الشباب هم الركيزة الأولى في قوة المجتمعات وعمادها، وصلاح أي مجتمع مرتبط بل ومتوقف على صلاح شبابها، يعيش شباب اليوم ظروفا مصحوبة بالتغير السريع الذي أحدث ما يشبه الانقلاب في عادات البشر وقيمهم وتصوراتهم، فأصبحت شريحة الشباب وسطاً هشّاً مهيئاً للمعاناة وكثرة الاضطرابات مثل، القلق، الاكتئاب، ضغط الدم والسكري أحيانا، واللامبالاة، ومواجهة الاغتراب بأشكاله المتعددة.
وبذلك ينعزل الفرد عن الجماعة، وبالمقابل تترفّع الجماعة على الفرد وتستصغره إذا لم يجاري آراءَها وأفكارها وأهدافها أياً كان نوعها سياسيا أو ثقافيا أو اقتصاديا وسوى ذلك، وهذا أمر يدعو لنشوء التفكك في بنية الأسرة والمجتمع ككل، وفي المقابل قد يتسبب ذلك بنشوء قيم مدمِّرة كالأنانية والفردية والذاتية والتكاسل والإتكالية وسوى ذلك من القيم الرديئة.
من المشكلات الأساسية التي يعاني منها شبابنا بصفة خاصة، هي مشكلة الفراغ وكيفية قضاء الوقت الفائض، وتزداد هذه المشكلة تفاقما بهبوط مستوى المعيشة، وحرمان أعداد كبيرة من الأطفال والمراهقين والشباب من التعليم، كذلك تزداد هذه المشكلة حده بضعف الأسرة وانشغال كل من الأب والأم بالعمل خارج المنزل، حيث يؤدي ذلك الى وجود متسع من الفراغ لدى أعداد كبيرة من الشباب، وانخراطهم في اللهو والعبث والجلوس على مقاعد المقاهي أو التسكع في الشوارع والطرقات.
ومثل هذه الحالة من اللامبالاة واللاجدية قد تنمّي لدى الشاب بعضا من العادات السلوكية مثل الإهمال، وقد تدفعه نحو الانحراف والضياع، إلى جانب عدم الاستفادة من وقته، وعدم استغلاله أو استثماره استثمارا مفيدا، ومن شأن وجود وقت كبير من الفراغ، أن ينمي عادات سلبية كالكسل والتراخي والخمول وربما الكآبة والعزلة أيضا.
كذلك فإن الفراغ قد يدفع الشاب، إلى التورط في بعض الجرائم، وضياع وقت الشاب سدى، ما يجعله يفقد قيمة مرحلة حاسمة وهامة من حياته، وهي مرحلة المراهقة والشباب، تلك المرحلة التي يتعين على الفرد أن يجعل منها فترة إعداد واكتساب للخبرات والمعارف والمعلومات، والتكوين العلمي والخلقي والمهني والاجتماعي للشباب، ومرحلة اكتساب الخبرات الفكرية والعملية.
أهم أسباب الفراغ لدى الشباب
هناك ظاهرة تعتبر من أقوى أسباب الفراغ لدى الشباب، وهي البطالة التي تكثر نسبتها بين الشباب، ويرى خبراء الاجتماع والاقتصاد في البطالة مشكلة نفسية واقتصادية واجتماعية، وسياسية، وبما أن جيل الشباب هو جيل العمل والإنتاج، فإنه يعد جيل القوة والطاقة والمهارة كما هو مفترَض، وأن تعطيل تلك الطاقة الجسدية بسبب الفراغ، لاسيما لدى الشباب يؤدي إلى هدم تلك الطاقة الشبابية.
كذلك فإن هذه الظاهرة تسبب مشاكل كثيرة، ومنها معاناة الشباب من حالة الفقر والحاجة والحرمان، وتردّي الأوضاع الصحية لهم، وعجزهم عن تحمل مسؤولية أسرهم وحتى أنفسهم، كما تفيد الدراسات بأنّ للبطالة آثارها السيّئة على الصحة النفسية، فنسبة العاطلين في أي مجتمع هي مقياس هام لمستوى الصحة النفسية التي يعيشها السكان، كما لها آثارها الصحية الجسدية والاجتماعية أيضا، فالبطالة من الظواهر العالمية التي تنتشر في البلدان الفقيرة، أو الغنية بثرواتها لكنها لا تعرف أو لا تستطيع أن تستثمر هذه الثروات بسبب تدخّل الدول الأخرى.
ومن الأهمية أن نفهم ونعرف ونحصر الأسباب التي تؤدي إلى وجود هذه المشكلة، ثم نبحث ونحقق في الأساليب الفاعلة في علاجها، وفي هذا الإطار، بادرت (شبكة النبأ المعلوماتية)، بإقامة استطلاع حول هذه الظاهرة مساهمةً منها في الكشف عن الأسباب وفي طرح الحلول والمقترحات، وقد طرحنا بعض التساؤلات على شخصيات لها إطلاع على هذه المشكلة، وبينهم من عانى منها، والغرض من هذا الطرح معرفه أراء الشباب والمختصين ومن يهمهم الأمر والجهات المعنية حول نشوء هذه الظاهرة وطرق التصدي لها.
بصفتك تنتمي لشريحة الشاب.. ما هي المشاكل التي تعاني منها بسبب الفراغ والبطالة؟.
الشاب (أحمد حسين) في العشرين من عمره، اعتاد أن يقضي كل وقته في كافتيريا وسط مدينة كربلاء المقدسة، وقد اعتاد الذهاب إليها منذ سنتين، طرحنا عليه السؤال أعلاه فأجاب: أشعر بملل كبير حتى أنني مللت من الجلوس في هذه الكافتيريا، لكن ليس في حياتي ما يمكن أن يكون مهما، خاصة وأنني فشلت في الدراسة وعملت في المحلات كعامل للمواد الغذائية، كانت المعاملة سيئة من قبل أصحاب المحال، فتركت هذا العمل وبحثت طويلاً عن عمل آخر ولم أجد عملا، فاخترت أن أقضي وقتا طويلا في هذا المكان (الكافتيريا)، ثم أذهب إلى المنزل للنوم بعد ساعات قلق طويلة في الليل، وفي رأيي أن أسباب الفراغ ترجع إلى جهتين عن هذا الفراغ، أولها تربيه البيت، فالأسرة لها تأثير كبير على نفسيتنا وعقليتنا، والسبب الآخر هو إهمال الحكومة لهذا الأمر وعدم وجود حلول قطعيه أو طرق تقلل من هذا الفراغ القاتل لشبابنا، وعدم توفير فرص عمل تؤدي إلى زيادة البطالة وكثره الفراغ لدى الشباب، وهذا ما يجعل الشباب يقومون بأمور سيئة في حياتهم، وينمّي الصفات والسلوكيات السيئة في شخصياتهم.
طرحنا السؤال نفسه على الأستاذ (حازم علي/ تدريسي) فأجابنا في توضيح حلول للشباب للتخلص من الفراغ قائلا:
يجب على شبابا أن يقوموا بتعلم المهارات، من خلال الالتحاق بالدورات التدريبية سواءً التقنية أو المهنية، أو دورات التطوير الذاتي واكتساب المهارات الفنية، ونحوها من الدورات المثمرة الممتعة، والتسجيل في المراكز الصيفية والفعاليات الثقافية، وكذلك تعلم الهوايات النافعة التي يستثمرون فيها أوقاتهم، وحثّ النفس على القراءة بالتدرج، وأيضا قيام الشباب بالعمل التطوعي، لما له من دور كبير في القضاء على بؤر الفساد في المجتمعات، ومحاربتها وذلك لملْئهِ الكثير من وقت الفراغ لدى الشباب، والاستفادة من طاقاتهم المهدرة.
كيف يمكن معالجة البطالة والفراغ لدى الشباب؟
أجابنا الدكتور (صلاح العبيدي/ جامعة بابل)، قائلا:
يجب على الحكومة ومؤسساتها المعنية والقطاعات الخاصة ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات المعنية بالشباب، أن تقوم بدور كبير ومسؤول فيما يخص رعاية الشباب والاهتمام بهم، واستثمار طاقاتهم وتنمية مواهبهم وإبداعاتهم، من خلال إيجاد حلول وبدائل مناسبة لقضايا الشباب، وإعداد دراسات وبحوث وخطط إستراتيجية تنفيذية تكفل شغل أوقات فراغ الشباب، واستثمار قدراتهم، وتعمل على صقل مهاراتهم وإبداعاتهم بما يعود عليهم وعلى المجتمع بالنفع والفائدة.
ويكمل الدكتور صلاح: إلا أن المتأمل لحال شبابنا، يجد القليل منهم من يستثمر أوقات الفراغ فيما يعود عليه وعلى أسرته وعلى المجتمع بالفائدة، أما الغالبية العظمى من الشباب فهم بين فئة لم تستفد من أوقات الفراغ، ولم يزدها إلا تدميرا للنفس والأخلاق وللأسرة والمجتمع. وأضاف: وتشكل ظاهرة الفراغ تهديدا لمستقبل الشباب خصوصا والمجتمع عموما، وعائقا من عوائق عملية البناء والتنمية، كما أنها تعد مرتعا خصبا لتكاثر العديد من الأمراض الاجتماعية الناجمة عن هذه الظاهرة، كالانحراف والفقر وممارسة العنف والجريمة والتطرف والإرهاب، بالإضافة إلى أمراض نفسية كالاكتئاب الذي قد يدفع صاحبه للانتحار.
وطرحنا السؤال نفسه على الباحث الاقتصادي الأستاذ (نزار الجنابي)، فأجابنا قائلا:
لنتمكن من اقتلاع جذور البطالة، فهذا لن يتحقق إلا من خلال إستراتيجية تتضمن تحقيق المساعي في هذا المجال، لإحياء قطاعات معينه في برامج التنمية الاقتصادية الخاصة، والتي وجدت في العوائد المالية ملاذًا لتنفيذ خططها في المجالات المختلفة، ألا وهو قطاع الخدمات السياحية، حيث تمتلك أغلب الدول العربية فضاءات سياحية، يمكن أن تمتص كمّاً هائلا من العاطلين، لو أُحسِن استغلالها، مع أهمية وأولوية تبنّي فكرة المشروعات الصغيرة والمتوسطة.
وأكمل الجنابي: كذلك الربط بين أساليب ومناهج وسياسات التعليم والتدريب المهني، ومتطلبات سوق العمل وتقليل الفجوة بين مختلف مكونات هذه العناصر، وذلك تماشيا مع قضايا الساعة المطروحة، وخاصة في مجالات كثيفة العمالة كالقطاع الزراعي، شريطة أن تتناسب المزايا والحوافز المقررة له مع حجم ما يوفره من فرص للعمالة المحلية، وأن تضع الحكومة الرشيدة برامج خاصة للنهوض بالخدمات الصحية والتعليمية، الأمر الذي سيترتب عليه خلق فرص عمل منتجة لآلاف الخريجين والمؤهلين للعمل في هذه القطاعات، ومن أهم الحلول التي يجب العمل الفوري على تنفيذها، تخفيض سن التقاعد في الوظائف الحكومية، وذلك من سن ستين سنة إلى خمسين سنة مثلا، حتى يتم الاستيعاب التدريجي للعاطلين عن العمل في الوظائف الحكومية كبدلاء لهؤلاء المتقاعدين.
اضف تعليق