تعد الدولة العصرية هي من أكثر الدول قدرة على التطور والتطوير والأقدر دائماُ على التناغم مع المتغيرات الحاصلة في العالم. وبلا شك يعتبر الجيل الواعي والمتطور من أحد العوالم المهمة التي تحسب ضمن المقومات العصرية التي تتوفر في المجتمعات الناجحة، لأن الأجيال القادمة هي التي ستمسك زمام الأمور في المستقبل، وتسير على خطى الناجحين لاستمرار البشرية ضمن الإطار التطوري الزاخر بالازدهار والرفاه.
فلو أردنا الحصول على مستقبل مشرق من الضروري تنشئة جيل واعي قادر على مسك زمام الامور وإدارة الأمة على النهج الصحيح.
وبما ان مرحلة الشباب هي من اهم المراحل العمرية عند الإنسان اذن من الجيد استغلالها بأمور نافعة تخدم الشاب والمجتمع في آن واحد.. كما ان هنالك فترة عمرية مهمة جداُ تعد بمثابة الأرض الخصبة والصالحة دائماً لزراعة المهارات وتطوير المواهب عند الشباب، ليولد على أثرها انساناً ناضجاً وناجحاً في المستقبل، وذو مهارات ومواهب متعددة يستطيع من خلالها تقديم ما هو أفضل لنفسه وللأمة أجمع.
فاستغلال أوقات الفراغ تعد المرحلة الأولى في ترويض المهارات، وبناء شخصية الإنسان.. ومن المعروف بأن أفضل وقت لتطوير الذات هي ما تتمثل بأوقات الفراغ البعيدة تماماً عن الأوقات المخصصة للدراسة والتعليم، أي بالعطلة الصيفية او الربيعية او... الخ، وذلك عن طريق المشاركة في الدورات التنموية والمؤتمرات الثقافية والدروس التعليمية كتطوير مهارة الرسم، الأدب، التصوير... الخ.
وفي هذا المنظور وجهت شبكة النبأ المعلوماتية سؤالها الى شريحة من الشباب والفتيات (ما هي الهوايات التي تتمتع بها شريحة الشباب وما وقع الإنترنت على ذلك، وكيف من الممكن صقل المهارات وتطويرها أكثر؟)، فكانت الأجوبة كالاتي:
قال هادي حسن (طالب جامعي): "في الحقيقة انا لا املك أي هواية، واوقات فراغي غالباً ما املئها بلقاء الأصدقاء والتجمع في المقاهي، والمواضيع التي نتحدث فيها تكون محصورة بأمور الحياة العادية والمواقف التي تحصل معنا في الجامعة او الشارع، والوقت الأكبر اقضيه على الإنترنت بين الفيسبوك والانستجرام والمواقع الأخرى التي أصبحت جزء لا يتجزأ من حياتي:"
امّا فاطمة علي (طالبة مدرسة) قالت: "انا اقضي اغلب وقتي في الدراسة، واعتبر العطلة الصيفية بمثابة الراحة والمتنفس الوحيد للتخلص من هموم الدراسة التي ترافقنا طيلة السنة، ولأن استخدامي للأنترنت قليل جداً خلال فترة الدراسة، لذلك احاول ان اعوض هذا الحرمان في العطلة، واكتفي بالتواصل مع الناس وتصفح المواقع على الإنترنت، لأني وبصراحة كبيرة اعتقد بأن الإنترنت هو البديل الأفضل للترفيه عن النفس وقضاء وقت جميل بعيداً عن ازعاج الدراسة".
وقالت جميلة سعد (ربة بيت): "يعتبر الرسم من الهوايات المفضلة لدي، وحلم رافقني طيلة مسيرة عمري.. وفي مرحلة عمرية سجلت في احدى النوادي الفنية لتطوير مهارتي أكثر، في البداية ابديت جيداً ولاحظ الجميع تطور رسوماتي، لهذا قررت في كل عطلة ان اسجل في المنتديات الفنية وادرس الفن الى ان اصل الى الاحتراف ويكون لي معارض رسم كبيرة، ولكن في كل سنة كنت انشغل بالإنترنت الذي سلب مني كل وقتي واهتماماتي، لدرجة اني شعرت بضمور كبير في رغباتي عكس بصورة سلبية على قابليتي في الرسم، لدرجة ان الجميع لاحظ تراجعي كبير في فن الرسم، فما عادت لوحاتي بنفس جمالية الماضي.. حقيقة تأسفت جداً لأني ضيعت وقتي الثمين بين أروقة الإنترنت التي لم تضيف لي شيئاً سوى الخمول الثقافي، ولكني في محاولة جادة لتنظيم وقتي والعودة الى تطوير الموهبة التي لطالما وجدت نفسي فيها".
امّا فيصل الأحمري (موظف) قال "هنالك أجيال كجيلي مثلاً ابتدأ عندهم الإنترنت في محيطهم بعدما تكونت مهاراتهم ومواهبهم، فكان تأثير الإنترنت عليهم اخف، امّا الأجيال الحالية فالتكنولوجيا والإنترنت جعلت من خطوطهم خربشات غير مفهومة ومليئة بالأخطاء النحوية لأنهم اصبحوا يستخدمون لوحة الكيبورد اكثر من استخدامهم للقلم، ويعتمدون على التصحيح التلقائي في الإملاء، وبسبب بقائهم الطويل امام الاجهزة لم يكتسبوا مهارات اجتماعية كافية ولم يصقلوا مواهبهم، وحتى أكون منصفاً اكثر، اعتقد بأن هنالك موهبة واحدة ميزها الإنترنت اكثر من باقي المواهب الا وهي "الكتابة" لأن الإنترنت ساعد الكتاب وخصوصاً المبتدئين منهم على الاختلاط اكثر بالمثقفين والمهتمين بالكتابة اما المواهب الفردية كالرياضة وما شابه، اعتقد بأن للإنترنت وقع سلبي وكبير في اندثار هذه المواهب والمهارات"
وفي كل الأحوال تعتبر خدمة الإنترنت من احدى الخدمات العصرية التي قدمه التطور العلمي للبشرية فتسهلت حياة الناس اكثر وباتت اكثر تطوراً وعصرية!.
ولا نستطيع الإنكار بأن للإنترنت فضل كبير على تسهيل الحياة العملية بما قدمه من التواصل الشبه مجاني، والسرعة الفائقة في نقل البيانات إضافة الى التعلم عن بعد والحصول على المعلومات بسرعة وجيزة.
ولكن في المقابل يجزم الكل على ان الإنترنت هو سلاح ذو حدين، فبرغم الخدمات الكبيرة التي يقدمها للعالم الاّ انه يحوي على سلبيات كثيرة، خصوصاً لمن لا يجيد استخدامه بالطريقة الصحيحة، ولم نتخيل بأن يكون له هذا الوقع السلبي الكبير على اهم شريحة في المجتمع الا وهي شريحة الشباب.
وقد صدر حديثاً تقرير عن "أورينت بلانيت للأبحاث" بأن هنالك 197 مليون مستخدم للإنترنت في العالم العربي مع حلول عام 2017 وهذا الرقم بلا شك قابل للزيادة.
وفي كل الأحوال تعتبر شبكة الانترنت هي شبكة تجارية، فمعظم المواقع التي تحتويها هي مواقع تجارية تهدف إلى كسب الزبائن والمال، سواءً بطرق سليمة أو عن طريق الغش والاحتيال، فكلا الوجهين موجودان فيها، وبالتالي ليس كل ما نشاهده أو نسمعه عبر الشبكة هو صحيح، لأن التضليل الإعلامي يلعب دوراً مهماً في تزييف الحقائق واظهارها حسب المصالح والأهواء المطلوبة خصوصاُ في مواقع التواصل الاجتماعي التي ينتشر فيها الخبر اسرع من البرق، اذن من المهم جداً استخدام المواقع الموثوقة والرسمية في عمليات البحث عن المعلومات، والتأكد من صحتها قبل المجازفة في نشرها على الملأ.
وتبقى طريقة استخدام الإنترنت بالصورة الصحيحة على وعي الإنسان وثقافته، كما إن تنظيم الوقت يعتبر من ضروريات الحياة الفردية التي تساهم بتوفير وقت كبير يمكن استخدامه في تطوير المهارات وصقل المواهب، كما ان الإنترنت يقدم خدمات كبيرة من الممكن الاستفادة منها بطرق إيجابية لتنمية الذات وتطوير المهارات الشخصية، فهنالك مواقع كبيرة تقدم دروسها ودوراتها الفنية والثقافية وحتى العلمية على الهواء مباشرة (اونلاين)، كما ان الإنترنت لا يخلو من الفيديوهات التعليمية التي من الممكن ان تساهم بصورة كبير في خدمة المستخدم وترفع من حصيلته العملية وتنمي مهاراته بصورة اكبر.
ويذكر كين روبنسون في كتابه صناعة العقل بأن الإنسان يحتاج إلى المهارة وإلى الوسط الخاص به حتى يكون مبدعاً، ولنأخذ الرسم كمثال على ذلك، اذ يعترف الكثيرون بعدم قدرتهم على الرسم، وهم محقون في ذلك، لأنهم لا يعرفون الطريقة التي يجب أن يتبعونها في ذلك.
فالرسم ليس عملية استنتاجية او استدلالية كالفلسفة، وإنما هو عمل بصري، والمشكلة التي يواجه معظم الناس عند محاولاتهم الرسم، هي تدخل العمليات المنطقية العقلانية، التي غالباً ما تسيطر على العقل اثناء الرسم، فتصبح اللوحة وكأنها صورة فوتوغرافية أكثر منها تجسيداً لفكرة معينة نريد التعبير عنها.
والمشكلة الثانية هي السيطرة على تقنية الرسم، أي حرفية هذا الفن، بمعنى آخر، القدرة على تجسيد الفكرة على ورقة مستوية، اذ يستطيع الكثيرون تعلم الرسم من خلال التنسيق الجيد بين اليد والعين، وإذا لم يتعلم المرء هذه التقنيات ويتدرب عليها جيداً، فإن إمكانية إبداعه في الرسم تبقى محدودة جداً.
إلاّ أن هذا لا يعني أن الأشخاص الذين يملكون مهارات محدودة في استخدام تقنية ما، لا يمكن ان يكونوا مبدعين، فالإبداع له مستويات مختلفة ومراحل مختلفة ايضاً، فيمكن أن نجد اعمالاً على درجة عالية جداً من الإبداع تستخدم فيها تقنيات وأساليب بسيطة وبدائية.
ليس الإبداع عبارة عن عملية انتاج لأفكار جديدة فقط، ولكنه يعني ايضاً الحكم على هذه الأفكار لتحديد قيمتها والغاية المرجوة منها، وغالباً ما يقوم الشخص المبدع بتقييم عمله والحكم عليه عدة مرات، وقد يكون هذا الحكم سلبياً أي يجد أن العمل قد يفشل، فالأعمال الإبداعية التي نراها قد تأتي بعد عدة محاولات فاشلة الى ان نصل بالعمل الى المستوى المطلوب. وتعتبر عملية التقييم أو النقد الذاتي هذه شرطاً أساسياً لتطور العمل الإبداعي.
وهذه بعض الإرشادات والنقاط التي ستساعدك في تطوير المهارات والمواهب واستخدام الانترنت بشكل صحيح:
١-استغلال أوقات الفراغ المتمثلة بالعطل التي تدوم فتراتها لأشهر، في تطوير المهارات الذاتية والتسجيل في النوادي التي تهتم باكتشاف المواهب وتطويرها كالرسم والنحت والكتابة والرياضة...الخ.
٢-تخصيص وقت معين للجلوس على الانترنت والأفضل ان لا يتجاوز الساعتين في اليوم.
٣-الموازنة في استخدام الانترنت لغرض التعليم والتنمية بجانب الترفيه والتواصل، مع التأكد من صحة المصادر المطروحة.
٤-عند تحديد وقت معين لممارسة الهوايات المفضلة او قراءة الكتب من المهم جداً الابتعاد عن الانترنت او أي شيء آخر من الممكن ان يكون سبباً في تشويش فكرنا او يؤدي الى فقدان التركيز اثناء الممارسات العفوية المتمثلة باللعب او الرسم او...الخ.
٥- توفير مراكز ثقافية وابداعية تهتم باكتشاف مواهب الشباب وتسعى نحو تطويرها وصقلها بطريقة صحيحة.
٦- تشجيع الأطفال منذ الصغر على تنمية مواهبهم من قبل الأهل والأقارب، وتركيز المدرسة على اكتشاف هذه المواهب وتطوير المهارات بعدم تجاهل دروس الفنية والرياضة واعطاؤها الأهمية الكاملة كباقي الدروس، لكونها تعد المتنفس الأول للطالب في تفريغ شحناته السلبية وتطوير مهاراته الجسدية والذهنية.
وتعد احدى المفاهيم التي ظهرت في الآونة الأخيرة هو ان التطورات العامة الاجتماعية والفكرية والتي تشكل البيئة التي يمكن للنشاطات الإبداعية ان تنمو وتزدهر فيها، كما ان الإبداع يمثل الطريقة الفضلى لتفريغ الشحنات السلبية واستبدال المشاعر السلبية الى نتاج جميل ونافع، وفي النهاية مهما كان المجتمع مبدعاً كان أكثر وعياُ وثقافةً، لأن الإبداع يبقى جانباً مهماً من جوانب الشخصية الناجحة التي ستؤثر ايجاباً على المجتمع وتسعى نحو حياة أكثر تطور وعصرية.
اضف تعليق