ظهرت في المجتمعات العربية عامة والمجتمع العراقي خاصة، ظاهرة سمّيت بالإلحاد في مواقع التواصل الاجتماعي، وقد نشأت وانتشرت بشكل كبير، على الرغم من عدم معرفه مصدرها، وكيف انتشرت، ومن أين ظهرت، لكن مواقع التواصل الاجتماعي تعج بمثل هذه الأفكار والمفاهيم عبر حسابات وصفحات خاصة بالإلحاد، حيث تمارس الحسابات المذكورة الانحرافات الفكرية، وتبث سموم التشكيك في الدين، وتدعو الشباب إلى تجاوزات عقائدية والحادية دون مراقبة، أو حجب من الجهات المختصة في العراق.
السؤال لهيئة الاتصالات وتقنية المعلومات، ممثلة في الإدارة العامة لخدمة الإنترنت، إن كانت مواقع التعري والإباحية، ومنتديات التجاوزات السياسية، والاجتماعية، والمدونات العنصرية في المجتمع يؤخذ قرار بها ويتم حجبها، وتغلق عن الظهور في متصفح الإنترنت في العراق، فلماذا لا تحجب مواقع التشكيك الفكرية، والمخالفات العقائدية، والانحرافات التي يتبين من خلال مستواها الفكري، وما يطرح فيها من مناقشات، أنها ليست مجرد نزوة أو ردة فعل شباب محبط من بعض التشدد الديني، بل تديرها مؤسسات إلحادية من خارج الحدود، تسعى لاستغلال حماسة الشباب، ورفضه بعض العادات والتقاليد لتخرجه من الملة وتتحكم به فكرياً وعقائدياً، وتجعله يقف ضد وطنه، ودينه، ومجتمعه.
وهناك تلك العبارات التي تمتلئ بها، صفحات الملحدين العرب على مواقع التواصل الاجتماعي، وهي (سنخلق عالمنا بأيدينا، انتهى عصر تكميم الأفواه، لن يستطيع أحد أن يقف أمام عالمنا الجديد، وسنكتسب كل يوم أعضاء جدد في دنيانا البعيدة عن أيديكم)، والتي تعد أحد أهم معايير قياس مدى تأثيرهم في دوائر الشباب، هكذا هي شبكات التواصل الاجتماعي، جمعت مابين أطياف الملحدين أو الذين أرادوا أن ينضموا إلى قبيلة الملحدين، دون أن يشعر بهم الأهل أو الأقارب أو الذين وجدوا في التواصل الافتراضي وسيلة للتعبير عن مكنون أفكارهم، وتحفظاتهم العقائدية، سواء كانوا جادين أم لا وسواء كانوا من شبابنا أو فتياتنا.
إن استخدام الشباب الملحد لمواقع التواصل الاجتماعي حقق العديد من المكاسب لهؤلاء الملحدين، ومنها التعبير عن أفكارهم بحرية وبدون رقيب، وكذلك لجوء البعض إلى الأسماء المستعارة في التخاطب والتعبير عن رأيه، وهم كثر وهذا لا يمنع من أن البعض منهم يستخدم اسمه الحقيقي، أما الحسابات المستعارة فهي تعبير عن الخوف من العائلة والملاحقة الأسرية، وتحقيق الأمان النفسي والجسدي من العقاب، وأيضا تحقق لهم ميزة سرعة التواصل وحرية التجمع ، وتبادل الآراء والأفكار والتداعي حين يصبح الخطر داهما.
الأسباب والدوافع التي تدعم الإلحاد
وبغض النظر عن الدوافع والأسباب التي تؤدي إلى انتشار الشائعات التي تتحول إلى حقيقة في المجتمع، فالمطلوب أن يتم التعامل معها على أنها حكايات إلحاد مزعومة، وذلك يتطلب هذا الأمر وقفة جادة، من صناع الرأي والفكر والنخب الثقافية والإعلامية، التي كان عليها أن تخضع مثل هذه الظواهر إلى التمحيص الدقيق، وأن الكثيرين ممن يفترض بهم أن يكونوا أكثر وعيا وثقافة وعمقا فكريا، ينبغي عليهم أن لا ينساقوا خلف الإلحاد.
ونظرا لأهمية هذا الموضوع وحساسيته، قامت (شبكة النبأ المعلوماتية) باستطلاع كي تتبين أسباب انتشار هذه الظاهرة، وكيفية إيجاد الحلول القطعية لها، فتوجهت إلى أصحاب الاختصاص، ومن يهمه الأمر، وإلى الجهات المعنية لمناقشة تفاصيل هذه الظاهرة.
السؤال الأول: كيف ينظر المجتمع العراقي الى الملحدين، وهل يعتبر الإلحاد ظاهرة أم فقاعة؟.
أجابنا الأستاذ (منتظر العتابي/ علم نفس)، قائلا:
إن فكرة الإلحاد ليست جديدة بل موجودة منذ أكثر من نصف قرن، ولكنها لم تكن ظاهرة كما الآن، بسبب التعتيم الإعلامي عليها، ولكن في السنوات الأخيرة ساهمت مواقع التواصل الاجتماعي في تسليط الضوء عليها، حيث أن هذه المواقع كانت محظورة سابقا مثل القنوات الفضائية، لهذا كانت الأفكار الإلحادية تعيش في الظل، فساهمت مواقع التواصل الاجتماعي في تسليط الضوء على فكرة الإلحاد، وتكوين مجموعات الملحدين وإعطائهم فسحة واسعة من الحرية لإشهار إلحادهم، أثناء الحصار الاقتصادي وحظر السفر على العراقيين.
وأكمل أستاذ منتظر قائلا: ما تعرض له العراقيون من ظلم وقهر وإبادة، جعلتهم في صحوة من غيبوبتهم وإيمانهم بالغيبيات، وهناك فئات مختلفة من التوجهات الإلحادية واللادينية، وهناك فئات توجهت إلى الإلحاد عن دراية وعلم وبحث في هذا المجال، كذلك فئات تحولت إلى الإلحاد اثر صدمة نفسية أو ظلم كبير تعرضت له من قبل المتسلطين عليها، وبينهما فئة لا أدري أحيانا هم ملحدون وأحيانا هم مؤمنون بالأديان، وبرأيي أن الإلحاد ظاهره يجب معالجتها من قبل الجهات المعنية، بطريقة مناسبة.
والتقينا بالكاتب والإعلامي (مهدي العامري)، فأجاب عن السؤال قائلا:
لولا وجود مواقع التواصل الاجتماعي تحديدا فيسبوك، لما تمكنت هذه الظاهرة من أن تأخذ مساحتها الواسعة في الانتشار، والتوغل في أعماق عقول وقلوب الشباب بشكل عام، كونهم الأكثر استيعابا وتقبلا للنقاشات في هذه المواضيع الخطيرة، أضف إلى ذلك غياب الرقابة الحكومية والعائلية على أفراد المجتمع، مما ساهم بشكل اكبر في خلق بيئة مناسبة لنمو ظاهرة الإلحاد، وخروج البعض عن دينه.
وأدى ابتعاد المؤسسة الدينية وعدم تكريس جهودها لإنشاء برامج توعية وتثقيفية الى تفاقم الظاهرة، إذ بإمكانها أن تكون رادعا لكل ما يطرح من مواضيع حساسة تخص الدين الإسلامي وتكذيب أو تبرير ما يتم تقديمه، من البعض عن أمور تحمل نوعا من الإقناع في ما يخص الأنبياء ودينهم.
والتقينا أيضا بالشيخ (غيث حامد)، فأجابنا حول الموضوع قائلا:
أن هناك العديد من الأسباب وراء تزايد الإلحاد في العراق من أهمها، أولا ثورة المعلومات المتوافرة في الانترنت، وثانيا، حرية التعبير التي وفرتها مواقع التواصل الاجتماعي، وثالثا، غيبوبة العقل الديني، وهناك أسباب أخرى، مثل قلة تصدي العلماء وبعض الخطباء لمعالجة الإشكالات، التي تواجه الموروث الديني، وكذلك جرائم الجماعات التي تستند لنصوص دينية يُساء تفسيرها، كما أن فساد وفشل الأحزاب الدينية في الحكم، من الأسباب المهمة فضلا عن جهات رصينة قادرة على استيعاب أزمات الشباب وتساؤلاتهم.
كيفية معالجة ظاهرة الإلحاد
لا بد من تطوير الخطاب الديني والفكري، بما يتلاءم مع واقع الشباب، ويلبي تطلعاتهم وطموحاتهم، ومحاولة وضعهم على السكة الصحيحة فكريا، من خلال فهم الأسباب والمسببات، ومنظومة السنن الإلهية الكونية والحضارية والتاريخية والاجتماعية، التي تحكم هذا الوجود وما فيه، وتنظمه بالإضافة إلى بيان الوجه الحضاري والإنساني للإسلام، وقدرة الإسلام على منافسة الفكر الغربي والثقافة الغربية، في الميدان الحضاري والفكري والإنساني، وقدرة الإسلام على استيعاب القيم المشتركة الإنسانية، والتعايش مع الآخرين، والبعد عن الغلو والتشدد والتطرف، وغير ذلك من معالم الخطاب الإسلامي المنشودة مما يقصر المقام عن ذكره وحصره.
ولابد من مبادرة العلماء والمفكرين والمثقفين إلى التواصل مع الشباب، ومعايشة همومهم، والإجابة عن إشكالاتهم، والسعي لمشاركتهم معاناتهم، والعمل على حل المستطاع منها والبعد عن التقليل من شأن ما يطرحون، وتقدير وجهات نظرهم، وإن بدت لبعضنا خاطئة، والعمل على تصويبها، بهدوء وتدرج وعلمية.
اضف تعليق