومية واهمها:
- اعادة انتخاب الفاسدين رغم المعرفة المسبقة بفسادهم، بدوافع عشائرية ومذهبية، أو استجابة لوعود مادية أو معنوية.
-الدور السلبي من خلال عدم المشاركة بالفعاليات الجماهيرية للمطالبة بمحاسبة الفاسدين ورصد تحركاتهم، من خلال التظاهرات والاحتجاجات.
- تقديم الرشاوي، واعتمادها في تمشية المعاملات الرسمية، سواء كانت ضمن الضوابط أو خارجها.
- ترويج موضوع الوساطة، للضغط في تمرير بعض الامور خارج الضوابط، أو للتجاوز على استحقاقات الآخرين.
-عدم احترام القوانين المرعية في البلد.
- تعظيم المسؤولين الفاسدين في المناسبات الاجتماعية. مما يعطي للمسؤول الفاسد، شحنة معنوية ليتمادى، في فساده لغياب الرقابة الشعبية على سلوكه.
هل يحتاج الفساد لبيئة خاصة؟
والتقينا الأستاذ (حامد الجبوري)، صحفي وخريج كلية الإدارة والاقتصاد جامعة كربلاء، أجابنا قائلا:
نعم، المواطن مشارك في الفساد المستشري في كل مفاصل الدولة، إذ أن الفساد لا يمكن أن يحصل من طرف واحد، أي من طرف الموظف العام فقط، فمادام هذا الاخير يجد بيئة خصبة لإنبات الفساد، المتمثلة بعدم رفض المواطن لعمليات الابتزاز التي يقوم الموظف العام بها، فهو الاخر مساهم في الفساد.
فلو كان المواطن يرفض عمليات الابتزاز التي يقوم الموظف العام، وشيوع ثقافة الرفض من جميع المواطنين، والقيام باتخاذ الاجراءات السليمة، لمواجهة الفساد من خلال الضغط على الجهات المعنية سواء الحكومة أو البرلمان أو لجان النزاهة، لما وصل الوضع الحالي إلى ما هو عليه الآن.
يمكن أن يعود سبب قبول المواطن بالفساد، لعدة اسباب.
الأول: غياب الوعي بمدى الاثار التي يتركها الفساد، اجتماعيا واقتصاديا، وثقافيا، وبالتأكيد النتيجة تكون طبيعية، لان فاقد الشيء لا يعطيه، ولذا لابد أن تعمل المحركات الاجتماعية في توعية المجتمع، وقيادته نحو المسيرة الصحية التي تبني نظاما سليما قادر، على تلبية احتياجاته وطموحه وتطلعاته. اقصد بالمحركات الاجتماعية رجل الدين، الاستاذ الجامعي وشيخ العشيرة.
الثاني: تفعيل الجهات المعنية بمراقبة الفساد، والعمل على إرساء الشفافية في كل مفاصل العمل، كي نضمن سير العمل بشكل انسيابي من خلال الاعلان عن كل المعلومات.
الثالث تقوية الجهاز القضائي وايجاد العقوبات التي من شأنها تردع الفساد وتكون محذرة لكل من ينوي بعمليات الابتزاز.
والتقينا الدكتور (حسين السرحان)، أكاديمي بجامعة كربلاء، فأجابنا بقوله:
تجاوزت ظاهرة الفساد في العراق، مرحلة الازمة، لتكون ثقافة بسبب استمرارها لعقود طويلة، واستفحلت في الآونة الاخيرة، لأسباب سياسية، واقتصادية، وحتى اجتماعية، ومؤكد ان المناخ السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، المشجعة للفساد، هي من صنع المواطن بشكل مباشر أو غير مباشر، فضلا عن أن الافراد هم العناصر المسيرة لتلك المناخات، وهم من يجعلون من ديناميكياتها فعالة، سواء بالاتجاه السلبي او الايجابي، بالمقابل لابد للأفراد، دور في مواجهة الفساد عندما تتحول ثقافة الفساد الى ثقافة مكافحة الفساد، وهذا الجهد يكون مساند للجهات الرقابية، اذا افترضنا انها تمتلك الادوات الامنية والقضائية النافذة، وتكون جادة في اداء مهامها، وبالتالي هذه الثقافة تجعل تلك الجهات، في حرج كبير وتكون ملزمة بأداء مهاما.
الفساد ظاهرة ملازمة للمجتمعات المتأخرة
وأخيرا التقينا الدكتور (سليم العلي)، أكاديمي في كلية العلوم السياسية جامعة بغداد، فأجاب عن سؤالنا بالقول:
إن الفساد ظاهرة ليست بالجديدة، بل هي ظاهرة ملازمة للمجتمعات الإنسانية، ويكاد لا يخلو بلد من البلدان منها، إلا ان الواقع يؤشر، أن هناك تفاوتا في شيوع هذه الظاهرة، وفيما يتعلق بالفساد المستشري في العراق، نجد أن المواطن العراقي مساهم بشكل أو بآخر، في وجود هذه الظاهرة في المجتمع، فلو وجد الشخص الفاسد رادعا له، والابتعاد عن التعامل معه سوف يجد هذا الشخص نفسه، مع مرور الوقت معزولا عن المجتمع، الى جانب أن عزوف المواطنين عن الاخبار عن الأشخاص الفاسدين، والتغطية عليهم يشكل تشجيعا لهم، في الاستمرار بنهجهم الهدام، فضلا عن ذلك فالتقصير، في غرس حب الوطن، والتربية الأخلاقية، والتفاني والإخلاص للوطن، من قبل المواطن يشكل هو الآخر، عاملا من عوامل شيوع ظاهرة الفساد.
في الختام نلاحظ أن جميع الآراء تقريبا اتفقت على أن المواطن له دور بطريقة أو أخرى بانتشار الفساد في مؤسسات الدولة وفي العلاقات المجتمعية الأخرى، لهذا مطلوب الشروع بحملات توعية وتثقيف واسعة ومستمرة تستهدف تنوير المواطن، وتوضيح العيوب والأخطار الكبيرة التي قد تنتج وتنعكس على المجتمع، بسبب مشاركة المواطن في نشر الفساد عن تعمّد أو إهمال أو بلا قصد، فالمطلوب أن تبدأ المنظمات والمؤسسات الخاصة بالتوعية، إرشاد الناس الى الطرق التي تحد من الفساد، وأن يشارك الإعلام بأشكاله كافة في هذا الأمر، ويجب استثمار وسائل التواصل لكي يكون دور المواطن في الحد من آفة الفساد جيدا وفاعلا، لأن نتائج الفساد السلبية تطول الجميع، وأول من يتضرر هو المواطن.
اضف تعليق