تشير كثير من الدلائل خصوصا في السنوات الأخيرة، الى تدنّي معرفة بعض الناس لجوهر الدين، وهذه النسبة في حالة ازدياد، مما أدى ذلك الى بروز الإلحاد في المجتمع، وهناك من يطبّق الدين بصورة آلية ومن دون فهم له، فالبعض يطبقون الدين في العبادة والأمور الدينية، ويتركون التصرف الصحيح باستخدام الدين في الحياة، والتعامل بطريقة جيدة مع الآخرين.
يحدث هذا كله بسبب عدم وجود وعي كاف بالدين من ناحية التعامل والتصرف الصحيح، وأيضا عدم الأخذ بالجوانب التي قد تغير من مجتمعنا نحو الأفضل، مع قلّة الوعي الكافي بالدين، حيث يؤدي ذلك إلى ظهور تأثيرات سيئة تطول بالمجتمع، ومنها على سبيل المثال زيادة الفساد بصورة ملحوظة، في الجوانب السياسية والاقتصادية والحياتية بشكل عام، ويؤدي ذلك الى تخريب بعض فئات المجتمع، وابتعاد بعض الناس عن العادات والتقاليد الأصيلة، ما يؤدي الى ظهور بعض التصرفات السلبية.
أما الأسباب التي تقف وراء هذه الظاهرة، وتدنّي الوعي الكافي للدين، فهناك الكثير من المسببات، منها الابتعاد عن مجالس العلم، وعدم مصاحبة الصالحين، والتباعد عن الأجواء الإيمانية والروحانية، والانشغال في أمور الدنيا وملذاتها، والطمع الكبير بالمال، بسبب العيش في وسط تغلب عليه المعاصي والبعد عن الله تعالى، وانتشار اللهو وتضييع أوقات الفراغ عبثاً دون ملئها بالطاعات والعبادات والأعمال المنتِجة، كذلك التسويف وطول الأمل، والسهر المفرط فيما لا فائدة منه، ومصاحبه الأصدقاء السوء المبتعدين عن طاعة الله.
أما كيفية زيادة الوعي بالدين في مجتمعاتنا، فهناك طرق عدة، منها إنشاء المؤسسات المدنية، ووضع لافتات تساعد الناس على الفهم والمعرفة والوعي، وكذلك عمل برامج لهم للتعلم، وفتح التعليم لكبار وصغار السن، بطريقة تجعلهم واعين بما يكفي في الدين، على ان تقوم الجهات المختصة في الدولة بوضع مناهج دراسية، تقوي من الوعي الديني لدى الطلاب، ووضع دورات تدريبيه للأساتذة، وعلى الدولة الحد من بعض مواقع التواصل الاجتماعي، التي تعمل على تغيير الفكر الجيد، وتساعد على ابتعاد الشباب عن الدين، مع أهمية تشريع قوانين رادعة وصارمة تحد من نشاط تجار المخدرات بالتدريج وصولا الى القضاء على هذه الآفة التي تنخر النسيج المجتمعي.
دور الأسرة في التوعية الدينية
من المؤكَّد أن دور الأسرة في هذا المجال كبير، حيث تسعى لخلق وتنمية الوعي الديني لأفرادها وخصوصا الصغار منهم، فيتم بناء الطفل في الجانب الديني بصورة سليمة، ويجب أن يبدأ هذا النوع من التعلّم الديني منذ الصغر، لكي لا يقع الأولاد في أخطاء قد تؤدي إلى ابتعادهم عن الله عز وجل ومعصيته، ويجب على العائلة مراقبتهم، وإبعادهم عن أصدقاء السوء، وعلى الآباء تثقيف أنفسهم بصورة تجعلهم قادرين على تربية أبنائهم بطريقة جيدة على أصول وأفكار وفرائض الدين، وإعطائهم الوعي الكافي في هذا الجانب المهم من رحلة الإنسان.
ولتغطية هذا الموضوع الهام في المجتمع، قامت (شبكة النبأ الثقافية) باستطلاع عدد من الآراء في هذا المجال، وتم طرح التساؤلات المخصصة لهذا الموضوع، وذلك كي تتم معرفة اكبر عدد ممكن من الملاحظات المفيدة من قبل الجهات المعنية والمسؤولة، ومحاولة وضع حلول مناسبة لهذا النقص الخطير، وكان السؤال الأول:
- هل هناك وعي كافٍ بالدين في مجتمعك؟.
التقينا مع الأستاذ (مهدي محمد)، موظف في دائرة حكومية، وأب لعائلة تتكون من ثلاثة أولاد، أجابنا قائلا:
على الرغم من وجود رجال الدين والعلم، لكن ليس هناك وعي كافي في مجتمعنا، وهذا يعود لأسباب كثيرة، قد تكون من الأسرة، أو المجتمع، أو الظروف المحيطة حوله، إن دوري كأب مهم جدا، لإيصال الوعي الديني لهم، ولكن هناك بعض الأمور التي تجعلهم يبتعدون عن الله عز وجل، منها الأصدقاء ضعيفي الأيمان، وظروف حياتهم، وقد تكون بسبب عدم توفر الحاجيات والمستلزمات الضرورية من عمل ومال وتكوين مستقبل زاهر.
كذلك التقينا بالشاب (كرار الدعمي)، وهو طالب جامعي من كربلاء المقدسة، فأجاب بالقول:
إن غياب الوعي الديني لدى بعض المجتمعات، يعود لأسباب وسلوكيات، وتدخلات كثيرة تغير ما كنا عليه في الفطرة والتزام العادات، واحترام كبار السن، ولكن يمكن معالجة الأمر، بمعاونه كل من رجال الدين، والآباء، والدولة، والمؤسسات الاجتماعية، من خلال وضع منظومة عمل وطرق تجذب الشباب، وفئات المجتمع الأخرى ومراعاة البعض، وعلى الدولة توفير العمل والتخلص من بعض الأمور والأعمال السلبية، أما المؤسسات المتخصصة في التوعية، فيجب عليها تقديم النصائح بصورة عفوية ومبدعة، وتوضيح تعاليم الدين الصحيحة، ويجب على الإعلام القيام بنشر الوعي الديني، ومحاولة القضاء على السلوكيات السيئة من خلال توجيه الضوء عليها.
التأثير السلبي للثقافات الوافدة
والتقينا أيضا بالأستاذة (بنين صالح)، خريجة علوم إسلامية، فأجابت عن السؤال أعلاه:
إن دخول الثقافة الغربية، في مجتمعاتنا أدت إلى ضعف الوعي الديني، وكذلك انشغال الناس بهذه الثقافة، المتمثلة بمواقع التواصل الاجتماعي، والأزياء، وطريقة الكلام، والسلوكيات، ونرى غياب الوعي الديني لدى البنات بكثرة في الآونة الأخيرة، لأسباب مماثلة، وهنا يجب على الأسرة مراقبة الأطفال، وعلى الجهات المعنية، أن تراقب ما يحدث في مواقع التواصل الاجتماعي، والحد من تصاعد التأثر بالثقافات الوافدة.
أما سؤالنا الآخر فهو يبحث في ماهية الأسباب وراء ضعف الدين في مجتمعنا؟.
وقد أجابنا الأستاذ (طالب الظاهر)، وهو كاتب وصحفي، بالقول:
من أسباب الضعف الإيماني في الإنسان أو المجتمع - كما أحسب- هو الجهل، وطبعا العكس بالعكس صحيح أيضا؛ أي إن المعرفة ستقوي الإيمان سواء في الإنسان أو المجتمع، لذا كتبت يوماً: بأن الأساس لكل شر هو (الجهل)، وبذات الوقت سيكون الأساس لكل خير هي (المعرفة)، وأي خير أسمى وأنمى من (الدين)، وأي شر أحط وأكثر ضحالة من (الكفر)، وطبعاً سيكون أساس هذا الجهل هي (الأمية) بمعناها الأوسع؛ أي ليس محصورة بمن لا يقرأ ولا يكتب، بل بمن يفقد القدرة على القراءة والإطلاع، لاكتساب نوع من الحصانة الذاتية، أي (الإيمان) ضد موجات الغزو الثقافي (الكفر)، كما أحسب بأن الغزو الثقافي وهو أحد أهم أسباب الضعف الإيماني (مرض) يكمن في داخل جسد الإنسان أو المجتمع، أو ينتقل اليه بالعدوى من أناس أو مجتمعات أخرى، ومتى ما توفرت له الظروف الملائمة مع ضعف المناعة (المعرفة) نشط وتفشى، بعدما يجد البيئة المهيأة لحضانة فايروسات (الجهل)، وهذا الابتعاد عن (المعرفة) للفرد والمجتمع على وجه العموم، سيما الدينية منها على وجه الخصوص؛ سيؤدي حتماً إلى البعد أيضا عن عملية التمحيص في أمورهما الحياتية؛ أي يعم (الجهل)؛ فلا يعود الإنسان بإمكانه ترويض عقله على التفكير والتفكير المعمق بالأمور والأشياء من حوله، بل يعطيه أجازة مفتوحه، حتى يصبح هذا العقل صدئاً، مظلماً،آسِنا، وكما جاء هذا المعنى في القرآن الكريم في قصة النبي نوح على نبينا وعليه السلام، والذي ظل يدعو ويدعو قومه لألف من السنين دونما جدوى، لأنهم كانوا يضعون أصابعهم في آذانهم ليكلا يسمعونه؛ أي يغلقوا عقولهم بـ (الجهل) عن سماع الحق بـ ( المعرفة)، فابتعدوا عن (الإيمان) لأنهم قد ملأوا عقولهم بـ (الكفر).
اضف تعليق